إنعام رعد، ذلك القيادي الاستثنائي والباحث النشيط والكاتب اللامع والناشط بلا كلل، ألهم إرثه العديد من الناس وأثَّر في حياتهم داخل الوطن وخارجه. لأكثر من خمسة عقود، انتهج سيرة مهنية فريدة في العمل من أجل القضية القومية والقضايا الإنسانية الأشمل التي نشأت في حياته. وعلى الرغم من أن حياته المهنية تميزت بإنجازات معترف بها محلياً وإقليمياً، إلا أن رعد كان رجلاً متواضعاً ولم يسعَ للحصول على الأوسمة أو التقدير الشخصي ولم يعمل في أي منصب لكسب المال والفخر، إيماناً منه بالمثل العليا التي كان يتمسك بها ويعتز. ورغم زهده بطلب الثناء، فكم استحقه.
ولد رعد في عين زحلتا عام 1929، ونشأ في عائلة ثرية وطنية بروتستانتية. كان الأصغر بين شقيقين وأربع شقيقات. في عام 1936، غادر رعد إلى مصر مع والده، وفي رحلة العودة عام 1938 على متن القطار الذي كان يربط مصر بفلسطين ولبنان (لم يكن الكيان الصهيوني موجوداً في ذلك الوقت) توقف لبعض الوقت في حيفا - جوهرة كل المدن كما وصفها في مذكراته.
في لبنان، استقرت العائلة في رأس بيروت، وهي منطقة قريبة من الجامعة الأميركية ومركز للنشاط الوطني. بعد أن أكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة محلية والثانوي في الكلية الوطنية في عاليه، تخرج رعد من الجامعة الأميركية ببيروت عام 1949 بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد السياسي. خلال ذلك الوقت، التقى ليلى داغر التي تزوجها لاحقاً فأنجبا ثلاثة أولاد هم إلهام وعصام وأمل.
عقل رعد الفضولي وشغفه بالقراءة دفعاه إلى السياسة. في عام 1946، اكتشف مصادفةً الحزب السوري القومي الاجتماعي وانضم إلى صفوفه بعد عام، رغم المعارضة المشتركة من والديه. تحوَّل انضمامه إلى هذا الحزب، بعد ذلك، ارتقاءً بمكانته داخله. وبحلول عام 1948، كان قد اكتسب خبرة كافية، بصفته "مديراً" للمُنضمين الجدد إلى الحزب من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت وناموسَ منفذية الطلبة، فرُشِّح لمناصب مختلفة في إدارات الحزب العليا. ساهمت في تسريع هذا الانتقال، قدرةُ رعد الخطابية والإدارية مع احترام سعاده (الزعيم المؤسس للحزب) وتقديره العميق للموهبة والعمل الجاد.
في عام 1947، بعد ما يقرب من عقد من النفي القسري، عاد سعاده إلى لبنان وسط ترحيب كبير. وكان رعد بين مستقبليه. وعلى الفور عمل سعاده على تطهير الحزب من العناصر المنحرفة. في هذه العملية، أصبح رعد هدفاً رئيسياً في مشروع إعادة البناء الداخلي والبحث عن مواهب جديدة لتحل محل الأعضاء الذين طُردوا. وعلى الرغم من صغر سنه ومن أنه كان ما زال يدرس في الجامعة، فقد استجاب للتحدي بحماسة. تولى عدة مهمات وبدأ في المساهمة بمقالات أدبية وثقافية في جريدة الحزب. لكن سعاده، ومن دون سابق انذار، نحاه جانباً وطلب منه إنتاج مقالات تحليلية بدلاً من ذلك.
تركت قيادة سعاده انطباعاً جيداً على رعد، خاصة بعد أن زار سعاده مسقط رأس رعد في عين زحلتا في عام 1948. ويذكر رعد أن التأثير الأكبر فيه حدث خلال خطاب سعاده المدوي في عام 1949 حيث وقف على كرسي محاطاً بقوى الأمن الداخلي وألقى واحداً من أكثر خطاباته جرأة.
