قبل ان ابدأ مسؤوليتي عن الطلبة في ستينات القرن الماضي، وقد تحدثت عن ذلك في أكثر من مناسبة، سبقني الى هذا العمل رفقاء ما زلت اذكرهم بكثير من المحبة والتقدير، اذكر منهم: الأمناء الراحلين محمود عبد الخالق، عاطف ضو، كمال الحلبي...
والرفقاء: الأمين جورج يونان، يوسف مسمار، بهيج ابي غانم، ....
ومن ابرز الرفقاء الراحلين الذين سطروا سجلاً حافلاً من النشاط الحزبي في محيط الطلبة هو الرفيق ملحم غاوي الذي تعرّض اكثر من مرّة للاعتقال مما اضطرته ظروفه للسفر الى غانا مستقرا في مدينة "تاكورادي"، الا ان القدر عاجله باكرا، كما عاجل شقيقه جوزف الذي ما طالت به الإقامة في تاكورادي بعد رحيل شقيقه ملحم، مما اضطر شقيقهما روجيه، وكان ناموساً في عمدة العمل للتوجه الى تاكورادي.
لم تمض فترة على وجوده فيها فخانته ظروفه فأصيب بمرض يقتات من الاعصاب فأمن له رفقاؤه في غانا الانتقال الى لبنان، مقيماً في منزل شقيقته انطوانيت في الحدث. كنت ازوره كلما تمكنتُ وتزوره الرفيقة ندى محسن التي كانت تتولى مسؤولية مديرة مديرية الحدث – الحازمية. بدأت صحة الرفيق روجيه تتراجع وهذا المرض يتآكله، فتم نقله الى مستشفى مار الياس في انطلياس.
تابعت زيارته واذكر شيئين: الاهتمام الذي ابداه الدكتور الأسمر، وهو من مواطني منطقة المصيطبة. فبعد ان تحدثت إليه، وتحدث بدوره الأمين عبد المسيح طرزي، الذي كان يتولى بنجاح مسؤولية مدير مدرسة مار ساوريوس للروم الارثوذوكس.
الأخت الراهبة، شقيقة الرئيس اللبناني بيار الجميل، التي رغم الاختلاف الحزبي، كانت تلبّي باخلاق إنسانية وارتباط ديني رفيع حاجيات الرفيق روجيه.
عندما كنت ازوره، كنت اجده مستلقياً على السرير خشبة لا حراك لها. فقط عيناه تشعان بالفرح عند مشاهدتي، متمتماً "تحيا سورية" ويبتسم.
ما اروعك يا رفيق روجيه، كم كنت جباراً على آلامك.
بعد فترة وقد ساءت احواله اكثر واكثر، نقل الى منزل شقيقته ... في منطقة زغرين – شرين - زغرين، حيث زرته اكثر من مرة جسماً خشبياً مستلقياً على السرير في مواجهة النافذة وعبرها جبل صنين وتلك المناطق الجميلة من المتن الشمالي وكسروان. فقط يبتسم ويتمتم "تحيا سورية".
كنت أحبه، مستذكراً شقيقيه الراحلين ملحم وجوزف، وتابعت الاهتمام به الى ان رحل.. فكتبت عنه الكلمة التالية: الرفقاء ملحم، جوزيف وروجيه غاوي
الكلمة التي نشرتها في العدد 39 (15 تشرين الثاني 2003) في مجلة "البناء – صباح الخير" عن الرفيق روجيه غاوي لعلها تحكي بوضوح عن الرفقاء ملحم، جوزيف وروجيه غاوي الذين اتذكرهم دائما، واجد، وفاءً، ان اذكّر بهم.
*
حسنا فعلت مديرية عين الرمانة اذ كلفت رفقاء منها لتفقد الرفيق روجيه غاوي في مستشفاه في انطلياس حيث يمضي فيه منذ سنوات.
الرفقاء الذين عملوا في مركز الحزب في اواخر السبعينات، وبالاخص في عمدة العمل، عرفوا الرفيق روجيه غاوي جيدا، كذلك رفقاؤه في الحازمية وفي غانا التي انتقل اليها بعد وفاة شقيقه الرفيق جوزف .
والرفقاء الذين نشطوا حزبيا في اوائل الستينات بعد الثورة القومية الاجتماعية الثانية تعرفوا الى ذلك الشاب الاشقر، النشيط، العقائدي: ملحم غاوي، وقد تسلم المسؤولية الطلابية في ادق واصعب المراحل وكان المذيع الناجح، المتجول مع رفقاء قلة نذكر منهم على سبيل المثال فقط يوسف المسمار، وجوزف بابلو.
