ولكن الفكرة سرعان ما تلت السكرة وذكرت بحقيقتين جارحتين: اولاهما ان الجنس العنيف يحتكر معظم الحقائب - "السيادية"، ولم يترك للجنس اللطيف سوى حقيبة اعتبرت ثانوية كما هو حال وزارة الثقافة في دولة لبنان الكبير، لأسباب منها حرمانها من ميزانية غير رمزية، خصوصا وأنها يجب ان تكون عمدة العمدات في حزب الثقافة.
ومن يشك بتواضع ميزانية عمدة الثقافة، يمكنه سؤال العميد الأسبق الأديب المبدع فهد الباشا، وكدت أقول العميدة الحالية الأديبة المبدعة فاتن المر، لو كنت على علم برقم ميزانية عمدتها.
الحقيقة الثانية، الجارحة أيضا، ان هذه الحقيبة قد تقرر إسناد قيادتها إلى إمرأة، بعد 90 سنة من تأسيس الحزب الذي يساوي دستوره الذكر والأنثى، بالحقوق والواجبات. وهذا يعني ان المرأة في الحزب لم تنكفئ عن العمل الحزبي، بل انكفئت، إذا صح التعبير.
*
وإذا علمنا عبر سيرة سعاده الحزبية، أنه جسد كل ما ضمنه دستور الحزب، أمكننا القول، انه اتبع نهجا عمليا تدريجيا في جعل الرفيقات يمارسن مسؤوليات إدارية وإعلامية، آخذا بعين الإعتبار الصعوبات الناجمة عن عاداتنا وتقاليدنا الذكورية.
أنشأ في البداية مديرية خاصة بالسيدات في بيروت.
وأقامت هذه المديرية حفلة في تذكار الأول من آذار، حيث ألقت عفيفة حداد كلمة "عن مولد الزعيم الذي أعطى المرأة السورية حقها في الحياة، وأدرك أهمية المرأة في المساهمة مع الرجل بإنشاء الأمة السورية الجديدة". النهضة، العدد 107 ،4 آذار 1938 .
ثم ألقى الزعيم كلمة قال فيها: “ليس العمل القومي وقفا على الرجال. لن يكون العمل قوميا حتى تشترك فيه المرأة. وإنني عندما فكرت بإمكانيات رجال سورية، فكرت أيضا بإمكانيات المرأة السورية التي كانت في أدوار تاريخنا الخاص، عاملا أساسيا في تقدمنا ورقينا، وفي تلك المدنية التي وزعناها على العالم". المرجع نفسه.
وهنا يلمح الخطيب المؤرخ الى مؤسسة مستعمرة قرطاجة (إليسار).
ونشر سعاده عشرات المقالات لكاتبات هاويات أمثال أدال صعب، إملي حلبي، ليلى فاخوري، في أول جريدة أصدرها الحزب عام 1937، وهي (النهضة) حيث تولى سعاده رئاسة تحريرها.
وتابع تعزيزه لحضور المرأة في حزبه، سواء في عضوية ومسؤولية الوحدات الحزبية في الوطن وعبر الحدود، أو في اعتلاء الرفيقات منابر الاحتفالات.
ومن الرفيقات اللواتي برزن في الوطن، جمال ناصيف، نجلا معتوق حداد، فايزة معلوف أنتيپا أخت الرفقاء فخري ورشدي وحلمي وفوزي، وفي المهجر الأميركي اللاتيني بلوميا مسوح وجولييت المير المعروفة بالأمينة الأولى.
ختاما، أفترض أن سعاده الذي عزز حضور المرأة في الحزب وفق خط بياني سريع ومتصاعد، كان يمكن ان يعين، بعد 30 وليس 90 سنة من عمر الحزب، ليس فقط عدة عميدات في مجلس العمد الواحد، بل أيضا رئيسة للحزب، لو لم يعدم بعد 17 سنة من التأسيس .
لذلك أتمنى، إحياء لدور المرأة في الحزب، أن تتبع القيادة نهج الزعيم العظيم، إذا اعتبرت الحزب، بالفعل لا بالاسم، دولة الأمة السورية النموذجية.
* مداخلة ألقيت في ندوة دعت اليها عمدة الثقافة بتاريخ 2 كانون الأول 2022 .