يقول المفكر أنطون سعاده في كتابه نشوء الأمم: (إذا مثل الدين وحدة العقيدة في شعب كان من عوامل تقوية التجانس الداخلي فيه، وكلما كان الشعب متأخر في الارتقاء الفكري الفلسفي كلما كان الدين أفعل في السيطرة على العقلية، والحقيقة أن الدين في أصله لا قومي ومناف للقومية وتكوين الأمة.) ويقول (في الأمم التي تتعدد فيها الأديان أو المذاهب تكون القومية هي الدين الجامع ويعود الدين الى صبغته العامة وعقائده الاساسية المتعلقة بما وراء المادة) (وان العقل في الانسان هو الشرع الأعلى والشرع الأساسي، هو موهبة الانسان العليا، هو التمييز في الحياة، فاذا وضعت قواعد تبطل التمييز والادراك، يبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الانسان الاساسية وبطل ان يكون الانسان انسانا وانحط بلا عقل وبلا وعي)
وقد وصف انطون سعاده الأديب الكبير جبران خليل جبران: (امتاز جبران خليل جبران بكتاباته الرامية الى عتق النفوس من عبودية التقاليد الاجتماعية الدينية المتحجرة، واتخذ الفرد مدار اهتمامه فأنشأ قصصه القصيرة، وأظهر في هذه القصص ظلم التقاليد وعماوتها وانحطاط المؤسسات الدينية، وجعل اسلوبه، موسيقي تدعو النفوس الى اليقظة والانعتاق، كتب جبران خليل جبران كتاباته بلغته القومية فوصلت كتاباته الى قسم من الناشئة التي تلقتها بنفوس محتاجة الى اليقظة فأيقظتها، وأرتها الظلمة التي هي فيها وحببت اليها الخروج منها، ومع أن جبران وقف عند هذا الحد فان أهمية تعيين العتمة هي أهمية عظيمة الشأن، ومن هذه الناحية أمكن تعيين جبران خليل جبران كسباق أمام النهضة السورية القومية.)
تتمحور ندوتنا حول دراسة وفهم الأسطورة لأهميتها في تطور شعوب سوريا القديمة عقائديا" وانسانيا" وأخلاقيا"ومناقبيا" وحضاريا" وارتباطها بالأديان الشمولية وما صدرته هذه الأساطير لهذه الأديان.
بالبداية وللتوضيح أفضل استخدام كلمة الأديان الشمولية عوضا" عن أديان التوحيد أو الأديان الابراهيمية، وبحسب مفهوم الديانات القديمة في العصور القديمة لدى تلك الشعوب والتي كانت تعتقد بإلاه واحد عالي وآلهة تحت مستوى هذا الإله تابعة له، فقد عبدت إلاها" واحدا ومجدت باقي الآلهة أي احترمتها وقدرتها ولم يكن هنالك أي اقصاء بتلك الأديان أو اختلاف أو استبداد، أما تسمية أديان شمولية فذلك لأن كل دين من هذه الأديان أبقى إلهاً واحداً اعتبر أنه الإله الأوحد وتجب اطاعته، فهو الدين الصحيح وإلهه هو الإله الأوحد فقط والذي يجب أن يكون للعالم أجمع، فالأديان الشمولية هي حالة استبدادية، يعتبر كل دين منها أنه على صواب وأن الحقيقة قد تكشفت له وأن إلهه هو الإله الذي يجب عبادته فقط ومعتنقيه من المصطفين فقط، ومكفراً سواه من الأديان وتابعيها.
تعتبر الحضارة والثقافة السورية بداية الحضارة والثقافة البشرية ويقدر عمرها الى أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد وانتشرت الى بلاد فارس شرقا" وصولا الى الهند والصين وانتقلت عبر البحر غربا" لتصل الى جزر البحر السوري والى اليونان القديم وروما وشواطيء اوروبا ومصر القديمة وشواطيء افريقيا ولتنتقل جنوبا" لتعبر الصحراء وصولا" الى بلاد سبأ وشمالا لتتجاوز حدودها الطبيعية وصولا الى أرمينيا القديمة وألأناضول وشواطيء البحر الأسود ولقد بقيت هذه الحضارة مصدر ثراء وغنى للحضارات التي انتشرت اليها.
لنبدأ مع بداية وجود الحضارة الانسانية والتي تحدد من معرفة الانسان القديم للكتابة والتي تقدر بحوالي ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد حيث ظهرت الكتابة التصويرية ومن ثم الكتابة المسمارية فالأبجدية، في ذلك الوقت ظهر أول تسطير لمعتقدات الانسان القديمة وقد استطاع العلم الحديث مع بداية القرن العشرين وعن طريق علم الميثيولوجيا والأركيولوجيا دراسة هذه المعتقدات وتفكيكها ومعرفة خفاياها وذلك بالاستعانة بعلم الأثار وعلم التاريخ القديم الذي اكتشف آلاف بل المئات من الآلاف من الألواح الطينية في سوريا في كل من سومر وبابل وآشور وماري واوغاريت وعمريت وأفاميا وتدمر وغيرها وغيرها والتي دونت عليها هذه المعتقدات وأحداث التاريخ القديم أيضا"، ويعتبر ظهور الحضارة السومرية منذ الألف الخامس قبل الميلاد والتي اخترعت الكتابة االمسمارية في بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد وأعطت للبشرية انجازات عظيمة كإختراع نظام العد الستيني الذي اعتمد في ذلك الوقت في علم الفلك وحساب الزمن فالساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية وما زال معتمدا" الى الآن وكان العدد 60 يعتبر أكبر الأرقام لديهم فقد رمزوا للإله ( أنكي ) وهو الإلهالأول بالرقم 60 لتأتي بعده الآلهة التابعة له بأرقام اصغر فإلاه الشمس يأخذ الرقم 30 وعشتار تاخذ الرقم 15 .
وقد تم اكتشاف ثقافة عظيمة قبل الحضارة السومرية امتدت لأكثر من ستة الى عشرة آلاف عام قبل الميلاد ولا نستطيع أن نعتبرها حضارة لكونها لم تستطع أن تدون أو كتابة ما أنتجته ولكنها استطاعت أن تخترع العجلة والشراع وتنظم الزراعة وقد عبدت الآلهة الأم آلهة الزراعة وسميت هذه الثقافة بالثقافة العبيدية الممتدة في كامل سوريا الطبيعية.
الحضارة هي نتاج قومي بالدرجة الاولى، وتتشكل بعدة عوامل ، فتنشأ في البداية المدينة ثم تترابط مجموعة من المدن لتشكل دولة ويكون ذلك بتخطي الشكل القبلي والطائفي والديني ليظهر الشكل القومي التفاعلي لمجتمع هذه الدولة ثم تبدأ بظهور قيادات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية فتضع القوانين والشرائع والأنظمة الدقيقة ومن ثم تظهر النخب الثقافية والعلمية والفكرية والسياسية وهذه تعتبر من أهم عوامل تشكل الحضارة فقوة الدولة بنخبها والمتنورين بها، فلا يمكن ان تصنع دولة قوية بغياب النخب وهذه النخب توكل لها ادارة الدولة سياسيا" واقتصاديا" وعسكريا" وثقافيا" وفكريا" وعلميا"، وبتفاعل الثقافة والفكر والمعرفة ضمن جميع مكونات هذه الدولة تصبح هذه المكونات مع مرور الوقت فاعلة، وبتفاعلها الثقافي والمادي الكامل تبدع هذه المنظومة ضمن المجتمع فتبدأ الحضارة بالتشكل والنمو والتمدد بالإضافة لأهم عامل ضمن هذا التفاعل وهي القيم والأخلاق والمناقب والتي يستند اليها هذا التفاعل الكامل وتكون جزء" لا يتجزأ منه، وعندما تقوى هذه الحضارة تصبح مصدر اشعاع لمحيطها وبالطبع يكون لهذه الحضارة طابعها الخاص وانجازاتها الخاصة الكبيرة وهذه الحضارة لا تعتبر حضارة ان لم توجد الكتابة واللغة والتدوين. وقد تشكلت في سوريا العديد من الحضارات, كالحضارة السومرية والأكادية والتي كان لها الفضل في توحيد سوريا الطبيعية لأول مرة بالتاريخ تحت قيادة دولة واحدة هي الدولة الكادية بقيادة سرجون الأكادي ومن بعدها الحضارة البابلية ومن ثم الحضارة الأشورية الحضارة الأوغاريتية الكنعانية وأخيرا" والثقافة والحضارةالآرامية ويعود للآرامية الفضل الكبير في المحافظة على الحضارة والثقافة السورية، حيث امتدت لغتها لأكثر من 3000 عام وقد حافظت على الثقافة والحضارة والهوية السورية ما يقرب من 1200 عام رغم وجود الاحتلال الغارسي أولا" في 550 قبل الميلاد ثم اجتياح الاسكندر المقدوني سوريا في 350 قبل الميلاد وتدميره للحضارة الكنعانية والبابلية وسرقته لهذا التراث الكبير ومن ثم سيطرة روما البيزنطية، ومع ذلك فان الحضارة والثقافة الآرامية حافظت على هذا الموروث الحضاري من خلال جمع ما تبقى منه وتدوينه بالأبجدية الآرامية المرنة والتي استطاعت السيطرة بثقافتها على مستعمريها من الفرس واليونان والرومان واصبحت لغة سوريا ولغة العالم القديم وانقسمت هذه اللغة الى لهجات شرقية وغربية وكان منها السريانية وهي احدى اللهجات الآرامية واعتبرت لغة الكنيسة الشرقية، مما حافظ عليها، وكانت نشأتها في منطقة الرها، وقد أفرزت أيضا" اللغة العربية والتي كانت لهجة آرامية جنوبية، هذا التعريف للحضارة يأخذنا الى تعريف الفلسفة المدرحية والذي أضاف لها انطون سعاده التفاعل العامودي الكامل مع الأرض. فكانت الفلسفة المدرحية والتي هي منتجة للحضارة وبانية وموحدة للأمة.
تعتبر الأسطورة كنز حضاري عظيم ومحتوى ثقافي وأدبي وأخلاقي ومناقبي، ولقد استطاع علم الميثيولوجيا التمييز ما بين (الأسطورة والملحمة والخرافة والقصص الشعبية).
