هذه مقترحات مبنية على الأساس المتين الذي أنشاه سعاده.
إنها استكمالٌ للدراسة التي قدمها الرفيق ميلاد السبعلي حول الحوكمة الرشيدة التي تضمنها دستور سعادة منذ 83 سنة، وإنها استجابةٌ لدعوة الرفيقة ضياء حسان للجواب على مجموعة من الأسئلة حول المواضيع المطلوب تسديدها في دستور الحركة السورية القومية الاجتماعية. وإنها أيضاً استكمالٌ لدراستي عن معنى الديمقراطية التعبيرية والتي كانت موضوع محاضرة من على هذا المنبر تاريخ 21- 11-2020.
لقد ذكر الرفيق ميلاد في محاضرته تاريخ 9-1-2021 أن له رأياً في كيف يجب أن تكون التعديلات الدستورية بعد استشهاد الزعيم، ولكنه امتنع عن إبدائها، وسبب امتناعه هو، كما قال، لئلا يثير عاصفة من الانتقادات والمعارضات في صفوف القوميين، وهؤلاء هم اليوم في بلبلة وتباين آراء وعدم إجماع بسبب أن مؤسسات الحزب الراهنة تخلت عن واجبها في بث الثقافة القومية الاجتماعية بين الاعضاء وانصرفت الى الصراعات الداخلية التي مزقت الحزب وأضعفته وتركت القوميين دون تعهّد ومتابعة في ثقافتهم العقائدية والدستورية.
كنا نفضّل أن يقول الرفيق السبعلي المتعدد المواهب رأيه وكلمته لنستفيد منها، بغض النظر عن اعتراضات وانتقادات المعترضين والمنتقدين، فالنقاش والحوار هو السبيل لجلاء الأفكار والمواضيع، خاصةً وأننا نملك مرجعاً يحكم بيننا ويوحد رؤيتنا وهذا المرجع هو سعاده وما تركه من أساس ثابت ومكين.
هذه مقترحات أبديها الآن بعد أن تكونت عندي بعد درس وبحث طويل، وهي مطروحة للنقاش وتحتمل الصح والغلط، وقابلة للزيادة أو التعديل أو حتى لتغيير بعضها، ولا شيء يوصل الى الوضوح والجلاء واليقين غير الدرس والحوار والتفاعل الفكري بعقل منفتح على العلوم والتجارب السابقة في الحزب وفي خارجه، وما أكثرها!
إن دساتير دول العالم جميعها هي مفتوحة على التعديل، ودستور سعاده امتاز بأن الإشارة الى تعديله قد وردت في صلبه في النسخة الأولى منه التي وضعها سعاده سنة 1937، كان ذلك في المادة العاشرة من مواد الدستور، أي قبل المراسيم والقوانين الدستورية. وقد نصت تلك المادة أن من مهام المجلس الأعلى هي "تعديل الدستور الحالي". و"الدستور الحالي"، أي دستور 1937، قد عدّل فيه الزعيم فعلياً عندما عدّل في حدود الوطن السوري الواردة في المادة الثانية منه، وأيضاً في صيغة المبدأ الاساسي السادس وفي أسم الحزب. فعل الزعيم ذلك بعد عودته من الارجنتين سنة 1947 من دون الحاجة لأجتماع المجلس الأعلى لأن الزعيم كان قد حلّ هذا المجلس بسبب عدم دستوريته الناتجة عن أن أعضاء فيه لم يكونوا أمناء.
ولا يخفى أن دستور 1937 كما دستور 1947 هو دستور المرحلة التاسيسية التي تمتد على مدى حياة سعاده المادية حسب ما هو وارد في مقدمة الدستور. والمراحل التأسيسية في دساتير العالم كلها تتضمن مواداً مؤقتة واستثنائية يجب تعديلها فور انتهاء المرحلة التاسيسية.
وأول ما كان يجب تعديله بعد 8 تموز 1949 هوالمادة التي تنص على مصدر السلطات. فمصدر السلطات، الذي يكون في المرحلة التأسيسية للمؤسس أو للمؤسسين، يجب أن يعدّل ليصبح للشعب كله انسجاماً مع المبدأ الديمقراطي الذي قال به سعاده وأكد عليه مراراً في كتابه العلمي نشوء الأمم كما في العديد من مقالاته وخطبه ورسائله . ففي حالة الحزب أول ما يجب تعديله هو المادة الرابعة التي تنص أن الزعيم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذه المادة يجب تعديلها لتصبح: "القوميون الاجتماعيون هم مصدر ا لسلطات". قد يكون ذلك بديهياً لدى الكثيرين اليوم ولكننا نعيد تأكيده
لأن البعض من الرفقاء لا زالوا يقولون بأن الزعيم يبقى مصدراً للسلطات حتى بعد استشهاده، وهذا القول هو قول عاطفي وغير واقعي. فالسلطات لا يمكنها عملياُ أن تنبثق من شخص أو مجموعة أشخاص غير موجودين عملياً. بعض الرفقاء يقولون أن سعاده صحيح أنه استشهد واستشهاده كان "مانع طبيعي دائم حال دون ممارسة الزعيم سلطاته" ولكنه لا زال حياً بيننا وروحه يجب أن تبقى توجهنا...الخ. هذا كله صحيح ويعبر عن إيمان راسخ لا يتزعزع، ولكن لا يمكن ترجمته سلطة فعلية وعملية. فمصدر السلطة هو الهيئة التي تقول كلمتها في اختيار أصحاب السلطة، وهذه الهيئة يجب أن تكون موجودة واقعياً وعملياً، وسعاده نفسه في مقدمة الدستور قال أنه كطرف أول في التعاقد الذي تاسس الحزب بموجبه، يكون زعيماً للحزب مدى حياته، فقط، وليس بعد حياته.
أن ما يجب تعديله في دستور المرحلة التأسيسية أيضاً هو المادة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة، أي جميع المواد المتعلقة بسلطة الزعيم خلال وجوده المادي والعملي على رأس الحزب، هذه السلطة التي كانت قائمة "مدى حياته" والتي انقطعت بعدها. نقول أن هذه المواد يجب أن تعدَّل، ولا يجب أن تلغى لأنها تتضمن أساساً يجب حفظه والبناء عليه.
وما يجب تعديله أيضاً هو جميع مراسيم الزعيم الدستورية السبعة، للسبب عينه، وسيجيء شرح ذلك بعد قليل.
إن عملية تعديل الدستور لا يجب أن تتم إلا وفق قواعد لا يجوز الحياد عنها هي: الدستور نفسه والعقيدة والعقل.
مقدمة الدستور تتكلم عن كيفية تأسيس الحزب، وهذه الكيفية هي حدث تاريخي حصل ولا يمكن تغييره أو تعديله. ومقدمة الدستور تتضمن أيضاً القاعدة التي نشأ وتأسس عليها الحزب، إنها فلسفة نشوء الحزب وهي تبقى صالحة دائماً حتى ولو بعد ألف سنة من استشهاد الزعيم. إنها فلسفة التعاقد الفردي مع صاحب الدعوة في حياته وبعد مماته، تماماً كما كانت قبل استشهاده في وجوده وفي غيابه. إن هذا التعاقد يتضمن التزامين أو تعهدين: الأول أن سعاده صاحب الدعوة يكون زعيماً للحزب مدى حياته، والثاني أن القوميين هم أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تاييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية.
الالتزام والتعهد الاول قد تم وبديهي أنه لا يمكن تعديله. أما التعهد والالتزام الثاني فدفاع القوميين عن قضية الحزب التي هي مبادئه وغايته هو دفاع ثابت لا يتغير ولا يتعدّل. أما تأييد سلطة الزعيم فهو حقيقة تاريخية تأسس عليها الحزب وهذه الحقيقة، كونها تاريخية، لا تتغير ويجب أن تبقى تاريخاً لا يمحى. أما الآن، وفي ما يختص بالرفقاء الذين انتموا بعد استشهاد سعاده فيجب أن يعرفوا كيف تأسس الحزب، أي يجب أن تبقى المقدمة تنص على تأييد سلطة الزعيم كي يعرف الأعضاء الجدد كيف تأسس الحزب. هذا من جهة، ومن جهة ثانية يجب أن يستمر تأييدهم لكل ما أسس وشرّع الزعيم قبل استشهاده، وهو العقيدة والنظام الجديد.
لقد رأى كثيرون أنه ليس واقعياً أن يستمر القوميون بالالتزام والتعهد بتأييد سلطة من غاب وانتهت سلطته المادية عملياً. نحن نرى أن هذا القول هو صحيح في ما خصّ قسم الانتماء الى الحزب وليس في ما خص مقدمة الدستور. يجب الإبقاء على النص كما هو في مقدمة الدستور (تأييد الزعيم تأييداً مطلقاً) لأنه حدث تاريخي تأسس عليه الحزب. أما في قسم الانتماء فالموضوع يختلف لأنه يتعلق بما يحدث اليوم وسوف يحدث غداً، وليس عملياً أو واقعياً أن يؤيد المنتمون الجدد سلطة ليست راهنة وغير واقعية وغير فعلية. لكن بعض الرفقاء يعتبرون أن استبدال نصّ تأييد سلطة الزعيم بتأييد سلطة المؤسسات، كما هو معمول به في الدستور الراهن، يعني استبدال التعاقد مع الزعيم بالتعاقد مع المؤسسات مما يضرب مقدمة الدستور وفلسفته والأساس الذي تاسس عليه الحزب، ويعني أيضاً السماح للمؤسسات الراهنة أن تعبث بالقضية السورية القومية الاجتماعية وأساساتها كلها متسلحة بتأييد القوميين لها، هذا التأييد الذي التزموا به في القسم. وهذا بالظبط ما حدث في قضية "الواقع اللبناني" لنعمة ثابت وفي كثير من الجنوح والانحرافات التي ارتكبها مسؤولون مركزيون وجاراهم فيها القوميون الاجتماعيون باسم النظام. وهذا ما حدا بسعاده عند عودته سنة 1947 الى إعادة وضع الأمور في نصابها وإعادة شرح معنى النظام وأنه "شيء عميق جداً في الحياة وأنه نظام الفكر والنهج" وليس فقط نظام النهج وما يتطلبه من طاعة. يومها قال أن قبول القوميين الاجتماعيين بالانحراف بأسم النظام يشكل قضية خطيرة.
إقتراحي الذي يحلّ هذا الإشكال هو أن يصبح القسم متضمناً عبارة: "وأن أؤمن بسعاده معلماً وهادياً وأتخذه قدوة لي وأحافظ على تعاقدي الوجداني معه" بدل عبارة "وأن أؤيد سلطاته الدستورية وأطيعها". فمبدأ الطاعة يبقى موجوداً في العبارة التي تقول "وأن أحفظ قوانينه ونظاماته وأخضع لها، وأن أحترم قراراته وأطيعها". هكذا تكون طاعتنا لسلطة رؤسائنا غير مطلقة بل مقيدة بتعاقدنا مع سعاده و بحفاظ هؤلاء الرؤساء على القضية السورية القومية الاجتماعية التي كانت موضوع تعاقدنا مع سعاده.
مواد الدستور، أي دستور، تعيِّن الأسس والمباديء فقط. أما الكيفية وآلية التطبيق، أي الإجراءات والمهل والطريقة العملية، فموجودة في القوانين والمراسيم الدستورية. في دستور سعاده استثناء وحيد لهذه القاعدة يتمثّل في المادة الحادية عشرة فقط. فهذه المادة هي الوحيدة التي تتضمن إجراءات ومهل (خمسة عشر يوماً)، ذلك لأنها مادة استثنائية ومضمونها يحدث مرة واحدة فقط في التاريخ وكان من الضروري إيرادها في مواد الدستور وهي ذات صفة انتقالية واضحة. سأعطي مثل عن الفرق بين مواد الدستور ومراسيمه الدستورية كما يلي:
ينص الدستور في مادته الحادية عشرة على أن السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية تحصر في المجلس الأعلى، وأن السلطة التنفيذية تعطى للرئيس. ثم يقول في المادة التي تلي أن مدة ولاية الرئيس المنتخب وطريقة انتخابه وطريقة انتقاء اعضاء المجلس الأعلى تحدد فيما بعد بمرسوم يصدره الزعيم على حدة ويكون له صفة المراسيم الدستورية. فالإجراءات التنفيذية للمادة الدستورية، أي الكيفية والطريقة والمُهل "تحدد بمرسوم دستوري" ولا توجد في مادة دستورية.
