1946/4/20
إلى حضرة الأمين الـجزيل الاحترام نعمة ثابت رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر - الـمركز
رفيقي وعوني الأمين الـحبيب،
تلقيت رسالتكم الأولى الـمؤرخة في 28 مارس/آذار الـماضي، وفرحت كثيراً باكتمال الاتصال الـمباشر بيني وبينكم، وبعودة التفاعل الفكري - الروحي، ووحدة العمل بعد ذاك الانقطاع القسري الطويل. وفي الوقت عينه تلقيت رسالة من الرفيق رفيق الـحلبي، ناموس منفذية الشاطىء الذهبي الـحية، وقد أرفق بها كتابكم إليه الـمؤرخ في 28 فبراير/شباط. وكنت قبل ذلك قد تلقيت من الرفيق غسان تويني تقريراً ضافياً عن حالة الـحزب والـحوادث التي مرّ بها منذ اعتقال معظم الأركان ومحاكمتهم سنة 1940 إلى الوقت الـحاضر، وتقريراً خاصاً عن حالة منفذية أميركانية وحالة الرفيق فخري معلوف الذي طوّح به الـحماس الديني الـمذهبي الذي أُسر به حديثاً، وقد أرفق بالتقريرين الـمذكورين وثائق عليا وقصاصات من جرائد بيروت. إنّ الرفيق تويني تأخر بإرسال تقريره والوثائق لـحاجته إلى الاستيثاق من الاتصال بي ولأنه صرف وقتاً في إعداد تقريرين توسع في الرئيسي منهما واجتهد في جعله شاملاً.
إنّ ما قرأته من الأخبار الـمقتضبة الواردة في بعض الصحف عن التحويرات الشكلية الظاهرية في مظهر الـحزب، وما اطّلعت عليه فيما بعد من النشرة الـحزبية التي تسلمت أعداداً منها منذ بضعة أشهر، جعلتني أقدّر العوامل الباعثة عليها. وقد سرّني كثيراً خطابكم في صدد الرخصة التي نالها الـحزب من الـحكومة اللبنانية الـحافظ الـمعنويات الـحزبية والـمنطبق كل الانطباق على تقاليد الـحزب. وكل ما أريد أن أقوله الآن في هذا الصدد هو أني أوافق على اكتساب الرخصة الـحكومية وإيجاد حالة من الاستقرار والاطمئنان تُـمكّن الـحزب من زيادة قوّته الشعبية وإظهارها بحرّية. تبقى هنالك مسائل واعتبارات تقنية بالنسبة إلى عمل الـحزب الواسع وغايته الأخيرة يجب تأجيل بحثها إلى فرصة أخرى، والأرجح إلى حين عودتي. مع ذلك أؤكد لكم أني لا أخشى سوءاً من التدابير السياسية الـمتخذة لأنّ الوعي القومي وفهم غاية الـحزب الأخيرة قد حصلا في أوساط واسعة وتأيدا بنشوء الأدب القومي الاجتماعي ونـموه واكتسابه قوة ورسوخاً يكفلان له السيطرة على الفكر والرأي العام. وإني مسرور جداً بظهور هذه الـحركة الأدبية النشيطة وبعناصرها الـجيدة الـمتجانسة التي يشع إنتاجها الأدبي بتعاليم النهضة القومية الاجتماعية وحكمتها ومثلها العليا ومناقبيتها. ولا يقلّ سروري بأنّ التدابير السياسية التي قررها الـمجلس الأعلى الـموقر في هذه الظروف السياسية ذات الصفة الاستثنائية قد أظهرت ما في حزبنا الراسخ من الـمرونة السياسية التي تضاهي ما فيه من رسوخ في العقيدة وإيـمان بتعاليمها وتـمسك بغايتها الأخيرة.
إنّ ظروفي الـخصوصية الـحاضرة وحالة الـحركة السورية القومية الاجتماعية في الـمغترب، ليست وليدة نفسية الـمغتربيـن التي استهلكها حب الـمال وحب الذات الفردية فحسب، بل هي أيضاً وليدة الأغلاط التي ارتكبت من جهتنا من أفراد لم تكن لهم خبرة بالـمسؤوليات العالية، فطوّحت هذه الأغلاط بـمركز الزعيم وأفقدتنا وقتاً ثميناً عرف الرجعيون والـخونة وجواسيس الإرادات الأجنبية كيف يغتنمونه ويستغلونه إلى أقصى حد، فخسرنا إمكانيات العمل الواسع في البرازيل حيث كان الزعيم يتمتع بـمركز شخصي جيد إذ إنّ الـجالية السورية هناك تعرفه جيداً من قبل وتـحفظ له أوساطها العليا تقديراً خاصاً. وكانت النتيجة أننا اضطررنا اضطراراً للقدوم إلى الأرجنتيـن في ظروف غير موافقة.
