يقول الفيلسوف جان جاك روسو "إن العبقرية الحقيقية هي التي تُبْدِعُ وتصنع كلَّ شيء من العدم."[1] وإذا شئنا البحث عن نموذج فعلي للعبقرية الحقيقية فسنجده حتماً في شخصية رجل عظيم تمتع بذكاء عالٍ وعقل رؤيويّ وروح وثّابة.. رجل شقَّ الطريق لحياة أمته ونبّه إلى حقيقتها ومقصدها الأسمى وعيّنَ مصلحتها وعمل على بعثِ نهضتها الشاملة ووقف نفسه لها باذلاً دمه في سبيل حريتها وانتصار نهضتها في وقفة عز لا مثيل لها في التاريخ. هذا الرجل الذي امتلأت نفسه العظيمة نوراً ومعرفة وحكمة، تجلّت العبقرية الحقيقية في عقله الجبّار وإرادته القوية وهمته العالية وفي ما قدّمه خلال مسيرة حياته الممتلئة جهاداً وعطاءً زاخراً وآلاماً وتضحيات كبيرة ووقفات عز وبطولات. وتجلّت في وعيه المبكر واهتماماته العالية وفي معرفته الواسعة واطروحاته المميزة ومؤلفاته الخالدة ومبادئه المناقبية وأفكاره الفلسفية وانجازاته التاريخية وأهمها بعث نهضة قومية اجتماعية "هي من أروع النهضات في العالم كله"[2] وإيجاد حركة الشعب القومية التي أطلقت "قوة روحية عظيمة لا حد لممكناتها"[3] و"صنعت "تاريخاً جديداً حافلاً بحوادث الإخلاص والبطولة والتضحية."[4]
هذا الرجل العبقري، الذي خاطب العقل في كتاباته وأقواله، هو مُعلّم الأمة بالقدوة وفيلسوفها المبدع الذي أظهر شخصيتها وأعلن هويتها السورية الأصلية وعيّن حدودها الجغرافية وصاغ نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن.. نظرة كشفت عن كنوزنا وأصالتنا وتاريخنا الحضاري ورسمت مثلنا وقيمنا وَهَدَتْ أدباءنا وشعراءنا وأرشدت أجيالنا إلى شاطئ الأمان.
هذا الرجل الاستثنائي، الذي إنشق على فساد المجموع، هو المؤسس لقضية حياة الأمة ونهوضها وتقدمها. وهو القائد الأعلى لجنود القضية ولجيشها.
هو المشرّع الحكيم واضع النظام المتين والقوانين الدستورية الصالحة لدولة الأمة الناهضة ومؤسساتها وسلطاتها والمخطِّط لانتصار القضية النبيلة ولبلوغ قمم العز والشرف والكرامة.
هو الزعيم الذي لم يفرض نفسه على الشعب بنفوذ سلطة دينية، ولا بإرادة خارجية، ولا بحكم الوراثة لزعامة عائلية، أو عشائرية، أو إقطاعية، بل شقَّ طريقه خارجاً من صفوف الشعب وآلامه.. فكان بفكره وأخلاقه ومقاصده النبيلة المعبّرَ الأوفى والأصفى عن الحقيقة الاجتماعية للأمة ومُثُلها وتطلعاتها وعن الآمال الكبيرة العالقة بها أنفس ملايين البشر وبذلك تعتبر زعامته زعامة أصلية، متميزة، ومنبثقة من صميم عظمة الأمة السورية ومن نتاج عبقريتها ونفسيتها الخيّرة.