بالبداية تعتبر الأسطورة وليدة السحر والذي هو محاولة للسيطرة على المتغيرات المحيطة بشكل مباشر، وكان يسمى سحر الأرواح والذي هو أصل الأسطورة ,وليس لدى علم الميثيولوجيا أي معلومات دقيقة عن مرحلة السحر وذلك لعدم وجود التدوين والكتابة في تلك المرحلة، و بعد التحول الى الأسطورة، حاول الانسان القديم من خلال اختراع ما يسمى بالإله للسيطرة على الطبيعة وايجاد الحلول المناسبة لها من خلال هذا الإله وقوته، ومع وصول الانسان الى عصر الزراعة وبدء نشوء آلهة الزراعة وهي الآلهة الأم، تحولت الفكرة مع تطور فكرة الإله وتحول الإله من الأنوثة ممثلا" بالآلهة الأم الى عصر الذكورة ممثلا" بالإله الذكر الأب الإله العالي عوضا" عن الأم آلهة الزراعة بعد هذه الحقبة تراجعت أهمية الأم وبدأ ينظر لها كتابعة للرجل وخاضعة له في بعض الثقافات، وكان ذلك مع بداية تدوين الأسطورة في الألف الثالث قبل الميلاد، وقد تميزت هذه الشعوب القديمة بتسامحها وتشاركها وتعاونها وتواضعها وبأخلاقها ومناقبها ومحبتها، فكان تطورها انسانيا" اجتماعيا" وقد ركزت الأسطورة والتعاليم والشرائع القديمة على الأخلاق والمناقب، فكان مجتمعا" يحمل الكثير من القيم .
تعتبر الأسطورة السومرية أول الأساطير المدونة (اسطورة الخلق واسطورة الطوفان وغيرها) ثم دونت فيما بعد الأسطورة الأكادية والبابلية والآشورية والأوغاريتية والآرامية، وتعتبر الأسطورة الأوغاريتية من أهم الأساطير لكتابتها بالأبجدية الأوغاريتية، لذلك كان انتشارها أسهل وأسرع، ومحتواها أكثر تطوراً.
وتكمن أهمية الأسطورة لدى شعوب سوريا القديمة في أنها قدمت تحليلا وفهما وتفسيرا للظواهر والأحداث التي لم يستطع الانسان القديم فهمها بعقله والتي زرعت الخوف في نفسه من متغيراتها كالموت وأحداث الكون والفلك والخلق والوجود والحياة والطبيعة والأحداث الغيبية والأخلاق والقيم والمناقب وعدم قدرته على تحليل وسبر أغوار الكون وايجاد الحلول العقلية لما يشاهده وما يراقبه وما يحصل حوله فكان للأسطورة الدور في أن يعي هذا الانسان العالم وما حوله من خلالها، فقد كانت الملاذ الأول والآمن وكانت الفضاء الرحب لطرح الحلول لهذه المتغيرات، فأصبح لديه متنفس لاستقراره النفسي، وشعوره بالأمان وبأن الإله الى جانبه يرعاه وهذا الإله ليس بعيدا عنه وذلك بعد أن أجاب الإله عن جميع تساؤلاته فكانت النتيجة أن تحول الانسان بعد شعوره بالاستقرار النفسي والطمأنينة الى الحضارة والبناء والتطور، لذلك نجد عمق الأسطورة في فهم الحياة وتقديم الحلول المقبولة في فهم ما يصعب عليه تحليله وفهمه، وتعتبر الأسطورة بداية تلمس الانسان القديم للأديان وللعبادات وطقوسها وللكتابات المقدسة، ونجد أن الأحداث في أي اسطورة كانت تختلف أحيانا" ما بين سومر وبابل واشور واوغاريت وآرام بسبب التطور الفكري الحاصل مع مرور الوقت لدى هذه المجتمعات، فقد كانت هذه الأسطورة ميثيولوجيا حية، تتطور نتيجة تقدم المعرفة، فلم تكن جامدة، فالاختلاف والتطوير في الأسطورة من مجتمع لآخر لم يكن محور خلاف ولم يخلق أي صراع بين هذه المجتمعات، ورغم قدسية هذه الأسطورة فقد سعت الشعوب القديمة لتجديدها وتطويرها ودعمها بأحداث ومعارف متطورة فلم تكن محور خلاف مطلقا وانما كانت حالة تطور ومعرفة مترافقة مع تطور عقل الانسان القديم وانفتاحه، فالمنهج المتبع لم يكن إقصائياً أو إلغائياً وانما كان تكاملياً معرفياً عقلياً مناقبياً، فقد تمددت الأسطورة ضمن الأديان القديمة مترافقة مع توسع فكري وعقلي لدى الانسان القديم دون أي قيود أو حواجز لعقله، وأعطت قيم جميلة في الحياة، فرفعت من مستوى المناقب والقيم وقدمت مساحة كبيرة عقلية ومعتقدية ومعرفية. ونلاحظ أنها حملت فكراً فلسفياً حين اعتبرت أن الإله موجود في كل الوجود وفي أبسط الأشياء وليس هنالك إله معزول بعيداً عن البشر يتواصل عبر وسطاء كما الأديان الشمولية، وانما هو جزء لا يتجزأ من الوجود الكلي، فبالنتيجة كانت تلك الشعوب منفتحة عقلياً، تستطيع أن تناقش بالمقدس بلا أي حرج أو اختلاف وبلا أي محظورات على عكس الأديان الشمولية والتي تعتبر أن مناقشة المقدس من المحظورات، فهنالك ايمان مطلق لا يقبل المناقشة والتحليل العقلي مطلقاً، وحينما تمددت الأديان الشمولية بدأ دور الأسطورة بالتراجع رغم ما قدمته من بنية أساسية لهذه الأديان وبدأت تعتبر مرتبطة بما سمي بالوثنية، فعندما وضعت هذه الأديان القوانين الإلهية الجامدة أدى ذلك الى نشوء حواجز للتفكير وتمدد العقل وذلك للقدسية الشديدة التي بنيت عليها والمفهوم والإيمان المطلق للإله شديد القداسة.
