"إنّ فلسفة سعاده تتكشّف عن قضايا ومفاهيم سامية. وهي تحتاج إلى دراسات عديدة. إنّها تفتح إمكانيات إنتاج فكريّ جديد، يخطو بالمجتمع خطوة خطيرة، نحو ذروة القوّة وغلبة الموت". ســـعـــاده
"اليمين توضع للأمور العظيمة دون الصغيرة وللقضايا الأساسية الجوهرية دون المسائل السطحية العرضية". سعادة
" إنّ الإنتماء إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي دليل على ممارسة الديمقراطية. والزعيم ليس دكتاتورا بل هو زعيم أكبر وأعظم مؤسسة شُيدت على التطوّع الحرّ الناتج عن عميق الإقتناع الشخصيّ ونضوج الوعي". ســـعـــاده
"إنّ عضوية الحزب السوري القومي الاجتماعي خلافاً لجميع عضويات الجمعيات والأحزاب المانعة المبادئ والمناقب، هي عضوية مؤسسة، من الوجهة الحقوقية، على مبدأ التعاقد الذي لا يملك حلّه الا المنظمة ذاتها في هيئاتها القانونية، ونصّ دستور الحزب، لا يدع مجالا من هذه الوجهة". ســـعـــاده
"الحقيقة أنّ خرق اليمين من أسوأ جرائم الاجتماع المناقبية. فإذا بليت به أمّة دكّ عمرانها إلى الحضيض، وإذا شاءت أمّة عاثرة النهوض كان الحنث باليمين وخفر الذمة ونكث العهد في صدر الأدواء التي يجب معالجتها لكي يمكن أن تعمّر نهضة، وأن يثمر مجهود عام، وأن تتحقق قضية". ســـعـــاده
*************
مضمون البحث
قسم العضوية – قسم العقيدة
*************
الـــقـــســـم القومي الإجتماعي
القسم السوري القومي الإجتماعي ورد في دستور الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي وضعه سعاده، ثلاث مرات[1]؛ الأولى (قسم الزعامة)، في المقدمة والثانية (قسم العضوية) في المادة التاسعة منه، والثالثة (قسم المسؤولية) في المادة الرابعة عشرة.
وتمّ إضافة قَسَمين إثنين أستجدا بعد استشهاد سعاده، الأول يتعلق: بـ قسم رئاسة الحزب ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى، والثاني، بـ قسم رئيس وأعضاء المحكمة العليا، وفقاً لما ورد، لاحقاً، في إحدى "التعديلات الدستورية"، المنشورة في العام 2010[2].
مـــعـــنــى الـــقـــســـم
اليمين أو القسم بفتح القاف والسين، هو لفظ لإثبات حقيقة أو وعد يذكر فيه المؤدّي للقسم فكرة أو شخصاً أو شيئاً ما عزيزاً عليه.
لاهوتياً: هو الله باعتباره الشاهد على هذا القسم: أقسم بالله.
قومياً: هو فكرة الشرف والحقيقة والمعتقد المتضمنة في القسم الذي يؤديه المنتمي إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي أو من أوكلت إليه مسؤولية إدارية، أو تنفيذ مهمة ما في هذا الحزب.
والقسم - اليمين السوري القومي الإجتماعي وضعه المشرّع سعاده لأمر عظيم وقضية أساسية شاملة هي قضية الأمة السورية والوطن السوري. فالمنتمي إلى الحزب يقسم على واجب عظيم خطير يساوي وجوده.
يقول سعاده: "لليمين، خطورة عظيمة جداً في علاقات المجتمع الإنساني وروابطه. وهي بطبيعتها تصبغ الأمور المقطوعة لها بصبغة الواجب الذي لا مفر منه، إذ اليمين توضع للأمور العظيمة دون الصغيرة وللقضايا الأساسية الجوهرية دون المسائل السطحية العرضية"[3].
*************
مقدمة الدستور
"تأسس الحزب السوري القومي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية وبين المقبلين على الدعوة، على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية زعيم الحزب مدى حياته، وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه أعضاءً في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية، ولهذا أدى زعيم الحزب السوري القومي القسم الآتي:
" أنا أنطون سعاده، أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي، على أني أقف نفسي على أمتي السورية ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيّهما، وعلى أن أكون أميناً للمبادىء التي وضعتها وأصبحت تكوّن قضية الحزب السوري القومي، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولى زعامة الحزب السوري القومي وأستعمل سلطة الزعامة وقوّتها وصلاحياتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته، وأن لا أستعمل سلطة الزعامة إلا من أجل القضية القومية ومصلحة الأمة، على كل هذا أقسم أنا أنطون سعاده"؟
ثم إنّ الشارع قسم مبادىء الحزب السوري القومي إلى قسمين: يختص الواحد بالعقيدة القومية وينطوي على المبادىء الأساسية. ويختص الثاني برفع مستوى الأمة ويشتمل على المبادىء الإصلاحية. والقسمان يؤلفان قضية واحدة هي قضية حياة الأمة السورية وارتقائها"[4]
*************
أ ـــ مفهوم الزعامة
ب ـــ مفهوم الدعوة
ج ــ مفهوم التأسيس – التعاقد
د ــ هوية الحزب: سوري قومي إجتماعي
هـ ـــ مفهوم العقيدة والقضية
وـــ مفهوم المبادئ
في الشرح:
من أجل إيضاح مفهوم الزعامة يجب تتبع النصوص التي وردت فيها المصطلحات الخاصة بهذا المفهوم، ومن أبرزها:
*************
في ما يأتي النصوص التي وردت فيها هذه المصطلحات الخاصة بموضوع الزعامة والزعيم.
لقب الزعيم
" لاحظت (سعاده) في عدد نشرة "عمدة الإذاعة" أنّكم استعملتم على الصفحة الأولى من الغلاف "رأي الزعيم سعاده"، خلافا للتوجيهات، التي كنت قد أعطيتها سابقاً، وطلبت إليكم تعميمها، والقاضية بالفصل بين لقب الزعيم وإسمه، فإذا ذُكر اللقب وجب عدم ذكر الإسم، وبالعكس، إذ ذُكر الإسم وجب عدم ذكر اللقب، كذلك وجوب إبطال لقب الزعيم لغير الزعيم، كما للرتب العسكرية.....
إنّ لقب الزعيم في النهضة القومية الإجتماعية هو لقب مختصّ بزعيم الحركة القومية الإجتماعية، ومؤسس هذه النهضة، وقائدها السياسي والإداري والعسكري، ومعلمها العقائدي، فلا يجوز استعماله في غير هذا الوضع.
ومتى قلنا بمفهوم النهضة القومية الإجتماعية الزعيم، عنينا أنطون سعاده، فلا نقول الزعيم سعاده، لأنّ هذا غلط، إذ قد يدلّ على أنّ لنا أكثر من زعيم، وإنّنا نحتاج لذكر الإسم لتعريف أي زعيم نعني. وهذا يخالف الواقع والحقيقة، التي لا شكّ فيها عندنا. فنحن حين نقول الزعيم، لا يمكن أن نعني غير زعيمنا الأوحد، الذي لا زعيم غيره في عرفنا. ولذلك لا حاجة إلى تعريفه باسمه الشهير. وكذلك حين نقول سعاده نعني الزعيم بمجرّد الإسم، فلينتبه القوميون الإجتماعيون إلى ضبط هذا الإستعمال". المرجع " نشرة عمدة الإذاعة، ع4، تاريخ 15/8/1947 ص1"
ورد هذا المصطلح في رسالة من سعاده الى الرفيق نعمان ضو بتاريخ 23/12/1944:
"إن التجائي إلى المشاريع التجارية لم يكن إلا من أجل ترك مجادلة أخس الناس في مسائل النظام القومي والواجب المطلوب من كلّ فرد وغير ذلك. فهل أعود الآن إليه بعد أن خبرته سنوات؟ وهل يمكن التعويل على عهود عقلية تنقض مـــبـــدأ الـــزعـــامـــة وتحنث بإيمانها، لأنّها تقول إنّ الزعيم لا يجوز أن يتزوج؟ ومن يكفل لي أنّ الذين يتعهدون اليوم بأمر لا ينقضونه غدا؟"[5]
- مسألة الزعامة
"ان مـسألـة الـزعـامـة هي من اسس الحركة القومية ولا يمكن ان تبقى في غموض عند الأعضاء"[6]
- معنى الزعامة
"...إنّ الزعيم هو مؤسس النهضة السورية القومية ومعلم القوميين الفلسفة والنظام القوميين، وقائدهم الأعلى الذي يجب عليهم الإحترام له، والرجوع إلى حكمه وتدبره في كلّ ما يتعلق بالحركة السورية القومية من فكر وعمل في إدارة ونظام وقانون وسياسة ونظرات إجتماعية – إقتصادية- روحية، لأنّ هذا هـــو مـــعـــنـــى الـــزعـــامـــة في الحركة السورية القومية..."[7]
– الزعيم ممثّل جميع القوميين وكرامتهم...والمعبر عن نفسية الأمة وأشواقها وإرادتها ومقدرتها وهذه أشياء مقدسة يجب إحترامها.
"...فـ انطون سعاده لا يريد منزلة أعلى من منزلة أي فرد سوري حرّ، ولكن الـــزعـــيم ليس مجرّد شخص أنطون سعاده، إنّه ممثّل جميع القوميين الإجتماعيين، وكرامتهم... ويعبّر عن أشواق الأمة، ومثلها العليا وإرادتها ومقدرتها، وهذه أشياء مقدسة، توجب أشدّ الإحترام وأعظم الدّقة". [8]
" إنّ الزعيم قد وضع رسالته أمانة قي قلوب القوميين الإجتماعيين وعقولهم، وهي الرسالة التي عبّر بها ليس عن نظرته الشخصية الفردية إلى العالم وشؤونه بل عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفن، ولذلك أصبحت هذه عقيدة القوميين الإجتماعيين وإيمانهم لأنّهم وجدوا فيها التعبير عن نفسية أمتهم وخططها في التاريخ. والزعيم نفسه قد عبّر عن إيمانه العظيم بامته وعن أنّه ليس إلا معبّرا عن شخصيتها العظيمة ومواهبها السامية بقوله في ختام كتابه الأخير "الصراع الفكري في الأدب السوري": إنّ ما دفعني إلى إعطاء هذا التوجيه هومحبة الحقيقة الأساسية التي وصل إليها تفكيري ودرسي وأوصلني إليها فهمي، الذي أنا مديون به كلّه لأمتي وحقيقتها النفسية"[9].
- سعاده حامي الحزب بنفسه
" إنّ سعاده لم يشأ أن يجعل الحزب حاميا له، بل شاء أن يكون هو حاميا للحزب بنفسه. ولو شاء الزعيم لأضرم ثورة لم ترَ لها سورية مثيلا، ولم عاد إلى السجن ثانية.
إنّنا وجدنا رجالاً آخرين يهربون عند كلّ شدّة ويتخلون عن مسؤولياتهم، هم أصحاب البطولة القزمية، أمّا أنطون سعاده فيعلو علواً كبيراً على هذه البطولة الحقيرة "[10]
- سلطة الزعيم، ضمان سلامة الحزب السوري القومي الاجتماعي
رأى سعاده أنّ ضمان سلامة الحزب السوري القومي الإجتماعي هي بواسطة سلطة الزعيم التشريعية والتنفيذية التي بايع القوميون سعاده عليها مبايعة بقسم صريح النص، ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة. لنقرأ النصّ:
«إذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرّت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة، من جراء المناورات التي قام بها أفراد جلبوا معهم إلى داخل الحزب أمراض النفسية الانحطاطية وحاولوا أن يحوّلوا الحزب إلى ميدان تتبارى فيه منافعهم الخصوصية وأهواؤهم».
من هذا القول آخذ النقطة الابتدائية للدرس الجديد الذي يشتمل عليه هذا المقال في ضمان سلامة الحزب السوري القومي بواسطة سلطة الزعيم التشريعية والتنفيذية التي بايع القوميون سعاده عليها مبايعة بقسم صريح النص.
لنعد قليلاً إلى الوراء إلى أصيل القرن الماضي، ولنبدأ نتتبع سير الأفعال السياسية والاجتماعية بين السوريين منذ ذلك الوقت حتى اليوم. فماذا نرى في هذه السياحة وما هي النتيجة التي تحصل لنا من هذا الاستعراض؟
نجد الأفعال السياسية والاجتماعية متشعبة إلى:
1 ــــ جمعيات سياسية فدائية قامت على غير قضية واضحة وعلى أساس التخيلات المستمدة من تاريخ مغلوط وأدب أولي غير ناضج.
2 ــــ جمعيات دينية مسيحية وإسلامية ودرزية.
3 ــــ جمعيات خيرية طائفية في معظمها ومختصة بسكان أو أبناء بلدة معينة.
4 ــــ جمعيات أدبية لحملة الأقلام والخطباء.
5 ــــ جمعيات المهن المتنوعة.
6 ــــ جمعيات أخرى ذات صفات متنوعة، سرية وغير سرية، كالماسونية والكشاف وغيرهما، وذات صفات إنسانية عامة.
فإذا فحصنا كل جمعية من هذه الجمعيات وأحوالها، فما هي الصفة البارزة التي يجدها الفاحص، ويجد أنها كانت الغاية الأساسية وراء مظاهر العاملين فيها، وأنها قررت مصير الجمعيات؟
الجواب: الغايات الشخصية المادية المعنوية.......
رأى الزعيم هذه الأهواء الجامحة العابثة بالغايات النبيلة والمثل العليا من أجل المنافع الخصوصية. ورأى أنّ تقهقر الشعب السوري تحت السلطة الأجنبية مدة قرون قد أوجد انحطاطاً في المناقب والأخلاق يعز نظيره في أمة من الأمم، فوطَّد النفس، منذ أول دقيقة تسلّم فيها مقاليد زعامة الحركة السورية القومية، على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الانحراف بالأعمال الحزبية عن قاعدة النظام، ومحاولة العمل للمنافع الخصوصية، مهما كان نوع هذه المنافع، كما أنه جعل مهمته الأولى تثقيف من وجد نفوسهم طيبة، مجرّدة عن المآرب النفعية، صالحة لحمل القضية بإخلاص، قابلة لسلوكية المناقب والأخلاق الجديدة، مستعدة لحمل المسؤوليات واحترام القوانين والأحكام وقداسة اليمين التي يؤدونها، وتدريبهم على الأنظمة والقوانين التي سنّها وقبلها الحزب كله وأكبرها رجال الحقوق فيه. فما استشعر الزعيم بادرة انحراف نحو الفساد في جهة من الجهات حتى باشرها بالعلاج التثقيفي، فإذا لم ينفع العلاج اتخذ طريقة حاسمة لقطع دابر الفساد وإهلاك بؤرته.
بهذه الطريقة أمكن القضاء على جميع محاولات من سوّلت لهم نفوسهم حسبان الحزب السوري القومي كالجمعيات والأحزاب التي عرفوها أو عرفوا عنها من قبل، أي وسيلة لبلوغ مآربهم أو لإرضاء خصوصياتهم وميولهم.
