أمسِ، سقط من ايلي شويري جسدُه، وبقيت نفسُه فارضةً حقيقتها فنّاً يرقى بمثله الوجود، أمس.
احتجبت مع انتقال ايلي شويري الى المقلب الاَخر، شمسُ من كتب حبَّه لبلاده، لا مجرّدَ اغنيةٍ غنيّةٍ بعناصر الابداع والجمال، بل كتبها وغنّاها وجداناً دائم التألّق والتدفّق على اشراقة شمسٍ لا تعرف الغياب.
ايلي شويري الاَتي فنّاً اصيلاً من زمن العزّ، من مدرسة التألّق الرحبانية، زاد على هذاك العزّ عزّاً بصوته، بموسيقاه والكلمات... وأمثالنا، من الذين امتلؤوا بنعمة الحقيقة التي كشف عنها الغطاء الشويريُّ العظيم انطون سعاده والقائلة ان الدماء عينها التي تجري في عروقنا ليست ملكنا، بل هي وديعة الامة فينا، متى طلبتها وجدتها. امثالنا يرون ان ايلي شويري من هذا المنطلق. يسمعون، اذاك، في أغانيه الوطنية صدى هاتيك الحقيقة فتتردّد منهم على مسامعهم: تبارك اللهُ في مُبدعيه. قلّةٌ من الفنّانين هم الذين غنّوا الوطن بمثل ما ارتقى في التغنّي به ايلي شويري. يشعر واحدنا اليوم وهو يستعيد، في ذاكرته، صوت الشويري وصداه انّ صفاءً يشعُّ من اغانيه، صفاءً يستحضر الرجاء بالقيامة من حالكات تفاهات هذه الايام، وهذه الالام. في «بيان قيده» الفني، المتدفّق سيلاً من الاغاني، ترى انّه بغنىّ عن أيّ تأبين، عن أيّ تكريمٍ، عن أيّ رثاء. فمثله مثل جميع المقيمين في ملكوت الخلود، لا تُرضيهم التحيّاتُ تُلقَى عليهم كلماتٍ في الماَتم. فالوفاء فانما يكون بالحفاظ على ارث ابداعهم، لا ذكراً في كتاب على رفّ يعلوه الغبار في مكاتب وزارة ليس لها من اسمها أيُّ نصيب. تحيّتهم باحياء ارثهم ضوءاً في ذاكرة الاجيال الناشئة، كأن تلزم وزارة التربية بأن يُنْشَدَ مع «كلّنا للوطن»... بكتب اسمك يا بلادي عَ الشمس الما بتغيب... ايلي شويري، ايّها الصاعدُ الى هناك، نحيِّيك من هنا باقياً بما أبقيت...