كانت حالتي الصحية - العصبية حين قدومي إلى البرازيل سيئة جداً جداً، وقد قطع التوقيف في البرازيل العلاج الذي كنت بدأته والراحة التي كنت شديد الـحاجة إليها. وخرجت من التوقيف بعد نحو شهر منتصراً ولكن صحتي زادت سوءاً بتأثير تلك الصدمة غير الـمنتظرة، التي لا يبررها شيء غير جهل الذين ساعدوا، من جهتنا، على حصولها وسلوك الـخفة الذي سلكوه تـجاه مقدماتها وحيـن كان في الإمكان تلافيها، وبنتائج التوقيف الـمضني.
والنزالة السورية في الأرجنتيـن من أشد الـمجاميع السورية الـمغتربة تأخراً من الوجهة الاجتماعية والثقافية. الـمتعلمون من أفرادها علوماً ثنوية نادرون جداً، والـمتعلمون علوماً ابتدائية قليلون وأكثرهم بلغوا أن يقرأوا شيئاً في الإنـجيل والقرآن ولا معارف عمومية اجتماعية وسياسية عندهم. وصحفها منحطة مستوى الفكر والعلم.
بعد نحو شهرين أو ثلاثة من وصولي إلى الأرجنتيـن سافر الرفيق أسد الأشقر عائداً إلى أفريقية ومن هناك إلى الوطن، وبقي خالد أديب الذي كثر فساده حتى استحق الطرد. فبقيت وحيداً وفي حالة صحية سيئة جداً إلى حد أنه كان يصعب عليّ الكلام والـمحادثة أكثر من نصف ساعة وتؤلـمني فيزيائياً الـمناقشة ولم يبقَ لي جلد على إطالة الكتابة. ومنعت من أكل الـمقليات والتوابل والبيض ومن شرب الشاي والقهوة، فضلاً عن الكحل [الكحول] وصار أكثر طعامي الـخضر الـمسلوقة وبعض أنواع السمك الـمشوي أو الـمسلوق وقليل من اللحم الـمشوي.
وحدد لي الأطباء مبلغ الغرامات من الـخبز واللبـن وغير ذلك. وفي هذه الـحالة كان يجب عليّ أن أواجه الأراجيف والإشاعات الغريبة، وليس أحد من الأعوان حولي. وبصبر وجلد طويليـن تغلبت على كثير من الصعوبات الأولية وحسنت الـحالة العامة، ولكن الـحرب قطعت الـمواصلة مع البرازيل، ولم يوجد في الأرجنتيـن أفراد قادرون على حمل مشعل العقيدة والنهضة. فاضطررت أخيراً للعمل التجاري لصيانة مركزي وحفظ كرامتي، وفي هذه الـخطوة تعرضت لأشد صدمات الدناءة فإنّ «رفيقيـن» منافقيـن، أحدهما «كاتب» يدعى جبران مسّوح، تناوبا الاحتيال عليّ لابتزاز ما أمكن من الـمال الذي اقترضته من ابن حمي ليكون رأسمالاً لي للتجارة. وقد تداركت الأمر وقد أشرف على الـخراب، ووقفت للأمر التجاري وحدي بلا خبرة سابقة، ولكني أعملت فكري وسياستي الاقتصادية واجتهادي، وأنقذت الـمحل التجاري الذي تسلمته على أثر فسخ الشركة مع الـمدعو جبران مسّوح تـحت عجز مالي، وربحت في السنة الـماضية ما عوّض خسارتي باختلاسات هذا الـمنافق، وأعتقد أني قد عوّضت في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة ما يقارب كل الـخسارة مع الـمنافق الـمحتال الآخر، وتـجارتي الآن في تـحسن مستمر. وقد ابتدأت أرسل إلى فروع الـحزب هنا تبرعات مالية باسم خزانة الـحزب في الوطن لتكون قدوة تـحفّزهم للتبرع وجمع كمية لعضد مالية الـحزب.
زيارة الكابتان منصور لـحود للنزالة في الأرجنتيـن وإخباره عني: لا يسهل تصديق ما رواه الكابتان الـمذكور من أنه «سعى كثيراً للاتصال بي وإطلاعي على الـحالة في الوطن، الخ.» لأنه كان يسهل إيصال خبر إليّ برغبته. ويوجد في بوينُس آيرس فرع غير قوي للحزب ولكن الـمنفّذ العام، الرفيق خليل الشيخ، شخص معروف ومحبوب ومركزه الأدبي جيد وحالته الـمادية حسنة وللحزب هناك نادي «الـجمعية السورية الثقافية». ثم في بوينُس آيرس إبن حمي وهو تاجر معروف من زمان ومركزه التجاري جيد وحالته الـمادية جيدة ومحله التجاري في مركز التجارة وفي وسط سوري.
