أعددت هذه المداخلة مساهمة في الندوة التي أقامتها "مؤسسة سعاده الثقافية" حول موضوع مقال سعاده "الزوبعة في عامها الرابع"، ولم أتمكن من المشاركة فعليا، بسبب الضعف في الإنترنت خاصتي. وهذه المداخلة تشكّل الإطار العام الذي يبلّور أهمية مقالة "الزوبعة في عامها الرابع" في السياق العام لإصدار هذه الجريدة التي حافظت على التزامها بالعقيدة القومية الاجتماعية، بفضل إشراف سعاده الشخصي على إصدارها.
-------------------------------
أنشأ سعاده في بونس أيرس (الأرجنتين)، جريدة "الزوبعة"، لتكون الجريدة الشبه الرسمية للحزب السوري القومي الاجتماعي، بإشرافه المباشر، معبّرة عن توجهاته وخططه، وذلك بعد خروج إدارة جريدة "سورية الجديدة" (1) التي أسسها في البرازيل عن سياسة الحزب، على أثر اضطراره القسري إلى مغادرة هذه البلاد، إلى الأرجنتين. يقول سعاده:
"... في هذه الأثناء، ولتدارك خلل الإذاعة الذي أحدثته "سورية الجديدة" اللاقومية في السنة الماضية (1939)، أنشأ الزعيم في بونس أيرس جريدة "الزوبعة" الشبه الرسمية للحزب السوري القومي الاجتماعي، ويكون مشرفا عليها بنفسه، وعيّن مديرا عمليا لها، أولا، فريد نزها، ثمّ عاد فعيّن مكانه الرفيق جبران مسوح، على أنّ مرجع "الزوبعة" الأعلى هو الزعيم نفسه لتأمين كون هذه الجريدة معبّرة عن توجيهاته وخططه، ويكون الرفيق مسوّح كاتبا رئيسيا فيه ضمن اختصاصه، ومدير أعمالها وقيّما على علاقاتها مع المشتركين" (2).
صدر العدد الأول من "الزوبعة" في أول آب 1940، على أن تصدر نصف شهرية (3)، وتوقفت في 23 نيسان 1947 (4)، وبلغ عدد إصداراتها 91 عددا، في فترة ست سنوات وثمانية أشهر.
كشفت "الزوبعة" عن هويتها في صدر إصدارها الأول من خلال الإجابة على بعض الأسئلة، التي قد يطرحها القارئ حول هذه المطبوعة الجديدة: من أصدرها؟، ما الغاية منها؟ ما هو مبدأها؟، وما الهدف الذي ترمي إليه؟
جاء في الأجوبة: إنّ الذي أصدر "الزوبعة" هو حلول الزمن موجد الأشياء بأوقاتها.. وإنّ الدافع إلى إصدارها، وجود المريض المعتل المضلّل في عقله وقلبه وأفكاره. ولأنّ الأشياء توجد بنسبة الحاجة إليها، كانت "الزوبعة" هي الطبيب الجرّاح يعمل مبضعه في حزازات القلوب فيبترها بترا، ويطهّر الأوساط من سمومها، "فتكون هذه الصحيفة عند نطوق اسمها، زوبعة تقذف فاقدي الأخلاق وتقضي على نفاقهم" (5)، إنّ "الزوبعة: لم تأت لإثارة حرب في الأوساط والمجتمعات، بل لتلقي سلاما بقطعها شأفة المجرمين والقضاء على أعداء الحقيقة الذين هم بؤرة الفساد في المجتمع وعقبة كؤود في سبيل الإصلاح.
وفي مقال رئيسي آخر، احتلّ الجزء الأعلى من العدد الثاني تحت عنوان "إلى القارئ": "لا انتصار بلا حرب"، تابعت "الزوبعة" الإفصاح عن الغاية التي أنشئت من أجلها، وهي العمل على إيصال الحقائق والأخبار الصحيحة إلى القراء حتى لا يكونوا دائما تحت رحمة الصحف المتاجرة بشعورهم، مؤكدة علمها المسبق بأنّ ذلك سيؤدي إلى استقتال المنتفعين في الدفاع عن الحالة الراهنة التي يشغلون مفاسدها. وختمت "الزوبعة": بأنّ النصر لا يأتي بدون معركة، فلا انتصار بلا حرب، وقد اختار النفعيون الحرب كي يسهلوا على "الزوبعة" النصر (6).
