فلسطين في فكر أنطون سعادة
توفيق مهنا
هل أنطون سعادة هو أول من تناول الخطر اليهودي الصهيوني على أمته؟ الجواب كلا، لقد سبقه إلى تناول هذا الخطر كتّاب ومفكرون كثر. ولكن ما أهّل أنطون سعادة ليتبوأ موقع الصدارة دون منازع، هو إدراكه تلازم التجزئة الاستعمارية في مؤامرة سايكس- بيكو، مع وعد بلفور – تهويد فلسطين، وإدراكه أن الخطر اليهودي لا يقتصر على فلسطين، بل على كيانات الأمة السورية، مؤسّساً بذلك لـ»قومية المعركة»، مكبِراً مقاومة الفلسطينيين عام 1922، فيما عُرف بحوادث عكا، وتصديهم للهجرة – اليهودية. إلا أنه اعتبر أن «جهاد الشعب الفلسطيني منفرداً»، لا يكفي لصدّ هذه الهجرة التي يقف وراءها دول عظيمة أساطيل. إن مقالته الشهيرة «القضية القومية الصهيونية» عام 1925، هي، دون مبالغة، أول مطالعة فكرية وسياسية وتنظيمية، تناولت مشروع الحركة الصهيونية وأهدافها، ووسائلها، وتنظيمها، ومنطلقاتها، ومن يقف وراءها، ودحضت كل مزاعمها. وهي، بحق، مقالة تحليلية تدلّ على رؤية ثاقبة، لم يسبقه أو يجارِه أحد في ترصّد هذه الحركة وما ترمي إليه.
وقد تناولت في كتابي «أنطون سعادة، والصهيونية» الصادر عام 2014، وقدّم له الصديق المتميز صقر أبو فخر، تفصيل هذه الأطروحة، وتبيان دحض أنطون سعادة كل مرتكزاتها السياسية الاستعمارية والتوراتية التلمودية.
أستعرض مقاربة سعادة ونهجه وكفاحه لدرء هذا الخطر انطلاقاً من إيمانه بقومية المعركة:
1- ليس بمقدور الشعب الفلسطيني منفرداً أن يدرأ خطر المشروع الصهيوني، هي مهمة الأمة، كل الأمة. وهو بذلك رائد الدعوة إلى قومية المعركة.
2- الحركة الصهيونية خطة نظامية دقيقة، وجب أن يقام في وجهها خطة نظامية معاكسة، ترتكز على إسقاط مفاعيل التجزئة، وتوحّد الأمة في معركة المصير.
3- وراء الحركة الصهيونية قوى عظمى بريطانية، تعضدها في وعد بلفور، والهجرة المنظمة، وعلى المسلك ذاته سارت الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع سعادة أن يكتب مقالته الشهيرة: سقوط الولايات المتحدة من عالم الإنساني الأدبي بسبب موافقة الكونغرس الأميركي على معاهدة سايكس- بيكو ووعد بلفور عام 1924.
4- الحركة الصهيونية قوة منظّمة، لا يواجه مشروعها بالجعجعة والخطب، بل القوة التي هي القوة الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، لذا، كان يجب أن يوجد فدائي واحد ويقتل بلفور أثناء زيارته لسوريا عام 1925، لتدخل مسألة فلسطين في طور جديد... أي بالكفاح المسلح وحده ننتصر، وهو بجدارة رائد الدعوة إلى الكفاح المسلح.
5- إن خطر الحركة الصهيونية، لا يقتصر على شعبنا، بل هو خطر سيطاول العالم بأسره، في رسالته إلى لويد جورج عام 1931 «ألف باء الدمشقية»، يواجهه سعادة قائلاً: «إن أموراً عظيمة – أمور عظيمة جداً ــ سترتب على الآثمة التي لم يعرف التاريخ محاولة أخرى تضاهيها في إثم هذه المحاولة، إنّي أطمئنكم أن نتائجها لن تقتصر على فلسطين بل ستتناول العالم أجمع، إن عظمتها البالغة لن تكون لبني إسرائيل بل لجميع بني الإنسان» («ومَن يعشْ يرَ»... وهذا ما يراه العالم اليوم، ونراه).
