إذا رغبنا أن نستعرض أسماء الشعراء الذين أغنوا الأدب الشعبي في لبنان، وكان لهم حضورهم اللافت على المنابر وفي المجلات المتخصصة، ومعظمهم أصدر دواوين شعر، لوجدنا أن الكثيرين منهم عرفوا الحزب السوري القومي الاجتماعي وناضلوا فيه، وكان لهم الكثير من القصائد القومية التي كان يرددها القوميون الاجتماعيون في مناسباتهم .
من هؤلاء الشعراء نذكر على سبيل المثال، الراحلين منهم: الأمناء عجاج المهتار، خطار أبو إبراهيم وفؤاد ذبيان، والرفقاء وليم صعب، رفعت مبارك، يوسف حاتم، قاسم نجد، سليمان العنداري، إيليا أبو شديد، ميشال ابو شديد، رضا صعب، أديب حداد (أبو ملحم)، فوزي عبد الخالق، وسليمان سليقه.
*
عرف المواطنون الشاعر والممثل والناقد الاجتماعي، اديب حداد، في حلقاته التلفزيونية باسم "أبو ملحم". إنما قبل ذلك فقد عرفه القوميون الاجتماعيون والأصدقاء شاعراً قومياً اجتماعياً، وناظراً لإذاعة منفذية الغرب، ومشاركاً في الكثير من المناسبات الحزبية التي كانت تنشر عنها صحف الحزب في الأربعينات وأوائل الخمسينات
.
حين انتقل الرفيق أديب حداد إلى التلفزيون ممثلاً قديراً ينتظره اللبنانيون بلهفة، ويستمعون باهتمام وشغف إلى حلقاته التوجيهية مع رفيقة حياته سلوى الحاج "أم ملحم"، آثر التوقف عن إشهار هويته الحزبية، منصرفاً إلى التوجيه العام مجسداً فيه قيم النهضة القومية الاجتماعية وفضائلها.
هنا بعض من أديب حداد الذي لا تفيه حقه مقالة ولا كتاب، فهو باق في ضمير الملايين الذين استمعوا إليه وطربوا لحلقاته النقدية التوجيهية ولقصائده، وخالد في المجتمع الذي أعطاه بصدق وتفان وبكثير من الالتزام الأخلاقي.
**
وكتب بدوره ما بين العامين 1942–1945 تمثيلياته بالعامية: "الحب في الضيعة"، "الحما والكنة"، "خالتي القومية" ، "ليلى بنت الجبل". وهذه الروايات مثلت مرات متعددة.
كانت سلوى قد درّست في الجامعة الوطنية في عالية وغيرها من المعاهد قبل أن تلتقي أديب في المدرسة الأرثوذكسية في عالية، فتعارفا وتحابا ورزقا ثلاثة أبناء: زياد، دنيا وراغدة .
ويضيف: " سنة 1938 بدأت موهبة أديب حداد الشعرية تتبلور ألفاظاً وتعابير وبيوتاً وعبراً ومجموعة ووحدة. فكانت فاتحة هذا العهد الجديد فكاهة "فروج دحروج" التي نشرناها في عدد "بلبل الأرز" الصادر في 17 كانون الثاني 1938 " .
*
وكانت يقظة قوميـة عا أنغام الحريّة
وكانت حرب عمومية بين العز وبين العار
قمنا تا نحرر أجزاء الأمة من أخطر أعداء
قمنا حتى نعالج داء التفريق المرّ القهّار
وأيضاً :
كل نقطة دم يهدرها شهيد |
|
|||
|
في سما الأوطان نجمة مشعشعه |
|
||
كل نقطة دم يهدرها شهيد |
|
|||
|
نغمة حماسية لكسب الموقعة |
|
||
كل نقطة دم يهدرها شهيد |
|
|||
|
بسمة أمل في وجه أمة مضعضعة |
|
||
كل نقطة دم يهدرها شهيد |
|
|||
|
قطبة تحرر في نسيج الزوبعة |
|
||
كل نقطة دم يهدرها شهيد |
|
|||
|
قلعة جديدة للرموز الأربعة |
|||
" ألقى الرفيق الشاعر أديب
حداد هذه الرائعة الزجلية في أول آذار في بيصور وعالية وكان لها الوقع الكبير في نفوس الرفقاء لما جاء فيها من تعبير صادق وتصوير جميل لحالة الأمة ".
منها اخترنا الأبيات التالية:
هبوا سوى اخوان بقوة وفا وإيمان
ولا تجعلوا الأديان
آلـة تحركنـا غايـة تفككنا
الدين لله الأحد والأرض للفوقها ترعرع
القائد سعاده جاء حيوه بلا استثناء
بالزوبعة الحمراء
حيّوه فادينا حيّوه هادينا
لا تخاف يا رفيقي إذا اضطهدوك
ومن دون علّة وذنب يتهموك
ظل ثابت، حـر، يضطهدوا
ويبرهنوا قديش بيخافوك
ظل ثابت راسخة قدامك
ما دام كل الحق قدامك
ولا تخضع لعبسات ظلاّمك
بيعلي مقامك كلما ظلموك
يتذكر رفيق لنا أن في مهرجان حزبي أقيم في بلدة الرملية (الغرب) ألقى الرفيق أديب حداد قصيدة زجلية، مطلعها:
عجب ما في عجب كيف اجتمعنا
وما في مرحلة علينا بعيدة
*
شارك الرفيق أديب حداد في حفل التأبين الذي أقيم للرفيق الشهيد هادي عاصي في الهرمل(2) بقصيدة زجلية مطلعها :
قالوا عصابة شرّ متمادي
اغتالت حبيب الزوبعة هادي
قلتلهم يا ويلهم وبالأمس
نفس العصابة اغتالت سعاده
نشر الدكتور جورج شبلي في عدد "الانوار" بتاريخ 03/01/2014 مقالاً جيداً بعنوان "ابو ملحم حكمة واقعية ومقامات في زمن مرّ"، اخترنا منه المقطع التالي:
" أبو ملحم لا يُمَثِّل صُوَراً لأَشباه الحقائق، إنّه صانِع الصّورة بِبَساطة بعيداً عن التعقيد الدِّعائيّ، هَمُّه أن يوصِل الى جمهوره عِبرةً لا أن يُفْصِحَ عن مَقدِرته وثقافته، وهو الذي لم تَخْبُ معه جَذوَةُ الإبداع. نِتاجُه مِرآةٌ مُستَوِيَة تَعكِس مَقاصدَه وليس نِظامَ رموزٍ ودلالات وأداةَ تعبيرٍ طَبَقيّة، إنّه صِياغةٌ لتجربة إنسانيّة عميقة تَعود بنا الى ذلك الزَّمان المَجهول الذي بَدَأ فيه الإنسان يُعَبِّر عن أفكاره وعن ارتباطه بالجَماعة، وكأنّ أديب قَرَأَ حكماء اليونان الذين كانوا أوائل مَن أشاروا الى هذه العلائق في خطاباتهم الفلسفيّة. وكالفلسفة التي لم يحتَجِزْها زَمنٌ أو مَطرَح، لم يكن أدبُ أديب سِمَةَ عصره بل تَمَدَّد فوق جَسَد الأيام ليصبِح، وبلا مُنازِع، سِمَة اليوم الحاضِر".
*
ونشرت حفيدته نضال حداد في جريدة "النهار" بتاريخ 29/05/2007 كلمة موجهة الى "جدي ابو ملحم"، ومما قالته:
" عملت يا جدي طوال عمرك في الحقل التربوي بداية والفني لاحقاً، وأعطيت من صميم قلبك عصارة فكرك أعمالاً فنية مهمة، كانت مرآة حية لتراثنا اللبناني فكراً وتوجهاً، سياسة واجتماعاً واقتصاداً. وأصبح اسمك "ابو ملحم" مرادفاً لكل مصلح اجتماعي عادل وشفاف، ولكل عمل خيّر بنّاء. أفرحتني وأحزنتني في آن كثرة الكلام عنك في الآونة الاخيرة، وهذا خير برهان على ان مدرستك اتت ثمارها في هذا الشعب اللبناني العظيم، ويا ليتها فعلت ذلك ايضاً في سياسيينا لكنا اليوم ولبناننا الحبيب في مصاف الدول الراقية سلماً وعلماً واقتصاداً ".
1- في ديوانه "زجليات أبو ملحم" يرد في المقدمة، صفحة ظ، النسخة المصورة للوسام الصادر في 22/3/1965 وفيه منح الرفيق أديب إبراهيم حداد عضو شرف مدى الحياة برتبة Commandeur وذلك للخدمات التي قدمها، طوال ثلاثين سنة، للأعمال الفنية .
2- هادي عاصي: استشهد في منطقة برج حمود في نيسان عام 1958 وأقيم له "الأسبوع" في منشية "الوقف" بالهرمل شارك فيه وفد مركزي، ورثاه الرفيقان الشاعران أديب حداد ورفعت مبارك .
في: 21/04/2023 لجنة تاريخ الحزب