في خضم الأزمات العديدة التي نعاني منها في يومياتنا، بالإضافة إلى تلك التي تشكل تهديداً لوجودنا، تعترضنا، يوماً بعد يوم، محاولات حثيثة ومدروسة لكي تشتت انتباهنا عن قضيتنا وعن المسائل الأساسية التي تهدد أمتنا وتحرف تفكيرنا عن مصالح وطننا الكبرى. فغالباً ما نواجَهُ، حين نهتم بالشأن الثقافي، بعبارات استفزازية تستنكر انشغالنا عن سبل تأمين مقومات الحياة اليومية وعن البحث اليومي عن حلول لمعاناتنا المالية والاقتصادية.
إن هذا لا يمنع ذاك، بل على العكس، فالعمل الثقافي هو الإطار الأوسع الذي يجب أن ترتَّب من ضمنه كل المسائل والمشاغل والهموم التي تعترضنا، يطرح الأسئلة المناسبة، يعود إلى الأسس الفكرية التي وضعها حضرة الزعيم، بالإضافة إلى غيره من المفكرين، يستمزج الآراء، يرتب الأجزاء ليحصل على الصورة الكبرى، ثم يبحث عن الحلول الناجعة. لقد أراد أعداء الأمة لنا أن نغرق وسط المشاكل لكي ننسى الأسباب الأولى، تلك التي جعلتهم يرسمون خططهم، ويختلقون الأزمات الصغيرة والكبيرة ليمنعوا بوساطتها كل نظرة شاملة تعبر الحدود التي يحاولون أن يحاصرونا فيها.
لكن هذه الأوضاع الاستثنائية لا تمنع حزبنا من التنبه إلى المخاطر الكبرى التي تهدد تفكيرنا قبل أن تهدد مأكلنا ومشربنا وشؤوننا الحياتية، فقد أراد حضرة الزعيم لحزبه أن يشكل حصناً ثقافياً منيعاً يحارب فيه القوميون الاجتماعيون بالوعي كما بالسلاح.
والمعركة اليوم ثقافية قبل أن تكون حربية أو اقتصادية، وعلينا أن نفكر في سبل المواجهة بالثقافة الصحيحة.
واحد من الأمثلة التي تتبادر إلى ذهني ما حصل مؤخراً في بيروت خلال معرض الكتاب الفرنكوفوني ودعوة ثلاثة كتّاب معروفين بمواقفهم المساندة لكيان العدو الغاصب، وقد قام بعض الكتاب والناشطين بالإشارة إلى موضع الشبهة في نشاط كهذا، وكان لوزير الثقافة موقف مشرّف في رفض كل ما يمت إلى التطبيع بصلة. لكن... من سوء الحظ، لم يكن المسؤولون -عن قصد أو عن قلة اهتمام- دائماً متنبهين لخطورة التسلل الثقافي عبر الأنشطة المختلفة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، فعاليات جائزة الغونكور خيار الشرق، حيث كان يوزع، على الجامعات اللبنانية، عدد من الروايات، بعضها منحاز بشكل فاضح للكيان الغاصب، وهذا على مدى سنوات... ما الحل؟ منع مثل هذه الكتب؟ ولكن ما الذي يمنع شبابنا من قراءتها عبر الوسائل التي تتيح لكل مستخدم للشبكة العنكبوتية الوصول إلى كل كتب العالم؟ الحل مجدداً يكمن في التحصين الثقافي وبث الوعي وإيضاح المفاهيم لأكبر عدد من أبناء شعبنا، وبشكل خاص الشباب الذين تنصبّ حول عقولهم اليافعة الخطط التي تضعها الدول المعادية التي تسعى لأن تنسيهم هويتهم ومصالح وطنهم وتحويل أنظارهم نحو شؤون بعيدة كل البعد عنها.
التحصين الثقافي، هذه المهمة الأساسية التي وُجد حزبنا لأجلها. من أجل هذا ارتأت إدارة الندوة الثقافية المركزية أن تعمل على خطين: واحد يعنى بالشؤون العقائدية فيتعمق في دراستها، ويبحث في المواضيع التي تدور حولها نقاشات واختلاف في الآراء، وآخر يفتح الندوة _عبر وسائل التواصل_ أمام القوميين المهتمين بالإضافة إلى بعض المواطنين تيمناً بالجواب الإيجابي الذي أعطاه حضرة الزعيم حين طلب بعض المواطنين حضور الندوة الثقافية المركزية، أو ما عرف فيما بعد بالمحاضرات العشر. قليل من الكثير الذي يترتب على كل سوري قومي اجتماعي أن يهتم به، ولكنه أول الغيث، عسى أن يتنبه القوميون قبل غيرهم إلى خطورة الحرب الثقافية التي تشن علينا وضرورة العمل على مختلف المستويات لمواجهتها.