كان لعلم الآثار والميثيولوجيا والأركيولوجيا الفضل الأول في ازاحة اللثام عن أضخم موروث ثقافي عرفته البشرية يقدر عمره المكتوب لأكثر من 3000 عام قبل الميلاد، كتب على مئات آلاف من الألواح الطينية باللغة السومرية والأكادية والبابلية والآشورية والأوغاريتية والآرامية وقد تنوع هذا الموروث بين أسطورة وملحمة وقصة وشعر وموسيقى وفن وأدب وفكر وفلسفة ومعرفة وعلم ومناقب وشرائع وقوانين وأبجدية وغيره الكثير.
فعلى سبيل المثال وفي المرحلة السومرية بدء" من 3000 قبل الميلاد قسم الأدب لديهم الى أقسام عديدة، فأدب الحكمة وهو معد لتلقين مكارم الأخلاق وغرس الفضيلة والمحافظة على قيم المجتمع وكان شائعاً بكامل سوريا الطبيعية، فأدب الوعظ وهو يوجه على شكل رسائل كما الوصايا، وأدب النقد كما كليلة ودمنة والأدب الساخر وأدب التعليم والتربية وذلك لتوجيه الطلبة لأهمية التعليم وطرق التعليم وتوجيه المعلمين وأهمية العلم، أدب الأمثال يتحدث عن حياة الأسرة وعلاقتها وقيمها وقد اكتشف قاموس خاص بالأمثال وكانت تلقى على شكل شعر أو زجل، وما زلنا الى الآن نردد الكثير من هذه الأمثال. وأيضا أدب الدراما والتي ظهرت في المعابد وفي احتفالات الطبيعة، وأدب وصف الطبيعة وأهمية خصوبتها ونجد أيضاً علم الموسيقى وفنونه والذي كان يدرس في مدارس خاصة وقد انشأت دور للغناء والموسيقى والغناء الجماعي وعزفت بالميادين والساحات العامة وكان من آلاتهم الموسيقية القيثارة والناي والطبل والدف وكانت الآلات الموسيقية لبعض العازفين المهرة تزين بالذهب والجواهر، وقد استخدموا الموسيقى في العلاجات النفسية والعقلية وكانت تستخدم في مراسيم الدفن والرثاء، وأيضا نجد علم الموسيقى وفنونه لدى الكنعانين في اوغاريت منذ اكثر من 1500 قبل الميلاد، حيث نجد أقدم أغنية في التاريخ وجدت كاملة على ألواح طينية وهي عمل موسيقي متكامل غناءً وتلحيناً وعزفاً، تتحدث عن ابتهالات فتاة الى الآلهة تعاني من عدم الإنجاب.
وتعتبر الشرائع من أهم ما وضع لتنظيم الحياة وتطورها وقد بدأت منذ الألف الخامس قبل الميلاد وكان للملك سرجون الأكادي 2400 قبل الميلاد واورنمو 2100 قبل الميلاد وأخيرا حمورابي 1775 قبل الميلاد وغيرهم الفضل الأكبر في تنظيم الحياة من خلال بناء منظومة الشرائع وذلك لبناء مجتمع قوي يسوده العدل، فينتج الحضارة.
ملحمة غلغامش : تعتبر أهم قصيدة ملحمية أدبية سومرية عبر التاريخ ويحدد عمرها بأقدم من 2800 قبل الميلاد، وهي 6 قصص ملحمية تتحدث عن هواجس الإنسان (الحياة، الموت، الخلود، الحب، الصداقة، الكره) وقد دمجت هذه الملحمة جميع الهواجس بقصة واحدة، كتبت على 12 لوح طيني، يعتبر الملك جلغامش بطل الملحمة حيث ثلثاه من أم إلهية وثلثه من أب بشري، تتحدث الملحمة عن ظلم الملك غلغامش لرعيته وبحثه عن الخلود، وهنالك أيضاً انكيدو الرجل الوحش والذي يرسل له جلغامش امرأة لأنسنته فيتحول في ستة أيام وسبعة ليالي من التوحش الى الأنسنة ومنها يتحول الى الحكمة والمعرفة والحياة البشرية بعد أن عاش بين الوحوش وكان واحداً منهم، فيتصارع كل من أنكيدو وغلغامش فيتغلب جلغامش، ليصبحوا صديقان حميمان، يتوجهان معاً الى غابة الأرز للحصول على نبتة الخلود وهنالك يقطعان أشجار الأرز فتغضب الآلهة لأن قطع شجر الأرز من الكبائر والمحرمات، ويفقد جلغامش صديقه انكيدوا عقاباً له ويفقد أيضا نبتة الخلود بعد أن تسرقها الأفعى، فيحزن وينام وأثناء نومه تأتيه الرؤيا الحكيمة لتوضح له أن الخلود يكون بالعدل والبناء والمعرفة لاستمرار الحياة وتطورها فلا يمكن للإنسان أن يكون خالداً بالجسد وانما بالعمل والبناء والمعرفة والحكمة.
