من العائلات القومية الاجتماعية التي تميّزت بنضالها، وبتجسيدها لفضائل الالتزام القومي الاجتماعي، فكانت في كل من طرابلس وبطرام، فوّاحة بأريج النهضة، نقول بالقدوة: هذا هو حزبنا الذي اراده سعاده نهضة تبني المجتمع الجديد، والنظام الجديد، والحياة الجديدة.
تستحق عائلة الرفيق المميّز احمد العجم ان يصدر عنها كتاب يؤرخ لمسيرة هذه العائلة القومية الاجتماعية المميّزة. حسبنا هنا ان ننشر بعضاً من تلك "الحديقة"، بانتظار المزيد.
*
من الرفيق فادي احمد عجم(1)
" ولد احمد منير احمد بك عجم في شارع العجم في مدينة طرابلس سنة 1924 لعائلة من أصول إيرانية هاجرت الى حُمص واستقرّت في طرابلس لبنان.
عائلة العجم من العائلات المتدينة اسلامياً وذات النفوذ والمال في طرابلس، وترعرع احمد ضمن هذه العائلة.
تعرّف احمد على مباديء الحزب السوري القومي الاجتماعي، عن طريق الرفيق احسان سوق (صديق العمر)(2) في طرابلس في الأربعينيات والتقى حضرة الزعيم حين أتى لزيارة طرابلس وخطب فيها، وانتسب للحزب في الأربعينيات.
وُلدت حُسن سليمان سلوم سنة 1929 في قرية "مشتى الحلو" في "وادي النصارى" في قضاء صافيتا لعائلة مسيحية محافظة قروية بسيطة تعتمد على الزراعة وتربية الماشية لكسب المال والقوت.
تزوجت بسن مبكّر جداً لابن قريتها، الصغير في السن أيضاً ولكن زواجهما فشل، فغادرت الى طرابلس لتعمل كممرضة في مستشفى شاهين.
بجانب مستشفى شاهين، كان لاحمد عجم مكتبة ومكتب سفريات وعقارات وشاءت الظروف ان يتعرف على حسن سلوم فأحبها وتزوجها ضارباً بعرض الخائط كل التقاليد البالية القديمة بناء على مبادىء الحزب التي تشبعها وطبقها.
فهذا ابن العائلة العريقة السنية المحافظة يتزوج سيدة قروية مسيحية بسيطة متزوجة سابقاً.
تعرّفت حُسن سلوم على مباديء الحزب عن طريق احمد عجم وانتمت الى الحزب في اول الخمسينات في طرابلس وأنجبت بنتين: سوريا واليسار.
كان احمد وحُسن يُعرفا بابو سوريا وام سوريا قبل ان يولد لهم صبي سموه سعادة ومن بعدها أصبح "ام سعادة" و "أبو سعادة" من المشهورين في طرابلس وقد نشطا حزبياً وأسسا مع كل من الرفيق احسان سوق، الأمينين سليم صافي حرب(3)، و واصف فتال(4) وغيرهم، منفذية ناشطة انتمى اليها الكثيرون من أبناء العائلات الطرابلسية العريقة: من ال المقدم(5) والبابا(6) وغيرهم.
في احداث سنة 1958، حُرق منزل العائلة في طرابلس وتعرّض ابو سعادة لمحاولة قتل فاضطر ان يترك طرابلس الى بلدة أميون أولاً ثم الى قرية بطرام حيث كان الحزب يقيم معسكراً تدريبياً.
بعيد ثورة 58، ظل ابو سعادة مطلوبا في طرابلس فبقي مستقراً في بطرام الى ان حصل الانقلاب الفاشل فدخل السجن مثل كل القوميين المشاركين في تلك الفترة. وبعد السجن وخراب كل ما يملك، غادر الى الكويت ليعمل في التعهدات مع رفقاء لنا من اللاذقية من آل هارون والاعسر، فتمكن ان يجني ثروة كبيرة عاد بها الى لبنان.
كان جريئاً، سريع البديهة، قليل الكلام انما كثير الفعل، فأشترى العقارات وأراضي الزيتون وأسس مسلخاً للدجاج ثم شركة أعلاف، ثم العشرات من مزارع الدواجن، حتى أصبح من كبار هذه المهنة على صعيد لبنان وقد انتشرت مزارعه في كل الشمال من الكورة حتى جرود البترون وعكار.
كان بيت ابو سعادة وام سعادة مفتوحاً لجميع القوميين بكرم ومحبة واخلاص، أنجبا سبعة اولاد وجميعهم مؤمنون بالنهضة القومية الاجتماعية، وكل اصهرتما قوميين إلا واحداً، وأغلبية أحفادهم قوميين أيضاً يمارسون العقيدة في الحياة اليومية.