هذه الجرأة وسط الترهيب غير المبرر علّمت رعد درساً في التحدي والقيادة الحاسمة. فقد خرج منها بشعور جديد بالهدف والمعنى، وإدراك أوضح للعقبات الهائلة والتحديات التي قد تظهر في العمل السياسي. كما تحسّن وعيه لبراغماتية العمل الحزبي وكذلك تقديره لأرقى وأسمى معاني النشاط الحزبي.
لكن ربما كان التأثير الوحيد الأكثر أهمية في رعد هو ملاحظة ما ورد من سعاده في خطاب آخر، بأن الطلاب يشكلون حجر الزاوية في الحركة القومية الاجتماعية. استمد رعد، وكان آنذاك طالباً في الجامعة الأميركية، الثقة والإلهام من هذا الإقرار وتكوَّن لديه إحساس بأهمية الذات وتقدير أكبر للطلاب في عملية التغيير. وفعلاً، خلال فترات قيادته الحزب، احتل الطلاب دوراً رئيسياً في رؤية رعد الاستراتيجية والحزبية.
بعد حادثة الجميزة في حزيران (يونيو) 1949، سُجن رعد مع مئات من الأعضاء الآخرين. اجتاز باقتدار هذا الاعتقال السياسي الأول له. لا شيء، ولا حتى الأخبار المروعة عن إعدام سعاده البربري في 8 تموز (يوليو) ردعته عن الحزب. فقد ظل مخلصاً لأهدافه وأدى واجباته بضمير حي. في الواقع، خرج رعد من أحداث عام 1949 أقوى، وأكثر ثقة من أي وقت مضى، وأصبح أكثر ثورية مع مرور الوقت. ربما جاء الواقع القاسي في السياسة والسلطة في وقت مبكر جداً على رعد، لكن ذلك لم يُخِفه أو يثبط حماسته. وعلى الرغم من صغر سنه وقلة خبرته، إلا أنه استوعب تلك الحوادث وتقبَّلها بكل ما فيها من صعوبات ومخاطر، فقد أمدته باهتمام جديد في مفاهيم الثورة والالتزام والأيديولوجية والقيادة.
كانت خمسينيات القرن الماضي عقداً من الصعود والهبوط بالنسبة إليه. بعد إعدام سعاده انتخب الحزب جورج عبد المسيح رئيساً ونُقل مقره المركزي إلى دمشق. انتقل رعد إلى مصر لعدم قدرته على العمل في لبنان لأسباب سياسية، لكن الحزب استدعاه عام 1951 للإشراف على نشاطه السري في لبنان. وكانت وتيرة التغيير السياسي في المنطقة (ظهور الحرب الباردة، وتغيير النظام في الجمهورية السورية، وازدياد الاستياء الشعبي من نظام الخوري-الصلح في لبنان، والتوسع الإقليمي الإسرائيلي، وعدم الاستقرار في مصر) قد وصلت إلى درجة تتطلب مشاركة وخدمة كل كادر. وعند ذلك لم يخيب رعد الآمال. فبعد عودته إلى لبنان، تولى عدة مناصب قيادية وعيِّن مديراً لحملة غسان تويني الانتخابية. وكان حاضراً ليشهد صعود أديب الشيشكلي إلى الرئاسة السورية بانقلاب عسكري، ومراقبة الجدل الكبير في شأن قيادة عبد المسيح للحزب وأول انقسام داخله ومحاولة الاقصاء الفاشلة لعبد المسيح عن قيادة الحزب، والإخفاق السياسي في الانتخابات السورية عام 1954.
استرعى الانتباهَ تفاني رعد ودوره الإيجابي خلال هذه المرحلة ولم يمرا من دون أن يكونا ملحوظين. ففي عام 1954، حصل على لقب "أمين" تقديراً لخدماته وبعد فترة وجيزة انتُخب عضواً في المجلس الأعلى للحزب.
كانت تداعيات تورط الحزب في اغتيال عدنان المالكي، عام 1956، والآثار السياسية التي نجمت عنها قد أقنعت رعد بأن أداء الحزب ضعيف. ومن العوامل التي أدت إلى دقه ناقوس الخطر: تحالف الحزب مع نظام كميل شمعون الموالي للغرب عام 1958؛ تركيزه على الشيوعية بدلاً من الصهيونية؛ عدم اهتمامه بالقضايا الاجتماعية؛ وتحيزه ضد الكتلة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي وحلفائه اليساريين في المنطقة. ظل رعد صامتاً مراعاة لدستور الحزب وسلطاته العليا.
