زمن
والذكريات تلامس الروح حارة شفافة مضنية مضيئة.
كان اسمه مدويا في السمع قبل العين وكانت المعرفة فاعلة قبل المعرفة المباشرة.
كان الإسم بيتا منزلا موقعا.
كان ابو سعادة وبيت ابو سعادة وأم سعادة بيت احمد عجم.
من قبل ان أراه طرقت مسامعي أخباره.
كان رفيقا من طرابلس الشام ابن عائلة مرموقة سمي الشارع حيث تسكن على اسمها شارع العجم. تحمل لقبا ذو مكانة من القاب زمن الأتراك والمماليك. انما كبير أبناء منير بك عجم اختار ان يثور على العادات والتقاليد البالية معتنقا مفاهيم الانسان الجديد تبعا لعقيدة قدوته أنطون سعادة السوري من المتن الشمالي في جبل لبنان ابن بلدة الشوير ربيبة صنين وعاشقته.
ومنذ نشأ وآمن خرج من طوق التقليد وأحب من غير ملة وغير مزاويج وغير اعتبار وعلى غير العادات السائدة ممارسا قناعته زواجا قوميا وبناء اسرة ايمانه وايمانها العقيدة السورية القومية الاجتماعية شعارها شعارا لبيته.
وكان تبعا لموقعه ووعيه فاعلا في محيطه ناشرا وعيه نموا لنهضة آمن بها وهدى اليها العديد من معارفه الى ان كانت فتنة عام 1958 وبغض النظر عن ملابساتها لحين آخر، تعرض الرفيق الراحل للتهجير من طرابلس والإعتداء على ممتلكاته واتلافها او سرقتها والتحق بمواقع الحزب في الكورة مع عائلته وهو لا يملك سوى عزيمته واخبرني احد عارفيه في بلدة بطرام الكورة كيف سعوا لتأمين فرش وبطانيات وحاجيات لعائلته وأمثالها من العائلات المنكوبة المضطهدة لإيمانها المعلن.
ما ثناه ذلك عن نضال ولا فترت له عزيمه فالتحق بمواقع الحزب بكل اندفاع وحماسة ملفتة للنظر والتقدير من رفاقه ومن معارفه أصدقاء وأخصام.
ورغم ان لا علاقة له فعلية بالإنقلاب على الشهابي الأسود إلا أن زبانية المكتب الثاني نكّلوا به تعذيبا خاصا في سجن اميون. وروى لي الراحل الوالد الذي كان في السجن معه وكابد ما كابد كيف عمد وحوش المجرم الشهابي الى نتف شاربيه وخلع أظافره بالبنسة والكماشة ناهيك عن الجلد والإعتداء بالأيدي والأرجل والألسن. فما لان ولا استغاث بل حافظ على كبريائه.
لم يلبث طويلا في الأسر فلا دور له ولا مسؤولية وانما أُسر كيدا وتشفيا كما حصل مع آلاف الرفقاء والمواطنين.
خرج من الأسر لا عمل ولا معين وهو معيل لأسرة لا معيل لها غيره. وعملا بالمناقبية السورية القومية الاجتماعية تم تأمين سفر له الى الكيان الكويتي للعمل هناك فبرع وفتحت له أبواب الرزق وبدأ يرسل ما يجنيه الى رفيقة دربه حسن سلوم أم سعادة وهي من القديرات وتربية الريف السوري في مشتى الحلو كابدت مرارة الزمن وقسوته ميزتها الذكاء الحاد وجبروت التجارب. أودت بها تقلبات الحياة الى طرابلس الشام حيث قامت بأعمال التمريض بارعة في استنباط وسائل العيش خبيرة بها فكانت خير عون لعائلتها. وأجادت استثمار الأموال بالتوافق مع زوجها فاذا بالرفيق الذي دخل الكورة شبه معدم يصبح أكبر مالك عقارات زراعية في بلدة بطرام وصاحب أكبر مزارع دواجن في كيان لبنان ووكيلا لماركات دولية تصنع الأدوات المنزلية ووكيلا لأهم شركات الغاز المنزلي وأعلاف الحيوانات.
وما نأى عن نشاط حزبي وتضحية اذ كان بيته واحد من بيوت الأمة المفتوحة ترحيبا بأبنائها وفيا لواجب قسمه بتقديم اي مساعدة لحزبه او لأي رفيق متى كان محتاجا.
واستثمر حتى مناسبات الإصطياف في اهدن لبناء نهضة سورية قومية احتماعية جاذبا لصفوف الحزب نخبة من الإهدنيين. ما عاقه اختلاف ملة ولا غربة حي وبلد وواجه الجهل التعصبي الطائفي بتعميد كبار بنيه في كنيسة اهدن في خطوة اخرست شيطان الطائفية العمياء.
في الصورة ابو سعادة وام سعادة