تحيا سورية وأهلاً بكم في رحابِ مؤسسةِ سعاده للثقافة وفي برنامج "مشاعل النهضة". هذا البرنامج المميّز هو واحدٌ من البرامجِ الأساسيةِ التي تعدّها مؤسسة سعاده للثقافة بغايةِ نشرِ فكرِ سعاده ومناقبِ النهضةِ القومية الاجتماعية، التي تَفيضُ بها نفوسُ المصارعينَ المؤمنين الذين لا يرضَون إلا حياةَ الأحرار. وهذا البرنامجُ تحديداً يسعى لتكريمِ مشاعلَ نهضويةً تميّزت بإنجازاتِها وعطاءاتِها وإبداعاتها في ميادينِ الفكرِ والأدبِ والشعرِ والتاريخِ والفن.
لقاؤنا اليوم هو لقاءٌ تكريميٌ مُفعمٌ بالحبِ والاعتزاز.. والتكريمُ هو فعلٌ حضاري يُعبِّرُ عن الوفاءِ والتقديرِ لجهودٍ نهضويةٍ بُذلت
. وهو إكبارٌ لعطاءاتٍ فكرية مميّزة فيها رِفعةٌ تُكسبنا علماً ووعياً ورقياً.
اليوم، ونحن في زمنِ الآلامِ والإبادةِ الجماعيةِ في غزة، هو يومُ الوفاءِ والاعترافِ بفضلِ قامةٍ نهضويةٍ كبيرةٍ مشهودٍ لها بنضالِها وعلمِها وعمقِ ثقافتِها وابداعاتِها الفكرية، قامةٍ فكريةٍ مفعمةٍ بالقيم الثقافية والأخلاقية حملت في أعماقها آلاما وأوجاعاً.. آلامَ النزوحِ من فلسطين الحبيبة وأوجاعَ الوطنِ الجريح الذي قطّعوا أوصاله وعاثوا فيه شراً وظلماً وفساداً، فحوَّلوه إلى ما هو عليه من دمارٍ وخراب وحزن وبؤس، وارتكبوا بأبنائِه أبشعَ المجازر، وما زالوا يحاولون تدمير ما تبقى منه.
هذه القامةُ النهضويةُ الفكرية الشامخة، التي عرفناها، أولاً، باسم عبود عبود ومن ثم باسمها الحقيقي حيدر عيسى حاج اسماعيل، آمنت بعقيدةِ سعاده عقيدةَ نهوضٍ وإنقاذٍ ودعوةٍ إلى الصراعِ القومي في سبيلِ سيادةِ الأمةِ واستقلالِها وتقدمها.. هذه الهامةُ الثقافيةُ – التربويةُ التي علَّمَت أجيالاً وثقَّفتها، وناضلت بالفكرِ والعملِ وبالكلمةِ المضيئة لبناءِ الإنسانِ الجديد والمجتمعِ الحضاري، ولانتصارِ المثلِ العليا والغاياتِ السامية، لم تطلب جاهاً أو شهرةً، ولم تُغْرِها المظاهرُ بل مشت في طريقِ الحقِ والثباتِ والعزم والإرادة والبناء وخطّت لنفسها مسيرةً نضاليةً حافلةً بالعطاءاتِ والتضحياتِ والإنجازاتِ النوعية، فكانت مثالاً بإيمانِها وصدقِ التزامِها وإخلاصِها، وبثباتِها وعزيمتها وتفانيها في سبيلِ انتصارِ النهضةِ وبناءِ الحياةِ القوميةِ الجميلة، الراقية.
الأمين الدكتور حيدر حاج إسماعيل هو رجلُ علمٍ وفلسفة، معروفٌ بثقافتِه العاليةِ ومعرفته العميقةِ وبلاغتِهِ اللغوية وأسلوبِهِ الرفيعِ في الكتابةِ والشرحِ والتحليل. ونحن عرفناه عن كثب في مغتربنا الأسترالي الذي أمضى فيه ستة عشر عاماً، متولياً مسؤوليةَ المعتمدِ المركزي ونابضاً بحرارةِ القضيةِ القوميةِ الاجتماعية وناطقاً بصوتها.
عرفناه كاتباً ومحاضراً وناقداً وشاعراً ومترجماً وأستاذا جامعياً، وبكل هذه النعوت، كان المؤمنَ إيماناً راسخاً بعقيدةِ سعاده والملتزمَ بها بامتياز.
كنا نفرح بزياراتِهِ لمدينة ملبورن واللقاءِ به والاستماعِ إلى شروحاتِهِ حول موضوعاتٍ عقديةٍ وفلسفيةٍ وأدبية. وكنا أسبوعيا ننتظرُ بتشوّقٍ صدورَ جريدةِ النهضة التي أسسها في سيدني لنقرأَ تحليلاتِهِ المنهجيةَ ومحاضراتِهِ القيّمةَ وقراءاتِهِ النقديةَ ل "مدرحيات" بعض التلاميذِ والمفكرين القوميين الاجتماعيين.
لن أطيلَ الكلامَ عن الأمين عبود الذي نكنُّ له كلَّ المحبةِ والتقدير، وهو الذي كرّسَ حياتَهُ في خدمةِ النهضةِ القوميةِ الاجتماعيةِ في ميادينَ متعدّدة، والذي عُرف بمواقفِهِ الواضحةِ القاطعةِ الجريئة، وبحضوره الكبيرِ والمؤثرِ في المشهدِ الثقافي القومي الاجتماعي. أكتفي بالقول إني تعلمت كثيراً من أسلوبِهِ ومنهجيتِهِ وكتاباتِه القيّمة. وقد ذكرتُ في ندوةٍ سابقة أن شروحاتِهِ عن زينون الرواقي كانت حافزاً لي لوضع كتابي: "الفلسفة الرواقية: من زينون إلى سعاده."
باسمِ مؤسسةِ سعاده للثقافة، أرحبُ بكم جميعاً وأشكرُ كل المتكلمين في هذه الندوة، كما أشكرُ الرفيق فادي خوري للمساهمة في إعدادِها، وأشكر ايضاً الرفيقة منى الأحدب زوجة الأمين عبود لتعاونِها معنا في توفيرِ معلوماتٍ وصورٍ لإغناء موادِها، ولعنايتها الدائمة بالأمين عبود ونتمنى لها ولحضرته الصحةَ وطولَ العمر. وشكراً.