كثيرون من اساتذة الجامعات وطلاب الجامعتين الاميركية والLAU سمعوا بالدكتورة سلوى نصار وتوقفوا باعجاب امام تميزها العلمي، والاكاديمي، واكبروا فيها ذكاءها الحاد وعبقريتها واصرارها المستمر على العمل المعطاء في المجالات العلمية، مما جعلها تتبوأ اعلى المراتب العلمية وتحتل موقعاً متقدماً جداً في كل مكان علمي تواجدت فيه.
الدكتورة سلوى نصار اسم لمع كثيراً منذ ان كانت الطالبة الوحيدة في خريف عام 1933 التي دخلت الجامعة الاميركية، ثم عندما غادرت الى الولايات المتحدة ونيل شهادة الدكتوراة في الفيزياء، ثم في مشوارها العلمي الطويل في الولايات المتحدة، وفي لبنان.
انما لا أحد، نرجّح، يعرف ان الدكتورة المنصرفة الى علم الذرة والى الدروس الاكاديمية العليا، عرفت سعادة وانتمت سراً الى الحزب.
هذا ما يكشفه الامين جبران جريج في الجزء الرابع من "مع انطون سعادة"، إذ بعد ان يعرض في اكثر من مكان عن لقاءات سعادة مع الدكتورة سلوى، التي كانت تقطن في جوار منزل الامين جبران جريج في منطقة قريطم، يقول: " صادف مجيئه الى بيتي في احدى الامسيات وكانت ابنة شقيقتي تحيي مع بعض صديقاتها سهرة موسيقية خاصة تنبعث من اسطوانات تعمل على آلة بيك-اب.
" كن في هرج ومرج والبعض منهن يرقصن. عند دخول الزعيم أوقفن الموسيقى والرقص احتراماً لكن الزعيم، بالمقابل، توجه الى البيك – اب وادار الابرة فانطلقت الأنغام مجدداً وتوجه الى ابنة شقيقتي يراقصها ويراقص سواها. غمر الفتيات جو من الانشراح والمرح وعادت السهرة الى بهجتها وقد زالت من نفوسهن رهبة الموقف الذي كاد يعطل عليهن السهرة.
" دخلنا الى غرفة الطعام وأطلعني على الغاية من مجيئه ثم انصرفنا معاً لزيارة الدكتورة العالمة الذرية سلوى نصار، للبحث في بعض الامور العلمية والشؤون الاجتماعية التي كان يعالجها ويريد الوقوف على رأيها.
" ان الرفيقة الدكتورة سلوى نصار من العالمات بكل معنى الكلمة" قال لي، وعند ابداء دهشتي وسروري للخبر اجاب: "نعم، بسرية تامة".
عند خروجه من البيت، رافقتنا والدتي الى الباب الخارجي وهي تشدد على بقائه فرأى مجاملتها و قال لها: "ان شاء الله، فرحة جبران" فأجابته: "ان شاء الله، فرحة النصر، تلك فرحتنا الكبيرة" علّق على جوابها "ان شاء الله، بالنصر. ولكن فرحة النصر لا تمنع الفرحة بالرفيق جبران" ومنذ ذلك الحين درجت عبارة "بالنصر" .
وان كانت الدكتورة سلوى نصار قد اختارت العضوية السرية في الحزب، الا ان شقيقتها الرفيقة مرسيل نصار فارس(1) كانت ناشطة حزبياً، وما زلت اذكر عندما زرتها في منزلها في ضهور الشوير كيف راحت تدلني على الامكنة التي كان يلجأ اليها سعادة، وتتكلم في الحزب كأنها، التسعينية، انتمت البارحة.
*
لعل أكثر ما يضيء على حياة الدكتورة سلوى نصار الكتاب الذي اصدرته صديقتها الدكتورة نجلا العقراوي، وهو مرجع هام يصح العودة إليه للاطلاع على ما تميزت به الرفيقة الدكتورة سلوى في ميادين شتى.
وعنها اصدر فرع تجمع النهضة النسائية في ضهور الشوير عام 2000(2)، كتيباً يحتوي على مقالات تتناول جوانب عديدة من شخصية العالمة الدكتورة سلوى، حررها كل من الامينة نضال الاشقر، الدكتورة نجلا عقراوي، عميد كلية الاداب والعلوم في الجامعة الاميركية خليل بيطار، الاديبة روز غريب، رئيس الجامعة اللبنانية الاميركية رياض نصار، الأديبة اميلي نصرالله، الاستاذ نزيه زيدان (الجامعة الاميركية) السيدة انيسة فؤاد نجار، واحد تلامذتها عادل خنيصر.
ومن الكتيب المذكور نورد بالنص الحرفي ما جاء تحت عنوان: "السيرة، ملامح ومراحل".
" ولدت سلوى نصّار في الشوير في الخامس من كانون الثاني 1913. والدها شكري نصّار ووالدتها فكتوريا. انجبت امّها من زواجها الاول (ادمون وادما) ومن زواجها الثاني بشكري نصّار أربع بنات هنّ (سلوى وأيفون وايلان ومارسيل).