وتعتبر من أجمل الأساطير وقد كتبت بالأبجدية الأوغاريتية في 1500 قبل الميلاد، فعندما انتهى الإله ايل من تنظيم الكون سكن الجنة حيث تتوسطها شجرة الحكمة والحياة والمعرفة وتحاول آلهة العالم السفلي حورون تحويل شجرة الحياة والحكمة والمعرفة الى شجرة الموت، فيغضب الإله ايل ويخرجها من الجنة الى الأرض فتعيث بالأرض فسادا" فيرسل الإله ايل أحد أبنائه وهو الإله آدم من الجنة الى الأرض للقضاء عليها ولكن آلهة الموت تتغلب على آدم وتحاول قتله فيفقد خلوده الإلهي ويحرم من العودة الى الجنة، ليخلق ايل له حواء من طين ذو رائحة طيبة، وحواء هي السيدة التي تحيي وتحن، وذلك لتقدم العلاج لآدم وتعيده للحياة، فيتماثل آدم للشفاء ويتزوجها فيعطيه الإله ايل المعرفة والحكمة وهو تعويض له عن فقدانه الخلود فأصبحا خالدين بالتكاثر والذرية والمعرفة والحكمة، نلاحظ أن هذه الأسطورة ترفع من شأن المرأة ولا تعتبرها تابعة لآدم أو من ضلعه ولا مكان للخطيئة لديها. وأيضا الأهمية الكبرى للمعرفة والحكمة في الحياة أي أهمية العقل لدى الانسان، ويعتبر آدم في هذه الأسطورة جزء من الإله ايل فهو ابنه. وهنالك جزء من الأسطورة يتحدث عن صراع الإله بعل اله الخصوبة مع الإله يم إله البحر والماء والمطر فحين يتغلب الإله يم تكون العواصف والأمطار وحين يتغلب الإله بعل تكون الخصوبة والزرع والخضرة، انها تتابع الفصول واستمرار الحياة لتحقيق الخلود، يخاطب بعل زوجته آلهة الحب والخصوبة عشتار فيقول: (ضعي في الأرض خبزاً و ضعي في التراب لقاحاً واسكبي في الأرض قربان السلام ولتتقدمي في وسط الحقول). ومن الألواح التي اكتشفت في أوغاريت رسالة للإله بعل يقدر عمرها بحوالي 2500 قبل الميلاد: (حطم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض)
نجد ايضا" اسطورة الإله تموز أو أدونيس الأوغاريتي إله الخصب وموته نصف عام وبعثه نصف عام وهو مثال حي حول مفهوم استمرار الحياة وتجددها وتبدل الفصول فهو يمثل البذرة عندما تدفن تحت التراب لتعود للحياة من جديد مع قدوم الربيع وهو تكريس لمفهوم الخصوبة والخلود.
وأيضا" عندما يعاقب الإله يم البشر فيقطع عنهم الماء ويعم الجفاف يبدأ الإنسان بالتوجه بالصلاة والإعتذار للإله يم على اخطائه وعدم احترامه الماء وتدميره الينبوع والنهر ومجرى الماء وتستمر هذه الصلوات والوعود باحترام الماء لحين قبول يم اعتذار البشر ليعيد انزال المطر من جديد. هذا يأخذنا الى أخلاق احترام الطبيعة وتقديسها، بالنظر الى هذه الأساطير الكنعانية نجد حجم القيم الانسانية المتعلقة بالانسان وعلاقة الانسان بالطبيعة ودور الآلهة في احلال السلام بين البشر فهي آلهة محبة وسلام.
عندما خلق الإله إنكي السماء والأرض بعد أن أبعد السماء عن الأرض، وكان بينهما الماء وخلق الشمس والقمر والآلهة أبنائه في سبع ليالي وستة أيام وارتاح بعد ذلك، طلبت الآلهة منه خلق كائن يساعدها ويعمل لديها في حديقتهم ايدن أي عدن، لتصبح جنة عدن بالتوراة، فيطلب أنكي من الآلهة (نمو) الصانعة الماهرة فيقول لها (امزجي حفنة طين من فوق مياه الأعماق وسيقوم الصناع المهرة الإلهيون بعجن الطين وتكثيفه على شاكلتها ثم كوني أعضاءه ولسوف تقدرين للمولود الجديد مصيره، ثم انفخي فيه الحياة) (بالفكر السومري نجد أن آدم يعني الإبن السماوي او ابن الله)، ثم خلق له حواء أي التي تحيي وتحن اليه، خلقها الى جانبه او الى جانب ضلعه، نلاحظ هنا فكرة التصاق حواء بآدم وليس خلقها من ضلعه كما حورها التوراتيون ليصفوها بالضعف والتبعية، وأيضا" في نص شعري سومري جميل نجد: (إن الإله الذي أخرج كل شيء نافع، الذي لا مبدل لكلماته، الذي انبت الحب وأنبت المرعى، وأبعد السماء عن الأرض، وأبعد الأرض عن السماء) ( وأيضا" نجد بالألواح السومرية أن الموت يكون بعودة الطين الى التراب).
نجد في هذه الأسطورة أن الإله انكي خلق آدم بجنة عدن وخلق حواء وهي آلهة الحياة والشفاء من ضلعه وكان آدم بمصاف الآلهة، وتتوسط الجنة شجرة الحكمة والمعرفة الإلهية التي يحظر على الآلهة اقترابها وتناول ثمارها ولكن آدم وحواء يعصيان أمر انكي ويتناولا ثمرة المعرفة والحكمة فيحرمان من الجنة والخلود ويرسلا الى الأرض فيتزوجان وينجبا ذرية ويعطيا الحكمة والمعرفة لأبنائهم، وبهذا يحقق الانسان الخلود. نلاحظ أن لا خطيئة للمرأة هنا، والحكمة والمعرفة يمثلان العقل لدى الانسان.
