مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
نداء إلى الجالية السورية في البرازيل(1)
 
 
 
سورية الـجديدة،سان باولو،العدد 61، 1940/4/13
 

حضرة رئيس وأعضاء «الرابطة الوطنية السورية» الـمحترميـن

سورية الـجديدة،سان باولو،العدد 61،   1940/4/13
«نقلاً عن الرابطة،سان باولو،العدد 240،  «1934/7/28

 

 

أيها الإخوان،
إنّ قيامكم بجميع الواجبات التي اقتضتها وفاة والدي واتخاذكم قرارات خاصة بتكريـم ذكره، ونيابتكم عني وعن عائلة سعاده عموماً من قبول التعازي وإسداء الشكر عليها، كل ذلك وغيره مظهر من مظاهر الروح الطيبة التي انطويتم عليها وعمل جميل نذكره لكم.
ولا يسعني في هذا الـمقام إلا أن أنوّه بالشعور الـحي الذي أظهرته الـجالية السورية في البرازيل عمـوماً، نحو الرجل الذي أنفق حياته في خدمة أمته ووطنه في السياسة والعلـم والاجتمـاع، وخـدم في حياته الأخيرة الـجالية الـمذكورة خـدمة مخلصـة ساهراً على مصلحتها دائباً على استنباط ما يؤول إلى خيرها، غير مبالٍ في كل ذلك إلى مصلحة شخصية أو مأرب ذاتي، فكان مثالاً للسوري الوطني الـحقيقي.
 
إنّ عملكم وموقف جمعيات وأندية الـجالية التي شعَرَت بأهمية الواقع الـخطير لـخير معزٍّ ومشجع لي، لأن وقفنا حياتنا على خدمة الأمة والوطن لا يحوجنا إلى التعزية الخـاصة بقدر ما يحوجنا إلى الشعور العام.
 
أرجوكم أن تفسحوا لي مجالاً في الرابطة لشعوري هذا الذي أحب أن يبلغ الـجميع، وللنداء الـموجّه إلى الـجالية الـمرفق بهذا الكتاب، وتكرّموا بقبول خالص شكري وامتناني.
 
بيروت في 5 يونيو/حزيران 1934
     أنطون سعاده
 
(بـمناسبة مرور ست سنوات على وفاة العلاّمة والسياسي السوري الكبير الدكتور خليل سعاده، ننشر في ما يلي النداء الذي وجّهه إلى الـجالية السورية في البرازيل إبنه أنطون سعاده مولّد الـحركة السورية القومية وزعيمها على أثر وفاة أبيه.
 
وجّه الزعيم هذا النداء إلى الـجالية السورية في البرازيل سنة 1934 والـحزب السوري القومي لا يزال في مهده محاطاً بالأسرار. والذين قرأوا هذا النداء حيـن نشره لأول مرة ظنوه كلام كاتب أديب لا كلام زعيم حركة فعلية، فرأينا أن نعيد نشره هنا لأن قوّته لا تزال جديدة:)
 
لقد مضى الدكتور سعاده في سبيل كل حي وترك دنيا خلابة مغرية بالآمال، على ما فيها من مرّ بعد حلو وحلو بعد مرّ، ووطناً أحبه حباً يقرب من العبادة، وأمّة خدمها بكل إخلاص في مزيج غريب من حب النفس وحب الـجماعة، وجالية كانت مثالاً مصغراً لوطن حمل صورته على مركز شعوره وإدراكه، ولأمّة كانت أقصى أمانيه أن يراها محتلة الـمكان الـجدير بها في العالم، ألا وهي الأمّة السورية. فأحب الـجالية السورية في البرازيل كثيراً وخدمها كثيراً ولم تُثبط عزيـمته في كل ذلك الشؤون الشخصية الهزيلة ولا الـمماحكات التي حاول أن يستدرجه إليها نفر مصاب بعماوة القلب، ولا العوامل الكثيرة التي فعلت فعلها في توليد فتور في الروح القومية ومحبة الصداقة وثورة الإعجاب، وهي الرابطة الوثيقة التي جعلت تاريخ الـجالية القومي الأخير أمراً مـمكناً، وظل في خدمته للجالية، وفي جهاده في سبيل أمّته ووطنه ثابتاً، راسخاً، ماضياً، قاطعاً إلى آخر نفس من أنفاسه.

[...] (2)
وبعـد فمـا أنا بحاجة لأن أحدّث الـجالية السورية في البرازيل عن الدكتور سعاده، ولا الـجالية بحاجة لـمن يحدّثها عنه فهي تدري من كان الدكتور سعاده وتفقه معنى وجوده، وهي قد برهنت على أنها تدري وتفقه. ولكنني أريد أن أخاطب الـجالية، التي أحببتها أنا الآخر، وأحب أن أراها دائماً جماعة قوية قائمة بنصيبها من العمل الذي يفرضه عليها واجب الكرامة وواجب الـمصلحة نحو الوطن الذي أبصرت فيه نور الوجود، ونحو الأمة التي انبثقت منها حياتها ومنها استمدت مواهب الصبر والشجاعة والإقدام - العدة التي بها تغلبت على صعاب الأسفار إلى الأصقاع النائية فيها.


وبعد، أيضاً، فليست الـجالية في حاجة إلى من يذكّرها بأهمية الدور الذي يـمكنها أن تلعبه في قضية تـحرير وطنها البهيج، السيّىء الطالع، فإن لها على ذلك دليلاً على دليل. ومن هذه الأدلة ما قرأته في عدد الرابطة الأخير بتاريخ 28 أبريل/نيسان من اهتمام فرنسة بـمساعي الـجالية القومية، التي كان الدكتور سعاده يضرم نار وطنيتها ويغذيها بكل ما أوتيه من مقدرة، فللجالية السورية فخر في الـجهاد السوري القومي لم تنله جالية أخرى. وعلى الـجالية السورية في البرازيل أن تـحافظ على هذه الـمفخرة وأن تضيف إليها مفاخر جديدة لأن الـحياة القومية الصحيحة لا تتمثل إلا في البناء ولا يكون لها معنى إلا في التعمير.

 

يا بني وطني،
إنّ هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي سيعيش فيه أولادنا، إنـما هو عصر تنازع الأمـم، عصر تتقيد فيه الأفراد والـجماعات بـمصير أمـمها، فإن كانت الأمة ناهضة، راقية، متقدمة في ميدان الـحياة كان لأفرادها وجماعاتها مقام وكرامة على نسبة ذلك. وليس بيـن أمـم العالم وشعوبها أمة أدرى منا، نحن السورييـن، بنتائج مصير الأمـم على الأفراد، أو شعب أكثر منا اختباراً بحاجة الأفراد والـجماعات إلى كيان قومي معزز. ذلك أنّ وطننا الذي هو تراثنا وأساس وجودنا القومي كان في أكثر أزمنة التاريخ عرضة للغزوات الـخارجية من الـجهات الأربع فكانت هذه الغزوات تفكك ما كان قد اتصل والتحم، وتخرّب ما كان قد بني، وتقطع ما كان قد نـما حتى بتنا مفرّقيـن ومشردين، غرباء في البلدان البعيدة، غرباء في وطننا الـجميل، النادر الـمثال، نُرمى هنا وهنالك بـما نحن براء منه، ونُـجبر هنا على أخذ ما لا نريد أخذه ويؤخذ منا ما لا نريد إعطاءه، ونحن قد اتخذنا من كل ذلك، الصبر معقلاً، وما أوهنه حصناً، وركنّا إلى قوة القول، والقول قوة تذهب في الريح.


إذا كان هذا العصر عصر تنازع الأمـم فهو إذاً عصر أعمال، لا عصر أقوال. وإذا كان لا بد من القول فيجب أن يكون مدعوماً بالقوة العملية ليكون من ورائه نفع أو نتيجة واقعية، ونحن أمة واقفة، الآن، بيـن الـموت والـحياة، ومصيرها متعلق بالـخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتـجاه الذي نعيّنه. ويتراءى لي أنّ أمتنا كانت منذ عصور قديـمة جداً أمام عدة مسائل تتطلب أجوبة صحيحة وهي:


هل نحن أمة حية؟
هل نحن مجموع، له هدف من الـحياة؟
هل نحن قوم لهم مُثُلٌ عليا؟
هل نحن أمة لها إرادة واحدة؟
هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟
ويتراءى لي أنّ هذه الـمسائل وأمثالها لا تزال ماثلة أمامنا ولن يكون لنا لون معروف ولا منزلة ثابتة حتى نكون قد أجبنا عليها أجوبة عملية.
وبديهي أنّ الـحياة يجب أن تكون حياتنا نحن، والهدف هدفنا نحن، والـمثال مثالنا نحن، والإرادة إرادتنا نحن، وإلا فنحن ندّعي ما ليس لنا ولا لنا حق فيه، ونطلب أن نحصل على ما لا نريد أن نعمل له وهو أمر غريب وفيه من العجب ما فيه.

يا بني أمتي،
إنّ أول اعتماد الأمـم في الـحياة على نفسها، وفي النزاع الهائل القادم سيكون الاعتماد على النفس فصل الـخطاب، فالأمـم التي اعتمدت على نفسها وتـجهزت بـما يدفع عن كيانها بقيت وفازت، والأمـم التي علّقت آمالها على الـمقامرة والـمضاربة في الشؤون السياسية، معتمدة على قوات ليست في قبضتها وواضعة ثقتها في تدبيرات خارجية سقطت وتلاشت.