والزعيم، كما هو واضح في صميم قسمه المثَبّت في الدستور، وَقَفَ نفسه على حياة الأمة ورُقيها وأقسمَ يمين الحق غير شاعرٍ أنه يقدّم منّة للأمة، بل مؤمناً بأنه يُعطي الأمة ما يخصها من خير وطموح وعظمة لأن كل ما فينا هو من الأمة وكل ما فينا هو للأمة. أقسم أن يستعمل سلطة الزعامة "في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيته"، لا في سبيل بناء زعامة فردية تقوم على جهاد القوميين الاجتماعيين وتضحياتهم. لقد قيَّدَ نفسه في مؤسسة دستورية هو المرجع الأعلى فيها وأقسم أَلّا يستعمل سلطته "إِلا من أجل القضية القومية الاجتماعية ومصلحة الأمة." هذا القسَمُ هو تجسيد لقوله إنَّ "اليمين توضع للأمور العظيمة دون الصغيرة وللقضايا الأساسية الجوهرية دون المسائل السطحية العرضية."[5]
أما المقبلون على الدعوة القومية الاجتماعية، فلقد جذبهم تفكير الزعيم القويم ونظراته العميقة فاطلعوا على أفكاره والتزموها مختارين ومقتنعين بالمبادئ التي تنطوي عليها، والمفعمة بقيم الحق والخير والجمال.. وصاروا صفوفاً منظمة من آلاف السوريين معلنين بدون شروط ولاءهم وتأييدهم ومحبتهم لزعيم الأمة - القائدِ الأعلى الجريء الذي واجه الخنوع والخوف والجبن ولم تضعفه الصعوبات، بل رحب بالموت طريقاً لحياة الأمة. وفي هذا الإعلان الصريح وهذا التأييد العقلاني المطلق وهذه المحبة الصادقة تتجلّى الديمقراطية الحقّة بأعلى مراتبها وأسمى معانيها. فكل واحد منهم، وبناء على اطلاعه واقتناعه الواعِي، يؤدي بإرادته الحرّة قسَم اليمين مؤكداً انتماءَه إلى حزب النهضة بكل إخلاص وعزيمة صادقة، واعتناقه المبادئ القومية الاجتماعية إيماناً له ولعائلته وانخراطه في تحمّل أعباء النهضة والقيام بواجباته الإلتزامية نحوها. وفي هذا القَسَم - الإعلان الصريح يتجلى التعاقد الإرادي العميق بين العضو وصاحب الدعوة وهو تعاقد غير اعتيادي يقوم على الايمان والالتزام بحمل رسالة النهضة والعمل لتحقيقها وانتصارها. إنه فعل إرادة وبطولة والتزام، وتعبير جليٌ عن شرف الواجب والتضحية والوفاء.
إن من يقرأ قَسَم الزعامة وقسم العضوية يَلْحَظ العلاقة بينهما من خلال القواسم الجوهرية. هذه القواسم نلخصها بما يلي:
أولاً، قضية الحزب:
إن قضية الحزب الكلية والأساسية، التي هي قضية الوطن السوري والأمة السورية وحياتهما ومصلحتهما، هي الأساس المشترك الذي يجمع "الشارع صاحب الدعوة" والمقبلين من السوريين على دعوته إلى القومية الاجتماعية، إذ يؤكد كل طرف (الزعيم والعضو) في قسم اليمين إيمانه بهذه القضية الصحيحة السامية، قضية حياة المجتمع ووحدته وتقدمه، وتكريس حياته للدفاع عنها والعمل من أجل انتصارها. هذه القضية القومية الكبرى، قضية الحياة والعز للأمة، قضية إرادتها وحقوقها وحريتها واستقلالها وسيادتها على نفسها، هي لبُّ التعاقد العميق والوثيق بين صاحب الدعوة وبين المقبلين عليها.. وهي قضية مقدسة لأنها "قضية خير وفلاح وعز قومي اجتماعي"[6] ولأنها "تعبر عن كل الحق وكل الخير وكل الجمال وكل السعادة وكل الصداقة وكل القيم العليا التي يحتاج إليها مجتمعنا لينهض وتكون له حياة جيدة.."[7]
ثانيا، المبادئ القومية الاجتماعية:
