عندما يبدأ التردي في الاتساع، و يصل إلى حد الانهيار، في الوقت الذي تسقط منظومة الفضائل الأخلاقية، ومنظومة الفضائل النفسية، ونقترب من حالة الاضمحلال وتصبح المسألة خطيرة جداً، ويترافق هذا التدمير مع ميعان الفكر وتشتته وتخبطه وانزوائه، فيتسطح ويتيح مكانه أمام التصلب الأعمى.
في هذا المناخ، تنحط القيم الإيجابية، وتتراجع المصلحة العامة، وتتراجع التضحية والتعاون والتعاضد، و تنهار مقومات الصمود والصبر والإرادة و الإصرار، فيتراجع العقل والمنطق، ويسود التشويش والبلبلة والتخبط، تضيع البوصلة، فيفقد المعنيون القدرة على التحديد والتمييز، وتحصل الفرارات السريعة. يحزم من انهار حقائبه، و يفرّ من ساحة المعركة ملوّحاً كالضيوف، كأنه مسافر على ظهر سفينة عابرة.
في هذا الزمن بالذات، زمن التفاهة والتدهور، تتبدى المسؤوليات العليا، وأهمها المسؤوليات الأخلاقية وفي قمتها الواجب، واجب النهوض والمواجهة، واجب التصدي والصراع، هنا تنهزم أكثر البنى الأخلاقية والنفسية الهشة، يسلمون سلاحهم بلا قتال ويتكومون بانتظار مصيرهم الأسود.
مسؤوليات النهوض ومسؤولية الخروج من حالة التردي إلى حالة الوضوح والبناء، من حالة الفوضى إلى حالة النظام، هي عمل نبيل وبطولة، لكنه رهن بالنفوس العظيمة؛ والنفوس الوضيعة لا يمكنها أن تحقق النهوض، لأنها في الحضيض. هنا تتبدى مسؤولياتنا، مسؤولية التغيير والإنشاء، والأصح مسؤولية الإنقاذ، فيصبح السؤال المفصلي: في هذا المناخ المتردي، أين نحن، بصفتنا قوميين اجتماعيين آمنا وأقسمنا وتعاقدنا، ووعينا كل الأخطار التي تنتظرنا، من كل هذا؟ ما هو موقعنا المبدئي والعملي النضالي؟ وما هي مسؤولياتنا تجاه كل هذا الكم من التدهور؟
أيها القوميون،
القومية الاجتماعية بالأساس هي حالة نهوض حقيقيّة، لا بل هي حالة النهوض الوحيدة الجدية المعنية بالقيام بهذا الدور، هي حركة الدفاع المتقدمة في ظلّ واقع الأمة المزري منذ بداية انهيار السيادة ودخولنا عصر الانحطاط، مروراً بمرحلة التأسيس، وصولاً إلى عصرنا هذا. القومية الاجتماعية هي سيف الأمة وترسها وحارس أمنها وحياتها ومستقبلها؛ هي ردة الأمة الأصيلة على كل حالات التخلف.
هذا في المبدأ والفعل، وعلى هذا أقبلنا وتعاقدنا وأقسمنا يميناً بكامل وعينا وإرادتنا وحريتنا، بلا منة ولا جميل ولا مقابل. وعلى هذا المستوى يجب أن يكون فهمنا وتطبيقنا لهذا الفهم.
أيها القوميون
القومية، في خط التماس المباشر مع كل الأخطار، إذا كنا ومن يشاركنا الهم القومي في مواقع النضال، لا خلف أحد ولا في ظل أحد، فهذا من صلب طبيعتنا. والأهم أن موقع القوميّين هو في كل المواقع النضالية دون تمييز، في الفكر والأخلاق والاقتصاد والأمن والإعلام والمجتمع والفنون وكل شؤون الحياة. كل المواقع بالنسبة إلينا هي مواقع نضالية نهضوية نخوض فيها ما استطعنا سبيلاً.