كان للعائلة بيت صيفي في اهدن، وكان ابو سعادة وام سعادة ينشران مباديء الحزب، فلم يصدق الإهدنيون ان ذلك الرجل المسلم ليس متعصباً، فطلبوا منه ان يعمّد أولاده فوافق وطلب من راعي الدير في اهدن ان يحمل مائتان من البنات الشموع وعمّد 5 من ابنائه العمادة المارونية في اهدن. وتعمّد ابناه: منير وفادي لاحقاً في كنيسة الروم في بطرام.
فِي اهدن، تعرّف الكثيرون على مباديء الحزب عن طريقه وانخرط في الحزب الكثيرون من عائلات الجر، الدويهي، شدراوي وعريجي.
وكذالك فعل في مشتى الحلو، فنشر فكر الحزب في "وادي النصارى" وانتمى الى الحزب رفقاء من عائلات حنوش، عوكي، سلوم وغيرهم.
كانت مسيرته الحزبية رائدة فنشر أفكار الحزب أيضاً في الكورة وطرابلس وكانت "ام سعادة" بجانبه دائماً، بيتها مفتوح لجميع القوميين، والعديد من مسؤولين الحزب العسكريين والسياسيين الذين كانوا ينزلون في بيتهم.
وفِي الحرب الأهلية، قدم ابو سعادة وام سعادة قطعة ارض كبيرة جداً في بطرام ليقام اول مخيم تدريبي للحزب، وأرسل ولديه، منير، في 13 من عمره، وفادي في العاشرة الى التدريب والمشاركة في الحرب رغم صغر سنهما.
وفِي عام 76، سقطت الكورة ونزح آبو سعادة وام سعادة الى مشتى الحلو حيث قدم القوميون اقرباء ام سعادة وبالأخص ابو محمود، مالك عوكي منزله لعائلة العجم لشهور بدون اي مقابل.
سقطت الكورة وحُرق منزل احمد عجم وهدمت فيلا العجمية وسرقت جميع أعماله ومزارعه وخسر كل شيء وسقط صهره لابنته اليسار شهيداً.
وبسقوط الكورة، وجد ابو سعادة وام سعادة نفسيهما مجدداً وللمرة الثالثة يعيدون الجهاد الاقتصادي ليعيلوا عائلتهم من جديد.
لَم يتوقف "ابو سعادة" و"ام سعادة" عن العمل الحزبي يوماً ولَم يتقاعسا، ولم يكونا راغبين بالمراكز او الألقاب وظل بيتهما مفتوحاً للحزب، مجسّدين مبادىء الحزب فعلاً وقولاً وتضحيات، وكانت حياتهما مدرسة للإقدام وكان زواجهم وحياتهم تطبيقاً لإيمانهم وتركوا ارث قومي للابناء والأحفاد.
توفي "ابو سعادة" ودفن في طرابلس وتوفيت "ام سعادة" ودفنت في بطرام (الكورة) لان التقاليد الدينية لا تسمح بان يدفن المسلم بجانب رفيقة حياته المسيحية.
*
من الأمين كمال نادر:
أحمد العجم رفيق قومي اجتماعي بكل معنى الكلمة
"هو من طرابلس حيث كان للحزب منفذية كبيرة في خمسينات القرن الماضي لكنها تضاءلت بعد سنة 1958. فاضطر عدد كبير من القوميين الى ان يغادروا طرابلس الى الكورة حيث تمركزت قوة عسكرية كبيرة للحزب بقيادة ضباط شاميين كانوا قبل ذلك قد فروا من الشام بعد نكبة الحزب سنة 1955.
تمركز الرفيق احمد في مخيم بطرام مع رفقائه ولما انتهت تلك الاحداث لم يعد الى طرابلس لأن راسه كان مطلوباً وهكذا وجد نفسه ينفصل معيشياً عن عائلته وهي من عائلات طرابلس الغنية، ويبدأ ببناء حياته في الكورة. اعتمد على نشاطه وذكائه وجرأته في المغامرة التجارية فاشتغل في الزراعة والعقارات والزيتون ثم دخل معترك تربية الدواجن وبنى العديد من مزارع الدجاج حتى صار من كبار اقطاب هذه المهنة في لبنان. وكانت الرفيقة ام سعاده، تعاونه في كل اعماله وهي تتميز بنشاطها وقوة ارادتها وقوميتها الاجتماعية الظاهرة في حياتها اليومية وتربية ابنائها وبرغم نشاطها في الزراعة والانتاج، انجبت عائلة كبيرة من سبعة ابناء كلهم قوميون مؤمنون بالنهضة. وكان بيت احمد العجم مفتوحا للقوميين بكرم كبير، ولما وقع الانقلاب دخل الى السجن وتعرض لخراب مشاريعه لكنه عاد واقلع بها من جديد. وفي سنة 1975 نشبت احداث الحرب الداخلية في لبنان فقدم قطعة ارض كبيرة لتكون مخيماً للتدريب لكن الأمور سارت بعكس مصلحة الحزب اذ سقطت الكورة من ايدي القوميين، فاضطروا للنزوح فاطبق المهاجمون على الكورة ودمّروا بيت احمد العجم والفيلا التي كانت قيد البناء وسرقوا مزارعه ليجد نفسه مضطراً لأن يبدأ "الجهاد الاقتصادي" من طرابلس، تشاركه زوجته بالعمل في انواع من الصناعات اليدوية والحرفية الجميلة، وفي فترة زمنية وجيزة صعدت اسهمه الاقتصادية وربح في التجارة العقارية وكان ابناؤه قد وصلوا الى مراحل التعليم العالي وانطلقوا في الحياة بنجاح. وعندما فارق احمد العجم وزوجته الدنيا تركا ارثا كبيرا، ابناء واحفاد يتابعون طريق الأهل في النهضة القومية الاجتماعية.