المبادئ القومية الاجتماعية التي جاء بها سعاده هي المحور الأساس الذي يربط قسَم الزعامة بقسَم العضوية. الزعيم يتعهد في قَسمِه بأن يكون أميناً للمبادئ التي وضعها وأصبحت تكون قضية الحزب الدائمة. أما المنتمي إلى الحزب فيتعهد بأن يتخذ المبادئ إيماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته. فالمبادئ المكوّنة للعقيدة القومية الاجتماعية، إذاً، هي مبعث الإيمان والقوة المحرِّكة والضياء المنير. إن عظمة الحزب السوري القومي الاجتماعي وثباته يعودان إلى هذه العقيدة الجليّة التي تختصر حقيقة الحزب وتقف وراء نظامه وقوته. إن الإيمان بهذه العقيدة هو الذي يحرّك النفوس المؤمنة المتسامية "فوق آماد المنون" ويدفعها للعمل والصراع لبناء عظمة الأمة. لذلك يقول سعاده: "بهذا الإيمان بمبادئنا، بأمجادنا، بحقيقتنا، بأننا قضية، بأننا الخير والحق والجمال كله، نحقق كل ما هو سامٍ وجميل وخيّر للمجتمع."[8]
القوميون الاجتماعيون يؤكدون على إيمانهم بروح هذه المبادئ ويحملون حرارتها المحْيِية ليس لكونها أقوالاً جذّابة ومتناسقة، بل لأنها تشكل قوة روحية عظيمة، "قوّة حيّة فاعلة" تُسيّرُ اتجاهاً جديداً وتعبِّر عن أماني المجتمع كله وعن آماله النبيلة.. هذه المبادئ هي الأساس العقَديّ الذي قام عليه بنيان الحزب بوصفه منظمة نهضوية، وهي التي تكوّن قضيته الأساسية وبدونها لا معنى للحزب ولا قيمة لقسَم اليمين. وكما يقول سعاده: "إنّ أساس قضيتنا هو في عقيدتنا المقدسة ــــ في مبادئنا، التي لا قضية بدونها."[9]
ثالثاً، المسؤولية الأخلاقية:
المسؤولية تعني أن يتحمل الشخص تبعات التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية، أي أن يتحمل تبعات الأفعال التي يلتزم القيام بها. أما الأخلاق فهي مجموعة المبادئ والقواعد والصفات المستقرة في النفس والتي تُنظّم السلوك الإنساني. ويمكننا القول أن المسؤولية الأخلاقية هي مسؤولية واضحة جلية أساسها الإيمان القومي الاجتماعي وتُحتِّمُ الوفاء بالعهد المقطوع في القَسمِ وفحواه الالتزام الكامل بقضية حياة الأمة ورقيها والتي بانتصارها تتحقق الحياة الجميلة لشعبنا السوري وترتقي هذه الحياة إلى أعلى درجات الرقي الإنساني.
والمسؤولية الأخلاقية هي مسؤولية كاملة تعني تعهداً بالعمل الخلقي أي التزاماً بالأمانة والصدق والإخلاص ومحبة الشعب والتمسك بالفضائل النبيلة والسعي لتحقيق وجود سامٍ خالٍ من الكذب والدجل والنفاق والخداع والغدر والحقد والتعصب وكلّ المثالب الاجتماعية والآفات الأخلاقية.. فالزعيم تعهد أن يكون أميناً للمبادئ التي وضعها، وهو القائل: "نحن لا نتاجر بالمبادئ، ولا بالصداقات، ولا نُخْلف الوعد، ولا نستهزئ بأماني الشعب، ولا نحتقر حاجاته ورغباته. نحن نؤمن بحقيقة الشعب، ونعمل لحقيقة الشعب. نحن نقدّس آلام الشعب ونبذل نفوسنا فداءً للشعب. نحن لا نستهزئ، ولا ندوس أماني الشعب بأقدامنا، بل نرفعها على هامنا ونبذل دماءنا ونفوسنا في تحقيق أماني الشعب."[10] أما المقبل على الدعوة، فيقطع عهداً مبنياً على الاطلاع والإدراك والإيمان وحرية الاختيار بأن ينتمي إلى الحزب بكل إخلاص وعزيمة صادقة.