ولو أنّ الكابتان حاول الاتصال ببيت حمي أو بالرفيق خليل الشيخ رئيس «الـجمعية السورية الثقافية» لكان توفّق إلى الاتصال بي بسرعة، وإذا لم يكن بإمكانه القدوم إلى توكومان، على مسافة 17 ساعة بالقطار الـمستعجل كان بإمكاني الانتقال إلى بوينُس آيرس وأنا أذهب إليها كل ثلاثة أشهر تقريباً. ومـما لا شك فيه أنّ الكابتان لـحود ألقى نفسه في أحضان أمثال روفائيل لـحود وأصحاب الـمآرب النفعية من الظاهرين في الوسط «اللبناني». وما نقله الكابتان لـحود عن الـمدعو روفائيل لـحود هو من التلفيقات الاحتيالية الرامية إلى غرض حقير - فلا روفائيل لـحود «رئيس تـحرير إحدى الـجرائد الكبرى» ولا هو «صديق الكولونيل بيرون الشخصي»، بل هو في حالة لا تؤهله ليكون صديقاً لأحد من ذوي الـمنزلة الاجتماعية لا بين الـمواطنيـن ولا بين الأرجنتينييـن. والـمسألة، في أفضل وجوهها، مسألة خدعة لا تزال تـجوز عند ذوي العقلية العتيقة. والـحقيقة التالية التي يعرفها جميع السورييـن في الأرجنتيـن تظهر من هو روفائيل لـحود - هذا الشخص سافر إلى الأميركتيـن بعد الـحرب 1914 - 1918 وكانت الـحكومة اللبنانية قد كلّفته، على ما يشاع، بـمهمة بين الـمهاجرين، ولا يبعد أن يكون هو قد ادعى تكليف الـحكومة له فزار الولايات الـمتحدة حيث نزل ضيفاً على أخ الرفيق أسد الأشقر ولم يترك أثراً حسناً هناك، ثم انتقل إلى الأرجنتيـن حيث نزل في أفخم فنادق بوينُس آيرس وأخذ يتظاهر بالسفارة والوجاهة، وصار يستقبل الـمواطنيـن في الفندق، وأذاع عن نفسه وأقام الاستقبالات ودعا مواطنيـن وجهاء إلى غداء وإلى عشاء، وأخيراً في آخر الشهر قدّمت له إدارة الفندق حساب نفقته ولم يكن يـملك شيئاً فلجأ إلى خدعة تنقذه من ذاك الـموقف الـحرج، فدخل غرفته وأخرج مسدساً كان يحمله وأطلق النار على فخذه موهماً محاولة الانتحار، فاتصل الـخبر بالنزالة واهتم بالأمر كهنة الرسالة الـمارونية، على ما أذكر الرواية، واستندوا الأكف وجمعوا مبلغ ما يطلبه الفندق ودفعوه ودفعوا عار تلك الـمهزلة القبيحة عن الـجالية.
وليس لروفائيل لـحود الـمذكور أية منزلة أدبية أو اجتماعية وقد أصدر منذ ثلاث سنوات، وبـمال الدعاوة الأجنبية، جريدة سمّاها الدفاع ولكنها لم تعش سوى أشهر معدودة فماتت، ولـجأ بعد ذلك إلى التحرير في جريدة لا قوة ولا نفوذ لها تدعى الزمان عدد قرائها لا يزيدون على ثلاث أو أربع مئة وصدورها غير منتظم. أما خدعة أنه «صديق الكولونيل بيرون الشخصي» فيمكن أن يصدّقها من يجهل كل الـجهل سوابق روفائيل لـحود الكثيرة التي لا لزوم لعدّها. وأما أنّ هذا السافل «نظّم حملة تهشيمية ضدي واستطاع إبعادي عن العاصمة» فحديث خرافة وفرع من فروع الـحيلة التي قد يكون القصد منها إيهام الـحكومة اللبنانية أنّ السافل الـمذكور ذو شأن ويصلح أن تنتدبه الـحكومة لسفارة أو قنصلية أو أية وظيفة أخرى يتمكن أن يـمتص مقومات عيشه منها.
إتصل الـمدعو روفائيل لـحود بي عند وصولي إلى الأرجنتيـن إذ التقى صدفة بالـمرافقيـن أسد الأشقر وخالد أديب في بعض الأوساط، وفي الـحال أخذ يحدّث الـمرافقيـن عن «علاقاته» بالأوساط الأرجنتينية، وأخذ يوهمنا أنه «يحرر جريدة كبرى أرجنتينية» خارج العاصمة، ثم أخذ يتردد على الرفيق أسد الأشقر ويحدّثه عن «كتاب يؤلفه» وأنه يحتاج إلى مبلغ مالي «لطبع الكتاب» وطلب أن نـمده نحن بالـمال، ولـمّا سافر أسد اتصل بي مرة وأخذ يتابع على سمعي قصة «كتابه» وكيف أنّ الـحزب يحتاج إلى دعاوة وكيف أنه صار غلط بقدوم الزعيم من غير تـمهيد سابق، وأنه إذا «طبع كتابه» يحصل له الـمال الكافي للتنقل في الأقطار الأميركية فيقوم بالدعاوة اللازمة للحزب، ويـمهد لزيارة الزعيم النزالات الأخرى، الخ. فقطعت أمله وأفهمته أنه لا يـمكنه الـحصول على مال مني «لطبع كتابه» وأنه لا مناسبة الآن لدرس مشروع سياحاته للإذاعة للحزب، فذهب خاسئاً وانضم إلى الـمرجفيـن ومشيعي الإشاعات السافلة، وهذا كل أمره فيما يختص بي وبالـحزب القومي الاجتماعي. ونصيحة في محلها تقدّمون للحكومة اللبنانية أن لا يكون لها أدنى احتكاك واتصال بـمثل هذه العقليات البشرية.