هذه الأسطورة نجدها فقط لدى السومريون وذلك لأن حادثة الطوفان هو حدث محلي سومري دائم الحصول، يحدث حين تفيض دجلة والفرات في المدن السومرية وتحديداً جنوب بلاد الرافدين. ونصها كما يلي، حين تغضب الآلهة على مدينة شروباك لتمدد الشر بها قررت اغراقها عقاباً لها، فينبه الإله انكي أب الآلهة وخالق البشر حيث يهمس للحكيم (زيو سيدرا) من خلف القصب ويكشف له نوايا الآلهة بقرارها اغراق شروباك ويرشده لصناعة مركب على شكل قفة كبيرة دائرية يحمل بها البذرة الصالحة من البشر، فالإله انكي لا يمكن أن يقبل بقتل البشر وابادتهم فهو إله حكيم يمتلك المعرفة والقيم السامية والمحبة وهو يعلم أن الانسان يخطئ، وعنما تقرر الآلهة ابادة البشر ترسل الماء فيكون الطوفان فتغرق مدينة شروباك ليستمر هذا الطوفان سبع ليالي وستة أيام. هذه هي اسطورة الطوفان السومرية طوفان مدينة شروباك والتي نجدها فقط لدى السومريون فلا نجدها لدى الكنعانيون لعدم حدوث هكذا طوفان في بلاد كنعان فهو حدث مرتبط ببلاد الرافدين وبنهري دجلة والفرات فقط.
وهذه الوصايا مدونة في الألف الثالثة قبل الميلاد وهي عبارة عن وصايا ملك مدينة شوروباك مدينة الطوفان الى ابنه الحكيم الذي أصبح نوح في التوراة، ويقدر عدد الوصايا بأكثر من 200 الى 300 وصية والتي كان قد أخذها عن أبيه لينقلها الى ابنه وهذا بعضها: لا تشرب البيرة وتصدر حكماً. لا تشتري طعام مسروق. لا تسرق ولا تقتحم بيتاً. لا تعبث مع فتاة متزوجة. لا تتزوج مومس. لا تشتري رجلا" حرا. لا تقتل. لا تحفر بئرا في ارضك لكي لا تستحوذ على الماء. لا تشهد زوراً. ولا تقاطع اباك وهو يتكلم. ثق بكلام أبيك. لا تجلس لوحدك مع امرأة متزوجة. لا تخطيء بالكلام. لا تلعن إله غيرك. لا تبعد من استدنت منه. لا تفتعل مشاجرة. كن كريما" دائماً. لا تغتصب ابنة رجل ما. كن ضد الأشرار. لا تتكلم بغطرسة مع أمك لأن الأم تلد الرجال. لا تتفاخر ولا تتحدث بغرور. السماء بعيدة والأرض هي الأثمن. وغيرها الكثير الكثير من الوصايا، عندما نمعن النظر بهذه الوصايا نجد حجم القيم والمناقب الرفيعة العالية والتي تميز بها أبناء تلك الحقبة التاريخية مما يدلنا على حجم الحضارة الانسانية التي حملوها ونقلوها وعملوا على ارسائها في مجتمعاتهم.
وجدت هذه الأسطورة على لوح طيني باللغة المسمارية كما يرويها الملك سرجون على لسانه (كانت والدتي كاهنة المعبد، ووالدي لم اعرفه... لقد حملتني أمي بالخفاء وانجبتني بالخفاء، ثم وضعتني في سلة أغلقت وطليت بالقطران ثم ألقت بالسلة في النهر... حملتني الماء الى آكي الساقي في قصر الملك، وأخذني كإبن له وجعلني بستاني، فأحبتني الآلهة عشتار لتمنحني بركتها ورعايتها وحمايتها وإلهام منها لأصبح ملكا مباركاً على الأرض).
بهذه اللمحة السريعة للأسطورة والملحمة والوصايا يتضح لنا المفاهيم الانسانية والأفكار والقيم والمناقب والأخلاق وأهمية المعرفة التي تحلت بها وقدمتها وعملت على بنائها وترسيخها هذه المجتمعات القديمة، فنجد هذا الموروث جوهراً حياً, وهو التقاء في المفاهيم والأفكار بين الأفراد والجماعات في البيئة الواحدة والبيئات المتعددة بمستوى رفيع من الأخلاق والقيم والمناقب، وهذه المجتمعات لا تعرف ما يسمى بالكفر ولا نجد في حياتها أي نزاع أو صراع ديني مطلقا.
كانت فكرة السبي معروفة لدى الآشوريون لجميع الشعوب التي حكموها والتي تمردت عليهم، ومن هؤلاء المتمردون العبريون وهم قبائل رحل لم يحدد الى الآن مكان نشأتهم بالتحديد فهنالك من يقول انها قبائل يمنية وهنالك من قال انها من جنوب فلسطين أو سيناء وهناك من يقول أنها قبائل كنعانية وجدت في البادية السورية. هؤلاء تعرضوا للسبي أكثر من مرة على يد كل من الآشوريون بزمن الملك الآشوري سرجون الثاني في حوالي العام 740 قبل الميلاد وسمي بإعادة التوطين، وبعدها في زمن الدولة البابلية الأخيرة على يد الملك نبوخذ نصرا لثاني في حوالي العام 600 قبل الميلاد، وكان من عادة الآشوريون اعادة توطين المتمردين من كافة المناطق الى مناطق بعيدة لإضعافهم وعقابهم، وتعتبر هذه العملية أشبه بالتغيير الديموغرافي ضمن الدولة الآشورية، وأيضا هي محاولة من قبل الدولة المركزية لرفع سويتهم المعرفية ودمجهم في المجتمع ونقلهم من حالة البداوة الى المدنية، كذلك كان الأمر في الدولة البابلية الأخيرة، فتم اعادة توطين العبريون بالقرب من بابل وتم العمل على تغييرهم من خلال تعليمهم وتثقيفهم ورفع سويتهم المعرفية، ولكن في العام 540 قبل الميلاد سقطت الدولة البابلية الأخيرة على يد الفرس بقيادة الملك الفارسي قورش وكان لخيانة العبريون وتآمرهم مع الملك الفارسي ضد الدولة البابلية السبب الرئيسي في سقوط بابل، هذا ما عرف تاريخيا بالسبي البابلي.