اعتقل الرفيق ملحم غاوي في العام 1964 مع الرفقاء غطاس الغريب، جورج قيصر، وتوفيق الحايك، ومثلهم استقبله جيدا جلاوزة "الشعبة الثانية" في ذلك العهد الاسود، وبعدما خرج من الاسر غادر الى غانا ليستقر في مدينة "تاكورادي" ويؤسس فيها اعمالا، وليبقى كما عرفناه، الرفيق الواعي العقائدي النشيط.
ووافت المنية الرفيق ملحـم، فتابع شقيقه الرفيق جوزف اعماله في تاكورادي، انما لم يلبث ان وافته المنية، اثر نوبة قلبية كما شقيقه. فاضطر شقيقهما الثالث الرفيق روجيه، ان يتقدم باستقالته من ناموسية عمدة العمل ويغادر الى غانا.
لا اذكر وقد كنت على مدى سنوات على تواصل مع الرفيق روجيه بحكم مسؤوليتي في عمدة عبر الحدود، انه توانى يوما عن واجب او تقاعس عن رد جواب، او تلكأ دون تسديد ما عليه من واجبات مالية، كان وحيدا في المدينة الغانية انما كان سفيرا فيها للنهضة التي احتلت كل جوانب حياته .
واتى يوم اسود. لقد اصيب الرفيق روجيه بذلك الداء الذي يقتل الاعصاب. الرفقاء في اكرا قاموا بواجبهم تجاهه، وكانوا معه عندما غادر غانا الى الوطن. وفيه ساهمت مديرية الحدث بواجبها، تتفقده في منزله في الحازمية وتقف على حاجاته.
واحتاج الرفيق روجيه الى كرسي متحرك. رفقاؤه في اكرا تبرعوا بالمبلغ ومديرية الحدث اهتمت.
الا ان الداء استفحل وراح ينخر في عافية الرفيق روجيه مما دفع بشقيقتيه في الوطن ان تنقلانه الى مستشفى "السيدة" في انطلياس حيث حاولوا معالجته، دون جدوى. فاذا هو منذ ما يزيد على الثلاث سنوات طريح الفراش دون حراك، سوى تلك البسمة عل محياه، وتلك الاشارة من يده يقول بها الى رفقائه تحيا سورية، وشفتاه تتمتمان، ووجهه يطفح بشرا ويرحب، فيشعرك ان ليس في جسده ما يؤلم ولا في نفسه من جروح.
منذ ايام زرته مع الرفيق بشارة باروكي. الرفيق روجيه لم يرفع يده بالتحية كما كان يفعل ولـم يتحدث الي.
نظرت اليه، نظر الي مبتسما. تمتم. حدثته عن ماض جميل. تمتم: صحيح، وابتسم. فالنطق عند الرفيق روجيه زحف اليه الشلل، كما الى كل الجسد.
*
الرفيق روجيه غاوي وهو فوق فراش في مستشفى "السيدة" يمثل احد الامثلة الحية على ما تصنعه النهضة في نفوس المؤمنين بها.
لذلك هو اقوى من الداء الذي شلّ قدراته، واشد صلابة في وجه القدر الغاشم الذي سرق شقيقيه، ثم سرق منه عافيته وشبابه وفرح الحياة.
*
الى ملحم وجوزف وروجيه عرفت جيداً شقيقتهم الرفيقة المميزة، مارسيل، التي كانت ناموساً في عمدة الداخلية وعندما تأهلت غادرت وزوجها الى أثينا حيث استقرت وما زالت. كنت أكنّ لها الكثير من المحبة وما زلت اذكرها متمنياً ان التقي بها في اول زيارة لها الى لبنان.
تلك العائلة القومية الاجتماعية تستأهل منا كل تكريم واعجاب.
اقترح على الإدارة الحزبية المركزية ان تسأل عن هذه العائلة في غانا وفي لبنان، مذكراً ان الرفيق ملحم كان ناشطاً في فترة تولي الرفيق الشهيد جوزف رزق الله مسؤولية العمل الحزبي في لبنان.
من الرفقاء الذين عرفوه جيداً: الأمين نصري خوري وكان عميداً للعمل في فترة تولي الرفيق روجيه مسؤولية الناموس، والرفيق توفيق الحايك الذي كان له نشاطه الحزبي تحت اسم "احمد".
الرفيقة ندى محسن والرفقاء الذين عرفوه في غانا وفي منطقة المتن الجنوبي.
اني وقد عرفت جيدا تلك العائلة ارفع الى أرواح ملحم، جوزف، وروجيه غاوي تحيتي القومية الاجتماعية معرباً عن الكثير الكثير من محبتي وتقديري.
في: 01/06/2023 لجنة تاريخ الحزب