عودة الزعيم: إذا كانت الـحالة موافقة لعودة الزعيم إلى الوطن فيوجد لهذه العودة وجهان:
1 - أن يعود لضرورة مستعجلة كقرب الانتخابات اللبنانية ووجوب الاشتراك فيها.
2 - أن يعود لـحاجة مستمرة بصرف النظر عن الضرورات الـمستعجلة. وفي حالة الوجه الأول يتوجب عليّ الإسراع في تصفية أعمالي التجارية تصفية نهائية، أو السفر وإبقاء قرينتي لإتـمام التصفية على أن تلحق بي فيما بعد، وفي هذه الـحالة يجب الإسراع في عرض الأمور والإمكانيات الأكيدة واقتراح الوقت الـمناسب للسفر. وفي حالة الوجه الثاني يـمكنّي تصفية أعمالي في مدة تسعة أشهر إلى سنة إذا لم يـمكن غير ذلك، والسفر أنا وعائلتي حسب منهاج مدروس ومقرر من غير استعجال. ويترجّح أنه يـمكن تقصير الـمدة.
لو كنت تلقيت تقارير ومعلومات أكيدة منذ نحو شهرين لكان التخلص التجاري أسهل عليّ، لأني في الـمدة الأخيرة ارتبطت بعقد استيراد كمية كبيرة من الورق من أسوج أنتظر وصولها بعد نحو شهرين، واقتضاء ستة أشهر لتسديد ثمنها في غير حالة تصفية. فإذا تـمكنت من إيجاد حل لهذا العقد أو لتصريف الورق بثمنه الأصلي بسرعة سهلت كثيراً عملية التصفية. وفي كل حال يـمكنّي السفر لـخوض الـمعركة حالـما يصبح ذلك ضرورياً وتـحصل الـموافقة اللازمة من قِبل أصحاب الـحكم وذوي العلاقة ذات الشأن.
وفي انتظار رسالتكم الثانية أبلغكم وجميع أعضاء الـمجلس الـموقر ومجلس العمد الـمحترم وسائر الأعوان سلامي القومي. ولتحيى سورية.
حضرات الأمناء والرفقاء المحترمين
تحيا سوريا
في معرض مناقشة رسالة حضرة الزعيم إلى نعمة ثابت بتاريخ 20 نيسان 1946
أرغب أن أدلي بمساهمتي المتواضعة بهذا الموضوع:
لفتة أولى: هذه الرسالة ليست هي الأولى بين الزعيم ونعمة ثابت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل كانت رسالة قبلها بتاريخ 19 /1/ 1946. نجده فيها أيضاً يثني على موقف نعمة ثابث ومعه الأمناء والرفقاء إثر صمودهم بالاعتقال عام 1940 ويصف هذا الموقف "بأنه أنقذ شرف الأمة، وحفظ تقاليد النهضة العظيمة".
لفتة ثانية: نجد رسالة ثالثة يرسلها حضرة الزعيم إلى نعمة ثابت بتاريخ 5/9/1946، يخاطبه بها ب "رفيقي الحبيب الأمين" ويستعرض فيها بكثير من التفصيل والشرح والاستشهاد النصي بعضَ ما ورد في حواراته مع غسان تويني بموضوعة القيم، ويقول له إنه في الرسالة الأخيرة إلى غسان تويني والتي كانت مكونة "من 17 صفحة أو ورقة"، بما يبرز كم كان سعادة يمنح أعوانه الوقت والشروحات لوضع المعنيين منهم بكامل الصورة...
بالعودة إلى المقاطع المنتخبة من رسالة حضرته بتاريخ 20/4/1946
إشارة أولى: يخاطب حضرة الزعيم نعمة ثابت بعد التوجه الرسمي إليه حسب مسؤوليته ب "رفيقي وعوني الأمين الحبيب"
إشارة ثانية: يقول حضرته "أن ما قرأته من الأخبار المقتضبة، الواردة في بعض الصحف عن التحويرات الشكلية الظاهرية في مظهر الحزب، وما اطلعت عليه فيما بعد في النشرة الحزبية التي تسلمت أعداداً منها منذ بضعة أشهر، جعلتني أقدّر العوامل الباعثة عليها... وكل ما أريد أن أقوله الآن في هذا الصدد هو أني أوافق على اكتساب الرخصة الحكومية وإيجاد حالة من الاستقرار والاطمئنان تمكن الحزب من زيادة قوته الشعبية وإظهارها بحرية."
إشارة ثالثة: يبدي اعتزازه بالصورة المنقولة إليه عن واقع الحزب وحركته وتدابيره حيث يقول: "وإني مسرور جداً بظهور هذه الـحركة الأدبية النشيطة وبعناصرها الـجيدة الـمتجانسة التي يشع إنتاجها الأدبي بتعاليم النهضة القومية الاجتماعية وحكمتها ومثلها العليا ومناقبيتها. ولا يقلّ سروري بأنّ التدابير السياسية التي قررها الـمجلس الأعلى الـموقر في هذه الظروف السياسية ذات الصفة الاستثنائية قد أظهرت ما في حزبنا الراسخ من الـمرونة السياسية التي تضاهي ما فيه من رسوخ في العقيدة وإيـمان بتعاليمها وتـمسك بغايتها الأخيرة
إشارة رابعة: نجده يستمهل البت ببعض الاجراءات والتفصيلات التقنية حرصاً منه على أن تكون مدروسة بعنايته لأن عليها سيترتب أسلوب وطريقة الحزب في تعاطيه العام مع الواقع السياسي والحكومي، ليس فقط في لبنان إنما بباقي الكيانات فيقول: "تبقى هنالك مسائل واعتبارات تقنية بالنسبة الى عمل الحزب الواسع وغايته الأخيرة يجب تأجيل بحثها ألى فرصة أخرى والأرجح ألى حين عودتي، ومع ذلك أؤكد لكم أني لا أخشى سوءاً من التدابير السياسية المتخذة لأن الوعي القومي وفهم غاية الحزب الأخيرة قد حصلا في أوساط واسعة وتأيدا بنشوء الأدب القومي الاجتماعي ونموه..."
إشارة خامسة: نجد حضرة الزعيم يولي أهمية ويظهر تركيزاً شديداً على تأمين عودته للوطن، مهما كانت الأثمان الشخصية ثقيلة على كاهله.
في التحليل:
إذا تم تناول النصوص السابقة بقراءة مستعجلة قد يفهم منها الآتي:
أن حضرة الزعيم كان قد وافق على كل ما حصل في غيابه من انحرافات قام بها نعمة ثابت وبعض وازن من الادارة الحزبية خلال الثلاث سنوات الأخيرة قبيل عودته في 2 آذار 1947، وأنه أثني على إدارة نعمة ثابت والجهود التي بذلها في انتشار القضية وفي النضج العقائدي والمرونة السياسية...
يدفع ذلك للذهن فوراً أنه إن كان هذا واقع الحال فكم كان سعادة متناقضاٌ مع نفسه حيث نجده قد طرد نعمة ثابت بعد أشهر قليلة من عودته، ووصف ما قام به بالخيانة.
إنّما وبقراءة متمعّنة بعين مُفنّدة وحكيمة تصل بنا لنتيجة مختلفة تماماً عبر تحليلنا للملاحظات التالية:
فبالمقارنة بين ما قاله وأثنى عليه في رسائله إلى نعمة ثابت وبين ما وصف الوضع بعد عودته نجد الفروقات التالية:
آ- نجده بعد عودته يقول في المحاضرة الأولى في طليعة عام 1948 " أني أرى أنّ انتشار الحركة القومية الاجتماعية، في السنوات الأخيرة، كان مجرّد انتشار أفقي، سطحي، يعرّضها بقاؤها عليه للميعان والتفسخ والتفكك. ولذلك أرى الإسراع بإعادة الندوة الثقافية ودرس تعاليم النهضة القومية الاجتماعية والقضايا التي تتناولها، ضرورة لا يمكن إغفالها."
بينما في الرسالة المنوه لها كان يقول: "مع ذلك أؤكد لكم أني لا أخشى سوءاً من التدابير السياسية الـمتخذة لأنّ الوعي القومي وفهم غاية الـحزب الأخيرة قد حصلا في أوساط واسعة وتأيدا بنشوء الأدب القومي الاجتماعي ونـموه واكتسابه قوة ورسوخاً يكفلان له السيطرة على الفكر والرأي العام"
ويستتبع بالقول في ذات المحاضرة:
"كنت أتوقع في غيابي أن يكون القوميون الاجتماعيون المهتمون بالمسائل الروحية الثقافية والأسس الفكرية قد جعلوا همّهم الأول درس حقيقة مبادىء النهضة، ودرس الشروح الأولية الأساسية التي توضح الاتجاه والغاية والأهداف القومية الاجتماعية، إرساخاً للعقيدة وتدقيقاً في العمل. هذا ما كان ينتظر. ولكن ما استغربته كثيراً جداً هو الاتجاهات الانحرافية التي نشأت وبرهنت على أنه لم يكن شيء مما توقعت".
ب- كان يبدو من رسالته هذه أنه كان على دراية غير تفصيلية ودقيقة عن كل ما جرى في غيابه من تحويرات عقائدية وتنظيمية ورموزية...واتفاق مع السلطة اللبنانية، حيث نجده يقول " إنّ ما قرأته من الأخبار الـمقتضبة الواردة في بعض الصحف عن التحويرات الشكلية الظاهرية في مظهر الـحزب، وما اطّلعت عليه فيما بعد من النشرة الـحزبية التي تسلمت أعداداً منها منذ بضعة أشهر، جعلتني أقدّر العوامل الباعثة عليها" أي أنه كان بصورة مختصرة جداً وعلى الأرجح كان مجتزأة لا بل مشوهة.
ج- لو أدرك سعادة في هذه الصورة المقتضبة مدى الزيف الذي فيها لما وجدناه يخاطب نعمة ثابث في هذه الرسالة والتي سبقتها أو تلتها، بهذه الحميمية التي لم يكن مجبراً على ابرازها، فكان يكفي أن يستر قلقه ونواياه تجاه ما سيقوم به بعد عودته دون الخوض بكل هذه التفصيلات. لكن على ما يبدو لم تتضح للزعيم النوايا المبيتة لإدارة الحزب بالتواطئ مع السلطات اللبنانية، في عرقلة عودته إلا قبيل فترة وجيزة من موعد سفره، وظهرت مؤشرات هذا القلق في رسالة منه إلى معروف صعب بتاريخ 21/9/1946 حيث نجده يقول: "تسلمت اليوم كتابك الـمؤرخ في 13 يوليو/تـموز الـماضي الذي استغرق وصوله شهرين، وكنت أنتظر وصوله من زمان، فسررت به كثيراً وبوصفك للحالة الـحزبية الـحاضرة وصفاً تناول بعض القضايا الهامّة من عقائدية وإدارية وسياسية وشخصية". ويستكمل معبراً عن القلق وإحساسه بعدم ارتياح القوميين (للتحويرات السياسية الجديدة) بالقول "إنّ فترة الـمرارة والـحيرة تـجاه الأساليب السياسية الاختبارية الـجديدة لن تطول كثيراً وسيعقبها عودُ الـحرارة والثقة والعزم مع الوضوح والصفاء. فإني جادّ الآن في تصفية أعمالي الـخصوصية ... وسأفعل كل ما في مقدوري لأجعل سفرتي قبل ديسمبر/كانون الأول الـمقبل لأعود إلى وسط جيش الـجهاد القومي الاجتماعي بأسرع ما يـمكن."
لنلحظ هنا رغم بداية تشكل القلق لديه أنه استخدم عبارة "الأساليب السياسية الاختبارية الجديدة" أي أن لديه اعتقاد أن تلك التحويرات هي مؤقتة وتحت فترة اختبار!
ونجده في تعبيره عن رغبته المحافظة على سرية موعد سفره خوفاً من محاولات عرقلته من قبل الحكومة اللبنانية، حيث لم يكن في حذره موضع لقيادة الحزب برغبتها عرقلة هذه العودة إذ يقول فيها: "إنّ موعد وصولي إلى الوطن ستعرفونه، وإني سأكتب إلى رئاسة الـمجلس الأعلى في ذلك وفي الترتيبات الواجب اتخاذها لإعداد الـحزب ليوم اللقاء والاجتماع، مع إبقاء الأوساط الـخارجة عنه في جهل من حقيقة الـموعد إلى أن يقترب اليوم ويصبح الوصول أكيداً"
لتحصل بتقديري المفاجأة الأكبر في القاهرة، حيث كان قد سبقه إليها نعمة ثابت والأمين أسد الأشقر، اللذان سعيا بمحاولة حثيثة منهما لإقناعه بعدم ضرورة استكماله رحلة عودته، لا بل من الأفضل للحزب ألا يعود.
هنا على الأرجح تحقق جزء واسع من استكمال تغيّر الصورة الوردية التي تمكنوا من زرعها في ذهن حضرة الزعيم عن الوضع الحزبي من زوايا عدة.
د- لو كان لديه أية شكوك بنعمة ثابت حتى هذا التاريخ لما وجدناه في رسالته الثالثة له بتاريخ 5/9/1946 مضطراً لإظهار موقفه الصريح من مواقف ومفاهيم كل من فايز صايغ وغسان تويني المتأثر به، ولم يكن ملزماً بشرح ذلك بكل ذاك التفصيل والاستشهادات المتبادلة في رسائله مع غسان تويني، بمعنى أنه لم يشعر حتى ذاك التاريخ بوجود فريق حزبي قيادي يتباين مع حضرته بالرؤى والفهم والتوجه... بشكل كامل ولا يرغب بعودته بتاتاً.
ز- نجده في ذات الرسالة يعاتب نعمة ثابت على الانقطاع عن التواصل معه لفترة ثلاثة أشهر كان تمكن من ترتيب شؤون تصفية أموره المالية بشكل أفضل قبيل عودته، أي أنه رغم هذا الانقطاع لم يساوره أي شك بأن هذا الانقطاع بقصد عرقلة عودته، وإلا لكان من باب الحرص ألا يستفز نعمة ثابت والقيادة، بل كان مرّر الأمر دون معاتبة. فنجده يقول تحت فقرة عودتي:
"ما كان يجب أن يُقطع الاتصال بي من جهة الـمركز كل الـمدة بين أوائل مايو/أيار الـماضي وأوائل أغسطس/آب الأخير، أي مدة ثلاثة أشهر ثمينة. فقد كان يجب على الـمركز، وعلى الأقل، على مكتب عبر الـحدود إخباري بتسلّم رسائلي الأخيرة إليه وبالـحاجة إلى انتظار انتهاء الأزمة الوزارية في لبنان وعودة رئيس الـجمهورية من سفرتيه. فإنّ هذا الانقطاع الطويل حملني على تقدير أمور أخرى غير انتظار النتائج الـمذكورة وأخّر جزمي بالتصفية الـمستعجلة لأعمالي لعدم وجود وضوح حول موقف الـحكومة اللبنانية من أمر عودتي، الذي رأت إدارة الـحزب معالـجته بواسطة الـمذكرة التي قدّمت إلى وزير الـمالية الأستاذ إميل لـحود. ولـمّا طال أمر الانقطاع بتّ أحسب حساباً للجاسوسية)
في مرحلة ما بعد العودة:
يمكن أن نلحظ أن سعادة حاور الجميع خاصة نعمة ثابت الذي منحه الكثير من الوقت لإرشاده وإفهامه خطورة مشروعه "الواقع اللبناني" الذي طرحه وأخذ رخصة الحكومة اللبنانية على أساسه، وقد أبدى حضرة الزعيم الكثير من سعة الصدر وطول الأناة والأمل لاستعادة بعض المنحرفين وعلى رأسهم نعمة ثابت، وكثير من الشهود والروايات أثبتت ذلك، ولنا فقط أن نطّلع على حادثة رواها الراحل الأمين عبدلله قبرصي في مذكراته، كيف كلفه سعادة أن يكون قاضياً أو حكماً بينه وبين نعمة ثابت، وهو زعيم الحزب وقائده، لا لشيء إنما لإعطاء نعمة ثابت الفرصة الأخيرة ليبدي تفهماً يؤهله البقاء في الحزب، وتقصّد حضرة الزعيم أن يكون استنطاقه والاستماع إلى وجهة نظره وملاحظاته، وردَّ الزعيم أمام الأمين عبدلله قبرصي على كل ما طرحه أو دافع عن نفسه به نعمة ثابت. وبعد استنفاذ كل السبل وكان لا بد من اتخاذ قرار الطرد بحقه، قال الزعيم للأمين عبدلله "إننا خسرناه" في صيغة تظهر كم كان سعادة حريصاً على إبقاء مقدرة وطاقة نعمة ثابت بعد تصويبهما في صفوف الحزب.
إذاً فكرة أن سعادة كان بصورة تفصيلية عن الوضع الحزبي، وعن مدى أو مبلغ انحراف نعمة ثابت وغيره ليس بدقيقا، وإلا لكان سارع حضرة الزعيم باتخاذ قراراته بطردهم.
خلاصة:
أولاً- من معظم الرسائل التي أرسلها سعاده إلى نعمة ثابت وغيره قبل رسالته إلى معروف صعب لم نتلمس أية إشارة إلى أنه كان متوجساً من الاجراءات الحاصلة ولو كان له بعض الملاحظات التي طلب إرجاء البت فيها لحين عودته، وواضح من كل ما تم الاستشهاد به في معرض هذا الكتاب كيف كان يتعاطى حضرة الزعيم مع نعمة ثابت وغسان تويني بكل تقدير واحترام ومحبة فائقين، ويمنحهم الأسلوب المثقف والمربي بإطار من الثقة بهما.
ثانياً- كل المواقف والتصويبات التي أجراها حضرة الزعيم في واقع المؤسسات، والشروحات العقائدية المعمقة التي قام بها، ومعرفة ما على الأرض في الفروع الحزبية على مساحة انتشار الحزب، لم يكن قد أعدّ لها سعادة مسبقاً، إنما كلها وقف عليها بنفسه بدقة بعد عودته.
خاتمة: هذه الرسالة ككثير غيرها تبرز مدى الثقة التي كان سعادة موليها للقوميين عموماً وللمسؤولين خصوصاً، وأنه رغم كل المحبة لرفقائه واحترامه لهم وبذله كل الجهد والوقت في سبيل تمتين مقدراتهم بغير صعيد، إلا أن ذلك كله لم يدفعه للتساهل مع أي مساس ولو جزئي للقضية فكان صلباً لا يهادن مع الانحراف أو الاهمال أو التقصير.
ولتحي سوريا وليحي سعادة
الرفيق ماهر يعقوب
22/3/2024
1- تناقض.
بين مقدمة الرسالة المرفقة ومضمون الرسالة يلاحظ القارئ وجود تناقض في الأحكام المرتكزة على مضمون الرسالة حول إرادة الزعيم معالجة (التحويرات الشكلية الظاهريّة في مظهر الحزب) التي طبّقها المجلس الأعلى برئاسة نعمة ثابت!! فهذه الرسالة إلى نعمة ثابت لم تتطرق إطلاقاً إلى هذه الإرادة بل على العكس لقد أبدى الزعيم " تقديره للعوامل الباعثة لها "
2- ذكرت هذه المقدمة " نستشف من هذه الرسالة" … (وجود) " متطلّبات وشروط " عودة الزعيم إلى الوطن للإمساك مرّة أخرى بدفّة القيادة!! لم نلحظ ورود ما يشير إلى ذلك إطلاقا
3- تركّز المقدّمة على إرسال منشورات ومطبوعات من غسان تويني إلى حضرة الزعيم نتج عنها تشكّل تصوّر أوّلي لديه عن " التغييرات" التي أدخلت إلى الحزب بفعل سياسة " الواقع اللبناني " .. لم يظهر في متن رسالة ما يشير إلى ذلك بتاتاً.. فهو ذكر فقط انه قد استلم منشورات ومطبوعات وتقرير تفصيلي من غسان تويني دون ان يذكر فحوى هذا التقرير أو تلك المنشورات..