بعد توطين العبرانيون في بابل والتي كانت قد وصلت الى مستوى رفيع من الحضارة والمعرفة في ذلك الوقت ورغم خسارتها في الحرب إلا أنها انتصرت على المحتل الفارسي ثقافياً ومعرفياً وأمام عظمتها المعرفية عمل المحتل الفارسي على الإستزادة من هذه المعرفة فأصبحت لغتها الآرامية اللغة الرئيسية في الدولة الفارسية، في تلك المرحلة كان لدى العبرانيون مقاومة شديدة للإندماج بالمجتمع البابلي وتقبل ثقافته كما المجتمع الكنعاني قبل ذلك، وقد آمن العبرانيون بالإله يهوه وهو إله أرضي عنصري عبدوه، وهو حالة منحولة عن الآلهة الكنعانية القديمة ومع عدم قدرتهم على فهم العمق الفكري للعبادات القديمة الكنعانية والبابلية بحكم بداوتهم، وكمحاولة منهم لإخفاء إلههم وعدم الحديث عنه قاموا برفعه الى السماء واعتبروه حالة منفردة ذات خصوصية عالية متأثرين بالنظرة الآشورية والزرادشتية للإله ولكنهم اعتبروه عنصريا لهم فقط، فهو إلههم الخاص، يحكم الأرض من السماء بما يتناسب مع مصالحهم الخاصة، ونظروا إليه نظرة تقديس مطلق بلا منازع، وترجح المصادر انه حوالي العام 450 قبل الميلاد وفي بابل والتي كانت تحت الحكم الزرادشتي الفارسي، كان هنالك من يدعى بالكاتب عزرا والذي بدأ ومجموعة من الكهنة والكتبة بحفظ وجمع وتحوير وتزوير الموروث الحضاري القديم من مرويات وأساطير وقصص وتعاليم ووصايا كانت موجودة في بابل، سومرية وأكادية وآشورية وكنعانية، وكانت بداية نشوء ما سمي لاحقا" بالتوراة وبالطبع كان للفكر العنصري العبراني أكبر الأثر في تحوير كل ما هو موجود من أسماء ملوك سومريون تم تحريفها لتصبح انبياء بني اسرائيل، وايضا" آلهة وأساطير حرفت الى قصص تأخذ الطابع العبراني وتنسب لهم، فنلاحظ تطابق كامل لقصص واساطير التوراة مع ما وجد من موروث بابلي وسومري وكنعاني قديم، وبدأت بعد ذلك مرحلة اعادة انتاج تراث المنطقة وحضارتها الدينية بالطريقة العبرانية والتي عرفت لاحقاً بالديانة اليهودية، استمر هذا العمل مدة تزيد على 600 عام ظهرت خلالها التوراة والتلمود، وخلال هذه الفترة وفي حوالي العام 300 قبل الميلاد وفي عهد بطليموس المقدوني وبطلب منه تم جمع أسفار اليهود في الاسكندرية وترجمت الى اللغة اليونانية كمحاولة من الامبراطور لدمج اليهود بالمجتمع اليوناني، ويذكر أنه في تلك المرحلة وبعد أن عاصروا ثقافة وادي النيل، تم اضافة قصة موسى واليهود ومصر وفرعون مصر وعبوديتهم هناك وهروبهم وشق البحر وضياعهم في سيناء وكلام موسى مع الرب يهوه وانتصارهم على العماليق الكنعانيين وغيرها من القصص.
مما استعرضناه سابقاً من أساطير سومرية وآشورية وكنعانية كأسطورة الخلق والطوفان ووصايا ملك شوروباك للحكيم زيو سيدرا واسطورة سرجون الأكادي، نلاحظ مقدار وحجم السرقة التي تعرض لها هذا الموروث الحضاري من قبل الكتبة واللصوص العبرانيون.
فقصة الطوفان السومرية لمدينة شوروباك والحكيم زيو سيدرا تحولت الى طوفان عالمي وتحول الحكيم زيو سيدرا الى نوح الذي صنع الفلك بوحي من الإله يهوه لإنقاذ المصطفين من البشر. جاء في التوراة: (وقال الرب لنوح، ادخل انت وجميع بيتك الى الفلك، ومن جميع البهائم وطيور السماء تأخذ معك سبعة ذكر وأنثى، لأني بعد سبعة ايام ايضاً أمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته، ففعل نوح حسب ما أمره به الرب)
وقصة خلق الكون وخلق آدم وحواء وكيف تم التلاعب باسطورة الخلق السومرية والآشورية والكنعانية لتظهر لنا في التوراة كما يلي: (في البدء خلق الرب السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الرب فوق وجه الماء، وجبل الرب آدم ترابا "من الأرض ونفخ في أنفه نسمة الحياة وصار آدم نفساً حياً، وفرغ الرب في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل وبارك الرب اليوم السابع وقدسه)، وقصة آدم وحواء والطرد من الجنة وخطيئة حواء وخلقها من ضلع آدم نجد في التوراة: (يوم خلق الله الانسان على شبه الله عمله ذكرا وانثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق وقال الرب الاله، ليس جيداً أن يكون آدم وحده فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها الى آدم) وأيضا" نجد ( وجبل الرب الإله آدم ترابا" من الأرض، ونفخ في انفه نسمة الحياة، فصار آدم نفساً حياً وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن، وأوصى الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل فانفتحت أعينهما، فقال الرب لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة، التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، حتى تعود الى الأرض التي أخذت منها لأنك من تراب والى التراب تعود, ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي)
والوصايا العشر لموسى تم اقتطاعها من وصايا ملك شوروباك لإبنه الحكيم زيوسيدرا ونحلت لتصبح عشر وصايا فقط كما يلي: (اذكر يوم السبت لتقدسه. لا تكن لك آلهة أخرى. لا تصنع لك تمثالا" منحوتاً ولا صورة مما في السماء ومما في الأرض أو تحت الماء. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على صاحبك شهادة زور. لا تشته بيت صاحبك. لا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره).
