مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
الحياة وقفة عز
 
ملحم، ادمون
 

 

 

بعد حادثة الجميزة المُدبّرة في التاسع من حزيران 1949 التي قام خلالها مجموعة كبيرة من الكتائبيين بإعتداء مسلح على مطبعة "الجيل الجديد" والرفقاء العاملين فيها وكانت نتيجته جرح خمسة رفقاء قوميين اجتماعيين وحرق أوراق المطبعة وتخريب بعض الآلات فيها، قامت الحكومة اللبنانية بحملة تنكيل وإرهاب مستهدفة القضاء على الحزب القومي وزعيمه. وقد شملت هذه الحملة الإرهابية جميع أنحاء الجمهورية اللبنانية حيث تم اعتقال جميع المسؤولين الإداريين الرئيسيين والفرعيين في مختلف المناطق وعدد كبير من الأعضاء وداهمت قوات الجيش والدرك والشرطة منزل الزعيم لأسره فلم تجده، ولكنها أعتقلت من وجدتهم من الأمناء المعاونين والرفقاء الذين توافدوا ليأخذوا الأخبار الصحيحة عن حادث الإعتداء الغادر على المطبعة وبلغ مجموع المقبوض عليهم نحو مئة وخمسين دفعة واحدة. كما تم إطلاق النار على عدد من القوميين الاجتماعيين في بعض المناطق الذين حاولوا الهرب من وجه الطغيان المسلح.

 

في الرابع من تموز 1949 أعلن أنطون سعاده ثورته القومية الإجتماعية الأولى على الاضطهاد والإرهاب والطغيان المسلح، وكان هدفه إسقاط الحكومة اللبنانية الطاغية الخارجة عن إرادة الشعب والمعرِّضة خيره للمحق وسلامته للخطر. واتهم رجال الحكم المتسلطين على الشعب اللبناني بطرق الإرهاب والتزوير في الانتخابات بإذلال النفوس ومحاربة القوى السياسية الفتية الناهضة بمبادىء الحياة الاجتماعية الجديدة التي تؤمن خير الشعب وارتقائه.

 

وبعد يومين من إعلانه الثورة في الرابع من تموز، تبلّغ سعاده دعوة مفاجئة مفادها ان حسني الزعيم يرغب بمقابلته. ويُذكر ان هذا الأخير كان قد وعد بمساعدة الحزب القومي ومؤازرته على القيام بعمل مسلح في لبنان وبادر إلى إهداء مسدسه الخاص لسعاده عربوناً على الصداقة والوفاء.

 

وتداول سعاده مع أركان حزبه بأمر هذه الدعوة المفاجئة، فأبدوا له تحذيراتهم وما ينتابهم من قلق وشكوك بسوء نوايا حسني الزعيم الذي تبين فيما بعد أنه كان متآمراً وعلى علاقة مع الأجهزة السرية الأميركية واليهودية.

 

كان بإستطاعة سعاده تجنب هذا اللقاء وعدم الذهاب إلى قصر حسني الزعيم لمقابلته حسب الوعد المحدّد. كان بوسعه مغادرة البلاد إلى الخارج، ولكنه أبى أن يكون هذا موقفه في خضم المعركة وهو القائد الأعلى للقوات القومية الإجتماعية. فهل يعقل أن يهرب من المواجهة وهو المعلم الذي كان يحارب الجبن والتخاذل والخنوع ويدعو إلى التضحية والصراع والبطولة؟ هل يعقل ان يكون هاجسه في ذلك الوقت السلامة الشخصية وهو القائل: "إن الحياة كلها وقفة عز فقط"؟

 

سعاده أبى التخلي عن أقدس واجباته ضماناً لحياة النهضة وانتصارها لأن النهضة، كما أجاب مدير مكتبه وناموسه الأول الأمين الياس جرجي، هي "وحدها الضمانة لحياة الزعيم وحياة الأمة بأسرها.. وهي الأمل الوحيد والعمل الحقيقي لتحقيق سيادة الأمة وكرامتها." وذهب إلى المقابلة... ولكن حسني العميل (الزنيم) الذي كان متورطاً بمؤامرة خططت لها دوائر بعض الدول الغربية بالإشتراك مع الصهيونية العالمية وأسياد الدول العربية الرجعية نكث بوعده وسلّم سعاده إلى السلطات اللبنانية.

 

وبعد محاكمة صُوَريّة سريعة، صدر الحكم من قبل المحكمة العسكرية بإعدام سعاده رمياً بالرصاص. وقبل إعدامه بدقائق في فجر الثامن من تموز كان هذا البطل التاريخي يتفوه بالكلمات التالية: "أنا لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت... هذه الليلة سيعدمونني، اما أبناء عقيدتي فسينتصرون، وسيجيء إنتصارهم إنتقاماً لموتي. كلنا نموت، ولكن قليلين منا من يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة."

 

وفي الساعة الثالثة والثلث من فجر ذلك الثامن من تموز تقدم صاحب القضية وباني النهضة السورية القومية الإجتماعية ومعلم الأمة الهادي وفيلسوفها المبدع الذي صاغ نظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن، نظرة كشفت عن كنوزنا وأصالتنا ورسمت مثلنا وقيمنا وأهدت أدبائنا وشعرائنا وأرشدت أجيالنا والأجيال التي لم تولد بعد إلى شاطىء الأمان والخلاص... تقدم رجل المبادىء الجامعة التي شعّت على الأمة نوراً يهدي أبناءها إلى حقيقة اشتراكهم في الحياة الواحدة والمصير الواحد... تقدم القائد الشجاع بخطى ثابتة وابتسامة ظافرة تعكس إشفاقة عل الذين أرادوا إذلاله وتحمل كل معاني العز الذي تنهض به نهضته... تقدم هذا الرجل-القدوة إلى خشبة الإعدام وواجه الموت بوقفة بطولية عز نظيرها، وقفة اختصرت كل البطولات وانتصرت على الموت لينتقل صاحبها إلى حياة الخلود... وكل ذلك كان من أجل عز الأمة وخلودها.

 

بعد إطلاق اثنتي عشرة طلقة اخترقت صدر سعاده وهو يردّد كلمة "شكراً "، سقط جسده جثة هامدة على شاطىء بيروت، ولكن دمه التموزي انتصر على الموت بإرادة الحياة ولغة العز والمقاومة والعنفوان.. فالمجرمين المأجورين الأغبياء الذين اغتالوا سعاده بهدف القضاء على مشروعه النهضوي الحضاري سقطوا في مزبلة التاريخ وانطووا في العدم وكأنهم ما كانوا.. اما سعاده فبقي حياً خالداً في وجدان السوريين وقلوبهم، حياً بوقفاته المشرِّفة وسيرته المُشعّة، بأعماله الخالدة وكلماته البليغة، وبحقائقه الساطعة سطوع الشمس.. وأمسى فكرة حيّة لا تموت... أمسى روحاً تتغلغل في النفوس وتنبت في كل يوم وفي كل بقعة سنابل خير ومحبة وعطاء.. تنبت أشبالاً وزهرات ورجالاً ونساءً أحراراً ومقاومين.. يتسلحون بالتعاليم السامية ويحملونها مشاعل نور تبدد ظلام الأمة وتملأ العالم نوراً وجمالاً وضياء.

 

 

 
التاريخ: 2024-07-09
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
المصدر: Profile News، 9 تموز 2024
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro