قليل من اللبنانيين يعرفون أن الشهيد محمد زغيب اللبناني الذي على اسمه ثكنة الشهيد محمد زغيب، قاتل من اجل فلسطين ورفض الانسحاب من موقعه، وبقي يقاتل حتى استشهد في المالكية في معركة ضد اليهود الصهاينة عام 1948 وكان معه فرقة من الجنود اللبنانيين.
قليل من اللبنانيين يعلمون أن الشهيد حسين علي البنا المولود في بلدة شارون في قضاء عالية هو أول مواطن لبناني يستشهد في معركة بلعا "نابلس" في 24 أيلول عام 1936.
قليلون يعرفون أن عز الدين القسام الذي سُميت باسمه كتائب القسام من مواليد مدينة جبلة في الشام، وأن القائد سعيد العاص الذي استشهد في معركة الخضر في 6 تشرين أول من العام 1936من مواليد حماه في الشام، وأيضا قليلون جدا يعرفون أنه عندما نزح سكان فلسطين عام 1948 الى لبنان نزح معهم ما يقارب مئة ألف لبناني كانوا يسكنون في فلسطين وأيضا قليلون يعلمون أن كبار الاقطاعيين وأصحاب الملكيات الواسعة في فلسطين كانوا من عائلات لبنانية. وأن من باع قسما من أرض فلسطين للصهاينة اليهود هم هذه العائلات اللبنانية أمثال عائلة سرسق التي كانت تملك 400000 ألف دونم من الأراضي الخصبة في مرج بن عامر...
قليلون يعلمون أن مئات المؤسسات الاقتصادية الكبيرة في لبنان تعود ملكيتها الى مواطنين فلسطينيين بعضهم نال الجنسية اللبنانية وبعضهم لم ينلها، وأن طلال أبو غزالة صاحب أكبر أمبراطورية اقتصادية وعلمية في العالم نزح الى لبنان ودرس في لبنان حتى أنهى اختصاصه الجامعي.
قليلون يعلمون أنه لم يكن هناك حدود بين لبنان وفلسطين ولم يكن يوجد نقاط عبور، ولم تولد نقاط جديدة على غرار ما حصل بين لبنان والشام والشام والعراق والأردن لأن المستعمر كان يخطط لمنح فلسطين للصهاينة اليهود تنفيذا لوعد بلفور ومؤتمر بال وتمشيا مع معاهدة سايكس بيكو.
قليل من اللبنانيين يعلم أن المطران كبوجي من حلب وجاء الى لبنان ومن ثم ذهب الى القدس وكان في طليعة المقاومين ضد العدو وأنه بناء لمساهماته الكبيرة ومنها نقل السلاح الى الفدائيين في القدس تم اعتقاله.
ان ما بين فلسطين ولبنان فؤاد الشمالي وكمال خيربك ومحمود الهمشري وأبو علي خلدون وإذا أردنا العدّ نحتاج الى عشرات الصفحات.
إن ما بين لبنان وفلسطين ليس علاقة جيران يهبّان لنجدة بعضهما حين تعصف المصائب، ولا معاهدة صداقة ببنود وشروط ولا معاهدة دفاع مشترك إذا تعرض أحدهما لهجوم وجب على الثاني أن يسانده ويقف معه.
إن ما بين لبنان وفلسطين أكثر بكثير من نجدة ملهوف ومساعدة محتاج وإنقاذ غريق وفك الطوق عن مطوق.
أن ما بين فلسطين ولبنان أكثر من علاقة بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين القائمة على مفهوم التحالف ومحور الممانعة والمقاومة.
أن ما بين فلسطين ولبنان أكثر مما بين غزة وجنوب لبنان.
أن ما بين فلسطين ولبنان أكثر من طوفان الأقصى، أن ما بينهما طوفان المصير الواحد والوطن الواحد والأمة الواحدة.
إن ما بينهما وحدة الحياة ووحدة الشعب ووحدة المواجهة للعدو الواحد الذي لا يستهدفهما فقط بل يستهدف سورية الطبيعية من بحرها الى جبالها.
أن ما بينهما الموت الواحد والحياة الواحدة ولا يمكن لواحد منهما أن يحيا دون الآخر وأن من يتمتع بالسعادة منفردا لقترة فسيكون مصيره مصير الثور الأبيض.
وحده أنطون سعادة استشرف خطر إنشاء دولة العدو في فلسطين على سورية الطبيعية: ان الدولة اليهودية تخرّج اليوم ضباطا عسكريين وإن الدولة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنتها سنة 1935 تُخرّج هي أيضا بدورها ضباطا عسكريين... هذا ليس آخر جواب نعطيه لليهود لأن الجواب الأخير سيكون في ساحة الحرب.
وحده أنطون سعادة اعتبر فلسطين في عقيدة الأمة السورية، فحوّل الشعور بوحدة المصير الى مشروع عملي ينفذ منه الى بعث النهضة في الأمة، لذلك رأيناه يؤكد على أن جواب النهضة الأخير على العدو يكون في ساحة الحرب.
أما أولئك الذين حققت الثقافة الغربية مشروعها بهم، طوائف وأحزاب ومثقفين أصابهم الزهايمر تاريخي ثقافي أفقدهم ذاكرة الانتماء فحصل لهم انقباض في الانتماء الى الوطن، واسترخاء في الارتماء بأحضان الغرباء، راق لهم الوجه الغربي فأعلنوا ان لبنان وطن بوجه غربي وأفرغوا ذاكرتهم من كل ما هو وطني وقومي يؤكد وحدة المصير بين كيانات سورية الطبيعية وأصبحت فلسطين بالنسبة اليهم كما هي بالنسبة لسكان جزر واق الواق.
إن ما بين فلسطين ولبنان يشبه ما بين ضفتي القلب وما بين الحقول وسنابل القمح، ما بين فلسطين ولبنان أقوى من أن يتلاعب به الفراخ والصيصان وصراصير الحقول في بداية فصل الشتاء.
إن ما بين فلسطين ولبنان كتبه أنطون سعادة في مبادئ الحزب وغايته في عشرات المقالات التي كتبها عن فلسطين وعن لبنان، لقد كانت فلسطين سببا من أسباب ثورته على الأنظمة وكانت سببا من أسباب إعدامه.
ما بين لبنان وفلسطين أنطون سعاده.