ها هي شعوب العالم، حتى في البلدان المتآمرة على حقنا، تثور ضد الظلم، ضد الصهيونية، ضد العنصرية، ضد الاستيطان، ضد الإبادة المنظمة لشعبنا، ضدّ الاستعمار. ها هي الشعوب، تملأ المدن والعواصم، طوفاناً بعد طوفان، مواكبة بطولات شعبنا في «طوفان الأقصى» المبارك، لتعيد تصويب بوصلة التاريخ وتضيء على المحرقة الحقيقية، وتفضح ادّعاءات القوى الاستعمارية بالتشدق حول حقوق الإنسان وحرية التعبير، وقد صدقت رؤية سعادة، إن الصهيونية خطر على العالم، على حضارته وتمدّنه وقيمه وعلى الإنسانية جمعاء.
6- لدرء الأخطار على أمته الناجمة عن مؤامرة التقسيم والتهويد والتخلف الاجتماعي الناجم عن النظم والتقاليد العتيقة والبالية، غير المؤهلة لقيام الدولة القومية، وعصر الأمم عصر قوميات، كان ولا يزال، أسس سعادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليكون حركة التحرر القومي والاجتماعي، وأداة النهوض والتقدم، والخطة النظامية الدقيقة «معاكسة للخطة الصهيونية ومشروعها»... فالقضية القومية، لا تجد سبيلها، للانتصار، بالتنظير والتحليل والتفلسف، والتدليل على العلل وتشخيصها، بل تتطلب تأسيس حزب قومي اجتماعي هو حركة تتناول حياة أمة بأسرها، فكراً ونضالاً وتضحية واستشهاداً... وهو ما شكّل الفارق النوعي والتاريخي، عمّا سبقته، أو جاء بعده، تميزاً عن العاملين في الشأن السياسي، أو الشأن العام.
7- إقراناً للقول بالفعل، انخرط سعادة وأبناء عقيدته وحزبه في مقاومة الاستعمار البريطاني والفرنسي، بدءاً من الثورة الفلسطينية عام 1936 بقيادة الرفيق القائد الشهيد سعيد العاصي وحسين البنا. دعا القوميين إلى تنكّب كامل مسؤولياتهم في التصدي للهجرة اليهودية، ورفض خطة تقسيم فلسطين عام 1939، وكان لمنظمة «الزوبعة» دور بارز في القتال عام 1948. كما عرّى الأنظمة العربية المتخاذلة التي منعت تسليح القوميين أو حتى التظاهر القومي من أجلها، كما حدث حين منعت الحكومة اللبنانية ورئيسها رياض الصلح الاحتشاد القومي في 2 تشرين الثاني -ذكرى وعد بلفور- عام 1947 أو عندما منعت تسليح القوميين عام 1948، في تواطؤ مفضوح، وخوفاً على مواقعها في البقاء في السلطة. ألم يعلن سعادة، رداً على بن غوريون عام 1948، إذا كانت الدولة اليهودية تخرّج ضبّاطاً، فإننا نخرج ضباطاً اليوم، تقرر فيه الأمة إرادتها لتمحق هذا الكيان المصطنع.
رفض سعادة تدخل أي منظمة دولية أو إقليمية أو عربية في شؤون مصيرنا القومي في فلسطين... واعتبر أنه ليس من حق أي منظمة دولية، أو أي نظام، أو فريق، أن يتخلى عن أي شبر من الأرض القومية.
8- لم يثق سعادة مطلقاً بأنظمة الكيانات، ولا بالملوك والرؤساء العرب، حيث حمّلهم بداية التآمر للقضاء على ثورة 1936، «وهم أنفسهم أجهضوا ثورة 1936». ودعا في عام 1936 إلى عقد مؤتمر سوري عام لتدارك الوضع في فلسطين. كما حمّلهم مسؤولية ضياع فلسطين عام 1948، مؤكداً قناعته، أن الجيوش العربية لم «تدخل فلسطين لتحرّرها من اليهود، بل لتحريرها من الفلسطينيين، ومن بقي منهم...»، وأعلن عن إفلاس العروبة الوهمية، إفلاساً تاماً، في دولة فلسطين، وقد تهاوت أنظمة العروبة على أرضها وسقطت.
9- كما أدان سعادة عقلية الانعزال والكيانية التي حكمت قوى الانعزال اللبناني التي تنصّلت من واجبات المصير القومي، معتبراً أن إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم، وأمر شامي في الصميم، وأمر قومي في الصميم. وكشف عن عمق العلاقات التي حاولت الحركة الصهيونية نسجها مع القوى الطائفية والانعزالية في لبنان لقيام «حلف الأقليات المعادية للأمة وبيئتها القومية». ودعا أن لا تكون الكيانات حبوساً، بل معاقل تتوثب منها لدرء الخطر عن فلسطين ولبنان وسائر الكيانات. ولأن الأمة تغافلت وسقطت قواها الحاكمة، خسرنا فلسطين، كل فلسطين، والجولان، وسيناء وأقساماً من جنوب لبنان.
إن سياسة الحياد والنأي بالنفس، ونهج الانعزال والكيانية وقوة لبنان في ضعفه واستقلالية القرار الوطني الفلسطيني وأنظمة التخلف، كانت وما زالت قوة الاحتياط للمشروع الصهيوني ومن يقف وراءه. إن سياسة التسوية لم تحرر أرضاً، لا عندما وافقت الحكومات الرجعية على الهدن عام 1948، ولا بعد حرب 1967، أو حرب 1973، ولم تنفع كل التنازلات، من كامب دايفيد إلى أوسلو، إلى وادي عربة، إلى مبادرة القمة العربية، عام 2002 ولا سواها في استرداد حبة تراب. بل إن كل حبة تراب حُررت، روتها الدماء الطاهرة والمقاومة.
ثمّة قراءات واجتهادات، تنوعت وتعددت في مقاربة أنطون سعادة للمسألة اليهودية. لقد تعزّز انطباع واسع أن سعادة لم يميّز بين اليهود والصهاينة، وكأن كل يهودي صهيوني. في قراءة منهجية مدققة لكامل تراث سعادة أعرض ثوابت محطات بارزة في عقيدته وكتاباته وخطبه.
في مقالته الشهيرة «القضية القومية الصهيونية امتدادها»، يعتبر سعادة أنه:
"يوجد فريق بين اليهود الراقين، يفهم العلل وأسبابها ويفهم عقم دعوة الصهيونيين ويحاربها من أجل اليهود كما من أجل الإنسانية، وقد اشتهر من هذا الفريق سفير الولايات المتحدة السابق في تركية، مورغنتو، وله في هذا حملات صادقة أثبت فيها فساد الحركة الصهيونية من وجوه كثيرة."
- ركّز سعادة، ودعا في عقيدة الحزب، إلى دفع الهجرة اليهودية، بكل ما أوتي من قوة، لأنها هجرة شعب اختلط مع شعوب كثيرة، فهو خليط متنافر، خطر، وله عقائد غريبة جامدة وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة السورية وحقوقها وسيادتها، مع المثل العليا السورية تضارباً جوهرياً. وعلى السوريين القوميين أن يدفعوا هذه الهجرة بكل قوتهم.
- لم يمانع سعادة عام 1937 من إنشاء «مجلس ملّي أو طائفي لليهود في لبنان، أما طلب إنشاء مجلس قومي لليهود في لبنان فتجاوز لا تقبل به الكرامة اللبنانية»، أي السيادة الوطنية.
- في مؤلفه «جنون الخلود – الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية»، عرض سعادة للإسلام الموسوي، معتبراً أن الإسلام الموسوي آمن بإله واحد، كما بقية الأديان السماوية، إلا أن الإسلام الموسوي خرج من نطاق الإنسانية. وقارن بين المسيحية واليهودية وحدّد بالنص:
"لكن المسيحية واليهودية اختلفتا في الخير العام، فجعله اليهود مقتصراً على بني إسرائيل وأطلقته المسيحية ليشمل جميع الأمم، وبناءً عليه خرجت اليهودية من الاعتبار، كدين إنساني عام، وبقي اليهود في العالم الحلقة الموجودة بين الآلهة الشعبوية والإله الإنساني العام."
رفض سعادة الربط بين اليهودية والمسيحية، أو أي ربط بين العهد القديم والإنجيل، ووجّه رسالة بعنوان: «نفوذ اليهود في الفاتيكان» عام 1944 ينتقد فيها هذا الدمج والربط، وخطره على الإيمان المسيحي والقضية القومية برمّتها. هذا الربط يُهوّد العقل والوجدان المسيحي، قبل أن يرى أنوار الإنجيل وتعاليمه. ونبّه إلى «تقديس التوراة»، ولنا في الكنائس الإنجيلية المسيحية المتصهينة، خير دليل، كما يجري الربط حالياً بين الأديان الثلاثة تحت عباءة «أبناء إبراهيم، ليُهوّد العقل المؤمن بالرسالة المحمدية»، إنه التطبيع الديني المدمّر الذي يتسلّل إلى جانب التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي.
11- جواباً على سؤال عن مسألة فلسطين إلى جريدة «الوطن» التركية بتاريخ 5/7/1947 يقول حرفياً: «إن فلسطين جزء من سورية، وهي لا يمكن أن تنفصل عنها. يمكن أن نقبل بوجود الأقلية اليهودية تحت الحاكمية السورية وضمن حدود سورية. ولكن لا يمكن أبداً الاعتراف بالاستقلال لهم».
ما تقدّم، يؤكد أن أنطون سعادة وجد بين اليهود يهوداً راقين، يحاربون الحركة الصهيونية ومشروعها، ولم يمانع من الوجهة الحضارية إنشاء مجلس ملّي لهم. ودعا إلى محاربة الهجرة اليهودية، ولم يشن حرباً دينية ضدّ معتقداتهم التي يرفضها ولا يؤمن بها، ولم يرتض مطلقاً أن يُدمج الإنجيل بالعهد القديم. ولم يمانع أن تكون الأقلية اليهودية تحت الحاكمية السورية ضمن سيادة الدولة القومية السورية.
الخلاصة الواضحة والحاسمة، هي أن سعادة لم يدع إلى قتل اليهود، ولم يشملهم جميعاً في عداد الحركة الصهيونية العدوّة، ولم يرفض أي تشريع لممارسة شعائرهم الدينية ضمن حدود الكيانات السورية، وتحت السيادة القومية، ودعا وكافح لصدّ الهجرة اليهودية الغازية. إن كل ما ورد، في كتاباته وخطبه، عن اليهود، إنما المقصود به الهجرة، والحركة الصهيونية، واعتبر أن كل يهودي غاصب ومعتدٍ على أرضنا القومية في فلسطين وسائر الأنحاء القومية، وليس كل يهودي خارج أرضنا القومية.
وإن قراءة قوله الرائع: «اتقوا الله، كلنا مسلمون لربّ العالمين، منا من أسلم لله بالإنجيل، ومنا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالحكمة، فلا عدو لنا يقاتلنا في ديننا وحقنا وأرضنا إلا اليهود»، لا تؤوّل وكأنها حرب مفتوحة على كل يهودي في العالم ودمغه بالصهيونية أو العدائية.
إن تحليلنا المنسجم مع منهج سعادة العلمي والحضاري والتاريخي والقومي والاجتماعي، يثبت أن هذا النص ينزع أولاً إلى توحيد أبناء أمته ليتحدوا ويوقفوا «الاقتتال على السماء»، هم شعب واحد، وإيمانهم بالإسلام الواحد عنصر جمع لا تفرقة، كما يُثبت أن العدو الصهيوني يقاتلنا، وليس نحن من نقاتله في ديننا وحضارتنا، إنه أمر طبيعي أن يعي شعبنا طبيعة حرب العدو ضدنا، ودعا شعبنا ليتجاوز انقساماته وخلافاته الدينية أو المذهبية أو سواها، ويتوحد في حرب الوجود والمصير.