تلقت علومها الابتدائية في الشوير منذ سنتها السادسة حين كانت تتأبط كتبها وقطعة من الخشب للتدفئة. ثم انتقلت الى مدرسة الشوير العالية في عين القسيس وكان مديرها المعلم فارس بدر. بعد تخرّجها سنة 1930 تحدّت سلوى التقاليد والصعوبات المادية فالتحقت بمدرسة برمانا العالية التابعة لجمعية الاصدقاء البريطانية.
وفي كل هذه المراحل كانت الاولى في صفها وتميّزت بمادتي الرياضيات والفيزياء.
اكملت بعدها دراستها العالية في الجونيور كولدج(3) عام 1931. وقد كان لوالدها شكري نصّار الفضل الكبير في تشجيعها لنيل الشهادات العليا لما لاقى عند ابنته من نبوغ وشوق لنهل العلم وغرف المعارف من منابعها.
لم تكن هذه الفتاة بارعة في الرياضيات والفيزياء فحسب بل تفوقت ايضاً في العلوم الانسانية وفي التمثيل.
في خريف 1933 كانت سلوى الطالبة الوحيدة التي دخلت الجامعة الاميركية حين تبرّعت بعض معلماتها مع صديقة عزيزة لهنّ في نيويورك بمساعدتها لإكمال دراستها الجامعية.
اثنان من اساتذتها كان لهما التأثير المباشر على تفكيرها ونمو شخصيتها: منصور جرداق المواطن الشويري واستاذ الرياضيات وكان يدعوها ابنتي العزيزة سلوى، وايفان روبنسكي الذي ادخل فرع الهندسة الى البرنامج التعليمي في الجامعة الاميركية. وهو الذي شجعها على الذهاب الى كمبردج لاكمال علمها في الرياضيات. تخرّجت من الجامعة الاميركية سنة 1935 بدرجة بكالوريوس علوم بامتياز.
عملت بعدها كمدرّسة للرياضيات في بير زيت في فلسطين حتى سنة 1938 ثم في ثانوية الموصل الرسمية للبنات في العراق، لتجمع بعض الاموال لتكمل دراستها.
سنة 1939 التحقت سلوى بكلية سميث للبنات في ولاية ماساتشوسيتس في اميركا، ثم سنة 1940 في جامعة كاليفورنيا في بركلي حيث حصلت على شهادة دكتوراه في الفيزياء. بعدها علَمت في الجامعتين مداورة.
عادت الى لبنان عام 1945 والتحقت بالهيئة التعليمية في الجونيور كولدج لتدريس الرياضيات والعلوم، وقد ادخلت الفيزياء الى المنهج الأكاديمي في السنة التالية.
تلقت دعوة عام 1949 من جامعة آن آربور – ولاية ميتشيغين للالتحاق بالهيئة التعليمية في دائرة الفيزياء كاستاذ زائر وكان مشروعها الخاص للعام 1949-1950 انشاء غرفة معدّة لدراسة الاشعاع والجزئيات لدائرة الفيزياء.
دخلت سنة 1950 الى الهيئة التعليمية في دائرة الفيزياء في الجامعة الاميركية في بيروت حيث بقيت حتى سنة 1965 وقد شغلت خلال هذه المرحلة من حياتها منصب استاذ ورئيس دائرة الفيزياء على التوالي وكانت اول سيّدة يعهد اليها بمركز استاذ دائم ورئاسة دائرة في الجامعة المذكورة.
وكانت هذه المرحلة من حياتها حافلة بالنشاطات الاكاديمية والإدارية في مجال البحث العلمي الصرف والنشر والمحاضرات والاشتراك في مؤتمرات علمية دولية داخل البلاد العربية وخارجها، والاهتمام بالشؤون التربوية اللبنانية في وزارة التربية وخارجها.
انتخبت عام 1965 رئيسة لكلية بيروت للبنات، فكانت أول سيدة لبنانية تتولى هذا المنصب ورابع رئيسة للكلية. في هذه الأثناء، كانت تعاني من مرض عضال. فذهبت عام 1966 إلى لندن للعلاج. عادت إلى بيروت في 17 كانون الثاني ووافتها المنية في 17 شباط 1967 وقد رقدت في مثواها الأخير، في الشوير التي أحبَت.
شخصيتها: كانت سلوى بسيطة الهندام، هادئة، متواضعة، قليلة الكلام، لا تسرف بشيء، توفر طاقاتها لأمر ذي بال وتتطلع إلى المستقبل بعينين حالمتين، وبكثير من الطمأنينة والعزم والثقة. شغلتها هموم الدول العربية، واهتمت للقضايا الوطنية. وكانت تهوى جمع الطوابع. وقد انتمت للعديد من الجمعيات العلمية. وتركت بعض المنشورات والأبحاث.
هوامش:
1- مارسيل نصار فارس: توفيت لاحقا. وكلما مررت امام منزلها في ضهور الشوير اتذكرها بلوعة .
2- كان فرع تجمع النهضة النسائية في ضهور الشوير برئاسة المواطنة ريما ابي خير وقد عمدت الى تنظيم ندوات فإصدار كتيّبات عن اربعة مميزين من ابناء الشوير، كان من بينهم الدكتور خليل سعادة والدكتورة سلوى نصّار.
3- هذا كان اسمها قبل ان تنتقل الى كلية بيروت للبنات فالكلية اللبنانية الاميركية حالياً LAU.