مع وصول فؤاد شهاب إلى الرئاسة اللبنانية عام 1958، أصيب الحزب بصدمة. أصبح معزولاً ومحاصراً من جميع الجهات ولكنه حاول أن يكسر الحصار عليه من خلال الانتخابات. فقد رُشح رعد مرتين لأحد المقاعد في منطقة الشوف، حيث النفوذ القوي لجنبلاط، وذلك في الانتخابات الفرعية لعام 1959 والانتخابات العامة لعام 1960. ونال عدداً جيداً من الأصوات، ولكنه لم يفز في كلتا الحالتين. عندها بدأ رعد يروِّج خطاباً سياسياً جديداً بنكهة يسارية في عام 1960. فدعا إلى:
• إبراز صورة الحزب "اليسارية"
• التعاون مع اليسار الثوري في العالم
• توسيع أجندة الحزب الاجتماعية
• تركيز أكبر على التغيير الثوري
• معارضة الإمبريالية الغربية
• التقارب مع الاتحاد السوفياتي
بصفته عميد الإعلام والعلاقات العامة في الحزب ورئيس التحرير المسؤول عن جريدة الحزب "البناء"، كان رعد في وضع مثالي للتعبير عن هذا الخطاب وصياغته. لكن الانقلاب الفاشل للحزب عشية رأس السنة، عام 1961 أنهى المبادرة فجأة. فقد أمضى السنوات السبع التالية في السجون اللبنانية.
عند إطلاق سراحه في عام 1969، أحيا رعد الخطاب نفسه بإرادة أعمق وأكثر حماسة. فبعد تأثره بكارثة حرب الأيام الستة، بدأ في ترويج الأجندة اليسارية بشكل علني وأكثر فاعلية. في المؤتمر الأول للحزب في عام 1970 (مؤتمر ملكارت)، قاد الجناح اليساري بنجاح وقدَّم طروحات جديدة مختلفة للوصول إلى اقتراح يحظى بموافقة غالبية الحاضرين. رغم ذلك، ظلت بعض القضايا معلقة وبدأت، في نهاية المطاف، تظهر على السطح انقسامات وانحرافات جديدة. في أثنائها وُصف رعد بأنه "ماركسي متخفٍّ"، وانتشرت الدعوات لطرده في دوائر الحزب. ومع ذلك، فقد تمسك بموقفه وأصبح رئيساً للحزب في عام 1975.
في هذا الوقت، كانت الانقسامات تعصف بالحزب. وتمحور الانقسام الرئيسي حول مستقبل تحالفاته السياسية. فضّل جناحٌ التحالف مع نظام البعث السوري بينما عارضه بعمق جناح آخر بقيادة رعد. كان رعد متشككاً للغاية في النظام السوري، واعتبر سياسته الإقليمية بمثابة مناورة مدروسة لتعزيز موقفه في مفاوضات السلام مع إسرائيل بذريعة التهديد بالحرب. بقي رعد غير مبالٍ بالضجيج المحيط به، وانطلق لتعزيز رئاسته وبناء شبكة من العلاقات القوية مع القوى المحلية والإقليمية. وتحت قيادته، أقام الحزب تحالفات جديدة مع الجماعات اليسارية في لبنان وخارجه، وبدأ في حضور المؤتمرات الدولية. وتزامناً مع هذه التحالفات تمت مراجعة الخطاب الحزبي ليعكس الميل إلى اليسار، وبُذلت جهود حثيثة لضخ دماء جديدة في قيادة الحزب المركزية.