إذاً، القسَم هو التزام إرادي – أخلاقي، في الدرجة الأولى، بما تعهد به الزعيم وبما يتعهد به المقبل على الدعوة. وهو التزام واضح تجاه الحزب وأعضائه وقضيته العظيمة يتجّسد نضالاً وعطاءً وبطولات في حياة القومي ويتجّسد جهاداً وآلاماً وعطاءً سخياً وتضحيات حتى الاستشهاد من قبل الزعيم. إنه التزام عقلي واعٍ وذو امتداد اجتماعي نابع من الوجدان القومي الحي، النقي، القصد منه خير المجتمع وارتقاؤه. وهذا الإلتزام الصادر من إرادة حرة لا يُعبّر عن نية صادقة أو تمنيات فحسب، فما "أغنت النيات عن الأعمال، ولا قامت التمنيّات مقام الأفعال"[11]، بل يُعبّر عن عزيمة صادقة ويترتب عليه أفعال وتبعات وتضحيات. فهو ليس مجرد تعهد كلامي، بل تعهد فعلي يترجم عملاً وتضحيات. وهو ليس تعهداً مؤقتاً، بل تعهد دائم لا رجوع عنه.. هو عهد يربط بين الإيمان والعمل، بين القول والفعل، وبين النظرية والتطبيق. هذا العهدُ هو انعكاس لإيمان عظيم ونفسية قوية المعنويات ومناقب سامية انبثقت من فكر الزعيم ومبادئه وتجسّدت بشكل فعاّل في سلوكه وجهاده وتتجسّد بشكل إرادي وعملي في سلوك القوميين الاجتماعيين القائمين بواجباتهم والمقتدين بزعيمهم. هذه هي نفوسنا التي تطفح بغايات عظيمة، وهذا هو إيماننا العظيم بمبادئنا وقضيتنا، وكما يُعبِّرُ سعاده، "بهذا الإيمان، نحن ما نحن!! وبهذا الإيمان نحن ما سنكون، وأنتم تعرفون ما سنكون!!"[12]
رابعاً، مبدأ الواجب القومي:
قسم الزعامة وقسم العضوية يرتبطان بمبدأ الواجب القومي الذي يُشكِّلُ إحدى دعائم الدولة القومية الاجتماعية الأربع: الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز إليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية الممثلة في عَلَم الحزب السوري القومي الاجتماعي.
قسم الزعامة يؤكد أن ما تعهد به سعاده لم يكن إلا تلبية لنداء الواجب القومي تجاه وطنه وأمته وهو الذي آمن بالأفعال والتفكير العملي لأن العصر الذي نعيش فيه هو "عصر أعمال، لا عصر أقوال"[13]، معتبراً أن استقلال الوطن لا يأتي عفواً وبأن الواجب الوطني يقضي بأن لا نغمض أعيننا ونصمّ آذاننا عن نداء الواجب في إنقاذ الشعب السوري الذي "يقاسي الذل والفقر والإهانة من الأوصياء الاستعماريين."[14]
إن لمبدأ الواجب قدسية عند سعاده وهو الذي ناشد السوريين المغتربين مراراً لعدم التخلي عن واجبات الشرف القومي وعن العمل لإنقاذ الوطن، كما طالب "شبان سورية كلهم، أينما كانوا وحيثما وجدوا"، بأن "يكونوا يداً واحداً لإنقاذ الوطن من المعتدين عليه" وبأن يقوموا بواجبهم نحوه بكل أمانة وإخلاص دون اصغاء لأقوال فلاسفة الكسل والخمول.[15] وهو الذي تخلى عن حبه لحبيبته الأولى إدفيك كي لا يهمل واجبه القومي تجاه سورية التي كانت محور حياته. وهو أيضاً الذي قال في مقطع من مقاطع أدبه الرفيع: لو لم أكن أنا نفسي "لوددت أن أكون جندياً دعاه الواجب القومي."