وقد قال الزعيم في أثناء معالجته حادثاً من حوادث المآرب النفعية الشخصية هذا القول الكبير: إنّ ظهري قد يكون سلَّماً، ولكنه سلّم صالحة ليرتقي عليها شعبي فقط. أما المآرب النفعية فتنقلب عنها إلى الحضيض!
وهنالك عدد من المتعيشين وذوي المآرب الخصوصية في المهجر لم يروا من الضرورة درس تاريخ الحزب السوري القومي ولمس دعائمه الفلسفية والحقوقية المتينة فانضموا إليه وهم يتوهمون أنهم سيتمكنون من إيقاع الحزب والقضية في حبائلهم فعولجوا ليرعووا فلم يقبلوا العلاج فنفوا من الأوساط القومية، وانكشفت للناس مثالبهم.
كثير من الناس الذين لا يدركون قيمة الأعمال الإصلاحية والتطهيرية ولا يرون أكثر من نطاق بيئتهم الشخصية المحدودة يتساءلون: لماذا طُرد فلان، ولماذا هذه السلطة العليا للزعيم في إيقاف كل فرد عند حدِّه؟
وهم من جهة أخرى لا يرون كيف يفسح الزعيم المجال لذوي النفسية والمواهب الصالحة المفيدة للنهضة القومية، وكيف يرفع الرجال النبلاء من الحضيض الذي ألقتهم فيه أهواء النفعيين ومثالب الرجعيين حيث ديست كرامتهم وهضمت حقوقهم، لأنهم كانوا سليمي النية ولا يعرفون حيل الدجالين وأصحاب المآرب ولؤمهم.
وهؤلاء المتسائلون ينسون، أو يجهلون تفشّي الفساد الأخلاقي والمثالب الروحية في الشعب، فيقولون عند كل حادث استئصال: «ماذا في الحزب السوري-القومي؟».
والأصح أن يقولوا: «ماذا في الشعب السوري الذي يقوم الحزب السوري القومي بأكبر عملية لتمييز صالحه من فاسده؟».
الحركة السورية القومية تزرع وتحصد، ولكن يأتي بعد الحصاد دور الغربلة والتنقية. ولمّا كانت الأرض المزروعة مهملة من قبل ولم يمكن تطهيرها من جميع الأشواك والنباتات الضارة دفعة واحدة، فليس غريباً أن نرى المواد المنبوذة غير قليلة. [11]
– الزعامة أصحّ تعبير عن الديمقراطية
قال سعاده: "إنّ زعامة الحزب السوري القومي الإجتماعي هي أصحّ تعبير عن الديمكراتية، إنّ هذه العقود الثنائية بين صاحب الدعوة إلى القومية السورية وبين المقبلين عليها وتكريسها بالقسم الحزبي الواضح الصريح لهي الدليل العلميّ الملموس للديمقراطية بمفهومها العلمي المختص.
ما هي الديمقراطية؟
أليست هي ممارسة الإختيار بموجب الإرادة الحرّة المطلقة بين القبول أو الرفض لأمر من الأمور؟
أليس قبول الألاف لهذه الزعامة على هذه الأسس من الذين أصبحوا أعضاء في هذا الحزب هو أكبر إستفتاء شعبي يشهد على ممارستهم الأصول الديمكراتية في الإختيار؟
هل جمع الزعيم هؤلأ الألاف من السوريين القوميين الإجتماعيين بسلطان تعسفيّ أو بطريقة كيفية وفرض نفسه عليهم زعيما مطلق الصلاحيات؟
أم أنّه طرح عليهم قضية واضحة لا تقبل التأويل فارتبطوا معه فيها بعقد واضح أيضا؟
إنّ الإنتماء إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي دليل على ممارسة الديمقراطية. والزعيم ليس دكتاتوراً، بل هو زعيم أكبر وأعظم مؤسسة شُيدت على التطوّع الحرّ الناتج عن عميق الإقتناع الشخصيّ ونضوج الوعي والإدراك"[12].
في خلاصة ما تقدّم:
كما هو ثابت من خلال النصوص الواردة أعلاه، الزعامة في الحزب هي:
أولا: مسألة الزعامة هـــي جزء من كلّ، وهي من أسس الحركة القومية، أيّ من ثوابتها الأساسية الراسخة الثابتة. وقد طلب سعاده من الإدارة الحزبية أن تبقى هذه المسألة واضحة عند الأعضاء، وبالأخص الفصل بين لقب الزعيم واسمه، فلا يجوز القول، مثلا، الزعيم أنطون سعاده، والأصح استعمال اللقب بمعزل عن الإسم، أي الزعيم فقط للدلالة على سعاده.
ثانيا: معنى الزعامة، الزعيم هـــو المؤسس والمعلم، والقائد الأعلى والمرجع والحكم.
ثالثا: الزعيم، ليس مجرّد شخص أنطون سعاده، هـــو ممثّل جميع القوميين وكرامتهم.. والمعبّر عن نفسية الأمة وأشواقها وإرادتها ومقدرتها، وهذه أشياء مقدسة يجب احترامها..
رابعا: إنّ الزعيم قد وضع رسالته أمانة قي قلوب القوميين الإجتماعيين وعقولهم، وهي الرسالة التي عبّر بها ليس عن نظرته الشخصية الفردية إلى العالم وشؤونه، بل عن نظرة الأمة السورية إلى الحياة والكون والفن، ولذلك أصبحت هذه عقيدة القوميين الإجتماعيين وإيمانهم لأنّهم وجدوا فيها التعبير عن نفسية أمتهم وخططها في التاريخ.
خامسا: الزعيم هو حامي الحزب، ومتحمّل المسؤوليات، وصاحب البطولة العظمى
سادسا: سلطة الزعيم وإذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرّت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة...
سابعا: من هذا القول آخذ النقطة الابتدائية للدرس الجديد الذي يشتمل عليه هذا المقال في ضمان سلامة الحزب السوري القومي بواسطة سلطة الزعيم التشريعية والتنفيذية التي بايع القوميون سعاده عليها مبايعة بقسم صريح النص.
ثامنا: إنّ زعامة الحزب السوري القومي الإجتماعي هي أصحّ تعبير عن الديمكراتية، إنّ هذه العقود الثنائية بين صاحب الدعوة إلى القومية السورية وبين المقبلين عليها وتكريسها بالقسم الحزبي الواضح الصريح لهي الدليل العلميّ الملموس للديمقراطية بمفهومها العلمي المختص.
بناء عليه، الزعيم ليس شخصاً عادياً عارضاً في الحزب، هو الزعيم الحاضر الدائم في استمرارية الحزب الذي يحافظ على العقيدة القومية الإجتماعية ونظامها الجديد، هذا الحزب الذي تأسس بموجب تعاقد فردي ــــ ديمقراطي حرّ، ومبايعة بقسم صريح (عقد ثنائي) بين كلّ فرد منتم إليه والزعيم. وفي تتبع المعاني الواردة في النصوص أعلاه، يتضح لنا أنّ "الزعامة" في الحزب السوري القومي الإجتماعي هي جوهر مؤسساته؛ وهي من أسس الحركة القومية، كما المبادئ ـــ التعاليم والدستور، فإذا جردّنا الحركة القومية الإجتماعية من "معاني" الزعامة وقيمها ورموزها وسلطتها ورابطتها بالمقبلين على دعوتها، فلن يبقى من هذه الحركة إلا جسما جامدا أشبه ما يكون بتلك الجمعيات التقليدية ذات الغايات الشخصية المادية والمعنوية والأهواء الجامحة العابثة بالغايات النبيلة المثل العليا من أجل المنافع الشخصية.
الزعامة هي باختصار المؤسسة الحاضنة والحامية والهادية والقائدة للمؤسسات الحزبية الفاعلة من أجل تحقيق الغاية النبيلة التي اوجد الحزب من أجلها ألا وهي حياة الأمة السورية في الحرية والإرتقاء والسعادة والعزّ، وجعل مصلحتها فوق كلّ مصلحة.
إنّ الزعامة في الحزب السوري القومي الإجتماعي، هي مؤسسة قومية إجتماعية معنوية، قائمة بذاتها، وبعد استشهاد سعاده، تستمر هذه المؤسسة، وتتجسّد في الشخصية الأساسية المنبثقة والمعبِّرة عنها، أي حقيقة الأمة السورية ونفسيتها ورسالتها، وخططها في التاريخ، وقد وضع سعاده هذه الرسالة أمانة في قلوب وعقول المقبلين على الدعوة.
الزعامة ليست فردا تزول بزواله، الزعامة مؤسسة مستمرة باستمرار الأمة، التي مهمتها الأساسية تخطي كلّ الصعاب والمحن، والعودة من جديد إلى قيادة العالم وهداية البشرية نحو قيم الحقّ والخير والجمال، وهذا هو إيماننا العظيم المتبادل والذي لا يتزعزع بين الزعيم وبيننا كأمّة: "في كلّ هذه المدّة الطويلة، وبعد كلّ هذه المحن العظيمة، لم يضعف ايماننا، بل قوي، ايمانكم بي وايماني بكم. آمنتم بي معلماً وهادياً للأمة والناس ومخططاً وبانياً للمجتمع الجديد، وقائداً للقوات الجديدة، الناهضة الزاحفة بالتعاليم والمثل العليا إلى النصر. وآمنت بكم أمة مثالية معلمة وهادية للأمم، بناءة للمجتمع الإنساني الجديد، قائدة لقوات التجدّد الإنساني بروح التعاليم الجديدة التي تحملون حرارتها المحيية وضياءها المنير إلى الأمم جميعا..." (سعاده، رسالة الزعيم الثانية للقوميين الإجتماعيين، بونس أيرس، 10-1-1947) بهذا الإيمان العظيم الراسخ المتبادل بيننا وبين الزعيم، نحن من نحن، ونحن من سنكون.
ما ترك سعاده مناسبة إلا وشدّد فيها على مفهوم الزعامة وضرورة إيضاح معناها للقوميين الإجتماعيين، فهي من قيم الحزب المقدسة التي توجب أشدّ الإحترام وأعظم الدّقة. وبالرغم من ذلك، فإنّ عدم وضوح "مفهوم الزعامة" عند الإدارات الحزبية المتعاقبة (باستثناء إنتفاضة1957)، أدى إلى "تعديلات"، غير دستورية، في القسم السوري القومي الإجتماعي: في قسم الزعامة، في قسم العضوية، في قسم المسؤولية، وفي القسم المستحدث لرئاسة الحزب، والمجلس الأعلى والمحكمة الحزبية، حيث تمّ حذف أو تعديل كلّ ما له علاقة بالتعاقد مع الزعيم، وفي ما يأتي لمحة عن أبرز هذه "التعديلات" اللادستورية:
* في التعديل الدستوري للعام 2001، حذفت من قسم الزعامة عبارتا "ولغاية الحزب وأهدافه"، و "وأن أتولى زعامة الحزب السوري القومي الإجتماعي". إلا أنّ ما صدر من دساتير بعد ذلك أعاد هاتين العبارتين!!.
* في التعديل الدستوري للعام 1970، (المنشور في حزيران 1980) أبدلت، في قسم العضوية، عبارة "وأن أؤيد زعيمه وسلطته"، بعبارة "مقتديا بمنشئه الزعيم، وأن أؤيد مؤسساته الدستورية وسلطاتها".
* في التعديل الدستوري للعام 2008، حذفت، من قسم العضوية عبارة "مقتديا بمنشئه الزعيم".
* في تعديل قسم المسؤولية للعام 1980، حذفت كلمة الزعيم من النصّ.
* في القسم الخاص بكلّ من رئاسة الحزب والمجلس الأعلى والمحكمة الحزبية، لم يرد ذكر كلمة الزعيم.
"تأسس الحزب السوري القومي الإجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية الإجتماعية...".
فما هومفهوم الدعوة بوجه عام، وما مفهومها القومي الإجتماعي؟
يقول سعاده:
"إن أول الدعوة هو بمثابة أسسها لأنه يعيّن غاية الدعوة واتجاهها الصحيح قبل أن يطرأ عليها من التفاعل مع البيئة، ما قد يضطرها لاتخاذ أشكال مختصة بسير الدعوة وواسطة تحقيقها، وليس بحقيقة الدعوة وأغراضها الأخيرة. فالدعوة تعلن أولاً ثم يكون السعي لتحقيقها وتعميمها، فتحتكّ بالبيئة وتتفاعل معها. ومن هذا الاحتكاك والتفاعل ينتج تطور الدعوة في نهجها التطبيقي الذي يحتمل أن يكسب الدعوة الأساسية النظرة الفلسفية التي يصلح استعداد البيئة الروحي والمادي لحملها، إذا لم تكن لها هذه النظرة من البدء. وليس لهذا التطور نهج قياسي عام، لأنه مختص بالدعوة والبيئة الناشئة فيها، وليست الدعوات ذات نظرة واحدة، وليست البيئة واحدة في العالم، بل متعددة وعلى أنواع وخصاص شتى. ولبعض البيئات استعداد خاص لاستخراج نظرة إلى الحياة والكون تشمل جميع البيئات التي من نوعها كسورية وإغريقية، مثلاً. فهاتان بيئتان خرجت منهما نظرات وعقائد شملت العالم المتمدن كله. وسورية كانت قاعدة التفكير الإغريقي ذاته من غير نفي خصائصه الغنية. وما قامت به سورية ما كان يمكن أن تقوم به بيئة أخرى كالهند أو الصين، مع غنى كل منهما بالاستعداد النفسي، لأنه استعداد ليس أو لم يكن صالحاً لاستخراج نظرة إلى الحياة والكون يمكن أن تشمل جميع العالم المتمدن.
كذلك البيئة العربية ـــــ بيئة الصحراء والبداوة ـــــ بيئة الضروريات الحيوية والحلقة المغلقة للأفعال النفسيةــ هي بيئة لها استعداد خاص، بطبيعتها ومزيجها الدموي لاستخراج نظرة إلى الحياة والكون تشمل جميع البيئات التي من نوعها كالسلاجقة والمغول وجميع الشعوب الفطرية أو القريبة إلى البداوة. وهذه النظرة هي: إيجاد صراط مستقيم يوصل إلى الغاية الأخيرة بواسطة شرع حتمي لا حاجة للنفس بما وراءه أو ما حوله، أي تحديد مطالب الحياة بالحاجات المعاشية والتناسلية في وضع شرعي يؤمّن الطريقة العملية لحصول هذه المطالب المحدودة الجامدة، ورفض جميع التصورات الفلسفية المركّبة الخارجة عن الأوليات اللازمة لإقامة الحدود المحتاجة إليها البيئة الصحراوية، شرع واحد لحياة واحدة محدودة.