من حق شعبنا، بكل فئاته، أن يدافع عن مقدساته وإيمانه، طالما أن العدو يهددنا في معتقداتنا وإيماننا. هل يطلب من المعتدى عليه، أن يسلّم للمعتدي؟ إذا قام المسيحيون المؤمنون، أو المحمديون المؤمنون، بالدفاع عن كنيسة القيامة أو عن المسجد الأقصى، أليس من حقهم ذلك وهم يتعرضون لحرب دينية. أما سعادة، فالحرب في قاموسه حرب قومية وجودية حضارية، حرب للحفاظ على الأرض والثروة والمقدسات. في إطار الدولة القومية، تتوحد طاقات الأمة كلها لردّ المعتدي وتحرير الأرض وما عليها من مقدسات وما في باطنها من ثروات.
في ملحمة صمودنا القومي، ومقاومة كيان الاغتصاب اليهودي الصهيوني، يتغير مجرى التاريخ، وتستعاد بوصلة الصراع. ولأن القوة هي القول الفصل، يهتز الكيان الغاصب، وتتفجّر في داخله الانقسامات، وتتصاعد الهجرة المعاكسة فيه وتنحسر عنه، وبوادر حرب أهلية داخل كيانه حديث قادته وأركانه. ويعرى أمام العالم أجمع، ويحاكم على مستوى الهيئات الدولية في الأمم المتحدة، وأمام محكمة العدل الدولية، والجنائية الدولية، وتصدح الشعوب الحرة بصوتها بما فيها أصوات يهودية راقية تتسع وتتعدد منابرها، في الجامعات وبين الطلبة والمثقفين من الرأي العام، لتتحرر من إثم أكبر خديعة تضليلية في التاريخ ابتدعتها الحركة الصهيونية.
لا نراهن على أصوات ومواقف يهود راقين، وقد كثرت أسماؤهم في السنوات الماضية، أن يغيروا ميزان القوى لصالح صراعنا القومي الوجودي والحضاري، ولكن لا ننكر قيمة هذه الأصوات، ومقدار تأثيرها في الرأي العام، وتطول اللائحة بأسماء لمّاعة. في زمن سعادة، كان أبرزهم مورغنتو، وفي زماننا ثمة عشرات، بل مئات وألوف، مثل مورغنتو. يجب أن لا ننكر موقفها أو نتنكّر له، فإدارة صراعنا القومي تتطلّب تحصين قوّتنا وتوسيع مجهودنا، لا تكبير حجم أعدائنا.
لماذا فلسطين؟ لأن على أرضها يتقرر مصيرنا ووجودنا، كما يتقرر مصير هذا الكيان المصطنع والزائل الذي يستبدّ به القلق في مستقبل كيانه الآثم، ويخوض معنا حرب الوجود. وهذا ما يتطلب، كما قال سعاده، زج كل ذرة من ذرات قوانا في هذه الحرب الفاصلة، في معركة الحياة أو الموت.
ترى لو كانت الأمة موحدة، وجبهة المقاومة من الناقورة والجولان، إلى العقبة والعريش، قبرص، في خندق مقاومة واحد، مع «طوفان الأقصى» في غزة، ومعركة جنوب لبنان المقاوم، هل كان لهذا الكيان الغاصب أن يستمرّ؟ طالما لم يعِ شعبنا وحكّامنا في الأمة وفي العالم العربي، موقع قبرص، في صراع وجودنا القومي، ندفع الثمن حرباً بعد حرب لاتخاذها من أعداء الأمة قاعدة يشنّون الحرب علينا منها. لو كانت الأمة موحدة، هل تتوالى نكباتنا؟ قبرص، إما أن تكون نجمة الهلال الخصيب، أو قاعدة بريطانية – أميركية أطلسية... وإسرائيلية، تهدّد مصيرنا وأمننا القومي. وأذكر هنا مقالة مهمة للكاتب هشام صفي الدين في جريدة «الأخبار» حيث وثّق من يوميات ثيودور هرتزل مطامع أن تكون قبرص جزيرة للدولة اليهودية، هي موطئ قدم للسيطرة على فلسطين («الأخبار»، «الصهاينة ومشروع قبرص» 24 حزيران 2024).
* قيادي في الحزب القومي