سعاده، بعد أن طرح على نفسه السؤال: "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟" وبعد البحث والتنقيب، قرَّرَ أن يلبي نداء الواجب ويقوم بالأعمال الكفيلة بتغيير واقع مجتمعه الانحطاطي وبإصلاح حالة شعبه الذي حلَّ فيه الويل وتغلغل الفساد في جميع طياته وأصبح في حالة مرض وشلل.. نذرَ نفسه لإنقاذ أمته من الانحلال والفناء ولاستئصال الفساد وإصلاح أمر الشعب وتحقيق نهضته وحياته الحرّة الجميلة. لذلك أعلن في القسَم: أنا أنطون سعاده أُقسم بشرفي وحقيقتي على أن أقف نفسي على أمتي السورية ووطني سورية عاملاً لحياتهما ورقيهما.." وفي هذا الإعلان يتجلى سموُّ الممارسة لمبدأ الواجب المناقبي، واجب الشرف في العمل لأجل الأمة وكرامتها. فسعاده، المعلم – القدوة، الذي مشى في الحق ولبى نداء الواجب الذي لا مفر منه معبِّراً عن إرادة الأمة وعن قيمها الحقيقية ومناقبها الجميلة الجديرة بحياة جديدة، قال: "نحن لم نتلكأ عن واجب لأن الواجب مبدأ أساسي من مبادئنا الأخلاقية."[16]
وفي قسَم العضوية، يتجلى مبدأ الواجب الأخلاقي في الكلمات والموجبات التي يتعهد المنتمي إلى الحزب تطبيقها وهو رافعٌ يدَه اليمنى زاوية قائمة، حيث يبدأها بعبارة جليلة: "أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي" ويختتمها بعبارة صريحة: "وأن أفعل واجباتي نحو الحزب بالضبط. على كل هذا أقسم أنا..."
خامساً، المسؤولية الاجتماعية
القسم الحزبي يضع على المنتمي إلى الحزب مسؤولية اجتماعية ويسمو به إلى الحياة المجتمعية والإنسانية الرفيعة، بكل ما فيها، من مُثل وقيم ومبادئ ومعايير. وهذه المسؤولية تقتضي أن يرتبط المنتمي إلى الحزب مع رفقائه للعمل معاً من أجل قضية تساوي وجودهم، فتجمعهم الروحية الواحدة والمحبة القومية والغاية السامية. إنه ارتباط كلي بالجماعة التي وعت حقيقتها والتي عقد أفرادها "القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادئ الحزب السوري القومي وفي غايته."[17] وهذا الارتباط يطّور شعور العضو الاجتماعي واحساسه الداخلي بالإنتماء إلى جماعة يشترك معها في الهموم والمصير فيربط مستقبله بمستقبلها وينعكس كل ما يصيبها على نفسه، كما ينعكس كل ما يصيبه عليها. يندمج هذا الشعور في فكر واحد واتجاه واحد وحركة واحدة، تدفع بالمؤمنين للعمل بتعاون وانسجام وتفانٍ في سبيل خير المجتمع ونهضته.
*
والمسؤولية الاجتماعية تستوجب من المنتمي إلى الحزب أن يكون إيجابياً وصادقاً في تعامله مع رفاقه ومخلصاً لهم وللقضية التي آمن بها، فلا يخون حزبه ولا أعضاءه ولا يكنّ لأي منهم إلا المحبة والوفاء والإخلاص، فيتعامل معهم بصدق ومحبة واحترام، ويتمنى لهم الخير كما يتمناه لنفسه، ويقدم كل مساعدة يتمكن منها إلى أي عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها. إن ما يجمعه برفقائه هي الروحية الواحدة والقضية الواحدة وهذه القضية، كما يقول سعاده، هي "ليست قضية حلم، ولا قضية أشواق عمياء تائهة"، بل "قضية اتحاد قومي حقيقي" تجمعهم "في مطلب قومي اجتماعي أعلى واحد يطلبه الجميع بقلوب نقية صافية يندهش من إخلاصها الذين ربيت نفوسهم في جو المخاتلة والخداع والرياء والمواربة ويأبون أن يصدقوا ما تراه أعينهم وتسمعه آذانهم."[18]
