ربيع يوسف الدبس يتحدث عن عمر أبو ريشة.
الكلام طيّب عن العباقرة، فكيف إذا كان المتحدث من أعيان المثقفين ومن ارباب الفكر واختصاصييه؟
المؤلف، ربيع الدبس، دكتور واستاذ في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية في زحلة، أحرز الإجازة في الآداب ثم الماجستير من الجامعة اللبنانية، ودكتوراه دولة في الفلسفة من دائرة الشرق الأوسط في جامعة ملبورن أوستراليا 1988، ومحاضر ومترجم ومؤلف وكاتب مقال وباحث. ومن ترجماته إلى الإنكليزية "حديث الأربعاء" للدكتور طه حسين.
وهو صحافي رأَسَ تحرير مجلة "فكر" الفصلية في بيروت، وعضو مؤسِّس أو منتسب في غير هيئة ثقافية منها الحركة الثقافية في زحلة، واتحاد الكتاب اللبنانيين، واتحاد الكتاب والأدباء في دولة الإمارات. وكان أستاذاً محاضراً في جامعة ملبورن وفي الجامعة الأميركية في بيروت، وهو حالياً متفرغ في الجامعة اللبنانية.
ذكرنا كل هذه التفاصيل تدليلاً على مؤهلات المؤلف وكفايته في الحقل الذي اختطّه لبحثه.
وإذا قارنّا هذه المعلومات والجداول والملاحق أدركنا أكثر مدى تعمقه في التقصي والملاحقة والمطالعة لإشباع موضوعه درساً والإحاطة به من كل جانب.
فمن المصادر، مؤلفات الشاعر المنشورة، وعددها ثمانية.
ومن المراجع القديمة، ثلاثة.
ومن المراجع الحديثة، 36.
ومن المراجع الأجنبية، 4.
ومن الصحف والدوريات، تفسير وتمحيص ل 30 صحيفة ودورية.
الدراسة التي وضعها المؤلف عن الشاعر عمر أبو ريشة1 يصح ان تكون سيرة حياة، كما يصح أن تكون بحثاً نقدياً، يمكن اختصار أفكارها في الأسطر الأولى من الخاتمة وهي:
هذه هي قراءتنا الجمالية للهيكلية الفنية عند الشاعر أبي ريشة، فالشِّعر عملية فنية جمالية بقدر ما هو عمل وجداني وفكري، أي أنه عمل إرادي رؤيوي واعٍ بمقدار ما هو عمَل عفوي وتلقائي. عمر أبو ريشة من الشعراء الذين إذا دُرسوا دراسة جمالية، لم يُفسد ذلك على الدارس مادته بشرط أن لا يتم في معزل عن روحية العمل الفني. وإذا كُشف عن بنائهم الشعري رأيتَ وحدة موضوعية مميزة. وإذا كُشف عن صوره طالعك من اللوحات رونقٌ ورُواء ومن الخيال رحابةٌ وآفاق، وعن أسلوبه طالعتك عذوبةٌ وديباجة مشرقة، ويمتاز شعره بأنه ملتقى لتفاعلات تلك العناصر جميعها أسلوباً وتصويراً ووحدةَ موضوع. وكأن تلك العناصر تشكل إطار الفكَر عند الشاعر.
ويتبسط المؤلف في شرح نظرياته حول تقسيمات الكتاب الذي تشير عناوينه إلى مواضيعها، انطلاقاً من التمهيد واللمحة عن الشاعر ومؤلفاته وحياته ومركزه وآثاره الشعرية والمدخل إلى شعره، ومروراً بالفصول التي تعالج وحدة الموضوع والصورة والخيال والأسلوب واللغة والتعبير والبديع والموسيقى، هذا فضلاً عن مقدمة المطران جورج خضر.
الشاعر عمر أبو ريشة يعتبره اللبنانيون لبنانياً لفرط ما تشده إلى لبنان وشائح النسب الفكري والثقافي والحضاري. والقليلون يعرفون أنه من مواليد عكا الفلسطينية عام 1910.
ولا أزال اذكر جلساتنا في مربع "سان ميشال" في الأوزاعي – بيروت، بدعوة أسبوعية من صاحبه المرحوم ميشال سمعان الأديب وصديق المفكرين، إذ كنا نتحلق حول أبو ريشة هناك كل يوم جمعة في حلقات تضمنا وغنطوس الرومي وروبير ابيلا واسمر سابا وموريس صقر وحليم الحاج وصقر يوسف صقر وأنا وقريناتنا. كانت ليلي العمر الملآن، نتبادل خلالها الأحاديث الثقافية والوطنية فيفوح أرج الشعر من الجوقة ويتصاعد بخور الفكر في أجوائنا.
المؤلف ربيع يوسف الدبس لم يرجعنا إلى ذاكراتنا فقط. بل دفعنا إلى كشف الغطاء عن شاعر كبير كان لبنان وطنه الثاني بقدر ما كان العالم وطن شعره. عرّفنا المؤلف إليه أكثر مما كنا نعرفه عنه بأسلوب الراسخ في علم اللغة وعلم العرض والتشريح، بروح دافقة من المحبة والموضوعية والاعجاب، ملماً بالشوارد والمنثورات، مقابلاً ومقارناً بين المذاهب والمدارس الفنية والشعرية، مركزاً على كلاسيكية أبو ريشة الحديثة والمتجددة "إيماناً ببقاء الجوهر وزوال العرض وبأن التجديد لا يمكن أن يكون انقطاعاً عن القيم الجمالية وخروجاً عن التاريخ بل هو إعادة بناء التراث من قلب التراث".
فاضل سعيد عقل
[1] - "رفيف الجمال في واحة عمر أبي ريشة" المؤلف ربيع يوسف الدبس، تنفيذ وطباعة بشاريا للطباعة والنشر، 1994، الغلاف تصميم وتنفيذ لشبلي بدر في 160 صفحة.