4- ما يتم مناقشته هو " مقتطفات " من هذه الرسالة مما يفرض السؤال لماذا مقتطفات وأين حدود القطع cut ?
5- لربما كان يجب إرفاق مضمون رسالة غسان تويني ذات الصلة كي نستطيع اجراء الربط بحدّه الأدنى.
مناقشة متن الرسالة
- إن مضمون هذه الرسالة كما هو لا يشير إلى غير كيْل حضرة الزعيم الثناء والمديح لإدارة الحزب في الوطن بقيادة نعمة ثابت وتوجيه التهاني لجهادهم وإبداء التفهّم لنتائج المفاوضات مع حكومة بشارة الخوري التي أفضت للترخيص للحزب في الكيان اللبناني. مع تقديره لنشؤ الأدب القومي الإجتماعي المرافق ونيل هذا الأدب التأييد واكتسابه قوة ورسوخاً يكفلان له السيطرة على الفكر والرأي العام..
في الحقيقة من الصعوبة بمكان سبر أغوار مواقف الزعيم الشاملة من الإدارة الحزبية العليا، في أربعينيات القرن الماضي، ارتكازاً على هذه الرسالة اليتيمة والمبهمة.. لا بدّ لمن يريد الوصول إلى استنتاجات سليمة حول موقف سعاده، من أن يطالع عددا من رسائله حول موضوعات مختلفة للوقوف على أسباب تبدل موقفه من الثناء على هذه الإدارة إلى وصفها بالخائنة وطردها من الحزب.
-من خلال إطِّلاعنا على عدد من رسائل الزعيم السابقة وبعض مقالاته في الزوبعة المرافقة للفترة الزمنية الملائمة لهذه الرسالة والتي تأتي في نفس سياقاتها ومن ثم بعض مقالاته في الزوبعة قبيل عودته إلى الوطن حيث نلحظ تصاعد موقفه من الإيجابي إلى السلبي تجاه الحكومة اللبنانية ورئاسة الجمهورية (بشارة الخوري)
يبدو من خلال رسائل نعمة ثابت إلى الزعيم والتقارير المرفوعة أنّ سعاده قد بنى موقفاً مؤيداً مادحاً للرئيس بشارة الخوري وحكومته باعتبارهما رخّصا للحزب وأراحا الحزب بالعمل العلني وقد بادلت إدارة الحزب ممثلة بنعمة ثابت وفريقه موقف بشارة الخوري بوقوفها ضد الكتلة الدستورية واعتبارها كتلة متفرنسة وان بشارة الخوري وفريقه ممن قاوموا الحكومة الفرنسية ( حكومة فيشي ) ..من البديهي جداً ان تقوم السلطة اللبنانية بعملية ( قب باط) للحزب القومي والترخيص له شرط وقوفه إلى جانبها في معاركها الداخلية ومقابل تغييرات في المظهر ( لربما في شكل الزوبعة حيث لاحظنا بعض التغييرات من خلال ما رفعته الوفود الآتية لاستقبال الزعيم عند عودته إلى الوطن ) والأخطر من ذلك هو وجود احتمال غالب على وجود اتفاقات مع الحكومة لاقتصار عمل الحزب في لبنان على لبنان ..
من الواضح ان هناك لغة ومعلومات تمّ غشّ سعاده بها، غير أنه بدا أنّه قد احتاط لذلك، وهذا الاحتياط نستشفه مما ورد في هذه الرسالة بقوله (هناك اعتبارات ومسائل تقنية حول عمل الحزب الواسع وغايته الأخيرة …يجب تأجيل بحثها (مع الحكومة) إلى حين عودتي !!!) من الواضح أنّ سعاده أراد إرسال رسالة طمأنة لإدارة الحزب ممثلة بنعمة ثابت، لا أكثر، بدليل انه متى وجه رسالة إلى القوميين الاجتماعيين المجتمعين في ضهور الشوير تأييداً (للإصلاح الدستوري -في الدولة = إلغاء الإمتيازات الفرنسية)، وما تضمنته هذه الرسالة من وضوح في المواقف تجاه بريطانيا والصراع القومي والاستيطان اليهودي ومواقف في الفلسفة والاجتماع، رفضت ادارة الحزب بواسطة العميد فايز الصايغ مدعوماً من مجلس العمد تعميمها!!!!! ومن ثم رضخت بعد عدة أشهر!!!
الخلاصة: من الضروري التوجيه إلى مزيد من الاطلاع الشمولي على مواقف سعاده ونظرته، وذلك بالإستناد إلى عدد من مقالاته في الزوبعة وبعض رسائله وخطبه من الفترة الممتدة منذ عام 1944 إلى عام 1949 لسبر حقيقة موقفه القومي والإجتماعي والإداري من النهوج التي سبقت عودته.. فالرسالة السابقة لا تفي بالغرض..
دمتم للحق والصراع