والمادة الرابعة من الدستور التي تنص على مصدر السلطات، كمثل ثاني، تعدّلت سنة 1975 وصارت: "القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات حسب رتبهم" ثم تعدلت سنة 1986 وصارت "القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات ويعبِّر عنهم الأمناء". وهذه التعديلات المتتالية تبرهن عن الارتباك والتخبط وعدم الفهم الصحيح لمعنى الرتب ودورها ولمعنى التعبير عن الإرادة العامة (بدل تمثيلها) الذي تقول به الفلسفة القومية الاجتماعية.
إن عبارة "حسب رتبهم" في التعديل الأول لا معنى لها ولا تفيد شيئاً واضحاً وأكيداً ولا يمكن معرفة إذا كانت تعني ان القوميين الاجتماعيين هم فعلاً كلهم مصدر السلطات أم أن أصحاب الرتب منهم هم فقط مصدر السلطات. فضلاً عن أنه لم يكن يوجد رتب (بصيغة الجمع) بل رتبة واحدة هي رتبة الأمانة. إنه تردد وتهرُّب من القول بأن الامناء وحدهم هم مصدر السلطات. أما في التعديل الثاني فإن عبارة "يعبّر عنهم الأمناء"، وبغض النظر إذا كانت صحيحة أم لا، وأنا أرى أنها غير صحيحة وساشرح ذلك بعد قليل، لا يجب أن تدخل في نص مادة دستورية لأنها عبارة إجرائية تتعلق بكيفية كون القوميين هم مصدر السلطات، والكيفية مكانها يجب أن يكون في المراسيم وليس في المواد الدستورية. يجب أن يكون التعديل: "القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات في الحزب"، دون ذكر أي إجراء أو كيفية أو مُهل.
هذا عن الفرق بين المواد الدستورية والمراسيم الدستورية. أما الفرق بين المراسيم الدستورية والمراسيم العادية غير الدستورية فهو أن الأولى لها صفة دائمة وتؤلف جزءاً من الدستور وتنشر فيه، أما الثانية فهي ذات صفة مؤقتة وخاصة مثل مرسوم تعيين عميد أو منفذ عام. هذه الأخيرة لا تؤلف جزءاً من الدستور ولا تنشر فيه، لذلك أسمها مراسيم عادية وليس مراسيم دستورية.
في المبدأ، وفي العلوم القانونية والدستورية، القوانين هي ما تسنه السلطات التشريعية لأنه من صلاحياتها، أما المراسيم فهي ما ترسمه السلطة التنفيذية تنفيذاً للقوانين التشريعية. المرسوم هو مرسوم تنفيذي وليس مرسوماً تشريعياً، أما القانون فهو قانون تشريعي (قانون = سنّة= شريعة) وليس قانوناً تنفيذياً. كل قانون تشريعي هو بحاجة لمرسوم تنفيذي يحدد كيفية تنفيذه وتطبيقه. لكن سعاده كان يصدر مراسيم تتضمن بذاتها تشريعاً ويمكن تسميتها "مراسيم تشريعية" وهذا استثناء سببه أن سعاده الفرد كان يجمع بشخصه السلطتين التشريعية والتنفيذية بنفس الوقت. فعل الزعيم ذلك في أربعة مراسيم- قوانين من أصل سبعة هي مجموع المراسيم الدستورية التي نشرها في الدستور سنة 1937.
في المراسيم الثلاثة الأول نقرأ في النص: إن زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي بناء على المواد 1 و4 و5 و6 و7 من الدستور يرسم ما يلي:....
أما في المراسيم الأربعة الباقية فنقرأ : إن زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي بناء على المواد 1 و4 و5 و6 و7 من الدستور يسن القانون التالي....
يمكننا القول أن المراسيم الثلاثة الأُول وضعها سعاده بصفته صاحب السلطة التنفيذية، والمراسيم الأربعة الأخيرة وضعها الزعيم بصفته صاحب السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً.
إن دمج المرسوم والقانون في نصّ واحد جاز لسعاده استثنائياً، ويجوز لأي شخص أو هيئة تجمع في ذاتها السلطتين التشريعية والتنفيذية بنفس الوقت، استثنائياً. سعاده كان بإمكانه تجزئة "المراسيم التشريعية" الاربعة الأخيرة الى ثمانية: اربعة قوانين وأربعة مراسيم تطبيقية. لكنه دمج القانون بالمرسوم ليس لأنه كان جاهلاً بالعلوم الدستورية بل لأنه كان استثنائياً صاحب سلطتين، وكانت المرحلة مرحلة تأسيسية استثنائية. بعد سعاده، ومع فصل السلطات وانتهاء المرحلة التأسيسية، يجب أن يتولى المجلس الأعلى، كسلطة تشريعية، سن القوانين، وأن يتولى رئيس الحزب، كسلطة تنفيذية، رسم المراسيم التنفيذية لتطبيق ما يسنه المجلس الأعلى من قوانين.
ملاحظة أخرى نراها في مرسوم الزعيم الدستوري عدد 6 كما يلي: أنه مرسوم لكنه يرسم قانون الضرائب المحلية بدل أن يسنّه سنّاً، فالقانون عادةً يُسنّ ولا يُرسم. هذا أيضاً غريب واستثنائي أقدم عليه سعاده، وقد يكون السبب أن سعاده أسند قانونه هذا الى مواد من المرسوم عدد 4، وليس فقط الى مواد دستورية كما فعل في باقي القوانين أي أنه جاء تنفيذاً لمرسوم، يقول: "... وبناء على المادتين التاسعة والحادية عشرة من المرسوم عدد 4 يرسم ما يلي...".
مرة أخرى نقول أن هذا الدمج ناتج عن امتلاك المؤسس السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً، وهذا ما يجب تعديله وفرزه في التعديلات المقبلة.
يبقى أن نذكر تحت هذا العنوان الفرق بين الصفة الدستورية والصفة غير الدستورية التي لسلطة المجلس الأعلى التشريعية. فالمادة الثانية عشرة من دستور 1937 تقول: تحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى. فالسلطة التشريعية الدستورية هي سلطة سن القوانين الدستورية التي تكون جزءاً من الدستور وتنشر فيه، أما السلطة التشريعية غير الدستورية فهي التي تتعلق بإقرار الموازنة ووضع سياسة الحزب وكل مهمات مراقبة السلطة التنفيذية وحسن تطبيقها لسياسة المجلس الأعلى وقراراته وقوانينه، وهذه كلها تسمى سلطات غير دستورية لانها لا تؤلف جزءاً من الدستور ولا تنشر فيه.
واضح أن سعاده قد أوصى بفصل السلطات، وذلك من مضمون المادة الثانية عشرة من الدستور التي تنص على أن يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط وعلى أن تحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى. ولكن فصل السلطات لا يعني أن لا علاقة بينها. فصل السلطات يجب أن يرافقه تعاون هذه السلطات وتنظيم العلاقة بينها تعاوناً إيجابياً. وفي هذا المجال اقترح أن لا تتداخل ولا تتدخّل السلطات فيما بينها، هذا التداخل والتدخل الذي سبّب صراع صلاحيات أستمر منذ استشهاد سعاده الى اليوم وقد تسبب بانهاك الحزب في صراعات تناحرية داخلية لدرجة الانقسام والانشقاق. لا الرئيس "يفتح على حسابه" كما حصل في الخمسينات ومطلع الستينات، ولا المجلس الأعلى يحاصر سلطة رئيس الحزب ويخنقها كما حصل بعد ذلك. للمجلس الأعلى أن يراقب حسن تنفيذ الرئيس لسياسة المجلس وقراراته وقوانينه دون التدخل في هذا التنفيذ. ويحق له ألموافقة أو عدم الموافقة فقط، وحصراً، على المراسيم التي يرسمها الرئيس تنفيذاً للقوانين الدستورية التي يصدرها المجلس، وليس على أية مراسيم أو قرارات تنفيذية أخرى، والسبب هو أن المجلس هو الذي سن هذه القوانين الدستورية ويحق له أن يتأكد أنها تأخذ طريقها الى التنفيذ عبر مراسيم لا تتخطاها ولا تشوهها.
وإذا حدث خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من أي نوع، يصار الى عرضه على المحكمة الدستورية للبت به والحكم فيه حكماً مبرماً. وهذا سيأتي ذكره بعد قليل تحت عنوان السلطة القضائية في الحزب.
أما السبب الذي جعل سعاده يكتفي بالسلطتين التشريعية والتنفيذية فقط، دون السلطة القضائية، فهو امتلاكه هتين السلطتين معاً بشخصه وحده مما ينفي أي خلاف أو تصادم بينهما وبالتالي أية حاجة لسلطة قضائية دستورية. وقد اكتفى سعاده بأن شرّع لمحكمة مركزية تحكم في "المخالفات الحزبية والمدنية التي تنشأ بين القوميين" وليس بين مؤسسات دستورية. أما بعد استشهاد سعادة وفصل السلطات فيجب التشريع لسلطة قضائية مستقلة تكون من مهماتها الفصل في النزاع المحتمل بين السلطات، فضلاً عن الفصل في النزاع بين الأعضاء.
تكلمنا آنفاً عن سبب عدم وجود سلطة قضائية في عهد الزعيم، وعن ضرورة وجودها بعد استشهاده وبعد فصل السلطات. إن نص "قانون" المحكمة الحزبية المركزية التي شرّع لها الزعيم كان مفقوداً لولا أن صادرته الحكومة اللبنانية بعد حادث الجميزة ونشرته في كتاب "قضية الحزب القومي". لكن ما نشرته الحكومة كان ناقصاً ولم يتضمن تاريخاً ولا مقدمة مثل سائر مراسيم الزعيم الدستورية التي يستهلها بالقول: إن زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي بناء على المواد 1 و4 و5 و6 و7 من الدستور يرسم ما يلي، أو يسن القانون التالي...
ليس لدينا إلا تعميماً من عمدة الثقافة (؟؟) ينشر المرسوم دون مقدمته، لكن تعميم العمدة يقول بوضوح "... أضف الى ذلك أنه متى أبرم حضرة الزعيم الجليل قانون المحكمة يصبح القوميون ملزمين بتطبيقه في خلافاتهم المدنية كسائر القوانين الحزبية النافذة..."
نفهم من ذلك التالي: أولاً، إن عبارة "متى أبرم حضرة الزعيم الجليل قانون المحكمة" تفيد أن سعاده لم يكن قد أبرم قانون المحكمة رسمياً، وهذا هو سبب غياب مقدمته، وإن كان قد كتب مواده. ثانياً، أن سعاده هو الذي كتب تعميم عمدة الثقافة، إذ كيف لعميد الثقافة أن يحصل عليه قبل أن يصدره وينشره الزعيم. ثالثاً، أنه قانون، والقانون تسنه السلطة التشريعية، أي أن سعاده سن هذا القانون مستعملاً سلطته التشريعية.
إن إنشاء السلطة القضائية المقترحة هو إذاً من صلاحيات المجلس الأعلى الذي يجب أن يسن قانوناً بإنشائها.
أما المرسوم التنفيذي الذي سترسمه السلطة التنفيذية، أي رئيس الحزب، فيجب أن يتضمن اختيار أعضائها بالانتخاب العام وليس بالتعيين. السبب في ذلك أن السلطة القضائية هي مثل كل السلطات، مصدرها الشعب أي القوميين
الاجتماعيين، وتنتخب انتخاباً مثل كل السلطات. إن انتخاب السلطة القضائية إنتخاباً يعطيها حصانة وحماية من تدخل السلطات الأخرى ويمنع هذه السلطات الأخرى من التدخل فيها عن طريق تعيين أو إقالة أعضاء فيها كما حصل مثلاً مع إقدام المجلس الأعلى على إقالة أعضاء المحكمة التي أبطلت التمديد لأحد رؤساء الحزب لمرة ثالثة على التوالي.
قلنا في ما سبق أن من مهام وصلاحيات المجلس الأعلى مراقبة السلطة التنفيذية وحسن تنفيذها لمقررات المجلس الأعلى الدستورية وغير الدستورية، دون التدخل فيها. لكن من يراقب أداء المجلس الأعلى؟؟
هذ سؤال ورد ويرد دائماً بسبب أن المجلس الأعلى تاريخياً لم يكن أداؤه بعيداُ عن الإنتقاد وأحياناً الشبهة، فهو الذي غطى الانحرافات التي حدثت في غياب الزعيم وسكت عنها أوعجز عن منعها، وهذا مثل واحد من تجارب تاريخية كثيرة أدت الى طرح هذا السؤال الكبير: من يراقب ويحاسب المجلس الأعلى؟
وقلنا أنه في حال نشوب نزاع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تتدخل السلطة القضائية ويحال الأمر الى المحكمة الحزبية المركزية- غرفة القضايا الدستورية للبت بالموضوع وحل الخلاف. وهنا أيضاً ينشأ سؤال كبير: من يراقب أداء السلطة القضائية؟؟
في المبدأ، الشعب يراقب ويحاسب الجميع لأن الشعب هو مصدر السلطات كلها. ولذلك كانت السلطات موقوتة وليست دائمة، أي أن أصحاب السلطة هم خاضعون دورياً لإعادة تقييم عن طريق انتخابات دورية تجري في مهل محددة. فالسؤال عمن يراقب ويحاسب المجلس الأعلى جوابه هو: لا توجد سلطة دستورية تراقب وتحاسب المجلس الأعلى لأنه هو الأعلى ومن يراقبه ويحاسبه يصبح أعلى منه ولا يبقى هو الأعلى. الشعب هو أعلى من الجميع والضمانة لعدم انحراف أعضاء المجلس الأعلى وأعضاء السلطة القضائية هي في مكانين: الأول هو في التشدد في "الشروط المؤهِّلة للقيادة" أي في شروط رتبة الأمانة وطريقة الحصول عليها. والثاني هو في إجراء إنتخابات دورية لإعادة اختيار رجال ونساء القيادة من بين المؤهلين لها.
نتناول رتبة الأمانة هنا كواحد من الضمانات للوصول الى سلطة يتمتع أصحابها بالمؤهلات الممتازة التي تكفل أداءً مميزاً وممارسة ممتازة للسلطة، من جهة، وتمنع العبث بها أو استغلالها أو ممارسة أي نوع من أنواع الفساد فيها من جهة أخرى. إن مرسوم إنشاء رتبة الأمانة جاء بقانون دستوري، أي أنها جزء من الدستور. والمادة الخامسة من هذا الدستور تنص على أن نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف مما يعني أن الرتب هي أساس دستوري ومن القواعد التي قام عليها نظامنا الجديد. إن شروط الأهلية الواجب توفرها في حاملي رتبة الأمانة، أي الشروط الخمسة الواردة في المرسوم الدستوري عدد 7، قد سمّاها سعادة "صفات ممتازة" وقال أنها تؤهِّل حامليها لتولّي الاعمال والمسؤوليات التي تقتضي وتتطلّب هذه الصفات (المادة لخامسة من مرسوم- قانون إنشاء رتبة الأمانة). وقد سمّاها الأمين الراحل هنري حاماتي "الشروط المؤهِّلة للقيادة".
وكان سعاده قد حلّ المجلس الأعلى الذي تشكّل في غيابه لأن فيه أعضاء لا يحملون رتبة الأمانة مما يؤكد أن هذه الرتبة هي موازية لأعلى وظيفة في الحزب ويجب أن تتوفر شروطها في الأعضاء شاغلي الوظائف المركزية العليا في الدولة القومية الاجتماعية.
وكان سعاده في خطابه المنهاجي الأول سنة 1935 قد أوضح خصائص النظام القومي الاجتماعي الجديد وقال عنه أنه "يقوم على قواعد حيوية تأخذ الافراد الى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم"، وما المواهب والمؤهلات إلا الشروط التي تؤهل صاحبها لرتبة موازية وموافقة للوظيفة التي سيشغلها في الحزب.
هذا من ناحية دور رتبة الأمانة في توفير الشروط والضمانات لقيادة صالحة وموثوقة. أمّا عن دورها كضمانة لمنع العبث بالسلطة واستغلال السلطة وممارسة الفساد فيها فقد قال سعاده عن نظامنا الجديد القائم على القواعد الحيوية والمؤهلات- الرتب "أنه النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة من تدخل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد..."
لذلك كله يتبين لنا أن طريقة الحصول على الرتبة هي شأن ذو أهمية خطيرة جداً، وأي خطأ أو خلل في هذه الطريقة يعرِّض النظام القومي الاجتماعي الجديد لمخاطر وصول غير المؤهلين الى مراكز السلطات العليا، ويضعِف هذه السلطات ويعبث بها وبالحزب وقضيته المقدسة. وسعاده قد اختبر باكراً هذه المخاطر وعانى منها، فها هو يقول لرئيس المجلس الأعلى فخري معلوف في رسالة بعثها اليه في 9-7-1938: "إن ضربات كثيرة حلّت بنا من جراء بلوغ غير المؤهلين الى المراكز العالية في الحزب".
أما وقد وصلنا اليوم الى ما وصلنا اليه نتيجة "بلوغ غير المؤهلين الى المراكز العليا في الحزب"، فيجب التفكير في طريقة علمية وعملية صحيحة لتجاوز ما وصلنا إليه وإصلاحه. وبعيدأ عن الاستهانة بأهلية الأمناء الحاليين الذين يتعرضون عشوائياً للتقريع والانتقاد المجاني الظالم في كثير من الأحيان، فإني أتقدم بهذا الاقتراح لإصلاح طريقة الحصول على رتبة الأمانة وعلى غيرها من الرتب الأدنى منها، وطريقة الوصول الى "قيادة صالحة" في الحزب.
وإني أنطلق من المسلمات التالية:
1 – الرتبة هي شهادة بالمؤهلات، وهي كجميع الشهادات تحصّل تحصيلاً وتكتسب إكتساباً (حاماتي).
2 – الرتبة- الشهادة تُحصّل بالإمتحان وليس بالإنتخاب.
3 – الرتبة- الشهادة لا تمنحها سلطات سياسية بل مؤسسات ومعاهد مدنية أو عسكرية مختصة. فلا المجلس الأعلى ولا الرئيس ولا العميد ولا أية لجنة منتخبة غير مختصة لها صلاحية أو حق في منحها.
سعاده كان هو يمنح رتبة الأمانة لمن يرى أنه يستحقها لأن سعاده كان لا يزال في مرحلة التأسيس ولم يكن الحزب قد استكمل إنشاء كل مؤسساته وكان كثير منها قيد الإنشاء تباعاً، مثل الندوة الثقافية ولجنة النقد العقائدي والمحكمة المركزية وغيرها، حتى أن الدستور نفسه لم يكن قد اكتمل بعد (أنظر المادة الثالثة عشرة). أما اليوم وبعد استشهاد سعاده يجب أن نتجاوز مبدأ المنح ونعتمد مبدأ التحصيل. يجب علينا أن نبني ما لم يبن بعد، ودائماً على الأساس الذي وضعه سعاده.
إقتراحي هو إنشاء أربع رتب في الحزب وليس رتبة واحدة فقد، وذلك تنفيذاً للدستور نفسه الذي ينص على أن نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب (بصيغة الجمع) والوظائف. والرتب يجب أن تحصَّل تحصيلاً ولا تُمنح منحاً، وعندما تتضح كيفية التحصيل تتضح كيفية التجريد.
1 – قانون دستوري يسنّه المجلس الأعلى بإنشاء رتبة الجدارة تؤهل حاملها لشغل وظيفة مدير مديرية أو أدنى. ثم مرسوم تنفيذي يرسمه رئيس الحزب يحدد المؤهلات المطلوبة مثل إنقضاء ستة أشهر على الاقل على انتمائه الى الحزب ومثابرته على حضور جميع الاجتماعات النظامية والمناسبات الحزبية الأخرى مسدداً ضرائبه كلها دون تأخير وغير متخلف عن أية مهمة أو واجب حزبي قد كُلِّف به. يحصل الجدير على رتبته عن طريق مبادرته هو بنفسه للحصول على إفادة بتمتعه بشروط الجدارة من مدير مديريته يصدقها ويوقعها المنفذ العام ويرفع نسخة عنها الى كل من عمدتي الداخلية والقضاء للتحقق من صحة الإفادات. ومع تصديق وتوقيع عمدتي الداخلية والقضاء يكون الرفيق الجدير قد استحق رتبته وحصل عليها. ولا بأس أن تقيم المديرية أو المنفذية إحتفالاً تكريمياً بهذه المناسبة. ويتعرّض لفقد الرتبة من يخلّ بواحد من شروطها بعد شكوى يرفعها المنفذ العام أو المدير أو أي رفيق الى عمدتي الداخلية والقضاء، وبعد أن تحقق هتين العمدتين بالشكوى وتتثبتان من صحتها، ويصدر قرار التجريد من الرتبة عن المحكمة الحزبية المركزية. ولا يستعيد الرفيق رتبته إلا بعد مرور سنة أخرى على تمتعه بشروطها.
2 – قانون دستوري بإنشاء رتبة الأهلية (مؤهل) تؤهل حاملها لشغل وظيفة منفذ عام أو أدنى. ثم مرسوم تنفيذي يحدد المؤهلات المطلوبة مثل أن يكون حاملاً لرتبة الجدارة وقد انقضى سنتان على انتمائه الى الحزب ويكون قد أظهر تفوقاً جلياً في الإيمان والإدراك الصحيح للعقيدة والنظام، ويثبت ذلك كتابة أو خطابة أو في أي مساهمة موثقة، يتقدم بنفسه بطلب للحصول على إفادة بذلك من لجنة النقد العقائدي أو الندوة الثقافية أو الكلية الحزبية للتأهيل الإداري والعقائدي، ويأخذها لعمدتي الداخلية والقضاء لتنظر في ملفه وتتحقق من صحته. فإذا ثبت لها أن الإفادات التي يتضمنها هذا الملف صحيحة ووافية، تصدِّق على هذه الإفادات وتوقعها ويكون بذلك هذا الرفيق قد حصل على رتبة الأهلية التي استحقها. وإذا وجدت عمدة القضاء أن تحقيقاتها قد أوصلتها إلى نتائج توجب الطعن في صحة الإفادات المرفوعة إليها، أوقفت الملف وأحالته إلى المحكمة للتحقيق في أمر الموقعين عليه. يتعرض حامل رتبة الأهلية لفقد رتبته عند ثبوت إخلاله بأي شرط من شروطها بعد شكوى يحق لأي رفيق أن يرفعها الى المحكمة الحزبية المركزية.
3 – قانون دستوري بإنشاء رتبة "ركن" تؤهل حاملها لشغل وظيفة عميد وما دون بما فيه وكيل عميد أو ناموس عمدة أو رئيس دائرة أو أية وظيفة أخرى في مركز الحزب.
ثم مرسوم تنفيذي يحدد الشروط والمؤهلات المطلوبة مثل أن يكون حاملاً رتبة الأهلية، ويكون قد مضى على انتمائه الى الحزب ثلاث سنوات على الأقل، ويكون مناضلاً ممتازاً بالفكر والفعل في سبيل القضية والعقيدة مجاهراً بها، وقام بأفعال وعطاءات مشهودة في سبيل العقيدة والنظام، ويكون في جميع الظروف السهلة والصعبة مثالاُ في الإيمان بالزعيم والعقيدة والنظام… يتقدم المؤهل بنفسه بطلب للحصول على إفادات من المؤسسات الشاهدة على ذلك، من عمدة الداخلية أو الدفاع أو المالية أو أحد أجهزتها، ويرفع وثائقه إلى عمدتي الداخلية والقضاء اللتان إذا صدقتا ووقعتا عليها يكون قد حصل على رتبة ركن التي استحقها. وإذا تبين لعمدة الداخلية أو القضاء أن هناك شكوك في صحة بعض الإفادات والمعلومات تتم إحالة الملف الى المحكمة الحزبية المركزية للبت به قبولاً أو رفضاً. كما يحق لأي رفيق رفع شكوى الى المحكمة الحزبية المركزية، وهذه تحكم بتجريد الركن من رتبته إذا ثبت لها أن الشكوى صحيحة وبعد محاكمة علنية.
الأركان هم أبطال الحركة، رتبهم تؤهلهم للمهام التي تقتضي الشجاعة والصلابة في المجالات العسكرية والسياسية وفي المهام السرية الخطيرة والخطرة. الأركان هم الإداريون والعسكريون ورجال المخابرات المركزية، هم المنفذون العامون، وهم أمّار مخيمات التدريب، وهم قادة الوحدات المقاتلة الذين ينتصرون أو يستشهدون.
الأركان يتصفون بصفات فكرية ونفسية ونضالية وأخلاقية عالية. هم ممثلو الحزب في المجالات التي تقتضي الوعي والصلابة والرجولة، في مجالات السياسة والمفاوضات والاتفاقات، ينتدبون للمهام الحزبية وللأعمال التي تتطلب صلابة في الإيمان وصلابة في الفكر وصلابة في السلوك والأخلاق (حاماتي).
يتبين من هذه الطريقة أن دور عمدتي الداخلية والقضاء هو دور إداري فقط، وأن شروط الرتبة قد تأمنت بسعي الرفيق نفسه للحصول على الإفادات المطلوبة من مصادرها.
4 – قانون دستوري بإنشاء رتبة الأمانة تؤهل حاملها لشغل وظيفة عضو مجلس أعلى أو رئيس الحزب وما دون. ثم مرسوم تنفيذي يحدد الشروط المطلوبة، مثل أن يكون حاملاً رتبة ركن وقد مضى على انتمائه للحزب مدة خمس سنوات على الاقل، ويبرهن عن ثقافة عامة أو متخصصة في مصالح الحياة القومية وقضاياها الاقتصادية أو الحقوقية أو التربوية أو العسكرية أو السياسية أو الدولية. يتقدم الركن بتفسه بطلب لمجلس العمد مرفقاً بإنجازاته الموثقة في هذه المجالات أو في أحدها، فيدقق المجلس في طلبه ويحيله إلى المحكمة المركزية مع الملاحظات، ولهذه المحمكة أن تصدر حكمها وجاهياً بإعطائه رتبة الأمانة أم لا. ويتعرض الأمين لفقد رتبته إذا أخلّ بشرط واحد من شروطها، وذلك بقرار من المحكمة الحزبية المركزية بعد محاكمة علنية بناء لأية شكوى من أي رفيق عامل في الحزب.
إن هذه الطريقة للحصول على الرتب الأربع في الحزب، كما للتجريد منها، تُحَفِّز الرفقاء على العمل النظامي الدؤوب وعلى تفادي الإهمال والخطأ، ويصبح الحزب خلايا ناشطة يعمّ فيه إحترام الرفقاء لبعضهم البعض وتهيمن هيبة النظام والمسؤولية وتنعدم المساوئ وينعدم الفساد وتحل وحدة الروح مكان النزعات الفردية والمصالح الفئوية والشخصية.
وهي طريقة سهلة يمكن تطبيقها عملياً ونظامياً بسرعة وسلاسة.
قبل تطبيق الطريقة الجديدة بديهي أنه يجب معالجة وجود رتب أمانة كثيرة يمكن أن تكون قد مُنِحت لإعتبارات غير قومية اجتماعية صحيحة. وكي لا يُظلم أحد بجريرة أحد آخر نقترح أن يعمد المجلس الأعلى على سن قانون استثنائي بإبطال جميع رتب الأمانة الحالية، واعتبار أصحابها مؤهلين، أي حاملي رتبة الأهلية، والبدء فوراً بتطبيق القوانين والمراسيم الجديدة، وفتح المجال حالاً للجميع لتقديم طلبات الحصول على رتبة ركن وأمين عن طريق النظام الجديد. ويجب أن ينتهي البت برتب الأمناء القدامى في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة يصار بعدها لإجراء انتخابات جديدة كما يلي:
لا شك أبداً في أن نظامنا القومي الاجتماعي الجديد هو نظام ديمقراطي تعبيري، وقد شرحت في دراسة مسهبة معنى "التعبير عن الإرادة العامة خلافاً لتمثيل الإرادة العامة" الذي قال به سعاده في خطاب سانتياغو تاريخ 25-5- 1940، وقال أنه "الانقلاب الجديد الذي تجيء به الفلسفة القومية الاجتماعية".
ولسعاده نصوص واضحة في نشوء الأمم وفي مقالاته ورسائله أن الديمقراطية تعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة. ولا بأس أن نلخِّص بإيجاز شديد معنى الديمقراطية التعبيرية والفرق بينها وبين الديمقراطية التمثيلية.
1 – الإرادة العامة هي وليدة مصلحة عامة، هي ما يريده الشعب كله تحقيقاً لمصلحة تعنيه كله.
2 – تمثيل الإرادة العامة أهون من التعبير عنها. تمثيلها يعني إظهارها ونقلها وشرحها، دون القدرة على تنفيذها وتحقيق المصلحة التي كانت دافعها، بسبب عدم توفر المؤهلات في أصحاب السلطة. لذلك هي شيء جامد يتعلق بما حصل دون القدرة على تغيير ما هو حاصل ودون القدرة على الإنشاء والوصول الى شيء جديد.
3 – التعبير عن الإرادة العامة هو تنفيذها وتحقيق مصلحتها، هو كسر للجمود وإدراك شيء جديد بفضل تمتع رجال السلطة بالمؤهلات التي تمكنهم من ذلك.
"التمثيل أهون من التعبير، لأن التمثيل شيء جامد يتعلق بما قد حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد". هذا هو الخلل الاجتماعي الذي يريد التفكير السوري أن يصلحه: تفهّم إرادة الشعب وإعطاؤها وسائل التنفيذ الموافقة".
4 – سعاده ليس ضد التمثيل السياسي، ليس ضد وجود الأحزاب والبرامج والإتجاهات والمذاهب السياسية في المجتمع، وليس ضد تمثيلها في الدولة. ذلك أن سعاده ليس مع القمع بل مع الحرية التي تعني صراع العقائد والأفكار. إن تمثيل الإرادة العامة الذي اراد سعاده إبداله والإنقلاب عليه هو غير التمثيل السياسي ويختلف عنه كثيراً. سعاده هو ضد تمثيل الإرادة العامة تمثيلاً دون القدرة على تنفيذ هذه الإرادة وتحقيق المصلحة العامة التي كانت الدافع إليها، وسعاده هو مع التعبير عن الإرادة العامة بمعنى تنفيذها الذي يتولّاه مؤهلون قادرون على ذلك بفضل ما يتمتعون به من مؤهلات.
5 – سعاده ضد التمثيل السياسي للفئات المغلقة التي تعمل لمصالح ذاتية خاصة ولا تعمل للمصلحة العامة الواحدة للمجتمع كله، مثل الفئات الطائفية والعنصرية والطبقية، لكنه ليس ضد التمثيل السياسي بشكل مطلق.
6 – الانتخابات العامة لا تعني بالضرورة ديمقراطية تمثيلية. إنها تعني ديمقراطية تمثيلية في مجتمع فيه أحزاب وفئات تختلف في النظر للمصلحة العامة، فتنتج تمثيلاً سياسياً وتبين حجم الإتجاهات السياسية في المجتمع. لكن الإنتخابات العامة في الحزب ليست بأي شكل من الأشكال انتخابات تمثيلية. السبب هو أن مجموع الحزب ليس فيه فئات ومذاهب سياسية مختلفة، بل يفترض أن يشكل مجتمع حر متضامن يعمل بنظام روحي واحد لمصلحة واحدة ممثلة في غاية الحزب، ولديه إرادة عامة واحدة هي إرادة تحقيق وتنفيذ مبادء الحزب وغايته. الفائزون في الانتخابات الحزبية العامة لا يمثلون فئة انتخبتهم، لا يمثلون أحداً، والذين انتخبوهم لم ينتخبوهم كي يمثلوهم أو يمثلوا مصلحتهم، الناخبون ليس لهم مصالح يطلبون تمثيلها. الفائزون هم بكل بساطة قد حازوا على تأييد وثقة أكثر من التأييد والثقة التي حاز عليها الخاسرون، وهم فازوا ليعبِّروا عن الإرادة العامة الواحدة تحقيقاً للمصلحة العامة الواحدة وليس ليمثلوا الفئة التي انتخبتهم أو يمثلوا مصلحتها.
7 – الإنتخابات في الحزب ليست لتقرير الحق والباطل، فالحق ليس عددياً، لا الكثرة ولا القلة تقرر الحق. الانتخابات في الحزب هي لتقرير من هو الأكثر قبولاً وتأييداً من مجموع الحزب. الذي ينجح لا يعني أنه على حق والذي لا ينجح لا يعني أنه على باطل. الإثنان على حق طالما هما كلاهما أمين مؤهل صالح لممارسة السلطة، لكن السلطة تعطى للأكثر قبولاً وتأييداً من مجموع الحزب.
8 – الإنتخابات ضرورية لإختيار عدد صغير من بين عدد كبير من المؤهلين، وسعاده مارسها في الحزب على مستويات عديدة، والأمثلة عنها كثيرة.
9 – الأمناء لا يحق لهم ولا يجوز لهم الإنتخاب عن القوميين- نيابة عن القوميين. فالأمناء هم رجال السلطة ونساؤها وليسوا مصدرها، والفرق كبير بين السلطة ومصدر السلطة. إنهم للتعبير عن الإرادة العامة، والإرادة العامة ليست مجموع إرادات الأعضاء الفردية المختلفة والمتمايزة في من يفضل كل منهم لتولّي قيادة الحزب. الإرادة العامة هي واحدة، هي تحديداً أرادة تحقيق غاية الحزب، وهذا لا يساوي مجموع الإرادات الفردية المختلفة لأعضاء الحزب في الإنتخابات. القول أن الأمناء يعبرون عن القوميين عندما ينتخبون عنهم هو قول خاطئ، فالامناء يعبرون عن الإرادة العامة للقوميين عندما يمارسون السلطة وليس عندما ينتخبونها.
10 – الأمناء يمكنهم الإجتماع والتداول في الوضع السياسي القومي وحاجاته وكيفية التعاطي معه ومع الأهداف القريبة والبعيدة لعمل الحزب وسياسته، فهم مؤهلون لذلك، ولا شيء يمنعهم من ذلك. ويمكنهم بنتيجة مداولاتهم أن يتوافقوا على عدد معين من بينهم يكون مؤهلاً ومستعداً لقيادة المرحلة. فمن أصل خمسين أميناً في الحزب، مثلاً، يمكنهم التوافق على خمس وعشرين. لكن يجب إجراء إنتخابات عامة لإختيار تسعة أو خمس عشرة أمينأ هم الأكثر قبولاً وتأييداً من مجموع الحزب ليكونوا أعضاء المجلس الأعلى.
جيد ما هو معمول به حالياً في أحد تنظيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي من عقد مؤتمر عام كل أربع سنوات يمهّد لإجراء أنتخاب المجلس الأعلى ثم رئيس الحزب. لكن:
1 - يجب فصل المؤتمر عن الإنتخابات، أي يجب إجراء انتخاب أعضاء المجلس الأعلى مباشرة من القوميين الاجتماعيين في مديرياتهم وليس بالواسطة عبر المجلس القومي في نهاية المؤتمر.
2 - أجواء المؤتمر يجب أن تبقى أجواء دراسات ونقاشات من إختصاصيين في جميع المجالات، ولا يجوز أن تجري الانتخابات في آخر يوم من المؤتمر كجزء من برنامجه. ذلك كي لا يصار هناك لتأليف لوائح تقسم القوميين فئات متزاحمة، فضلاً عن أن قاعة المؤتمر مهما كانت كبيرة فهي لا تتسع لجميع أعضاء الحزب، وهؤلاء لا يجوز تجميعهم في مكان مغلق واحد.
3 - توصيات المؤتمر هي لمساعدة المجلس الأعلى ووضعه أمام أجواء القوميين ورؤيتهم لمختلف شؤون الحزب ومطالبهم وتوقعاتهم، وليست لفرضها على المجلس الأعلى الجديد وإلزامه بتنفيذها. فالمؤتمر العام ليس سلطة أعلى من سلطة المجلس الأعلى بل هو مؤتمر دراسي تصدر عنه توصيات وليس قرارات.
4 - المجلس القومي الحالي يجب إلغاءه لأن لا دور له عندما يصار الى دعوة القوميين الاجتماعيين جميعهم لإنتخاب المجلس الأعلى في مديرياتهم. يجب إلغاء المجلس القومي وإعادة العمل بمرسوم الزعيم الدستوري عدد 4 وتفعيل عمل لجان المديريات ومجالس المنفذيات حسب المرسوم الذي وضعه الزعيم.
5 – يمنع تأليف لوائح عند إجراء الانتخابات العامة، وهذه يجب أن تُجرى لإنتخاب أعضاء المجلس الأعلى (والرئيس؟) فقط. أما إنتخاب أعضاء المحكمة الحزبية المركزية فنقترح أن يتم بشكل مستقل كل سنتين.
إنتخاب رئيس الحزب يكون مباشرة من القوميين الاجتماعيين إذا اعتبرنا أن نظامنا رآسي وليس برلمانياً. ويكون من قِبل المجلس الأعلى إذا اعتبرنا أن نظامنا برلماني