أهلاً بكم إلى ندوة اليوم التي نلقي الضوء فيها على "واقع القطاع التربوي في لبنان وكيفية تغييره وتطويره". وتعلمون أن هذا القطاع الهام يعاني من أزمات متفاقمة كما هي الحال في كل القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وغيرها والدولة الغائبة عن كل شيء في لبنان هي غائبة ايضاً عن القطاع التربوي.
الأساتذة في وضع كارثي ومأساوي اجتماعياً وحياتياً إذ يعانون من الفقر والعوز ورواتبهم لا تكفي لملء سياراتهم بالوقود للذهاب إلى عملهم في حين أن المسؤولين في وزارة التربية لا يرون أنفسهم معنيين بالوضع المادي والمعنوي للمعلمين ولا يعيرون أي اهتمام لمطالبهم المحقّة ويريدون إنهاء اضراب التعليم الثانوي حتى لو اضطر الأمر لإحالة بعض الأساتذة المضربين إلى المجلس التأديبي أو حتى فصلهم من الوظيفة.
أما بالنسبة للتلامذة، فالمعاناة كبيرة ايضاً ويدفعون ثمن أزمة التعليم من رصيدهم ومستقبلهم المهني. فعدم توفر الكهرباء والماء والإنترنت والتدفئة والقرطاسية وغيرها من المستلزمات الضرورية والخدمات التعليمية بالإضافة إلى تكاليف النقل والمواصلات الباهظة والإضرابات المتكررة والوضع الاقتصادي الصعب لمعظم العائلات، كل ذلك أدى إلى حرمان عدد كبير من التلامذة من متابعة دروسهم. وتشير بعض الأبحاث أن 30 في المئة ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما في لبنان قد انقطعوا عن التعليم. ونسبة كبيرة من الأولاد دون 18 عاماً تركوا مدارسهم ودخلوا سوق العمل لمساعدة عائلاتهم ماديا"
نحن نطالب الدولة بالاهتمام الجدي بالقطاع التربوي وتطويره لأننا نؤمن أن التربية الصحيحة هي السبيل لإصلاح المجتمع وتأهيله وإطلاق طاقاته وتوجيهه لتحقيق أهدافه ومثله العليا. بعض الدول، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، واليابان، تمكنت من تحقيق تقدمها السريع بفضل تخطيطها واستثمارها في التربية القومية وإطلاق طاقاتها الإنسانية.
لذلك لا بد من دعم وتطوير النظام التربوي والمؤسسات التعليمية في لبنان وإقامة مراكز البحوث والتخطيط واعتماد البرامج الهادفة لبناء نفوس الأجيال وتحرير عقولهم من الخرافات ومن تيارات المناهج الغريبة وقوالب الحياة الجامدة الخالية من المعاني السامية والمقاصد النبيلة ورعاية ملكاتهم الخلاّقة. فما نفع التربية إن لم تسْعَ لبناء العقول المبدعة وتعزيز الوعي العلمي والثقافي وتخريج جيلاً صالحاً للمشاركة في الحياة العامة وخدمة قضايا الأمة ومصالحها؟
إن الإستثمار في التعليم والتربية الصحيحة وبناء الجيل الجديد هو الطريق لبناء مجتمع منتج، وحرّ وخلاّق. أترككم الآن مع محاضر غني عن التعريف، مع رفيق مجتهد في أبحاثه ومهتم في الشأن التربوي وبشؤون المجتمع والسياسة والفكر القومي الاجتماعي وله أبحاث ومؤلفات وإنجازات عديدة ومرموقة عنيت به الرفيق الدكتور ميلاد السبعلي.