كتب جبران مسوّح، تحت "عنوان هذه الجريدة" مقالتين في العددين الخامس والخامس والخمسين (7)، قدّم فيهما رسالة "الزوبعة إلى القراء، على أنّها بوق من أبواق النهضة السورية، التي يقوم بها السوريون القوميون في العالم كلّه. وهي رسالة نهضة جديدة، وحياة جديدة، وتفكير جديد. هي رسالة تحتاج إليها كلّ بلاد عربية، بل كلّ بلاد الدنيا التي تريد أن تفيق ويكون لها مجد وشرف وفخار، فرسالة "الزوبعة" هي سورية ولكنّها للعرب والعروبة أيضا. وهي أخيرا للعالم كلّه وللأجيال كلّها" (8).
واظبت "الزوبعة" خلال مدّة إصدارها بين عامي 1940و1947 على تزويد قرائها بأهم الأعمال التي أنجزتها من أجل تحسين إخراجها وتبويبها، وتطوير مضمونها، وطالبتهم في المقابل القيام بواجباتهم تجاهها، وذلك من أجل إنجاح مشروعها الإعلامي العام والهام، بوجهتيه الإذاعية والثقافية.
ويمكن تتبع المحطات الرئيسية التي مرّت بها هذه الجريدة على الصعيد المهني والإعلامي من خلال بياناتها النقدية التقييميّة التي كانت تنشرها، تقريبا، في مطلع كلّ عام بمناسبة ذكرى إنشائها. وقد صدر عنها، في هذا الإطار أربعة بيانات (9).
استعرض البيان الأول منها "نشؤ الزوبعة ونموّها"، خلال إصداراتها الأربعة والعشرين السابقة، كيف ابتدأت بورقة مؤلفة من أربع صفحات صغيرة، قديمة الأحرف، مشوّهة الطباعة، في أعدادها الأربعة الأولى، لتضاعف عدد هذه الصفحات ابتداء من العدد الخامس، لتصل إلى اثنتي عشرة صفحة مع انتهاء الحول الأول لصدورها. إلى جانب تحسين طباعتها انطلاقا من العدد السادس، ممّا يثبت أنّ تقدّمها ونموّها كانا طبيعيين ككلّ كائن حائز مبدأ الحياة والنموّ، ليس في الشكل فقط، وإنّما أيضا إذ "جمعت مجموعة الحول الأول من الزوبعة طائفة من المقالات العقائدية والسياسية والأدبية والفلسفية، وحيدة من نوعها ومستواها. وهذه المجموعة تعدّ خزانة صغيرة لنظريات ودروس ومعلومات فريدة هامة، ولها فائدة خاصة للسوريين الذين يريدون أن يعرفوا حقيقة حاضر وطنهم وأمتهم ومستقبلهما (10).
وركّز بيان "العام الثالث" على دور القوميين الاجتماعيين وجهودهم مع أصدقاء النهضة القومية الاجتماعية في دعمهم المعنوي والمادي على إنجاح "هذه الصحيفة التي أنشئت لخدمة البعث السوري القومي والتي تسير بجهود القوميين الاجتماعيين، وبتأييد السوريين، وليس بدعامة أجنبية، كما قد يحاول إذاعته أعداء الحركة القومية الاجتماعية..، ويتابع البيان: إنّ تكبير الزوبعة قد زاد تغذية السوريين عبر الحدود بالأفكار والمعلومات المنيرة لهم في ما يتعلق بوطنهم ومصيرهم القومي، وبسير العالم". ويخلص البيان إلى تذكير المشتركين بواجباتهم نحو الجريدة، ويطالبهم بزيادة إمكانيات نموّها وتوسّعها في خدمة القضية القومية الاجتماعية، والرأي العام اللذين قد ظهر وتحقّق أنّهما هدف الزوبعة الرئيسي.
واستعرضت "الزوبعة" في بيان "العام الرابع" (11)، العراك الفكري العنيف الذي قادته هذه الجريدة بين عقيدة الحركة السورية القومية الاجتماعية وغايتها ومراميها من جهّة، وعقائد الرجعية والتأخر وفوضى التفكّك والشقاق والإستهزاء وعدم الإكتراث من جهة أخرى. هذا العراك الذي أدى إلى إيجاد مقاييس جديدة، حلّت محل المقاييس القديمة غير الصالحة لعهد جديد، كلّ شيء صار ذا قيمة جديدة غير التي كانت له: الحرية، الحق، الوطنية، الحب، الشعر، الشرف، الغنى، الفقر، العزّ، الذلّ، القومية، الجنسيّة...التي من مزاياها (المقاييس) أنّها مضبوطة، ذات قاعدة واحدة ودرجات متناسبة، وذات طبيعة واحدة في المغترب والوطن، أدّت إلى هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي تسمى: الرأي العام والإرادة العامة. رأي واحد لجميع السوريين القوميين الاجتماعيين من جميع الملل والطوائف، وإرادة عامة واحدة.