إن تأمل مؤلف هذا البحث الفلسفي والمبادىء المناقبية واتجاهاتها جعله يقرر هذه القاعدة: كل دعوة، مهما كان ابتداؤها أو غرضها الأخير عاماً، شاملاً لجميع النوع الإنساني، فإن نظرتها إلى الحياة والكون يجب أن تكون منطبقة على خصائص البيئة التي تنشأ فيها واستعدادها الروحي، فلا يمكنها أن تشذّ عن استعداد بيئتها إلا إذا خرجت منها أو وُجّهت إلى غيرها المخالف لها. فلا شك عندنا في وجود تجانس وترابط بين الدعوة أو الرسالة في جميع تفاصيلها والبيئة وجماعتها البشرية في استعدادها النفسي والمادي وظروفهما. ولا شك عندنا في أن انتشار الدعوة وقبولها في البيئات الأخرى يجب أن يكون خاضعاً لمبدأ التجانس والترابط بين النظرة الفلسفية الخارجة من بيئة معينة، واستعداد البيئات الأخرى لقبولها والعمل بها، أو لتعديلها إذا كان قبولها لها غير اختياري أو خاضعاً لعامل تاريخي معين[13] .
في الخلاصة: تختلف الدعوات باختلاف البيئات واستعدادها المادي والروحي لحملها. ولبعض البيئات استعداد خاص لاستخراج نظرة شاملة إلى الحياة والكون والفن تشمل جميع البيئات التي من نوعها، وسورية هي إحدى هذه البيئات التي أعطت العالم، قديما، من خلال تاريخها السياسي الثقافي والقومي، الرسالة - الدعوة الحضارية الرائدة التي وجدت تربتها الخصبة في البيئات الحضارية المشابهة لها. إنّ الدعوة إلى القومية الإجتماعية هي الدعوةــ الرسالة الجديدة التي أطلقها سعاده إلى إعادة الأمة السورية إلى دورها الحضاري، إلى حيويتها وقوتها، إلى إقامة نظام جديد للعالم كلّه. يقول سعاده في مقالة "المذهب القومي الإجتماعي":
"إنّ في سورية اليوم نهضة عظيمة تعيد إلى الأمة حيويتها لتعود إلى الإنتاج والعطاء. كما كانت تنتج وتعطي في الماضي. إنّ سورية تحمل اليوم إلى العالم بنهضتها القومية، رسالة جديدة إني أقول إنّ النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادةـ بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي ـ بين نفي الروح المادة ونفي المادة الروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي ـ المادي تفاعلاً متجانساً، على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة، على أساس مادي ــــ روحي يجمع ناحيتي الحياة الإنسانية. بهذا المبدأ ـ بهذه الفلسفة ـ فلسفة القومية الاجتماعية ـ تتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية إلى العالم واثقة أنه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقدة، والأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد تطمئن إليه الجماعات الإنسانية كلها وترى فيه إمكانيات الاستقرار السلمي واطّراد الارتقاء في سلّم الحياة الجيدة".
ج _ مفهوم التأسيس
تأسس الحزب السوري القومي الإجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الإجتماعية وبين المقبلين على الدعوة.
في الشرح
نوضح أولا: الشارع أو المشترع هو المشرّع، أي واضع أسس الحكمة والشريعة التي هي مجموعة التعاليم والقوانين والأنظمة التي تنتظم فيها حركة الحزب السوري القومي الإجتماعي، وتاليا وحدة حياة المجتمع السوري، وبها انتصار الأمة السورية وارتقائها نحو الأفضل.
مع الملاحظة أن الأسس الدستورية الواردة في المواد 1 و2 و3 إلى جانب بعض المواد الأخرى لم يجز الشارع تعديلها.
مع الإشارة، أيضا، أنه في الفقه القومي الإجتماعي الصدارة هي للدستور، يليه في التسلسل، مراسيم الزعيم الدستورية السبعة، يليها القوانين الدستورية، ومن ضمنها (القوانين 5 و 6 و7)، فمرسوم الطوارئ، فمراسيم الزعامة الثلاثة، وهي: مرسوم إنشاء لجنة النقد العقدي. مرسوم بإنشاء الشعب السياسية. قانون الندوة الثقافية.
يرتكز معنى التأسيس على مبدأ التعاقد، أي على (فلسفة نشؤ الحزب) كما يسميها الأمين هنري حاماتي في كتابه أفكار، تجربة ناقصة ج3، ص 11.
التعاقد، أولا، هو جواب على السؤال: كيف تأسس الحزب؟
تأسس بموجب تعاقد القائم حصرا، بين الشارع وبين المقبلين على الدعوة.
التعاقد هو بين إثنين؛ الأول ثابت هو الزعيم والثاني متغير هو كل فرد مقبل على الدعوة. التعاقد هو غير العقد وغير الاتفاق.
التعاقد هو تفاعل، تفاعل مادي وروحي؛ مادي يتجلى في القسم، وروحي يتجلى في الإيمان المتبادل، في وحدة الروح.
أمّا العقد أو الإتفاق فهو متحرك بالتراجع او بالتعديل أو بالإلغاء أو بالإستبدال أو بالإنتقال، وهو شأن مادي بحت.
التعاقد هو شرطيّ؛ بين الزعيم والأمة المجسّدة في التعاليم، وغير شرطي بين الزعيم ومع المقبلين على الدعوة
التعاقد هو فقط بين الزعامة والمقبلين على الدعوة.
الزعيم هو زعيم الحزب مدى حياة الحزب، كونه كما أسلفنا "ممثّل جميع القوميين الإجتماعيين"، في استمرارية الحزب، وقد عاهد سعاده الأمة واشترط على نفسه مجموعة من القيم، تتجلى في قسم الزعامة:
من خطاب سعاده في أول آذار 1949:
"... كان جوابي على معايدتهم قسمي المثبت في الدستور، هذا القسم الذي لم يكن شرطا في العقد التجاري بيني وبين القوميين الإجتماعيين، لأنّه لم يكن ولا يوجد بيني وبين القوميين الإجتماعيين عقد تجاري. كان قسمي في صميمه، أنّي وقفت نفسي على هذه الأمة، على أن أسعى لرفعها من حضيض الذلّ والإستعباد إلى الرقيّ والمجد، إلى حياة العزّ. فلم يكن قسمي شرطا لقسم القوميين الإجتماعيين على الولاء للعقيدة والنظام القوميين الإجتماعيين، وللزعيم، إذ لم يكن لأحد قطّ شكّ في حقيقتي وعزيمتي، ولم تؤسس القضية السورية القومية الإجتماعية على الشكّ، بل على اليقين.
أقسمت غير شاعر أنّني أقدّم منّة للأمّة، أقسمت شاعرا أنّني أعطيّ الأمّة ما يخصّها، كلّ ما فينا من خير وطموح وعظمة، ليس شيئا من خصوصيات الأنانيات الصغيرة المحدودة، التي لا يمكن أن تبني عظمة، أو تتسع لعظمة وطموح، بل هو من صميم العظمة الواسعة اللامتناهية المستمرة التي هي عظمة المجتمع - عظمة الأمة السورية التي نحن أبناؤها ومطدوا حقيقتها وعظمتها.
كلّ ما فينا هو من الأمة، وكلّ ما فينا هو للأمة. الدماء التي تجري في عروقنا عينها، ليست ملكنا هي وديعة الأمة فينا ومتى طلبتا وجدتها ..."[15].
ملاحظة: لم يطلب سعاده، صراحة، في قسم العضوية من المنتمي إلى الحزب "أن يقف نفسه على أمته السورية ووطنه سورية"، كما جاء في مقدمة قسم الزعامة، لماذا؟ لأنّه أراد أن يكون القدوة في التضحية والفداء، وترك الحرية للمقبل على الدعوة المؤتمن على المبادئ، أن يضحي في سبيلها لأنّ في انتصارها انتصار الأمة وعزّها. سعاده وفى بقسمه، فكان القدوة.. وعلى المقبلين على دعوته الإقتداء به، فكرا ونهجا وممارسة وبطولة مؤيدة بصحة العقيدة.
د- هوية الحزب: الحزب السوري القومي الاجتماعي
الحزب السوري القومي الإجتماعي فكرة وحركة تتناولان الامة بأسرها، يقول سعاده في شرح خطاب الزعيم التوجيهي الأول الذي ألقاه في اجتماع الحزب المركزي العام الأول بتاريخ أول حزيران 1935: "ليس الحزب السوري القومي الإجتماعي، إذا، جمعية أوحلقة، كما قد يكون لا يزال عالقا بأذهان بعض الأعضاء، الذين لم يسمح لهم الوقت بالوقوف على المبدأ الحيوي الذي ينطوي عليه الحزب السوري القومي الإجتماعي، وعلى حاجة الأمة السورية في هذا العصر. إنّ الحزب السوري القومي الإجتماعي لأكثر كثيرا من جمعية تضمّ عددا من الأعضاء، أو حلقة وجدت لفئة من الناس أو من الشباب. إنّه فكرة وحركة تتناولان حياة أمّة بأسرها، إنّه تجدّد أمّة توهم المتوهمون أنّها قضت إلى الأبد، لأنّ العوامل العديدة التي عملت على قتل روحيتها القومية كانت أعظم كثيرا من أن تتحمل أمّة عادية نتائجها، ويبقى لها كيان أو أمل بكيان، إنّه نهضة أمّة غير عادية- أمّة ممتازة بمواهبها، متفوّقة بمقدرتها، غنيّة بخصائصها – أمّة لا ترضى القبر مكانا لها تحت الشمس" (راجع المحاضرة الثانية).
إستنادا إلى دستور الحزب السوري القومي الإجتماعي للعام 1937، فإنّ التسميّة النهائية لإسم الحزب الذي أنشأه سعاده هي "الحزب السوري القوميّ الإجتماعي"، فالحزب هو سوري في هويته، قومي في عقيدته، إجتماعي في مذهبه. وهذه التسمية تُلغي التسمية السابقة، أي "الحزب السوري القومي". علما أن أنطون سعاده هو الذي أضاف لفظة "إجتماعي" على إسم الحزب، للدلالة على مذهبه الإجتماعي، والتي لا تعني أي تعديل في مبادئ الحزب، وقد أوضح سعاده ذلك، في حديث خاص لجريدة "كلّ شيء" في عددها الصادر في31 تموز 1947: "إنّ لفظة "الإجتماعي" قد أضفتها أنا بنفسي على إسم الحزب، والمقصود منها الدلالة على مذهب الحزب الإجتماعي المنصوص عليه بالمبدأ الإصلاحي الرابع من مبادئ الحزب الإصلاحية، فهو لا يتضمّن اي تعديل في مبادئ الحزب والقضية القوميّة الإجتماعية القائمة على هذه المبادئ"[16].
وقد شاءت، يومها، بعض اٌقلام العبودية المرتهنة للإستعمار، الإدعاء بأن تسميّة الحزب بــ"السوري القومي" هو تقليد لاسم حزب فرنسي هو "الحزب الشعبي الفرنسيp.p.f."، فأطلقت تلك الأقلام الجاهلة المأجورة على حزب سعاده إسم (الحزب الشعبي السوري p.p.s.)، وذلك لنفي طبيعة الإبداع والإبتكار في معنى وتأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي.
ولم يقتصر التلاعب باسم الحزب "فرنسيا"، بل كان لترويج تبعيته لإلمانيا، وللنازية خصوصا، حصّة في ذلك، فترجموا إسم حزب العمال الوطني الإشتراكي الإلماني الذي أسّسه هتلر عام 1920Parti Allemand National Socialiste des Travailleurs ، ومختصره (P.A.N.S.des T.) بـ "الحزب القومي الإجتماعي" Parti Allemand Nationaliste Social (P.A.N.S.)، وذلك للدلالة المغرضة، على إقتباس إسم الحزب السوري القومي الإجتماعيParti Syrien Nationaliste Social (P.S.N.S)، عن الحزب الإلماني علما أنّ هذا الحزب عُرف فيما بعد باسم "الإشتراكي الوطني- الحزب النازي". ومن الأمثلة المشابهة لهذا الحزب: الإشتراكي الديمقراطي (Social-Democrate)، والإشتراكي الثوري(Social- Revolutionnaire).
هكذا نلاحظ الفرق بين الترجمة لـ الحزب القومي الإجتماعي (P.Nationaliste Social)، الوطني الإشتراكي (P.Nationali Socialiste).
امّا إسم الحزب بالإسبانية فهو: Partido Social – Nationaliste Sirio [17] سعاده، جريدة الزوبعة، العدد80، تاريخ 4-9-1944.
إذا، التسمية الصحيحة للحزب هي الحزب السوري القومي الإجتماعي، تسمية واضحة مبتكرة، لا تقليد فيها ولا إقتباس، وهي مرتكزة على مبادئ علمية - فلسفية. "إنّ سورية تمثّل لنا شخصيتنا الإجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى، ونظرتنا إلى الحياة والكون والفنّ، وشرفنا وعزّنا ومصيرنا، لذلك هي لنا فوق كلّ إعتبار، وكلّ مصلحة جزئية"[18] راجع المبدأ الأساسي الثامن.
واستكمالا لإيضاح معنى الحزب، سنعالج مفهوم تعبيري "القومي والإجتماعي" في فقرة مفهوم العقيدة والقضية.
هــ - مفهوم العقيدة والقضية
العقيدة: ثمّ أنّ الشارع قسم مبادئ الحزب السوري القومي الإجتماعي إلى قسمين: يختص الواحد بالعقيدة القومية الإجتاعية وينطوي على المبادئ الأساسية (الواردة في المادة 2 من الدستور).
ويختص الثاني برفع مستوى الأمة ويشتمل على المبادئ الإصلاحية (الواردة في المادة الثالثة من الدستور)
نعرّف العقيدة بأنّها قومية إجتماعية؛
فهي قومية لأنّها تقول بالأمّة والولاء القومي.
وهي إجتماعية لأنّ غايتها الإجتماع الإنساني – المجتمع وحقيقته ونموّه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمّة، وقد جاء في التعاليم: "أمّة واحدة- مجتمع واحد" (المرجع: مقالة تعاليم وشروح في العقيدة، المجموع والمجتمع).
القضية: والقسمان (المبادئ الأساسية والإصلاحية) يؤلفان قضية واحدة هي قضية الأمّة السورية، وسيادتها، واستقلالها وارتقائها.
تحديد معنى القضية ورد، أساسا، في المبدأين الأساسيين الثاني والثالث: "القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كلّ الإستقلال عن أيّة قضية أخرى" و "القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري".
و – مفهوم المبادئ
"إنّي أعتبر إنجاز شرح مبادئ الحزب، في مدّة لا تتجاوز أربع وعشرين ساعة، أعظم عمل قمت به في حياتي، في أقصر وقت، إنّ هذا الشرح الوجيز، يحتوي تعاليم الحزب وإيضاح قضيته..."[19] ــ الأعمال الكاملة، ج9، ص18، من رسالة كتبها في فترة الإعتقال الثاني التي امتدت من 26 حزيران حتى 12تشرين الثاني 1936..
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ سعاده توسّع في شرح المبادئ وغاية ةالحزب في "الندّوة الثقافية" عام 1948، وجمعت في كتاب "المحاضرات العشر".
"إنّ أول خطوة كان يجب على الحركة السورية القومية الإجتماعية القيام بها لتتقدّم هي تــعــلــيــم العقيدة السورية القومية الإجتماعية والغاية الرامية إليها، لأنّها هي الحقيقة الأساسية التي بها نوجد شعبا، وأمّة لها نعمل"[20]. فــ"نحن، يقول سعاده، مهمتنا التربية في الدرجة الأولى"[21]
*************
المبادئ
ثم إنّ الشارع قسّم مبادىء الحزب السوري القومي إلى قسمين: يختص الواحد بالعقيدة القومية وينطوي على المبادىء الأساسية. ويختص الثاني برفع مستوى الأمة ويشتمل على المبادىء الإصلاحية. والقسمان يؤلفان قضية واحدة هي قضية حياة الأمة السورية وارتقائها.
إنّ المبادئ هي مكتنزات الفكر والقوى هي قواعد إنطلاق الفكر. وليست المبادئ إلا مراكز إنطلاق في اتجاه واضح، إذا لم نفهمها صعب علينا أخيرا أن نفهم حقيقة ما تعني لنا كيف نؤسس بها حياة جديدة أفضل من الحياة التي لا تزال قائمة خارج نطاق نهضتنا. المحاضرة 1
"...يعلن الحزب مبدأ جديدا هو مبدأ الإرادة، إرادة شعب حيّ يريد سيادته على نفسه ووطنه ليحقّق مثله العليا، إرادة الحياة لأمّة حرّة، مبدأ أنّ المبادئ توجد للشعوب لا الشعوب للمبادئ، مبدأ أنّ كلّ مبدأ لا يخدم سيادة الشعب نفسه ووطنه هو مبدأ فاسد، مبدأ أنّ كلّ مبدأ صحيح يجب أن يكون لخدمة حياة الأمة.
وبديهي أنّ قصدنا نحن بالمبادئ ليس فقط صورا جميلة على الورق، بل قوّة فاعلة في الحياة، حياة تعمل وتنشىء وترتقي وتحقّق وتخلق.
...نحن نبذل أنفسنا في سبيل المبادئ يعني: أنّنا نبذل أنفسنا أفرادا في سبيل تحقيق المبادئ التي في تحقيق المبادئ التي في تحقيقها تحقيق لحياة الأمّة، وليس أنّ المبادئ مستقلة عن الأمة، خارجة عنها لا علاقة ولا صلة لها بها، وإنّنا من أجل هذه المبادئ بذاتها، وليس لأنّها تعني حياة الأمة، نحن مستعدون للتضحية.
نحن مستعدون لكلّ تضحية من أجل إنتصار المبادئ وانتصار الأمة بواسطة إنتصار هذه المبادئ، فإذا وجدت مبادئ لا يمكن أن تعني حياة الأمة، فمهما كانت جميلة بحدّ ذاتها، ومهما كانت رائعة، ساحرة، فهي لا تستحق أن نبذل النفس في سبيلها، ولا أن نضحي.
حينما تعني المبادئ حياة الأمة الجيّدة، المرتقية، في هذا العراك، نحن مستعدون كلّنا للتضحية لكنّ الذين يسقطون يظلون جزءا من الكلّ يسقط في سبيل الكلّ، حتى إذا تحقّق خير الكل وجد الكل في هذا التحقيق ما يرضي القيم الإنسانية العليا التي يفيض خيرها على مجموع الشعب تحقيقا لما يتمنى المرء في نفسه لأمته أولا ولنفسه ثانيا، وليس لنفسه أولا ولأمته ثانيا.
من هذا الشرح يظهر جيّدا أنّ لا تناقض بين أنّ المبادئ توجد لخدمة حياة المجتمع وإنّنا مستعدون لبذل النفس في سبيل المبادئ، كلّ واحد منا مستعدّ أن يسقط في سبيل المبادئ من أجل أن تحيا المبادئ وأن تحيا الأمّة بهذه المبادئ.
فهنا توجد قاعدة مبدأية إنسانية في الحزب السوري القومي الإجتماعي وهي أنّ المبادئ للإنسان الحيّ وليس الإنسان للمبادئ ...فقيمة المبادئ للأمة هي بمقدار ما تعني وتعمل لحياة الإنسان الجيّدة لا بقدر ما هي خيالات جيّدة في أدمغة بعض المفكرين. (راجع المحاضرة 2)
*************
البطولة المؤيدة بصحة العقيدة
إنّ حالة أمتنا ووطننا الحاضرة لا تزال الحالة عينها التي تستعي التوجه بالكلية إلى مَــزيّــة (الفضيلة) أولية أساسية من مزايا حزبكم ونهضتكم العظيمة، أعني مزية البطولة المؤمنة. فإنّ أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحيّة فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة. فإذا تركت أمّة ما إعتماد البطولة في الفصل في مصيرها، قرّرته الحوادث الجارية والإرادات الغريبة.
إنّ حزبكم قد افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية المنظّمة في أمتكم، فإنّ عهدكم هو عهد الطولة فلا تتخلوا عن طريق البطولة ولا تركنوا إلى طريق المساومة الغرارة. (راجع المحاضرة 1)
كل عقيدة عظيمة تضع على أتباعها المهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، كلّ ما دون ذلك باطل. وكلّ عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدّد أتباعها.
عوا مهمتكم بكامل خطورتها والهجوا دائما بهذه الحقيقة - حقيقة عقيدتكم ومهمتكم- حقيقة وجودكم وايمانكم وعملكم وجهادكم.
مارسوا البطولة، ولا تخافوا الحرب، بل خافوا الفشل.
...نحن مسؤولون فقط عن هذه القضية التي هي مقدسة لنا. لأنّنا نؤمن أنّها تعبّر عن كلّ الحقّ وكلّ الخير وكلّ الجمال، وكلّ السعادة وكلّ الصداقة وكلّ القيم العليا التي يحتاج إليها مجتمعنا لينهض وتكون له حياة جيّدة. (راجع المحاضرة 1)
*************
ما هي البطولة؟
البطولة بسالة خاصة بكبار الشجعان.
قيمة البطولة هي القيمة المناقبية الاساسية التي بواسطتها تعبّر أسمى قيم النهضة وأعمقها عن نفسها.
البطولة هي مجموعة من أسمى القيم المناقبية التي تتحقّق في الحياة.
قاعدة البطولة الاجتماعية
وإنّ جذور مبدأ التضحية الفردية في سبيل الخير العام موجودة في تضحية الكنعانيين لمولوخ وداجون... وهي تمثّل مبدأ فدية المجموع بتقديم الفرد ذبيحة تضحية من اجل استرضاء الإله واستعطافه ليسبغ النعمة على الوطن والأمة.
يعلّق سعاده: "إنّ هذا المبدأ أساسي لكلّ مجتمع جدير بالبقاء والإرتقاء... وقد لازم مبدأ التضحية الفردية الحضارة السورية في جميع أدوارها، فكان من أفعل العوامل في ازدهارها وامتداد نفوذها وبسط سلطان الدول السورية الهكسوسية ثم الفينقية... فمبدأ التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع هو أهم مبدأ مناقبي قام عليه فلاح أي مجتمع متمدن أو متوحش. (يورد سعاده بعض الأمثلة على ذلك).
والتضحية ليس لها شكل واحد لأنّها ليست حالة شكليّة، بل مبدأ عاما. فالذي لا تكون التضحية قاعدة عامة عنده لا يعرف البطولة الإجتماعية ولا يُقدم عليها ففائدته للمجتمع قليلة أو سلبية. ومن أشكال التضحية تضحية الشهوات الحادة وتضحية الأنانية العمياء... وهي صعبة جدا على الذين لم يروضوا أنفسهم على الفضائل واندفعوا وراء المثل السفلى[22] .
بطولة التضحية الفردية
"...قاعدة البطولة الإجتماعية المتلائمة مع حالة التمدن السوري الذي صار أساس التمدن العالمي الحديث في مكان البطولة الفردية أوالقبلية التي هي من خصائص الشعوب الأولية والمتبدية والتي لا تصلح أساسا لإنشاء مجتمع، متحد راق. هذه البطولة الإجتماعية هي بطولة التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع وهي البطولة التي يكتشفها الدارس الخبير في صميم النفسية السورية منذ بدء التاريخ.
*************
المادة التاسعة: كل سوري، ذكراً كان أم أنثى، يحقّ له دخول الحزب السوري القومي على أن تتوفر فيه الشروط الآتية:
أ ـ أن يكون قد بلغ الثامنة عشرة من عمره.
ب ـ أن لا يكون قد تجاوز الأربعين من عمره.
ج ـ أن لا يكون مجرماً ضد المجتمع أو ضد الأمة.
د ـ أن يدين بالقومية السورية ويعتنق مبادىء الحزب السوري القومي ونظامه.
هـ ـ أن يكون مستعداً لأداء القسم الآتي:
"أنا... أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنني أنتمي إلى الحزب السوري القومي بكل إخلاص وكل عزيمة صادقة وأن أتخذ مبادئه القومية إيماناً لي ولعائلتي وشعاراً لبيتي، وأن أحتفظ بأسراره فلا أبوح بها لا بالقول ولا بالكتابة ولا بالرسم ولا بالحفر ولا بأي طريقة أو وسيلة أخرى، لا تطوعاً ولا تحت أي نوع من أنواع الضغط. وأن أحفظ قوانينه ونظاماته وأخضع لها، وأن أحترم قراراته وأطيعها، وأن أنفذ جميع ما يعهد به إليَّ بكل أمانة ودقة، وأن أسهر على مصلحته وأؤيد زعيمه وسلطته، وأن لا أخون الحزب ولا أي فرع من فروعه ولا أفراده، وأن أقدم كل مساعدة أتمكن منها إلى أي عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها، وأن أفعل واجباتي نحو الحزب بالضبط. على كل هذا أقسم أنا..."
*************
القيم أو المبادئ المتضمنة في الإنتماء وشروطه
في الشروط:
*************
في القســــم
القيم والمبادئ
"أنا... أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي (مبدأ الشرف والحقيقة والمعتقد، وسيرد تفسيره، لاحقا، في فقرة التشابه والتمايز في القسم)
أنني أنتمي إلى الحزب السوري القومي بكل إخلاص وكل عزيمة صادقة (مبدأ الإخلاص والصدق)
وأن أتخذ مبادئه القومية إيماناً لي ولعائلتي وشعاراً لبيتي، (مبدأ التربية والإلتزام والقدوة) (جعل سعاده في صلب قسم العقيدة- قسم العضوية نصّ ان يتخذ القومي الإجتماعي المبادئ القومية الإجتماعية "إيمانا له ولعائلته وشعارا لبيته" فجعل كلّ أب قومي إجتماعي وكلّ امّ قومية اجتماعية مربيا، مرشدا، مثقفا الأولاد في الدرجة الأولى في التعاليم القومية الإجتماعية..) [24]
ملاحظة: اعتبر سعاده أنّ ".. الروابط العائلية هي أساس المجتمع".. إنّ كيان العائلة المعروف في سورية هو أساس المجتمع. وهذا الأساس العائلي السوري هو الذي عمّ المجتمع المتمدن [25] .
وأن أحتفظ بأسراره فلا أبوح بها لا بالقول ولا بالكتابة ولا بالرسم ولا بالحفر ولا بأي طريقة أو وسيلة أخرى، لا تطوعاً ولا تحت أي نوع من أنواع الضغط. (مبدأ القوّة والثبات)
وأن أحفظ قوانينه ونظاماته وأخضع لها، (مبدأ المعرفة وإطاعة القوانين والأنظمة)
وأن أحترم قراراته وأطيعها، (مبدأ الإحترام والطاعة)
وأن أنفذ جميع ما يعهد به إليَّ بكل أمانة ودقة، (مبدأ الأمانة والدّقة)
وأن أسهر على مصلحته وأؤيد زعيمه وسلطته، (مبدأ الولأ والطاعة)
وأن لا أخون الحزب ولا أي فرع من فروعه ولا أفراده، (مبدأ الإخلاص)
وأن أقدم كل مساعدة أتمكن منها إلى أي عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها، (مبدأ المساعدة المشروطه)
وأن أفعل واجباتي نحو الحزب بالضبط. (مبدأ الواجب)
على كل هذا أقسم أنا..." (مبدأ الولاء)
ملاحظة أولى: القسم بالشرف والحقيقة والمعتقد، في مطلع القسم، تعني أولا وحدة هذه القيم الثلاثة، وثانيا إرتكازها على الشرط الأساسي الذي يجب أن يتوفّر في طالب الإنتماء، وهو: أن يدين بالقومية السورية ويعتنق مبادىء الحزب السوري القومي ونظامه. وهذا يعني أنّ القيم الثلاثة: الشرف والحقيقة والمعتقد هي قيم جديدة اكتسبها الفرد من بعد اعتناقه المبادئ الجديدة، وتخليه عن مفاهيمها السابقة التي تتنافى وهذه القيم. فــ سعاده قد وحّد العقائد القومية السابقة في عقيدة واحدة هي سورية للسوريين والسوريون أمّة تامة. يقول سعاده في رسالته إلى المحامي حميد فرنجيه " في ما دفعني إلى إنشاء الحزب السوري القومي الإجتماعي؟"
يقول: "فأسست الحزب السوري القومي الإجتماعي ووحدّت فيه العقائد القومية في عقيدة واحدة هي سورية للسوريين والسوريون أمّة تامة"، راجع المحاضرة الثالثة، تاريخ 25 كانون الثاني 1948.
ملاحظة ثانية: قسم العضوية هو قسم الإنتماء إلى الحزب، ومن الخطأ الشائع أن نقول قسم الإنتساب، والفرق شاسع بين المعنيين.
ملاحظة ثالثة: تقدمت، في الدستور، المادة الثامنة "حقوق العضو"، على المادة التاسعة التي نصّت على واجباته، وفي ذلك دلالة على وجوب اطلاع العضو على حقوقه ومعرفتها والإقتناع بها، قبل تأدية قسم العضوية الذي يتضمّن واجباته.
ملاحظة رابعة: معنى كلمة الإنتماء، باختصار، هي الإرتقاء عاموديا، أي الإرتفاع من حالة إلى حالة أفضل، وليس الإنتقال من حالة إلى حالة بشكل أفقي أو إنحداري.
ومن الأمثلة على الإنتقال من حالة إلى أخرى: الإنتقال من الفوضى إلى فوضى أخرى. أومحاربة الفوضى بالفوضى.
الإنتقال من المذهبية إلى الطائفية، أو إلى التعصب والحقد وتكفير الآخر،
أو الإنتقال من العائلية إلى العشائرية إلى القبلية،
الإنتقال من الأنانية إلى الفردية المدمرة إلى الإقطاعية والإستبداد،
اما الإرتقاء، فهو الإرتقاء عاموديا من حالة إلى أخرى أفضل منها، مثلا: الإرتقاء من الجهل إلى العلم والمعرفة، من الفوضى إلى النظام وإلى نظام أفضل منه.
الإرتقاء من شريعة الغاب إلى شريعة العقل.
الإرتقاء من المثالب إلى المناقب.
الإرتقاء من الولاءات الفردية الضيقة والكيانية المفككة إلى الولاء الوطني الواحد الجامع.
في إنتماء الفرد اللاختياري: لا يختار الفرد أبويه، لا يختار المجتمع الذي يولد فيه، ويورث قسرا الدين والطائفة والمذهب التي لوالده.
في إنتماء الفرد الإختياري إلى الحزب: عقلانية، يختار المجتمع القومي، يختار المذهب الجديد ــ الرسالة الجديدة ـــ الفلسفة الجديدة ـــ النظام الجديد. راجع مقالة "المذهب القومي الإجتماعي"، سعاده، الأعمال الكاملة، ج3، ص448. راجع أيضا خطاب الزعيم في البقاع الأوسط، 23-4- 1948، بمناسبة عيد الخضر- مار جرجس (الأعمال الكاملة، ج8، ص 202).
يختار الدين الجديد: "إنّ العالم قد شهد في هذه البلاد أديانا تهبط إلى الأرض من السماء، أمّا اليوم فيرى دينا جديدا من الأرض رافعا النفوس بزوبعة نحو السماء"[26] راجع المحاضرة السابعة.
*************
الولاء الواحد
أول ما تتحدّد معالم إنتماء الفرد وعلاقاته وانتمائه في المجتمع، فعلى أسس متدرجة تبدأ بالعائلة فالعشيرة، وإذا ارتقت إلى أبعد من ذلك فإلى طائفته، وفي أحسن الحالات إلى "طبقته" إذا لامس النضج الإجتماعي والسياسي. ولا غرابة في ذلك، أي في تمحوّر ولاء الفرد حول هذه المتدرجات، وذلك بسبب غياب الثقافة القومية، وفي جوهرها يقظة الوجدان القومي. في هذه المرحلة المشار إليها يتركّز همّ الفرد ونشاطه على إعلأ شأن "الفئة" المحّدد إنتماءه لها، لعدّة عوامل منها الدّم أو العرض، أو أي عامل آخر غير قومي. وبالتالي فإنّ ولاءه الأخير هو لهذه الفئة دون غيرها. وضمن هذا الإطار يجد الفرد حقوق هذه الفئة ومصالحها هي محور تفكيره وسلوكه ونشاطاته، ولو تعارضت واختلفت وتناقضت وتضاربت وتنافرت مع حقوق الفئات الأخرى ومصالحها، ولو أدى ذلك إلى اللجؤ إلى العنف والإقتتال، بين فئات المجتمع الواحد، كأساس لحسم الخلافات.
إنّ تعدّد الإنتماءات الطوعية أو الكرهية في المجتمع الواحد يؤدي إلى تعدّد الولاءات، الأرض الخصبة، لنشؤ النزاعات والخلافات حول القضايا المصيرية التي تواجه وحدة حقوق المجتمع ومصالحه، ممّا يؤدي إلى تفككه وضعفه وانهياره.
*************
الإنتماء القومي والولاء القومي
سعادة: " الولاء القومي هو الشرط الذي لا غنى عنه لنهوض الأمة وتحقيق خير المجتمع القومي. وفي هذا الولاء يتساوى العامل والصناعي والتاجر والأيب والفنان، ويتساوى أيضا العالم والجندي. إنّ العالم أيضا من المجتمع وعلمه للمجتمع لا لنفسه. العالم أيضا يشعر ويحسّ قضايا أمته ويفهم أنّ علمه جزء من ثقافة مجتمعه وإنّ في مواهبه مزايا جنسه وأمته[27] .
*************
4 - نصوص القسم الأخرى: قسم المسؤولية وقسم رئاسة الحزب.. وقسم المحكمة المركزية
قسم المسؤولية:
المادة الرابعة عشرة والأخيرة من الدستور نصّت على قسم المسؤولية
" أنا ...أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أن أقوم بواجب مسؤولية ...... التي عينت لها وأكون أمينا لمقتضياتها الدستورية مطبقا لأوامر وتعليمات رؤسائي التي يخولهم الدستور والقوانين النافذة إصدارها، متحملا مسؤولياتها تجاه الزعيم والمراجع العليا، كاتما أسرارها عن القوميين الإجتماعيين أنفسهم، فضلا عن غيرهم غير مذيع إلا ما أنا مفوّض باذاعته أوتبليغه أو ما تخولني مسؤوليتي إذاعته، وأن لا أستعمل صلاحيات مسؤوليتي إلا لتأمين النظام وتنفيذ خطط الحزب المقرّرة من قبل الزعيم والمراجع العليا وان لا أستخدمها لغاية أو لمنفعة شخصية أو لغير مصلحة الحزب السوري القومي الإجتماعي. على كلّ هذا أقسم ......"
ملاحظة: أدخل على "الدستور"، بموجب إحدى التعديلات:
*************
الضمير “أنــــا"
أمّا ماذا يعني سعاده باستخدام الضمير "أنا" وتشابهه ووحدته في مستهل كلّ قسم وخاتمته: في قسم الزعامة وقسم العضوية وقسم المسؤولية: "أنا ...أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي"
لغويا: أنا في اللغة ضمير رفع منفصل للمتكلّم والمتكلّمة، ومنها الأناني.
في الفلسفة: الأنانية، من الأنا، حبّ الأنا، دون الآخر.
في الماورائيات (الميتافيزيقيا): الأنانية هي الإعتقاد بأنّ الكائنات الأخرى مجرّد وهم، وأنّ الـ أنا هو الحقّ والأساس.
في الأخلاقيات: الأنانة مرادف للأنانية، نزوع إلى التفكير بالأنا، وربط كلّ الحياة العقلية بالأنانية.
نفسيا واجتماعيا: الأنانية هي اهتمام الأنا اهتماما حصريا بذاته.
باختصار الــ "أنا" ومنها الأنانية أي حب الذات والإهتمام الحصري بها، وربط كل الحياة العقلية بقناعاتها. الأناني يعتبر ذاته هو الأساس في الحياة، وهو مقياس القيم، والحكم على الأشياء الأخرى من الزاوية الفردية البحتة التي ينظر منها. والأناني صاحب نزعة إلى الدفاع عن الذات، والبقاء والتطوّر، على حساب الآخرين ومصالحهم. الأناني هو إنسان محبّ لنفسه حبّا مفرطا، معجب بها ومتكبّر، مع عدم التفكير في الغير، ومنه المثل: "ليس للأناني صاحب".
أنا "الفردية": أوضح سعاده في كتاباته التعليمية التوجيهية معنى الفردية، وأهميتها، ومنبها من خطرها على الوحدة الإجتماعية والمصير القومي، خصوصا في مقدمة كتاب نشؤ الأمم. والمقالات الآتية "مدرسة الأنانية ومحبة الذات وتعاليمها الفوضوية الغريبة"[28]، ونظرة سعاده إلى الإنسان[29] و "النزعة الفردية"[30]. و "النجاح الفردي والقومي"[31].
أما عن تعبير الــ "أنا" الوارد في مطلع كل قسم وفي نهايته فهو مع أنّه لا يتنكّر لهذه الظاهرة الفردية التاريخية التي يعتبر سعاده ظهورها في سياق التطوّر: "حادثا عظيما في إرتقاء النفسية البشرية، وتطوّر الإجتماع الإنساني".
أمّا الــ "أنا" الواردة في مطلع كلّ قسم فهي إرتقاء في النفسية من النزعة الفردية المطلقة إلى الوجدان القومي، ومنه إلى الوجدان القومي الإجتماعي، الذي يُلزم المنتمي إلى الحزب بمضمونه، فما هو الوجدان القومي؟ وما هو الوجدان القومي الإجتماعي؟
يُعرّف سعاده الوجدان القومي في مقدمة كتابه "نشؤ الأمم" بأنّه:
".. أعظم ظاهرة إجتماعية في عصرنا، وهي الظاهرة التي يصطبغ بها هذا العصر على هذه الدرجة العالية من التمدّن...
أمّا ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطوّر البشري شأنا وأبعدها نتيجة، وأكثرها دقّة ولطافة وأشدّها تعقدا، إذ أنّ هذه الشخصية مركب إجتماعي – إقتصادي – نفساني، يتطلّب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيته، شعوره بشخصية جماعته – أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه، وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الإجتماعي، وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه، ويهتمّ به ويودّ خيره، كما يودّ الخير لنفسه.
كلّ جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القومي، الشعور بشخصية الجماعة، لا بدّ لأفرادها من فهم الواقع الإجتماعي وظروفه وطبيعة العلاقات الناتجة عنه. وهي هذه العلاقات التي تعيّن مقدار حيوية الجماعة ومؤهلاتها للبقاء والإرتقاء، فبقاؤها غامضة يوجد صعوبات كثيرة تؤدي إلى إساءة الفهم وتقوية عوامل التصادم في المجتمع فيعرقل بعضه بعضا، ويضيع جزء غير يسير من فاعلية وحدته الحيوية، ويضعف فيه التنبه لمصالحه وما يحيط بها من أخطار من الخارج.
وإن درسا من هذا النوع يوضح الواقع الإجتماعي الإنساني في أطواره وظروفه وطبيعته، ضروريّ لكلّ مجتمع يريد أن يحيا، ففي الدرس تفهّم صحيح لحقائق الحياة الإجتماعية ومجاريها، ولا تخلو أمّة من الدروس الإجتماعية العلمية إلا وتقع في فوضى العقائد وبلبلة الأفكار".
يتطلّب الوجدان القومي الإجتماعي من الفرد المنتمي إلى الحزب، إضافة إلى ما تقدّم في معنى الوجدان القومي، أن يلتزم.
*************
الخلاصة
الــ "أنا" في قسم العضوية، إختيار عقلاني معرفي حرّ، والتزام أخلاقي إيماني وواجب بتنفيذ المضمون الكليّ لما أقسم عليه الفرد أن يلتزم إلتزاما كليّا بأن: يضيف إلى شعوره بشخصيته، شعوره بشخصية جماعته – أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه، وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الإجتماعي، وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه، ويهتمّ به ويودّ خيره، كما يودّ الخير لنفسه.
بعد الإنتماء يودّع الفرد "أنانيته" المتزمتة، ويصبح إمكانية إنسانية، منفتحة ليس على مجتمعه فحسب، بل على الكون بأسره.
يقول سعاده في هذا المعنى: "إنّ الزعيم ينظر إلى الإنسان من مستوى فكري جديد يرفع الإنسان من حدود فرديته المنحصرة في إمكانياتها إلى مطلق إجتماعيته المنفتحة على الكون “.
"... نحارب الفوضوية والفردية الغارقة في فرديتها، الخارجة عن المجتمع ووحدته ومصيره..."، المحاضرة العاشرة
*************
نقاط التشابه والتمايز في القسم
يتشابه كلّ من قسم الزعامة وقسم العضوية وقسم المسؤولية: بمطلعه أنا (الإسم الثلاثي) أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي. وفي ختامه على كل هذا أقسم أنا (الإسم الثلاثي)، المتضمنان (المطلع والختام) معاني القسم، والشرف والحقيقة والمعتقد؟ ومن معاني هذه القيم:
- القسم هو إشهار الحقيقة بصدق. والحقيقة هي وجود ومعرفة.
- الشرف من معاني الشرف اللغوية: العلو، الرفعة، المجد... والسمو.
الشرف هو مكتنزات القوى الروحية والنفسية الراقية من مثل عليا ومناقب وهي العواطف الشريفة في الإنسان، (راجع سعاده، الأعمال الكاملة، ج1، ص154) وأخلاق وقيم وفضائل، الشرف وضده العار هو مكتنزات القوى الروحية والنفسية المنحطة من مثل دنيا ومثالب ومساوئ ودنايا.
"لا يعرف الشرف من لا يعرف العار ولا يعرف العار من لا يعرف الشرف"، إنّ عدم التمييز بين الشرف والعار هو قمّة الويل والذلّ، التي تصيب الأفراد فيسقطون غير مأسوف عليهم في ساحة الجهاد القومي.
الحقيقة: "الحقّ والخير والجمال هي قيم اجتماعية، متحدية، لا قيم فردية"
" إنّ عقيدتنا إجتماعية، تنظر إلى الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى – حقيقة المجتمع، لا من زاوية الفرد، الذي هو، في حدّ ذاته، وضمن ذلك الحدّ مجرّد إمكانية إنسانية"، (راجع، سعاده في مقالة "المجموع والمجتمع").
*************
المعتقد
وحدّت العقائد في عقيدة واحدة هي سورية للسوريين والسوريون أمة تامة. راجع المحاضرات العشر.
".. فرسالة البعث القومي الإجتماعي إلى السوريين ليست متولدة من مجرّد كره للأجنبي، بل من رغبة حقيقية في صهر نظرياتنا وعقائدنا المتنافرة وسبكها في وحدة روحية لا تعود تتمكن المطامع الأجنبية من تفسيخها وإضعافها.
إنّ أساسنا القومي الإجتماعي يجب أن يكون في وحدتنا الروحية الكليّة قبل كلّ شيء. وهذه الوحدة الروحية يجب أن تشمل كلّ فكرة وكلّ نظرة في حياتنا..."[32].
التمايز
قسم الزعامة ملزم تجاه الأمة. وغير ملزم تجاه المقبلين على الدعوة.
قسم العضوية ملزم تجاه الشارع - الزعيم، وتجاه المقبلين على الدعوة.
قسم الزعامة لا تتقدمه شروط محدّدة. أمّا قسم العضوية فتتقدمه خمسة شروط محدّدة (راجع قسم العضوية).
*************
يقول سعاده: "علم النهضة القومية رمز وحدة الأمة وقوتها ومجدها وحقّها في الحياة"[33].
القسم في علم الحزب
علم الحزب الذي يمثّل الحركة القومية الإجتماعية بكلّ معانيها وأبعادها العاملة على إحداث نهضة شاملة في المجتمع، هو علم مثلث الألوان؛ أسود اللون تتوسطه زوبعة حمراء في وسط دائرة بيضاء.
اللون الأسود فيه يرمز الى الهيبة والجدّ والثبات في العقيدة، والأحمر يرمز الى القوّة والإقدام والتضحية من أجلها، والأبيض الى الصفاء والنزاهة والإخلاص في سبيلها.
الأبيض: "أنا... أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أنتمي إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي بكلّ إخلاص وكلّ عزيمة، وأن أتخذ مبادئه إيمانا لي ولعائلتي وشعارا لبيتي".
الأسود: " وأن أحتفظ بأسراره فلا أبوح بها لا بالقول، ولا بالكتابة ولا بالرسم ولا بالحفر ولا بأي طريقة أو وسيلة أخرى، لا تطوعاً ولا تحت أي نوع من أنواع الضغط. وأن أحفظ قوانينه ونظاماته وأخضع لها، وأن أحترم قراراته وأطيعها،
الأحمر:" وأن أنفذ جميع ما يعهد به إليَّ بكل أمانة ودقة، وأن أسهر على مصلحته وأؤيد زعيمه وسلطته، وأن لا أخون الحزب ولا أي فرع من فروعه ولا أفراده، وأن أقدم كل مساعدة أتمكن منها إلى أي عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها، وأن أفعل واجباتي نحو الحزب بالضبط. على كل هذا أنا...
*************
الخاتمة
يقول سعاده: "... للحزب السوري القومي الاجتماعي يمين يحلفها كلّ طالب الإنضمام إلى صفوفه، وهذه اليمين تنصّ على كمال مبادئ الحزب وغايته وعلى الإخلاص لهذه المبادئ وهذه الغاية. والمبادئ والغاية واضحة كلّ الوضوح ومطبوعة ومنشورة في كراريس وصحف عديدة. والذين يحلفون يمين الحزب وفي نفوسهم الإستعداد لمخالفتها والإنقلاب عليها هم خائنون أولا، ولا يمكن إلا أن يكونوا خائنين آخرا، وليس للخائنين من آخرة غير الذلّ.... إنّ عضوية الحزب السوري القومي، خلافا لجميع عضويات الجمعيات والأحزاب المانعة المبادئ والمناقب، هي عضوية مؤسسة، من الوجهة الحقوقية، على مبدأ التعاقد الذي لا يملك حلّه الا المنظمة ذاتها في هيئاتها القانونية، ونصّ دستور الحزب، لا يدع مجالا من هذه الوجهة "[34].
*************
نحن من نحن، بعد هذا الإيضاح؟، ونحن من نحن بعد انتمائنا إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي؟ هذا ما نحن:
نحن حزب الإبداع، لا حزب الأتباع
نحن حزب الثورة، لا حزب الثروة
نحن حزب الأفعال، لا حزب الأقوال
نحن حزب الصراع، لا حزب الضياع
نحن حزب البناء، لا حزب الفناء
نحن حزب الأذكياء، لا حزب الأغبياء
نحن حزب الأبطال، لا حزب أشباه الرجال
نحن حزب البطولة، لا حزب الفحولة
نحن حزب المنطق المتمنطق بالمنطق، لا حزب المنطق المتمنطق باللامنطق
نحن حزب الفضائل، لا حزب الرذائل
نحن حزب المناقب، لا حزب المثالب
نحن حزب التضحيات والبطولات، لا حزب التسويات والمساومات والمضاربات
نحن حزب العقل والمعرفة البناءة، لا حزب الجهل والغرائز المدمّرة
نحن حزب المؤسسات البناءة، لا حزب الشراذم الهدامة
نحن حزب العطاء والتضحية والفداء
نحن حزب القادة والشهداء
نحن حزب الزوبعة، حزب الحرية والواجب والنظام والقوّة
نحن حزب المنتجين والمبدعين لا حزب المتقاعسين المترهلين
نحن حزب الشعب الواحد لا حزب القطعان البشرية
نحن حزب دولة الأمة السورية الموحدة الواحدة، لا أحزاب "الدول" الكيانية الممزقة المفككة.
نحن الحزب السوري القومي الإجتماعي، شرفنا وحقيقتنا ومعتقدنا وعزتنا وكرامتنا هي معاني حياتنا الكبرى. نحن باختصار حزب سعاده ـــ حزب التعاليم السورية القومية الإجتماعية. حزب سعاده الذي نظر، أيضا، في مستقبل الأمة، وما يجب أن تصل إليه من الإرتقاء والبحبوحة والعدل الإجتماعي – الإقتصادي. وذلك من خلال "المبدأ العظيم"- المبدأ الإصلاحي الرابع الذي يوجد مجتمعا جديدا – أمة حيّة متألفة قلوب أبنائها وحاصلا لها المستوى الراقي في الحياة المادية والروحية[35]..
عالج سعاده في عدّة مقالات متفرقة له موضوع القسم ـــــ اليمين، والحنث به والأخطار التي تترتب على خيانته، ومن أبرزها ما ورد في مقالة "اليمين"، المنشورة في الأعمال الكاملة، الجزء السادس (1942- 1943)، ص511، نقلا عن جريدة "الزوبعة"، ع 65، تاريخ 1/9/1943.
لنتابع أهم ما جاء في هذه المقالة من معان أساسية في مفهوم القسم والتداعيات المترتبة عليه إيجابا وسلب:
أكّد سعاده في هذه المقالة التعليمية التوجيهية أنّ " اليمين توضع للأمور العظيمة دون الصغيرة وللقضايا الأساسية الجوهرية دون المسائل السطحية العرضية" فالقسم في نظره "لا يطلب إلا في أمر جلل، ولا يُعطى إلا في ما يُبتغى به تحقيق ما لا ترى النفوس مندوحة عنه ولا ترضى إلا به"، ويشدّد سعاده على أنّ اليمين "توجب التضامن الوثيق في المجهود العام وتصبح القاعدة اللازمة لهذا المجهود، والشرط الذي لا يمكن قيامه إلا به".
ومن هنا كان " تقدير الزعيم لخطورة اليمين، وعظم أهمية العمل القومي المنظم لتحقيق العقيدة القومية الاجتماعية ولما يقتضيه ذلك من صحة العزائم، في طلبه من كثيرين مراجعة نفوسهم قبل الإقدام على حلف اليمين ليكون حلفهم بوعي وإدراك تام لخطورة الموقف وما يترتب عليه".
ورأى سعاده أنّ في"كسر اليمين خرق لحرمة المجهود العام، وتعريض لهذا المجهود لأخطار غير منتظرة، مع ما يلزم ذلك من إمكان وقوع العذاب والتعذيب على الأوفياء الثابتين على إيمانهم بسبب فشل ضعيفي الأخلاق وتزعزعهم. وإذا تركنا احتمال وقوع العذاب والتعذيب، ونظرنا فقط في الآلام والمتاعب التي يورثها تقلقل الصفوف من جراء تزعزع ضعفاء الأخلاق. لكفى ذلك مجالاً للتمعن في بعض نتائج خرق اليمين السيئة".
واعتبر سعاده في كسر اليمين أسوأ جرائم الإجتماع المناقبية، فيقول "وليس أسوأ عاقبة من الحنث باليمين وفسخ العهود ونقض البيعة التي بها قيام القضايا والاطمئنان الأكيد بالتضامن في الحياة.
الحقيقة أنّ خرق اليمين من أسوأ جرائم الاجتماع المناقبية. فإذا بليت به أمّة دكّ عمرانها إلى الحضيض، وإذا شاءت أمّة عاثرة النهوض كان الحنث باليمين وخفر الذمة ونكث العهد في صدر الأدواء التي يجب معالجتها لكي يمكن أن تعمّر نهضة، وأن يثمر مجهود عام، وأن تتحقق قضية".
لم يجد سعاده أي سبب أو "حجّة لمن يحنث بيمينه في الحزب السوري القومي غير ضعف الأخلاق والاستهزاء بالقيم المناقبية، ولا عذر له غير الجهل وفقد الإدراك".
وأهاب سعاده بكلّ من لحق به ظلما من الإدارة الحزبية، أن يطالب بالعدالة وبحقه عبر القضاء القومي الإجتماعي، لا أن يحنث بقسمه ويخون تعاقده:
"ولكل فرد يحسب نفسه مظلوماً في أمر أن يطلب المحاكمة العلنية إذا لم تجرِ محاكمة علنية لأغلاطه. فيكون أميناً على أنّ قضيته لا يُبتّ فيها بالخفاء بطرق لا يقرها المجموع".
ونظرا لأهمية هذه المقالة التعليمية ــــ التوجهية الخاصة بهذه الدراسة المعنية بالقسم السوري القومي الإجتماعي، نثبتها بحرفيتها "
يقول سعاده:
"إنّ من أعظم أضرار ضعف الأخلاق وانحطاط المناقب، فساد الحقيقة وذهاب الرجولة وفقد الأهلية وتفكك الاجتماع وتهدّم القضايا وركوب العار.
وليس أسوأ عاقبة من الحنث باليمين وفسخ العهود ونقض البيعة التي بها قيام القضايا والاطمئنان الأكيد بالتضامن في الحياة.
القضايا العامة تتحقق بالمجهود العام. فاليمين التي توجب التضامن الوثيق في المجهود العام تصبح القاعدة اللازمة لهذا المجهود، والشرط الذي لا يمكن قيامه إلا به. وكسر اليمين خرق لحرمة المجهود العام، وتعريض لهذا المجهود لأخطار غير منتظرة، مع ما يلزم ذلك من إمكان وقوع العذاب والتعذيب على الأوفياء الثابتين على إيمانهم بسبب فشل ضعيفي الأخلاق وتزعزعهم. وإذا تركنا احتمال وقوع العذاب والتعذيب، ونظرنا فقط في الآلام والمتاعب التي يورثها تقلقل الصفوف من جراء تزعزع ضعفاء الأخلاق. لكفى ذلك مجالاً للتمعن في بعض نتائج خرق اليمين السيئة.
ولكن الجيل السوري الحاضر لم يتعود مناقشة النفس في الأضرار التي يمكن أن تلحق الأمة أو الحزب أو القضية من جراء شذوذ الأفراد عن قواعد المجهود العام. ولذلك يندر أن تجد أفراداً مدركين هذه القواعد ومهتمين لها وعارفين مقدار ارتباط الشخصية بها في المجتمع أو في نظام الاجتماع.
الحقيقة أنّ خرق اليمين من أسوأ جرائم الاجتماع المناقبية. فإذا بليت به أمّة دكّ عمرانها إلى الحضيض، وإذا شاءت أمّة عاثرة النهوض كان الحنث باليمين وخفر الذمة ونكث العهد في صدر الأدواء التي يجب معالجتها لكي يمكن أن تعمّر نهضة، وأن يثمر مجهود عام، وأن تتحقق قضية. فوجود المبادىء والتعاليم الأساسية للقضية القومية لا يكفي وحده لتحقيقها. فلا بدّ من العزائم الصحيحة للعمل العظيم. والعزائم الصحيحة لا توجد في النفوس التي غلبت مثالبها مناقبها.
وإنّ داء نقض العهد وخفر الذمة والحنث باليمين هو من أروع الأدواء التي كشفت عنها مجهودات التنظيم السوري القومي الاجتماعي في الجيل السوري. فإن السهولة التي ينقلب بها غير واحد من الناس على يمينه وينقض بيعته، لأتفه الأسباب أحياناً، وأحياناً لدى أول الاصطدامات بين النزعة الفردية ومقتضيات النظام الإداري والعملي، لهي من الظواهر المخيفة المرعبة، التي تهدد كل محاولة من محاولات المجهود العام المنظم لبلوغ بعض الأهداف القريبة أو البعيدة. وإنّ أقلّ نتيجة عامة من نتائج هذه الظاهرة السيئة هي: فقد الثقة بصحة العزائم وضياع الأمل في الإرادة القومية العامة.
اصطدم الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذه العقبة وتعرّض لهذا المرض النفسي المتفشي في الجيل السوري الحاضر. وفي كل فرع تأسّس جديداً للحزب كانت قضية نكث العهد والحنث باليمين بكل سهولة من القضايا الأولية التي لم يكن بدّ من معالجتها ومن الاحتياط لها. والمؤسف أنّ حوادث كثيرة من حوادث الاستهتار باليمين لم يمكن تلاقي انتهائها بسقوط عدد من الأفراد، كان يمكن أن يفيدوا القضية القومية الاجتماعية، فريسة هذا الداء النفسي الوبيل. وأخوف ما في هذا المرض أنّ الذين يفتك بهم ويحوّلهم من أشخاص قابلين للتنظيم الاجتماعي والسياسي إلى أفراد لا يعوّل عليهم في العمل القومي المنظم يسيرون، بعد ارتكاب جريمة نكث العهد، باختيال وكبر كأنهم قاموا ببطولة باهرة تستحق الإجلال والتعظيم!
إنّ عدداً من الذين قتل قواهم النفسية داء الاستخفاف بالبيعة واستسهال الحنث باليمين، وسقطوا من صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي لهذا السبب الجوهري، يرفعون رؤوسهم في المجالس والمجتمعات باعتزاز ويطلقون ألسنتهم في القدح في نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي حاول شفاءهم من مرضهم الهدام للمجتمع، كأنهم حائزون على المؤهلات الأخلاقية والمناقبية والحقوقية للحكم على الحزب ونظامه!
وغير نادر أن تصغي المجالس والاجتماعات الخالية من الشعور بالمسؤولية ومن تقدير النظام إلى «أحكام» أولئك المارقين بشيء كثير من الموافقة ومن القبول! فإن تعوّد الناس انعدام النظام والمراجع المحاسبة، السائلة، وممارستهم الانفلات من القيود النظامية ومن المسؤوليات ومن القوة المناقبية جعلاهم يجدون خرق النظام ونكث العهد شيئاً اعتيادياً وقاعدة مألوفة لا غبار عليها! فالذين ينكثون العهد وينزعون اليمين التي في الأعناق بالسهولة عينها التي ينزعون بها الأُرَبة (الكرافات) أو يفكون بها رباط الحذاء حين يخلعون ثيابهم للنوم، يفعلون ذلك بكل دم بارد ويخلوّ تام من الشعور بعظم الفضيحة الأخلاقية والمناقبية التي يرتكبونها، معتمدين على قبول الأوساط الرافضة النظام، الجاهلة خطورته الأساسية في التعمير الاجتماعي وفي التخطيط السياسي، هول الفضائح وحسبانها أعمالاً غير مخلّة بقواعد الشرف وبحياة الوجدان.
إنّ القواعد المناقبية الأولية لكل مجتمع متمدن، بل لكل مجتمع متوحش أيضاً، ترفض مجرد الكذب والبهتان والإخلال بالوعد، فكم بالحري يكون رفضها لنكث العهد المقطوع والقَسَم المشهود.
أجل، إنّ نكث العهد والحنث باليمين يعدّ، عند المتمدنين وعند المتوحشين على السواء، خيانة يأباها الوجدان وجريمة ضد المجتمع وغدراً بالجماعة التي ارتبط بها الناكث بموجب اليمين التي حنث بها. فلليمين خطورة عظيمة جداً في علاقات المجتمع الإنساني وروابطه. وهي بطبيعتها تصبغ الأمور المقطوعة لها بصبغة الواجب الذي لا مفر منه، إذ اليمين توضع للأمور العظيمة دون الصغيرة وللقضايا الأساسية الجوهرية دون المسائل السطحية العرضية. فالإنسان لا يحلف يميناً على أنه سيأكل كل يوم، لأن طلب الغذاء من طبيعة الحياة، ومقتضياتها تدفع الإنسان إلى الأكل من غير الاحتياج إلى عزيمة نفسية خاصة. ولا على أنه سيتاجر أو يتخذ حرفة يكسب رزقه منها. ولا على أنه سيتزوج. ولا على أنه سيركب سيارة إذا أمكنه، ولا على أنه سيلعب بالنرد أو التنس، ولا على أنه سيراسل من يراسله ويقاطع من قاطعه، وغير ذلك مما شاكله. ولكنه يحتاج لحلف يمين للانقطاع عن الأكل حتى الموت، مثلاً. ويحتاج لليمين للتضامن في طلب ثأر، أو في بلوغ مكرمة، أو في دفع عدو عن الوطن أو في قلب حكومة وإنشاء نظام جديد، وغير ذلك مما شاكله من المطالب والأحداث الجليلة المتعلقة مباشرة بعزائم النفوس في ما يختص باعتقادها في ما هو الأفضل والأسمى والأعز من حالات الحياة ومراميها. ولذلك كانت اليمين من المسائل النفسية العظيمة الخطورة. فهي تتعلق بالإدراك والعقيدة وصدق العزيمة في ابتغاء تحقيق المطلب ضمن النظام أو التدبير المقرر.
لا يمكن، إلا في حالة الجهل المطبق، إعتبار اليمين أمراً هيناً الدخول فيه والخروج منه. لأن القَسَم لا يطلب إلا في أمر جلل، ولا يُعطى إلا في ما يُبتغى به تحقيق ما لا ترى النفوس مندوحة عنه ولا ترضى إلا به. وفي الأعمال المجموعية تُعطى اليمين تثبيتاً لعزيمة لا رجوع عنها ولارتباط لا انفصام له إلا بزوال المطلب العام أو بسقوط النظام الذي يبتغي به تحقيقه.
وإننا نرى تقدير الزعيم لخطورة اليمين، وعظم أهمية العمل القومي المنظم لتحقيق العقيدة القومية الاجتماعية ولما يقتضيه ذلك من صحة العزائم، في طلبه من كثيرين مراجعة نفوسهم قبل الإقدام على حلف اليمين ليكون حلفهم بوعي وإدراك تام لخطورة الموقف وما يترتب عليه. ومع ذلك لم يمكن شفاء بعض المرضى من داء الاستهتار وضعف الأخلاق والعبث بالمبادىء العامة.
لا حجّة لمن يحنث بيمينه في الحزب السوري القومي غير ضعف الأخلاق والاستهزاء بالقيم المناقبية، ولا عذر له غير الجهل وفقد الإدراك. ففي الحزب السوري القومي الاجتماعي شرع يضمن لكل فرد حقه كفرد في النظام والعمل والرأي، ولكل فرد يحسب نفسه مظلوماً في أمر أن يطلب المحاكمة العلنية إذا لم تجرِ محاكمة علنية لأغلاطه. فيكون أميناً على أنّ قضيته لا يُبتّ فيها بالخفاء بطرق لا يقرها المجموع. ولكن الذي ينظر في قضيته أمام نحو ستين أو ثلاثين عضواً من رفقائه أو أمام أكثر أو أقل من هذا العدد، على نسبة اتساع البيئة، وتصدر في حقه الأحكام المبينة أغلاطه القانونية والقاضية بفرض قصاص محتمل عليه، ثم يثور ثائره، لأن أنانيته تأبى إلا أن تكون فوق النظام وفوق الحق وفوق القانون وفوق اليمين، وينكث عهده مفضلاً اتّباع أهوائه على اتّباع النظام والحق، أي شيء يمكن أن يقال فيه أقل من وصفه بضعف الأخلاق والعبث بحرمة المبادىء العامة وخيانة الحركة ونظامها وأهدافها؟
أحد القوميين في الوطن حكم عليه بالفصل من الصفوف أثناء وجود الزعيم في السجن الأول فلما خرج الزعيم من سجنه جاء إليه مستأنفاً دعواه إليه، ووضع أمام الزعيم كيساً صغيراً فيه قطع نقود معدنية يبلغ مجموعها كل المترتب على ذلك الفرد من الاشتراك الشهري في المدة التي كان موقوفاً فيها، وقال للزعيم: «لقد حكم عليّ، يا مولاي، بالفصل عن العمل النظامي ومفارقة صفوف الحركة. ولكني لست براجع عن يميني، وإني أرفع قضيتي إلى أعلى مرجع في الحزب. فإذا أيّد حكمه حكم الفصل السابق فقد قضي الأمر. وإذا نقضه وأعادني إلى الصفوف عدت طائعاً ومحافظاً على يميني». إنّ أمانة ذلك الجندي ليمينه ومتانة أخلاقه أنقذتاه من الظلم وشرّفنا يمينه.
ولكن كم هو عدد الذين لمجرد أنّ شيئاً بسيطاً لم يكن على خاطرهم قالوا: «ننسحب من الحزب ولا يهمنا ما يصير»؟ فيرتكبون جرمية خيانة العهد وقطع الرباط النظامي الذي به قيام القضية.
إنّ النظام يضع الحدود للأفراد ليمنع استبدادهم ويلوي عنادهم ويخضعهم للإرادة العامة الممثلة في النظام ومؤسساته. والفرد الواعي، الذي منه خير، هو الذي يحافظ على يمينه مهما حدث مما يعكر مزاجه ويصد بعض رغباته. أما الذي يظن أنّ كل حكم يصدر في النظام ويكبح رغباته ويطلب إجراء الأمور على غير رأيه، أو غير ذلك ما لا يوافق هواه، هو سبب كافٍ لإهمال يمين أدّاها في موقف مهيب أمام قضية عامة مقدسة فهو ناكث مفسد. فإن كان يعلم ذلك فهو خائن مجرم يجب احتقاره. وإن كان يجهل ذلك يؤدب، فإن رفض التأديب فهو ساقط مكابر فضلاً عن أنه مجرم.
حافظوا على أيْمانكم التي في أعناقكم تفلحوا!”.
*************
ســـلـــطـــة الـــزعـــيـــم
"كثيرون سألوا ويسألون: لماذا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم؟
وبديهي أنّ تسعة وتسعين بالمئة من هؤلاء السائلين، ولا نقول مئة بالمئة، هم من العامة الجاهلة أو من الذين لا ثقافة صحيحة لهم، نظرية وعملية، في الأوضاع السياسية والحقوقية وتطوراتها، وفي الحالات الاجتماعية والنفسية العامة، ومن الذين لم ينالوا قسطاً وافياً من درس التاريخ ونشوء الدول وتنازع السيادة فيها.
حقيقة أخرى يجب تقريرها: أنّ جميع هؤلاء السائلين لم يحملوا في زمانهم مسؤولية إدارية ولم ينخرطوا في سلك جيش يتعلمون فيه فضائل النظام ومجابهة الأخطار وإتمام الواجب والإقدام على الأمور الخطيرة، ولم ينالوا تربية سياسية من أي نوع، ولم يأخذوا نصيباً حتى ولا من التمرن المكتبي البسيط. وبينهم عدد من التجار المحتالين على القوانين، ومن العابثين بالمناقب والآداب الاجتماعية، ومن الفوضويين المستعدين للتمرّد على كل ما لا يعجبهم وما لا يكون الحكم فيه راجعاً إلى أهوائهم وميولهم.
وحقيقة أخرى أنّ أكثر السائلين السؤال المتقدم هم من الذين صدئت عقولهم لفرط إهمالها. فما خلا التفكير بالبيع والشراء، وأحياناً كثيرة بالقمار، لا تجدهم يروّضون عقولهم في درس موضوع أو معالجة قضية. ولذلك تراهم يلتقطون الأفكار البسيطة الشائعة التقاطاً من غير تفكير وكد ذهن. وإذا اتفق لك أن التقيت بهم وقد عثروا بكلام جديد فالويل لك، لأنهم يهاجمونك به مهاجمة عنيفة بلا شفقة ولا رحمة. فهم، غالباً، جهّال مكابرون لا يقرّون بجهلهم ولا يعترفون بتفوق أحد عليهم.
هذا السؤال: لماذا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم، هو كلام التقطوه من صحف الإذاعة «الديموقراطية» ضد هتلر وموسوليني. فهو ليس من عندياتهم. واقتصارهم عليه من غير أي تحليل لوضعية سياسية ــــ اجتماعية معينة دليل قاطع على أنهم يرددونه ترديداً ميكانيكياً لا إعمال فكر فيه ولا روية، وعلى أنهم ليسوا على شيء من الدراسة في التاريخ السياسي وعلم الحقوق الدستورية. وإنّ فيه دليلاً على جهلهم التّام مبدأ الأسباب والمسببات، ومبدأ الكفاءات والاحتياجات.
تعظم المصيبة ببعض السائلين إذا كان قد اتفق له أن قرأ أو سمع شيئاً عن الحكام المستبدين في القرون المظلمة وشيئاً عن الثورة الفرنسية فهو حينئذٍ لا يكتفي بهذا السؤال الاستنكاري، بل يندفع في النقاش للبرهان على عدم صلاح السيطرة الفردية، وعلى وجوب رجوع الأمور إلى قاعدة التمثيل الشعبي للمحافظة على حقوق الشعب، ودفعاً لاستبداد الأفراد.
من هذه النقطة العالية عن المستوى العادي نريد أن نعالج هذه المسألة الخطيرة. ونضع نقطة ابتدائية هذا السؤال: ما هي أسباب الثورة الفرنسية وجعل سلطة التشريع في مجلس ممثلي الشعب المنتخبين؟
الجواب: الأسباب هي استبداد الملوك فيما لا يعود على الشعب بالنفع.
ننتقل إلى سؤال آخر: هل كان الشعب الفرنسي يثور على الملوك لو كان استبدادهم في ما يعود على الشعب بالخير؟
الجواب العامي: لا.
الجواب الذي قد يعطيه بعض فلاسفة الحقوق: أنّ هنالك أمراً غير الاستبداد يمكن أن يكون سبباً لنزاع عنيف بين الشعب والملك. وهذا الأمر هو: قاعدة المُلك الوراثي التي تفرض على الشعب حكاماً قد لا يريدهم.
من السؤالين والأجوبة المتقدمة نرى أنّ الأسباب للقيام ضد السلطة الفردية المطلقة نوعان: نوع مباشر وهو حصول الاستبداد فيما لا يعود على الشعب بالخير، وهو الأقوى والأشد فاعلية، ونوع مداور هو: وراثة الحكم المطلق من غير استفتاء الذين سيجري الحكم عليهم.
ولا يمكن أن يكون هنالك غير هذين السببين لحمل الجمهور على النهوض في وجه الحكام. هذا باستثناء الحركات الفوضوية التي تخرج على كل نظام وكل سلطة. والذي يقرّه المنطق والاختبار أنّ الشعب لا يقف في وجه المستبد لخيره، بل يحبه ويمدحه ويدعو له بطول البقاء. وأخبار الحكّام والملوك الذين مجدتهم شعوبهم غير قليلة في التاريخ.
لنأخذ الثورة الفرنسية قاعدة لبناء درسنا فما هي الصورة الكلية التي تتمثل لنا منها؟
هي صورة شعب قام ليصلح فساد الحكّام. والصورة هذه واقعية، لأنها صورة الفعل الذي حدث.
وإذا أردنا أن نقابل حالة سورية على هذه الصورة فما هي النتيجة التي تحصل من هذه المقابلة؟
النتيجة هي حصول صورة مقابلة، أي معاكسة، لصورة حالة فرنسة: في سورية لا نجد اليوم ملوكاً وراثيين يستمدون سلطتهم من الله ليحكموا الشعب على هواهم ويستبدوا فيما لا يعود عليه بالخير. في سورية فساد الحكم هو من فساد الشعب. فالنواب في لبنان والشام الذين يبيعون مصالح الشعب بالمزاد السري هم نواب منتخبون انتخاباً عاماً من الشعب، ولكن الشعب في حالة فساد كثير فهو يجهل حقوقه ومصالحه ولا يشعر بوحدتها ووحدة شخصيته. في سورية رجال الدين الفاسدون قد حوّلوا الطوائف إلى أحزاب سياسية، ورجال الشعب خضعوا لسياسة التفرقة الدينية وانقادوا إلى مثالب الانحطاط فباعوا «باكوريتهم» أو أصواتهم الانتخابية بيعاً وهم لا يدرون أنهم يبيعون حقوق سيادتهم. في سورية تعلّم الفرد ألا يهتم لضرر الشعب بل لمنفعته الفردية فقط.
في سورية المناقب تحولت إلى مثالب والأخلاق انحطت. فالفساد في الشعب والشعب الفاسد الروحية يحتاج إلى إصلاح. والإصلاح، الذي لا يمكن أن يكون إلا من الداخل، يجب أن يكون من فرد انشق على فساد المجموع وتغلب على أهوائه. هذا الفرد هو الذي يحتاج إلى ضمانات السلطة ضد فساد الشعب وليس الشعب هو الذي يحتاج إلى هذه الضمانات.
إنّ هذا الفرد المصلح يجب أن ينال ضمانات السلطة المطلقة ليضرب بيد من حديد على أيدي تجار الحقوق القومية والمصالح الشعبية، وليضع حداً لعبث العابثين بالنظام ولتدجيل المزدرين بكرامة الأمة وحقوقها، وليمنع الفوضى وليعلّم ويدرب وينشىء المؤسسات الجديدة الصالحة لحمل أعباء مطاليب الحياة الجديدة، وليضع قواعد سلوكية جديدة تقيم فضائل الحرية والواجب والنظام والقوة بدلاً من الفوضى والرغبات الخصوصية والعادات والمشارب الانحطاطية والتفكك والتراخي.
وإذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة، من جراء المناورات التي قام بها أفراد جلبوا معهم إلى داخل الحزب أمراض النفسية الانحطاطية وحاولوا أن يحوّلوا الحزب إلى ميدان تتبارى فيه منافعهم الخصوصية وأهواؤهم. والفضل في إبطال هذه المناورات يعود إلى مقدرة الزعيم وإلى سلطته غير المحدودة التي زادت إيمان مجموع الحزب به، بدلاً من إضعافه.
إنّ الذين لا يريدون هذه السلطة غير المحدودة للزعيم هم، في الغالب، الذين لا يريدون أن يتقيدوا بمسؤولية نظامية مربوطة إلى سلطة على أعمالهم ولها الكفاءة لمحاسبتهم على ما يفعلون. إنهم لا يريدون محاسبة، ولا يريدون أوامر، ولا يرغبون في طاعة، ولا يريدون أن يقفوا تجاه مرجع أعلى يحاسبهم. ولذلك يفضلون أن تبقى المسائل «راجعة إلى العموم» وهم على ما هم عليه من الجهل والفساد فتضيع المسؤوليات ويعطل الواجب ويشلّ النظام وتقوم دولة المصالح الفردية، النفسية والمادية، مقام مصالح الأمة.
إذا كانت هنالك فردية استبدادية في ما لا يعود على الشعب بالخير يجب محاربتها بكل شِدَّة فهي فردية هؤلاء السائلين باستنكار: لماذا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم؟
والطريقة الوحيدة للقضاء على طغيان هؤلاء العائثين فساداً في الشعب هي في تأييد سلطة المصلح المطلقة.
ويجب أن نفهم جيداً أننا في سورية لا نواجه صورة شعب غاضب على حكام أو قاعدة حكم، عامل على إصلاح فساد حكام، بل صورة شعب تغلغل الفساد في جميع طياته وأصبح في حالة مرض وشلل، وفرد قد تجرّد لاستئصال الفساد وإصلاح أمر الشعب، وكل ضعف في سلطة هذا الفرد المصلح قد تؤدي إلى زلة إلى الوراء أو تشقق وتهدم في البناء.
نحن نعلم أنه لكثرة الفساد في الشعب قد فقدت الثقة بالأفراد ونعلم أيضاً أنه لهذا السبب عينه يجب أن يعطى المصلح الخبير هذه السلطة غير المحدودة.
*************
سلطة الزعيم ضمان سلامة الحزب السوري القومي
عالجت في العدد الماضي مسألة سلطة الزعيم، غير المحدودة في أساسها النظري وفي مقتضياتها الراهنة، فمن فاته من الدارسين قراءة البحث المتعلق بهذه المسألة فليعد إلى العدد السابق.
قلت في عُرض المقال السابق:
«وإذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرّت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب، وإن بقيت العقيدة، من جراء المناورات التي قام بها أفراد جلبوا معهم إلى داخل الحزب أمراض النفسية الانحطاطية وحاولوا أن يحوّلوا الحزب إلى ميدان تتبارى فيه منافعهم الخصوصية وأهواؤهم»
من هذا القول آخذ النقطة الابتدائية للدرس الجديد الذي يشتمل عليه هذا المقال في ضمان سلامة الحزب السوري القومي بواسطة سلطة الزعيم التشريعية والتنفيذية التي بايع القوميون سعاده عليها مبايعة بقسم صريح النص.
لنعد قليلاً إلى الوراء إلى أصيل القرن الماضي، ولنبدأ نتتبع سير الأفعال السياسية والاجتماعية بين السوريين منذ ذلك الوقت حتى اليوم. فماذا نرى في هذه السياحة وما هي النتيجة التي تحصل لنا من هذا الاستعراض؟
نجد الأفعال السياسية والاجتماعية متشعبة إلى:
1 ــــ جمعيات سياسية فدائية قامت على غير قضية واضحة وعلى أساس التخيلات المستمدة من تاريخ مغلوط وأدب أولي غير ناضج.
2 ــــ جمعيات دينية مسيحية وإسلامية ودرزية.
3 ــــ جمعيات خيرية طائفية في معظمها ومختصة بسكان أو أبناء بلدة معينة.
4 ــــ جمعيات أدبية لحملة الأقلام والخطباء.
5 ــــ جمعيات المهن المتنوعة.
6 ــــ جمعيات أخرى ذات صفات متنوعة، سرية وغير سرية، كالماسونية والكشاف وغيرهما، وذات صفات إنسانية عامة.
فإذا فحصنا كل جمعية من هذه الجمعيات وأحوالها، فما هي الصفة البارزة التي يجدها الفاحص، ويجد أنها كانت الغاية الأساسية وراء مظاهر العاملين فيها، وأنها قررت مصير الجمعيات؟
الجواب: الغايات الشخصية المادية المعنوية.
بعض النفعيين يستنبطون فكرة إنشاء جمعية أو اجتماع أو مؤتمر للوصول إلى غاية مادية أو معنوية خاصة بهم، وبعض النفعيين الآخرين ليست لهم قوة الاستنباط لهذا الغرض.
فإذا كانت جمعية من الجمعيات التي عددتها آنفاً نشأت بمباشرة نفعي وضع غاية الجمعية أو دعا لوضع غايتها وتأليفها فالمبدأ الشخصي في أساسها وبدء فكرتها. وإذا كانت نشأت بمباشرة شخص أو أشخاص مخلصين لخدمة الضيعة أو الطائفة أو فكرة سياسية مستحسنة فلا تكاد تبرز إلى الوجود حتى يقبل عليها كل نفعي في جوارها يرى فيها وسيلة لبلوغ مأرب أو مآرب من مآربه النفعية.
والنفعيون، في الغالب، متنبهون أكثر من العموم وأكثر من المخلصين لسلامة الغاية العمومية، وأخبر منهم وأشد سعياً في الأعمال واهتماماً بالأمور، نظراً لشدة رغبتهم في الاطلاع على دخائل الأمور وفي القبض على المسائل لأخذ المنافع منها، خصوصاً في حالة الجهل المتفشي في شعبنا. فلا تكاد تنشأ جمعية أو مؤسسة حتى يجتاحها النفعيون المفسدون، وما أكثرهم بيننا. ولا يكاد يمضي على وجودهم في الجمعية أو المؤسسة وقت قصير حتى يبدأ تزاحمهم على الوظائف والمناصب. وبعد قليل من الوقت يحل الطمع في الوظائف والمناصب محل غاية الجمعية الأساسية، وهمية كانت أو حقيقية، وبعد وقت قليل يظهر الحسد والتباغض والشقاق فينتهي أمر الجمعية إلى لا شيء، أو ينفرد بها نفر فيقصون غيرهم عن الجمعية ويخلو لهم الجو لاستغلالها لمنافعهم، حتى ولو كانت الجمعية خيرية لمساعدة المحتاجين، أو للاهتمام بالمرضى وإيوائهم.
أي جمعية أو حزب أو مؤسسة سورية قبل الحزب السوري القومي لم يكن هكذا تاريخها؟ وإذا قال قائل إنه وجدت جمعية صغيرة في بلدة قامت مدة وجيزة من الزمن بإخلاص وتعاون نزيه في العمل واتفاق ووئام، فهو شذوذ نادر لا يقاس عليه.
أي جمعية ذات صفة عمومية موجودة اليوم لا تعاني شلل الأعمال وجمود الروح بسبب تزاحم «البارزين» من أعضائها على الرئاسة والناموسية وخزانة المال وعلى القبض على المشاريع التي يمكن أن تحصل من ورائها منافع للقابضين عليها؟
حتى البلدية في القرى والبلدان في الوطن ليست سوى وسيلة للقبض على المنافع، فرئيس البلدية يستخدم مستخدمي البلدية لمنافعه الخصوصية، فالحراس ليحرسوا منزله، وفتح الطرق الجديدة يجب أن يكون بقرب مسكنه ومساكن أقربائه ومن له مصالح مادية معهم. وكثيراً ما يستخدم عربات البلدية وعمالها لبناء منزل أو إصلاحه ولسقي بساتينه. وهو يقبض أموالاً لقاء تحويل طريق من جهة إلى جهة أو غير ذلك.
والماسونية السورية ليست سوى أمكنة للتزاحم على رئاسة المحافل وعلى الوظائف الوهمية للتنافس فيها.
ولا نبعد كثيراً فكم نسمع، هنا في الأرجنتين، عن هذا الفساد العظيم في مئات الجمعيات المنتشرة في جميع أوساطنا في هذه البلاد؟
رأى الزعيم هذه الأهواء الجامحة العابثة بالغايات النبيلة والمثل العليا من أجل المنافع الخصوصية. ورأى أنّ تقهقر الشعب السوري تحت السلطة الأجنبية مدة قرون قد أوجد انحطاطاً في المناقب والأخلاق يعز نظيره في أمة من الأمم، فوطَّد النفس، منذ أول دقيقة تسلّم فيها مقاليد زعامة الحركة السورية القومية، على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الانحراف بالأعمال الحزبية عن قاعدة النظام، ومحاولة العمل للمنافع الخصوصية، مهما كان نوع هذه المنافع، كما أنه جعل مهمته الأولى تثقيف من وجد نفوسهم طيبة، مجرّدة عن المآرب النفعية، صالحة لحمل القضية بإخلاص، قابلة لسلوكية المناقب والأخلاق الجديدة، مستعدة لحمل المسؤوليات واحترام القوانين والأحكام وقداسة اليمين التي يؤدونها، وتدريبهم على الأنظمة والقوانين التي سنّها وقبلها الحزب كله وأكبرها رجال الحقوق فيه. فما استشعر الزعيم بادرة انحراف نحو الفساد في جهة من الجهات حتى باشرها بالعلاج التثقيفي، فإذا لم ينفع العلاج اتخذ طريقة حاسمة لقطع دابر الفساد وإهلاك بؤرته.
بهذه الطريقة أمكن القضاء على جميع محاولات من سوّلت لهم نفوسهم حسبان الحزب السوري القومي كالجمعيات والأحزاب التي عرفوها أو عرفوا عنها من قبل، أي وسيلة لبلوغ مآربهم أو لإرضاء خصوصياتهم وميولهم.
وقد قال الزعيم في أثناء معالجته حادثاً من حوادث المآرب النفعية الشخصية هذا القول الكبير: إنّ ظهري قد يكون سلَّماً، ولكنه سلّم صالحة ليرتقي عليها شعبي فقط. أما المآرب النفعية فتنقلب عنها إلى الحضيض!
وهنالك عدد من المتعيشين وذوي المآرب الخصوصية في المهجر لم يروا من الضرورة درس تاريخ الحزب السوري القومي ولمس دعائمه الفلسفية والحقوقية المتينة فانضموا إليه وهم يتوهمون أنهم سيتمكنون من إيقاع الحزب والقضية في حبائلهم فعولجوا ليرعووا فلم يقبلوا العلاج فنفوا من الأوساط القومية، وانكشفت للناس مثالبهم.
كثير من الناس الذين لا يدركون قيمة الأعمال الإصلاحية والتطهيرية ولا يرون أكثر من نطاق بيئتهم الشخصية المحدودة يتساءلون: لماذا طُرد فلان، ولماذا هذه السلطة العليا للزعيم في إيقاف كل فرد عند حدِّه؟
وهم من جهة أخرى لا يرون كيف يفسح الزعيم المجال لذوي النفسية والمواهب الصالحة المفيدة للنهضة القومية، وكيف يرفع الرجال النبلاء من الحضيض الذي ألقتهم فيه أهواء النفعيين ومثالب الرجعيين حيث ديست كرامتهم وهضمت حقوقهم، لأنهم كانوا سليمي النية ولا يعرفون حيل الدجالين وأصحاب المآرب ولؤمهم.
وهؤلاء المتسائلون ينسون، أو يجهلون تفشّي الفساد الأخلاقي والمثالب الروحية في الشعب، فيقولون عند كل حادث استئصال: «ماذا في الحزب السوري القومي؟».
والأصح أن يقولوا: «ماذا في الشعب السوري الذي يقوم الحزب السوري القومي بأكبر عملية لتمييز صالحه من فاسده؟».
الحركة السورية القومية تزرع وتحصد، ولكن يأتي بعد الحصاد دور الغربلة والتنقية. ولمّا كانت الأرض المزروعة مهملة من قبل ولم يمكن تطهيرها من جميع الأشواك والنباتات الضارة دفعة واحدة، فليس غريباً أن نرى المواد المنبوذة غير قليلة
وسأعطي في العدد القادم مثالاً من الحوادث التي واجهها الحزب السوري القومي وانتصر عليها بفضل دستوره وسلطة زعيمه المطلقة[36].
بناء على كلّ ما تقدّم، نحن في القسم السوري القومي الإجتماعي، أقسمنا، وستقسم أجيال الأمة القادمة بعدنا، متعاقدين جميعا مع سعاده ــ الزعيم ــ القائد القدوة، على قضية تساوي وجودنا، أقسمنا بوعي وعزيمة صادقة وإيمان لا يتزعزع بأنّ:
كلّ ما فينا هو من الأمة السورية،
وكلّ ما فينا هو للأمة السورية،
حتى الدّماء التي تجري في عروقنا،
ليست ملكا لنا، هي وديعة الأمة السورية فينا
ومتى طلبتها الأمة السورية وجدتها..
بهذا الإيمان نحن ما نحن،
ونحن ما سنكون،
ولن نرضى بما هو كائن،
إلى أن يكون ما نريد.
سيظلّ هتافنا يدوّي:
لتحي سورية القومية الإجتماعية. وليحي الزعيم العظيم ــ سعاده.
*************
[1] سعاده، وضع الدستور بتاريخ 21-11-1934، وصنّفه بتاريخ 20-1-1937.
[2] راجع "الدستور"، طبعة 2010، ، ص 10و11 .
[3] سعاده، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص511.
[4] سعاده، مقدمة الدستور.
[5] سعاده: الأعمال الكاملة، ج 10، ص457. "رسالة إلى نعمان ضو، تاريخ 23-12- 1944"
[6] سعاده، المرجع نفسه، ص 219.
[7] سعاده، م نفسه، ص222.
[8] سعاده، م نفسه، ص 288.
[9] سعاده، النشرة الرسمية للحركة القومية الإجتماعية، العدد1، المجلد 1، تاريخ 15/11/1947.
[10] سعاده جنون الخلود، ط 2012، ص73.
[11] سعاده، جريدة الزوبعة، العدد 15، تاريخ 1-3-1941.
[12] سعاده، المرجع نفسه، ع 16، تاريخ 15-3-1941
[13] سعاده، الإسلام في رسالتيه، ط3، 1958، ص 165 " الدين والفلسفة الإجتماعية"
[14] الإسلام في رسالتيه، ط 1958،ص87
[15] سعاده، م.ن. ج8، ص 282
[16] سعاده: م ن، ج7، ص295
[17] سعاده: جريدة الزوبعة/ ع 80، تاريخ 4-9-1944
[18] سعاده: راجع المبدأ الثامن.
[19] سعاده: الأعمال الكاملة، ج9، ص18
[20] سعاده: محاضرة في مؤتمر المدرسين القوميين الإجتماعيين، عام 1948.
[21] سعاده: الأعمال الكاملة، ج10، ص132.
[22] سعاده: الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية، بين الجمود والإرتقاء، ص87
[23] سعاده: قسم العقيدة؟
[24] سعاده: قسم العضوية
[25] سعاده: الاسلام في رسالتيه، ط1958، ص74"ضعف الادراك من نقص العقل"
[26] سعاده: الأعمال الكاملة، ج3، ص140. راجع المحاضرة السابعة.
[27] سعاده: شروح في العقيدة، ط اذار 1958 “القنبلة الجهر فردية وتفوق الأمم" الولاء القومي ص21
[28] سعاده: الأعمال الكاملة،ج 7، ص393 " مدرسة الأنانية ومحبة الذات"
[29] سعاده: المحاضرات العشر، نظرة سعاده إلى الإنسان
[30] سعاده: الأعمال الكاملة، ج6، ص156-158(النزعة الفردية)
[31] سعاده: م ن، ص489 (النجاح الفردي والقومي)
[32] سعاده، الإسلام في رسالتيه..ط 1958، ص 48
[33] سعاده: جنون الخلود، ط 2012، ص21
[34] سعاده: الأعمال الكاملة، ج7، ص88
[35] (راجع، سعاده، العقيدة السورية القومية الإجتماعية وبحث الديمقراطية عن عقيدة، تاريخ 15 حزيران 1942) الأعمال الكاملة، الجزء 6. سعاده : "شروح في العقيدة"،ط آذار 1958 ، العقيدة السورية القومية الإجتماعية، وبحث الديمقراطية عن عقيدة، جريدة الزوبعة، ع 46، 15 حزيران 1942 ص 11-18 .
[36] سعاده، الأعمال الكاملة، الجزء 4، ص 161 وما بعدها.