وفكرة الملائكة والجان والشياطين ويوم الحساب وغيرها وغيرها استحضرت من الديانة الآشورية والزرادشتية أيضا.
وقصة ولادة سرجون الأكادي ووضعه في سلة والقائه في الماء لتصبح قصة موسى وإلقائه في نهر النيل، وجاء في التوراة (ولما رأته أنه حسن، خبأته ثلاثة أشهر، ولما لم يكن لها أن تخبئه بعد، أخذت له سقطاً من البردي وطلته بالزفت، ووضعت الولد فيه، ووضعته على حافة النهر)
وإذا درسنا جميع ما ذكر بالتوراة من قصص وأحداث وتعاليم نجدها محرفة او منحولة من القصص والأساطير والأحداث السومرية أو الأشورية أو الكنعانية والتي سبقت التوراة بعقود طويلة، كما رأينا سابقاً
ورغم البحث لعلماء الآثار لم يوجد أي أثر يذكر لإبراهيم وقصته في التوراة رغم أننا نجد حجم التدوين الكبير للأحداث التاريخية على آلاف الألواح الطينية تشمل عقوداً تجارية وعقود زواج واحداث حصلت مع الملوك وعائلاتهم ومعارك وقصص، رغم ذلك لم يتم ايجاد أي دليل على قصة ابراهيم او موسى أو الأحداث التي حصلت في سيناء أو مصر مطلقاً، مما يؤكد كذب الإدعاء التوراتي وتلفيقه لهذه الأحداث والقصص جميعها.
ومن الملفت أيضا" أن الطقوس في الديانات الشمولية تتطابق مع الطقوس القديمة فالصلاة والحج والصوم جميعها وجدت سابقا فقد كان للسبئيون طقوس حج متبعة فالسبئيون في اليمن كانوا يمارسون طقوس الحج فقد كانوا يحجون الى معبد اورام المعبد الرئيسي لديهم بطقوس حج تتضمن الاحرام والطواف والذبح.
نلاحظ مما تقدم نظرة التوراة والإله يهو للبشرية، فنجدها نظرة كره ودموية مطلقة، فتحويل طوفان محلي مرتبط بمدينة واحدة الى طوفان عالمي وابادة تشمل جميع البشر، انه جريمة تطهير عرقي ضد البشرية وضد الانسانية جميعها، فهو يعبر عن حقد وكره حقيقي لجميع البشر عدى شعب الله المختار وبذلك فهو عنصري ظالم متعطش للدماء بعيد عن المساواة بين البشر، ذكوري ينظر للمرأة نظرة احتقار وتدنيس وضعف واستعباد.
وعند دراسة اسطورة الخلق وتركيز التوراة على خطيئة حواء كمسبب في الخروج من الجنة وعلى خلقها من ضلع آدم وهو تعبير عن ضعفها وتبعيتها لهو تأكيد على ذكورية هذا الكتاب اليهودي والبعد به عن العدالة والمساواة بين البشر.
وفكرة الشعب المختار أو الشعب المصطفى لهو تأكيد على عنصرية هذا الشعب يرافقه إله عنصري أيضاً ونظرته الإستعلائية الى باقي الشعوب وعدم قدرته على التفاعل المنتج ضمن المجتمع وهذا يؤكد عدم قدرة اليهود على الاندماج في المجتمعات جمعاء.
وخرافة فكرة السلالات الدينية فليس من عاقل يؤمن بما يسمى السلالات البشرية الصافية فنجد مثلا سلالة سام وحام وابراهيم والذريات المختارة فأي إله هذا يصطفي سلالة وذرية من البشر ليقدم لها أرض غيرها التي وعد بها أجدادهم منذ آلاف السنين.
ونلاحظ أيضاً تعطيل العقل البشري عن التقدم والتفكير والتطوير والبحث ففكرة الإله الأوحد المقدس الخالق لكل شيء والعارف بكل شيء والمنظم لكل شيء منعت وحاربت تقدم العقل على اعتبار ان سبر اغوار الكون والمعرفة هي من المحظورات وهي من شأن الخالق فهو عالم بكل أمر ومنظم لكل شيء وأن المرض والشفاء لا يعلم به سوى الله وأي تدخل في ذلك هو منافي لأمر الله. لذلك حورب العلم والمعرفة، فقتل العلماء والباحثين واتهموا بالسحر والشعوذة واحرقت كتبهم وصلبوا وعذبوا.
- تاريخ الله – جورجي كنعان
- مغامرة العقل الأولى – فراس سواح
- الاساطير البابلية وأنبياء سومريون – خزعل الماجدي