في الخلاصة، إن التعاقد مع سعاده - الزعيم هو فعلٌ نبيل نابع من الإيمان الجديد وهو تعاقد عقلاني- وجداني دائم لا ينفك بغياب سعاده الجسدي، لأن زعامة سعاده لم تنته بإستشهاده. فهذه الزعامة ستبقى قائمة لارتباطها بقضية الأمة وحقيقتها. لقد تساءل سعاده: "ما هو الفارق بين الزعيم والقضية؟" "أليس بسعاده وُجدت القضية؟" "كيف نفرّق بين أنطون سعاده والقضية السورية القومية، وكيف يمكن للقوميين أن يتناولوا القضية ويتحدثوا عنها من غير أن يذكروا الزعيم ويذكروه كثيراً؟"[19] إذاً، هنالك حالة إتحاد بين سعاده والقضية القومية وهذا الإتحاد يعني ان التعاقد مع الزعيم هو تعاقُد مستمر لأنه تعاقد على القضية القومية لا على قضية أشخاص. أنه تعاقُد مع الفكرة التي يمثّلها سعاده وهي فكرة حيّة لا تموت، فكرة تجسّدت في المبادئ السامية التي وضعها للأمة السورية وفي الحركة القومية الاجتماعية التي أطلقها لحمل هذه المبادئ والانتصار بها في صميم الشعب. وقد عبّر سعاده عن حقيقة تمثيله المبادئ القومية الاجتماعية عندما قال: "إن أنطون سعاده لا يعني فقط أنطون سعاده بل يعني مبادئ نهوض هذه الأمة وتبوئها مقام الشرف والعز."[20]
أنه تعاقد مع الزعامة القومية التي جاءت لتنقذ مقدّرات الأمة السورية من أيدي المشعوذين والدّجالين، فنظرت إلى مصلحة الشعب ومستقبل الأمة وعبّرت تعبيراً وافياً عن مصلحتها وتطلعاتها. إنه تعاقد مع الزعامة الهادية التي تمثل فِعلَ إشعاع دائم مستمر لا يخبو ولا ينطفئ. زعامة حيّة تشعُّ أنواراً تضيء للأمة طريقها لتصل إلى مراتب العز والمجد.
إنّ أبناء الحياة اختاروا السير على طريق الحق اقتداء بزعيمهم الخالد وأقسموا يمين الإنتماء إلى حزب المبادئ والقضية المقدسة، وهم يعرفون أن طريقهم شاق وطويل لأنه طريق الصراع والبطولة المؤمنة، طريق العز والحياة الجديدة المشّرِّفة.. وهم يسيرون إلى تحقيق غايتهم السامية بعزم وتصميم وإرادة لا تلين. يسيرون مؤمنين إيماناً تاماً بنصرهم الأكيد لأنها مشيئة القضاء والقدر.
[1] جان جاك روسو، العقد الاجتماعي، ترجمة عاجل زعيتر، هنداوي، 2013، ص 72.
[2] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، "الوطنية والأريحية في المغترب"، 01/07/1943.
[3] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السابع 1944 – 1947، "شق الطريق لتحيا سورية"، 31/10/1947.
[4] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، "الوطنية والأريحية في المغترب"، 01/07/1943.
[5] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، "دروس قومية اجتماعية – اليمين"، 01/09/1943.
[6] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948 – 1949، "لا مفر من النجاح"، 19/04/1949.
[7] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، منشورات عمدة الثقافة، بيروت، 1976، ص 26.
[8] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، ص 45.
[9] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السابع 1944-1947، "خطاب الزعيم في العيد القومي"، 15/1/1944.
[10] المرجع ذاته.
[11] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الرابع، 1940-1941، سورية والحرب الحاضرة – نداء الزعيم إلى الشعب السوري 01/06/1940.
[12] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948 – 1949، ملحف رقم 9 – خطاب الزعيم في اللاذقية، 26/11/1948.
[13] أنطون سعاده، المحاضرات العشر 1948، ص 52.
[14] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الأول، مرحلة ما قبل التأسيس، 1921-1932، "آمال الوطن"، 04/06/1921، ص 16.
[15] أنطون سعاده، الآثار الكاملة – الجزء الأول، "سورية تجاه بلفور"، ص 186.
[16] ملحق رقم 9، خطاب الزعيم في اللاذقية، 23/11/1948.
[17] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، "الزعامة السورية والزعامة الهندية".
[18] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السادس 1942-1943، رحلة الزعيم إلى خونين وكوردبه، 15/06/1943.
[19] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الرابع، "عيب الحزب السوري القومي"، 01/11/1941.
[20] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد السابع 1944-1947، "حديث الزعيم إلى مجلة الكوكب"، 20/08/1947.