أيها القوميون،
إذا كان بعض القوميين قد أصابهم الوهن أو التعب، أو التباطؤ أو عدوى التراجع المعنوي، فهم بالأساس بشر، ولكنهم ليسوا جبناء. الجبانة قد تصيب الأفراد، ولكن القومية حركة بطولة، والبطولة والجبانة لا تجتمعان. القوميون أبناء قضية تساوي وجودهم، وهم مستعدون للاستشهاد في سبيل تحقيقها، وقد فعلوا وصدقوا.
أيها القوميون،
ما هو أرقى وأنبل من أن تكون الحياة، كلها، كلها، وقفة عز؟
لو أن القوميون يقومون بدورهم الأساسي في كل الميادين، وبالمستوى المرسوم له، كما رسمه سعادة، لتغير وجه التاريخ بلا مبالغة. موقع القوميين هو في الدفاع عن النظام العام، وعن مؤسسات الدولة، وعن الآداب العامة، وعم نسق القيم الراقية وعن الحياة الاجتماعية. نحن جيش الامة المعنوي؛ لذلك، موقعنا أن نكون دائماً في الخطوط الأمامية في المواقع المتقدمة، لا رغبة في الظهور ولا طمعاً برغبات أو منافع.
القوميون سفراء فضائل الفكر، سفراء للمحبة والإلفة والتضامن والتسامح، هم أينما حلوا يفوح عطرها وشذاها.
القومية الاجتماعية رسمت أرقى نظام علاقات اجتماعية عرفته الأمة بلا منازع، وهذا أنموذج يستحق التعميم.
قد يكون التردي للآخرين قدرهم، أما نحن فمواجهة التردي واجب علينا. أرقى أنواع الواجب هو الواجب الأخلاقي، وعندما ينحط الواجب، تنحط الحياة وتتساوى بحياة العجماوات.
أيها القوميون، و لو بدا الأفق مسدوداً، والحمل صعباً، والتحدي كبيراً، لكنّ الإرادة أساس التغيير. أن يصل اليأس إلى القوميين، فهذه مسألة مخالفة لكلّ أساسنا النفسي الإبداعي.
أيها القوميون،
في خضم هذه المعركة لا مجال للتراجع، إنّ تعاقدنا على هذا الامر الخطير، القضية الحقيقية، يلزمها مزايا فوق العادة. لقد أثبتم أنكم قوميون فوق العادة، لا السجون ولا التعذيب ولا الاضطهاد ولا أحكام الإعدام ولا تدمير المنازل ولا كل الضغوط استطاعت أن تنال من صلابة القوميون، لأجل كل هذا سيكون القوميون في الموقع الصحيح الذي ارتضوه وأقسموا اليمين عليه. بالرغم من ثقل الحمل، لن يخذل القوميون أمتهم وقسمهم، لن يخذلوا معلمهم. سيكونون في موقعهم حيث تقتضي القضية، جنوداً في هذه النهضة العظيمة عاملين لنصرتها وعزتها. القوميون أوفياء لقسمهم ولأمتهم ولنفوسهم، والأوفياء لا يكونون إلا في المواقع الصحيحة هاتفين: لمجدك يا سوريا هذا القليل… نعم، سيكون القوميون في كل المواقع الصحيحة، لن يخذل القوميون معلمهم.
أيها القوميون،
أنتم ضمير هذه الأمة، فماذا يبقى من الأمة إذا استقال الضمير؟ إذا لم نقم بدورنا في هذه المرحلة من سيقوم بذلك؟
أيها القوميون، انتم الضمانة الوحيدة في هذه الأمة، ماذا يكون مصير الأمة اذا غابت الضمانة؟
في خطاب دير الغزال يقول المعلم:
إذا كنّا لا نصيح ولا نولول فلأننا أرقى من جميع هذه المظاهر، لأننا نعمل بالعقل والإيمان والتنظيم النافع، وسيرى العالم هذه النتائج وسيكون الانتصار الذي لا مفرّ منه.
أيها القوميون، أمام كل هذا التردي، وأمام مسؤولياتكم النبيلة والعظيمة:
ما انتم فاعلون؟