 

ويحسن بنا، في هذا الزمن العصيب، أن نذكر دائماً أننا على قيد خطوة من حرب جديدة، لا يدري أحد ما تكون نتيجتها وإنـما ندري، نحن، أنّ وطننا سيكون مرسحاً من مراسحها، وأنّ أمتنا ستكون من جملة الأمـم الـمقدمة الضحايا فيها. وهذا أمر، لا بد أنه واقع، أردنا أم أبيْنا. فماذا أعددنا للساعة الآتية؟
 
كانت رسالة الدكتور سعاده رسالة الإيـمان بالأمة وحب الوطن. كانت حملة على الذين كفروا بالأمة وقالوا إننا لا نستطيع فعل شيء من أجل كياننا وحياتنا، وإنّ كل ما يـمكننا فعله هو أن ننتظر تقرير مصيرنا خارج بلادنا. فندد بهذا القول الهراء وأعاد الثقة بجدارتنا إلى قلوبنا.
 
إنّ رسالة الإيـمان بالأمة السورية وحب الوطن السوري هي رسالة الـجيل الـجديد في الوطن، وهي رسالة الوطنييـن أينما كانوا. وكم يكون مجيداً أن يُكتب للجالية السورية في البرازيل صفحات جليلة في خدمة قضية الشعب السوري؟
 
إنّ العمل القومي الـموضوع على عواتقنا جميعاً، الذي يجعل كل فرد منا مسؤولاً عن نصيب منه - كبيراً كان أو صغيراً - يحتاج إلى تعاون نظامي عملي، وترابط متيـن، وهو ما لا يتم إلا بـما دعا إليه فقيد الـجالية والوطن إلى الإقدام على العمل الـمخلص الذي كان هو مثالاً له وقدوة.
 
وفي يقيننا، أنّ الإخلاص أهم دعائم الوطن القومي لأنه متى أخلص الإنسان إلى قضية أمّته وأدرك الغرض الـجليل الذي ينطوي عليه إحياء قومية كادت تتضعضع تضعضعاً تاماً، صغرت في عينيه الغايات الشخصية، وتولدت فيه الشجاعة الـحقيقية التي تـحمله على نبذ الأغراض الهينة وتوخي الـخدمة العملية الـمفيدة، فيعود عليه ذلك بالفائدة الشخصية لأن كرامة الـمرء ترتقي على نسبة ارتقاء كرامة الأمّة التي ينتمي إليها.
 
إنّ هذا النداء الذي أوجّهه إلى الـجالية السورية في البرازيل إنـما هو ناتـج عما أشعر به، هنا، والواقع تـحت نظري من حاجة الأمة السورية والوطن السوري إلى الاستمرار في نهضة قومية تنقذهما من الفوضى الداخلية والـمطامع الـخارجية.
 
وأختم هذا النداء بالدعوة إلى الـمحافظة على وحدة الـجالية السورية عموماً ووحدة صفوف الوطنييـن خصوصاً. فإذا كان الدكتور سعاده قد مات فكل فرد منا سيموت، أما أمتنا فيجب أن تـحيا.
 
وإنّ أفضل ما أقوم به نحو ذكرى والدي هو أن أسلك سبيل الوطنية الذي سلكه وأن أعتدَّ بالإخلاص الذي كان عدّته.
قد مات الدكتور سعاده ولكن رسالته باقية وندائي إلى الـجالية السورية في البرازيل إنـما هو نداء إلى العمل القومي، إلى التعاون بإخلاص على توليد قوة مادية وروحية يـمكننا أن نعتمد عليها حيـن الـحاجة.
 
لنترك الأمور الكلامية جانباً ولنوجه عنايتنا إلى الشؤون العملية العمومية.
 
بيروت في 5 يونيو/حزيران 1934
     أنطون سعاده

 

(1) رأى سعاده في رسالة إلى جورج بندقي بتاريخ 5/3/1940 أن تنشر سورية الـجديدة الرسالة والنداء الـموجهيـن منه إلى الجالية السورية في البرازيل بـمناسبة وفاة والده واللذين نشرا لأول مرة في الرابطة، العدد 240، 28/7/1934.
كما كرر ذلك في رسالة أخرى إلى جورج بندقي بتاريخ 3/4/1940، حيث ارتأى أن تنشر الـجريدة  النداء الـمذكور مع حذف أحد الـمقاطع منه وإضافة مقدمة وضعها ضمن الرسالة. ونحن ننشر هنا الرسالة إلى رئيس وأعضاء الرابطة الوطنية السورية كما وردت في الرابطة، كما ننشر النداء مع مقدمته كما ورد في سورية الـجديدة مع حذف الفقرة التي طلب حذفها والـمشار إليها في الهامش رقم (2).
(2) الفقرة التي طلب حذفها.
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro