مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
​المقالات الاقتصادية المهاجرة وتأثيرها الاقتصادي
 
 
 
الـمجلة، بيروت، المجلد 8، العدد ،4 1933/6/1
 

عرضنا في أجزاء الـمجلة الـماضية لأهم العوامل الـمسببة الأزمة الاقتصادية في البلاد. ونحن نخص هذا الـجزء بدرس عامل مهم في تطوير حياتنا الاقتصادية هو عامل الـمهاجرة.


كانت الـمهاجرة في بدء عهدها محدودة جداً ولم يكن لها في ذلك الزمن شأن يؤثر في اقتصاديات الأمة السورية تأثيراً يدعو إلى إفراد درس خاص لها. فقد كان الـمهاجر القديـم يذهب، عبر البحر، على أمل أن يجمع قليلاً من الـمال يتمكن به من تـحسين أحوال معاشه في وطنه ثم يعود. ومع أنّ أكثر الذين هاجروا لم يعودوا إلى الوطن إلا ليتزوجوا أو ليزوّجوا أبناءهم، فمعظمهم ظلوا مرتبطيـن بأهلهم الباقين وكانوا يـمدونهم بالـمساعدة الـمالية الـمستمرة.


تطور شأن الـمهاجرة، في ما بعد، تطوراً خطيراً. فقد رأى الـمهاجرون أن يستقدموا أهلهم إليهم، فيستعينوا بهم في الأعمال لقاء إمدادهم بالـمال، ووجدوا أنّ وجود أهلهم بقربهم أقلّ نفقة لهم من بقائهم في الوطن بعيدين عنهم. كان ذلك أول ظاهرة تدل على استقلال شؤون الـمهاجرين الاقتصادية عن شؤون الوطن. ثم استفحل أمر الـمهاجرة إلى حد خطر. ولـمّا كان معظم الـمهاجرين من أهل الـجدّ والعمل كان الأثر الذي خلَّفوه وراءهم أثراً سيئاً جداً فيما يختص بالإنتاج والعمران واستهلاك الـمحصول والـمنتوج في الوطن.


إنّ أظهر نتائج الـمهاجرة في لبنان يبدو في أنّ الأراضي التي كانت فيما مضى مزروعة عنباً وتيناً وفاكهة من أنواع متعددة بارت وأصبحت مواتاً. فكثرت الـمناطق الـجرداء في الـجبل، حتى أنّ «الهضاب الـمخضلة والأودية الظليلة» تكاد تكون أثراً تاريخياً فقط، لولا بعض الـمصايف القليلة التي استبقت شيئاً من أشجارها وأحراجها يعتدل به الـمناخ قليلاً. فلبنان الـجميل قد أصبح لبنان الأجرد، الأقرع، القاحل، الذي يبدو من بعيد جميلاً بألوان تربته وظلال صخوره ومرتفعاته، ولكنه جاف، كالح للمقيم الذي يريد لطافة النسيم وطراوة الفيء وبهجة الـخضرة ورونق الزهر. ولو أنّ لبنان اليوم كما كان منذ خمسمائة سنة لكان مورد الاصطياف أضعاف أضعاف ما هو عليه الآن.


لعل أعظم تأثير للمهاجرة هو تقليل الأيدي العاملة والاستهلاك. وقد يكون قلّة العمل والاستهلاك في سورية من أعظم عوامل زيادة ما في السوق على الـحاجة إليه - أي الكساد. ولم يكن الناس هنا يشعرون بهذه الـحقيقة قبل الأزمة العالـمية، لأن قسماً كبيراً من الـمهاجرين الذين تركوا في الوطن أهلاً وعيالاً كانوا يتابعون الـمدد الـمادي، فلما نزلت الأزمة العالـمية بهم قطعوا الـمدد عن الوطن وانصرفوا إلى معالـجة شؤونهم الـخاصة. ومن هذه الـحقيقة يـمكننا أن نستنتج أنّ الـمهاجر ليس لوطنه الأول بل لوطنه الثاني.


إنّ قسماً كبيراً من الشبان الـمتعلمين هجر وطنه وارتـحل إلى السودان حيث استخدم في دوائره. والسودان بلد غير مضياف من حيث الـمناخ، فطبيعته الـحارة لا توافق الـمزاج السوري الـمعتدل، ومع ذلك نرى أنّ شبان الـجامعات السورييـن فضّلوا سهولة الـحصول على الـمعاش في البلدان غير الـمضيافة على صعوبة العمل في بلادهم. وهم لو بقوا في الوطن لكانوا أحيوا موات أرضهم وميت آمال أمّتهم.


في هذا الواقع نرى صورة جلية من إساءة استعمال العلوم التي أتت بها الـجامعات إلى سورية. فإن متخرجي هذه الـجامعات السورييـن لم يستخدموا هذه العلوم لترقية مقدرتهم على إصلاح وطنهم وبيوتهم وشؤون أمتهم وترقية حياتهم وتهذيب أولادهم، بل استخدموها للانصراف عن العمل الـمتعب الذي يحتاج إلى الـجهد وعرق الـجبيـن، وطلب الأعمال الكتابية الهينة في بلاد الغربة، إنهم فضّلوا الاستخدام على السيادة والاعتماد على غيرهم على الاستقلال.


لقد مضى الآن على تـاريخ الهجـرة السوريـة وقت طويـل يـمكّننـا من الـمقابلة بيـن فوائـد الـمهاجرة للأمـة والوطـن وأضرارهـا. وإننا نـجـد أنفسنا مضطرين إلى التصريح بأن خسارتنا في الـمهاجرة كانت أعظم كثيراً من ربحنا. والذين لا يزالون يعتقدون أنّ الـمهاجر يظل مرتبطاً بوطنه وأمّته وأهـله هم على ضلال. فقـد كنا في الـمهجر ورأينا عدداً كبيراً من رجالنا وشباننا يهتمون بلهوهم والـمقامرة أكثر كثيراً مـما يهتمون بوطنهم وأهلهم. ومع تـمادي الأيام لا يعود الـمهاجر يفكر في وطنه إلا نادراً وحيـن ينبّه إلى ذلك.


إنّ الـمهاجرة قد كلّفت البلاد خرابَ كثيرٍ من عمرانها وجفافَ كثيرٍ من زرعها وضرعها واضمحلال قسمٍ كبيرٍ من نتاجها، ومداواة سوء نتائج الـمهاجرة تقتضي الإقلاع عنها. فالأراضي السورية تـحتاج إلى الأيدي العاملة والأمة محتاجة إلى أبنائها.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro