عندما ذكّرني رفيق من وجوهنا البقاعية الشابة، يوم أمس، أنّ السادس عشر من آب يصادف ذكرى غياب الأمين عباس ياغي، تخيّلتُ نفسي في وضْع الشاعر ديك الجِن الحمصي عندما قال:
زعمتُمْ بأني قد سَلوْتُ وصالكم فلِمْ ذرَفَتْ عينِي ولِمْ شابَ مفرقي؟
في 16 آب 1996 غادرنا باكراً ابنُ الخمسة والخمسين عاماً، بعد أن تفاقم سلبياً وضعُه الصحي المأزوم قبل الأوان، هو المستضيء بمدينة الشمس وجوهر الأديان قبل أن تشعّ أنوار النهضة في قلبه وعقله. بل هو المازج من المصادر الثلاثة إكسيراً أخلاقياً متجانساً، تجمعه القيم في خطّها العام ولو فرّقته تفاصيل السياسة، التي كان واحداً من قارئيها المتبصّرين.
لم يُتحْ للأمين – الأنيق في هندامه وكلامه الإستزادة العلمية من مؤسسات التعليم العالي. لكنه تتلمذ على نفسه في مدرسة النهضة، في مؤسساتها، في بحرها المعرفي، في مفاهيمها الجديدة الجامعة، في منظومتها المناقبية التي هي «أثمن ما يقدّمه الحزب للأمة» كما جزم الزعيم المؤسِّس أنطون سعاده.
لقد فتح أبو فادي بيته للقوميين والمواطنين. وحفّزته المروءة والواجبات الإنسانية على التفاعل اليومي مع مجتمعٍ تمرّسَ بالنخوة والمقاومة والفضائل. وكانت أم فادي السَنَدَ الروحيّ والركيزة العائلية الشغوفة بما يُفرح الأسرة ويُرضي الوجدان الذي أسْمى مراتبِه مرتبةُ الوجدان القومي. وكانت مساهمات الأمين الراحل في المكتب السياسي للحزب السوري القومي الإجتماعي، وفي عُمدة الداخلية والمجلس الأعلى دلائلَ على وعيه القومي الإجتماعي، واهتمامه بالعمل على آليات ترجمة ذلك الوعي.
في العام المقبل، تكتمل الذكرى العشرون لرحيلك الخاطف يا عميد الأغصان القومية الإجتماعية في الأُسرة البعلبكية العريقة، التي اخترقت حدود العائلة لتعانق الوطنَ أجمع… لك التحية الحضارية النابعة من أفئدة رفقائك الميامين قبل أيديهم، لأنهم أيقنوا عميقاً أنّ النهضة تَوَرُّط، وأنّ علاقتها الأسمى بالبحر هي الغرق.