في عام 1975، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان. ومستشعراً وجود مؤامرة إقليمية، قدّم رعد بسرعة إجراءات جديدة لحماية الحزب من الأخطار المحتملة. ترقّى إلى منصب نائب رئيس الحركة الوطنية اللبنانية المشكلة حديثاً، وأقام علاقات أوثق مع منظمة التحرير الفلسطينية. كما وجد وسائل ومصادر مختلفة لتسليح ميليشيا الحزب. لم يكن ذلك بالمهمة السهلة، لكن شبكة العلاقات السياسية والشخصية الواسعة لرعد مكنته من الحصول على أسلحة من مناطق بعيدة مثل ليبيا القذافي. وفي هذه الأثناء، توترت علاقة رعد مع دمشق بسبب الخلاف بين النظام السوري والحركة الوطنية. ورغم ذلك، فبحلول عام 1977، تمكّن من تصحيح خلافاته مع دمشق وإنهاء فترة رئاسته بشكل جيد. وقد مُنح "وسام سعاده" لقيادته الماهرة.
أعيد انتخاب رعد رئيساً للحزب ثلاث مرات بعد عام 1977 (1980 و1992 و1995) وعندما لم يكن رئيساً للحزب، كان عضواً في المجلس الأعلى للحزب أو في مكتبه السياسي أو في مجلس العمد. لقد برع في أي منصب شغله. طغت قوته الخطابية وعقله التحليلي على أي نقاط ضعف قد تكون لديه ومكّناه من شق طريقه عبر الحرب الأهلية اللبنانية بمزيج من النجاحات والإخفاقات. شهد رعد خلال ولايته الرئاسية الأخيرة اجتياحين إسرائيليين، شارك في اعمال المقاومة ضدهما وشهد الآثار المدمرة للاحتلال الإسرائيلي. في بعض الأحيان كان يتعثر، وفي أوقات أخرى كان يتفوق. ظل إيمانه بسعاده وبالاستراتيجية السياسية التي صاغها بعناية على مر السنين قوياً، لكنهما لم ينقذاه من الانتكاسات السياسية. كان حجم ووتيرة التحولات بعد عام 1980 هائلين للغاية بحيث لا يمكن السيطرة عليهما: الإخلاء القسري لمنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982؛ وانتصار الاستراتيجية السورية عام 1990؛ والانبطاح الكامل في أوسلو؛ وانهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الإمبريالية العسكرية الأميركية؛ وتراجع حركات التحرر الوطني. لقد سلبت هذه التغييرات منظور رعد الاستراتيجي من النزاهة والمرونة الأساسية اللتين كان يتمتع بهما في السابق.
خلال ترأسه للحزب، حصل رعد على الاعتراف به باعتباره قيادياً من حيث النزاهة والمهارة، وفاز بالعديد من المعجبين، وطور نظرية متماسكة حول كيفية قيادة الحزب. ولأنه كان يؤمن إيماناً راسخاً بالتغيير والإصلاح، فقد مارس تأثيراً كبيراً على الإدارة المركزية، واتبع برنامجاً مستنيراً ومستداماً لتقويتها. كان أحد العناصر الأساسية لهذا البرنامج هو توظيف المواهب الجديدة وتدريبها وتطوير إداريين أكثر فاعلية.
ولا يمكن قياس إنجازات رعد العلمية بدرجة البكالوريوس التي حصل عليها من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1949. فقياسها الحقيقي هو حجم ومضمون الإنتاج الفكري الذي انبثق من قلمه الذي كان لا يهدئ. كان كاتباً غزير الإنتاج، ألف العديد من الكتب والعديد من المقالات في الموضوعات السياسية والعقائدية. بدت مساهمته في الصحافة ذات طبيعة نموذجية أيضاً وكان يساويها فقط تفاعله ومشاركته النشطة في المؤتمرات والمنتديات، على المستويين المحلي والدولي.
إضافةً إلى التزاماته الكتابية، عمل رعد لسنوات عديدة كرجل الحزب الأول في الأمور العامة والأيديولوجية. فقد سيطر على المنصة بأدائه المذهل مرة تلو الأخرى وأثار إعجاب الجماهير بمهاراته الخطابية وارتجاليته القيادية. يمكن للمرء أن يضيف أن رعد كان واثقاً جداً من قدراته الفكرية وربما اكتسب إحساساً قوياً بالسعادة والرضا من استخدامها. كان بلا شك يدرك موهبته الخطابية ولم يتردد يوماً في وضعها بخدمة النهضة والحزب.
وإذا كان من سمة مميزة تميز إنعام رعد عن معاصريه، في داخل الحزب وخارجه، فهي إحساسه بكونه رائداً وناشطاً ديناميكياً في مجالات متعددة. كان مدى تأثيره قوياً على امتداد الحزب وخارجه. قام رعد بأكثر من مجرد تبني فكرة كونه ناشطاً، بل عاشها. قد يكون من المستحيل النظر إلى حالة النشاط السياسي في الشام ولبنان وما حولهما بعد عام 1975، من دون ظهور اسم رعد في مرحلة أو أخرى. قائمة الندوات والجبهات والتجمعات السياسية والتحالفات الحزبية والمؤتمرات الإقليمية والدولية التي حضرها تكاد لا تنتهي: الحركة الوطنية اللبنانية، والجبهة الوطنية الديموقراطية (1983)، وجبهة الإنقاذ الوطني، وتنظيم الأحزاب الاشتراكية والتقدمية في حوض البحر الأبيض المتوسط، ونقابة الكتاب العرب، ونقابة الصحفيين العرب، ومؤتمر الشعوب العربية، واللجنة العربية لمناهضة الصهيونية والعنصرية. شارك رعد أيضاً مجموعة من التيارات اليسارية، وكان القوة الدافعة الرئيسية وراء العديد من الالتماسات والحملات السياسية. كانت مشاركته في هذه المنظمات شائعة لأنه كان البادئ أو المؤسس أو المنظم أو المتحدث الرسمي. إن إدراك هذا التمييز لا يعود إلى أن لدى رعد إحساساً أكبر كمفكر فحسب، بل إنه يوفر أيضاً نظرة ثاقبة إلى نوع سياسات العمل المباشر التي ترتكز على العقل والتي جاء ليجسدها.
مسيرة إنعام رعد تُلخص حقبة كاملة من التاريخ. امتدت لعقود من الزمن، وكانت مضطربة ومليئة بتوقعات كبيرة وخيبات أمل كثيرة. كان رعد حاضراً في غمارها يشهد، ويشارك، ويحاول التأثير في مسارها. في هذه المسيرة، اكتسب اعترافاً واسعاً، وأصبح على دراية بكل ما له علاقة بالسياسة القومية والدولية تقريباً، ونال حب واحترام رفاقه وإعجاب خصومه السياسيين على السواء. ورغم كل ذلك، كان كل هذا تافهاً مقارنةً بالإشباع الذاتي الذي حصل عليه رعد من خدمة الحزب والنهوض بقضيته. لا شيء آخر كان يهمه أكثر من رؤية الحزب في اعلى القمم.
لم يعش رعد في الحزب بل عاش الحزب فيه حرفياً. فقد كان خبزه وزبده اليومي. من اليوم الذي التحق بصفوفه عام 1946 حتى وفاته عام 1998، خدم قضيته بحماسة وتميز كبيرين. كان الذكاء والطاقة والخيال والتفاني التي أظهرها ملفتة للنظر. رفع رعد معايير القيادة الجيدة وابتدع معايير جديدة للعمل الحزبي. لقد نجح ليس فقط في دفع حدود المشاركة السياسية إلى أماكن كانت مجهولة سابقاً، ولكن أيضاً في إعادة تأهيل صورة الحزب ووضعه على مسار جديد في الحياة.
توفي رعد عام 1998 بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وقد تم وداعه بجنازة كبيرة حضرها كبار الشخصيات والأصدقاء من جميع أنحاء العالم. كما تدفقت التعازي من شخصيات عامة وأفراد لم يعرفوه إلا بالاسم والسمعة. من بين جميع الإشادات التي وصلت، قدّم كلوفيس مقصود، سفير الجامعة العربية في الأمم المتحدة، أدق تصوير للمتوفى: "كان إنعام رعد في كل أوجه حياته إنساناً كبيراً… كان مفكراً رائداً بين السياسيين وسياسياً بين المفكرين… كانت مساهمته دوماً في إخراج "السياسة" من حيز المناورة إلى حالة التزام".