ويؤكد مقال "العام الرابع" على أهمية هذا العمل الذي قامت به "الزوبعة" فهو عمل عظيم يغيّر نفسية أمّة بأسرها وينشيء تاريخا جديدا ويوجد أمة جديدة من شعب قديم. كما يعبّر المقال عن سرور إدارة الجريدة في إدراك عملها الممتد بين أوساط الحركة، الذي هو أساس التضامن الروحي للبناء الجديد، الذي يشيده القوميون الاجتماعيون. وختم بيان العام الرابع بكلمة الأمر العامة في النهضة القومية الاجتماعية التي هي الإيمان والعمل، بالإيمان والعمل نقوم، وبالإيمان والعمل ننتصر. بعد فترة اضطرت "الزوبعة" إلى التوقف القسري مدّة سنة تقريبا من 10-8-1945 إلى 2-8- 1946، ويشرح سعاده في مقالة رئيسية سبب هذا الانقطاع في مقالة تحت عنوان: "استئناف العمل الإذاعي التوجيهي – عودة الزوبعة" (12). ومن أبرز الأسباب التي يذكرها سعاده: انتقاله إلى توكومان في أواخر العام 1943، ممّا أفقد الجريدة عنايته اليومية. إلى جانب ضغط أعداء الحركة على أصحاب المطبعة، كي يتوقفوا عن طباعة الجريدة.
وبعد زوال الأسباب المتقدمة عادت "الزوبعة" إلى الصدور "لتضع أمام أعين الناس وفي آذانهم، الحقائق الخطيرة التي ظلت مكتومة عنهم في صدد ما جرى وما يجري في وطننا والآراء اللازمة لفهم حوادث الوطن الأخيرة، وحوادث العالم الإنترناسيوني في السياسة والاقتصاد والإستراتيجية"، وينهي سعاده هذه المقالة بالإعلان عن عودة "الزوبعة": "ها هي الزوبعة تعود إلى الصدور، وكنا سابقا نقول إنّها تصدر وتظل تصدر على رغم من مقاومة الأعداء الرجعيين والنفعيين والجاهلين، فصرنا نقول: إنّها تصدر على رغم من دسائس "الأصدقاء" المرائين وشباك "الرفقاء" المنافقين المشعوذين الذين قابلوا حنوَ الزعيم عليهم بأنياب غدرهم ومؤامرات خيانتهم وأوحال خبثهم " .
الهوامش
1- سورية الجديدة: جريدة أسسها سعاده في البرازيل، صدرت بين 11 آذار 1939 و30 آب 1941. صدر منها 125 عددا.
راجع جهاد العقل: صحافة الحركة القومية الاجتماعية في الوطن والمهجر، الجزء الأول.
2- أنطون سعاده: الأعمال الكاملة، الرسائل، ج 10، ص29، تاريخ 11-2-1941.
3- الزوبعة: العدد الأول، أول آب 1940، ص1.
4- الزوبعة: العدد91، 23نيسان 1947، ص1.
5- الزوبعة: العدد الأول، مقالة "تمهيد"، ص1. بدون توقيع.
6- الزوبعة: مقالة "إلى القارئ"، ص1، بدون توقيع، العدد الثاني.
7- سعاده: الأعمال الكاملة، ج 10، ص29.
8- الزوبعة: العدد5، تاريخ 1-10-1940، والعدد55، تاريخ 1-11-1942، ص2.
9- الزوبعة: البيان الأول "حول جديد"، العدد25، تاريخ 1-8-1941. البيان الثاني "العام الثالث"، العدد 49، تاريخ 1-8-1942. البيان الثالث "العام الرابع"، العدد64، تاريخ 1-8-1943. البيان الرابع، العدد86، تاريخ 2-8-1946.
10- الزوبعة: العدد 25، تاريخ 1-8-1941، مقالة "حول جديد".
11- الزوبعة: العدد64، تاريخ 1-8-1943، ص1.
12- الزوبعة: العدد 86، تاريخ 2-8-1946، ص1.