*
ومن الرفيق ايمان سليم صافي حرب:
" تعرفت على عائلة احمد العجم قبل بلوغي اربعة سنين من العمر، واثناء "ثورة" 1958 عندما تهجرت عائلتنا من منزلها في طرابلس وذهبت الى بيروت اولاً، ثم الى الكورة، وبالتحديد الى قرية بطرام الجميلة. فكان ان سكنت في نفس المنزل المتواضع الذي كانت تسكن به آنذاك عائلة ام سعادة وأبو سعادة. اذ قليلون الذين نادوا إم سعادة وأبو سعادة يأسمائهم، وكان ابو سعادة حينها بطل يرتعد "الثوار" لسماع اسمه. وذاكرتي لا تزال تريني اياه مرتديا بدلته الكاكية، وعلى جنبه مسدس، وفي وسط حزامه رمانتان يدويتان، واحياناً رشاش على كتفه، ويقود جيب الحزب الطحيني اللون. وكانت اسعد اوقاتي حين نركب الجيب مع ابو سعادة ويأخذنا الى تلة المخيم.
ابو سعادة كان قليل الكلام وكثير الفعل، بكلام أم سعادة لم يضطر ابو سعادة ان يتكلم، فقد تكلمت هي عن الاثنين، كلامها كان كالشلال الهادر الذي يتحدى الصخر ويطحنه.
أم سعادة لم تخف أحداً، او لم يكن لديها "من كبير او صغير"، فقد عاملت الناس كما يستحقون بدون اية مراءاة او مجاملة، فإن أحبتك، أغدقت عليك مما صنعت هي بيديها من الصابون والجبن والزيت والزيتون والبرغل والعرق، وإن لم تحبك، فلم تخبئ ذلك ولو كنت رئيس الجمهورية.
لم تغير فيهما الثروات المادية ولا المصائب، فجوهرهما بقي ثابتا ثبات الشمس، واذكر يوم زرت العائلة في جوار شارع عزمي في طرابلس بعد تهجيرهم من منزلهم في "بطرام" سنة 1976 حين دخل أبو سعادة المنزل حاملاً كرتونة بيض اشتراها من السوق، وهو كان من أكبر اصحاب مزارع الدواجن، نظرنا الى بعضنا البعض وفي قلوبنا غصة، ولكن أبو سعادة ظل مبتسماً ويقول "كله بيتعوض إلا الكرامة".
بقيت علاقتي مع آل العجم وابنائهم ثابتة وقوية، ويوم زرت الوطن سنة 1994 بعيد عملية جراحية لوالدي، قلت له "تعال نذهب مشوار"، فلم يرض، فقد كان حينها يفضل الجلوس في البيت. فقلت له، ما رأيك بزيارة لأم سعادة وأبو سعادة؟ تغيّرت ملامح وجهه وهبّ معي. وكانت هذه آخر زيارة قام بها في حياته. وبعدما صمت الصوت، وصارت أم سعادة من حملة الشهادات والالقاب، ولكنهما كانا مدرسة عمل وكرم وعطاء. جسّدا مفاهيم الحزب بالعمل، بالاخلاق، بالكرم، بالعطاء، بالشجاعة، بالاقدام وبالمحبة.
*
كتبتُ عنهم
عند رحيل الرفيق أحمد منير العجم اوردت ضمن نشرة عبر الحدود، بتاريخ 21 نيسان 2007 ما يلي:
نعى الحزب أحد كبار مناضليه في طرابلس والكورة الذي عرف التشرد والصراع المرير، بانياً عائلة قومية اجتماعية، ومشعاً في محيطه فضائل النهضة ومثلها.
الرفيق أحمد العجم مثال متقدم عن القومي الإجتماعي المؤمن بالمطلق والملتصق بحزبه نظاماً وعقيدة وقدوة.
شيع الرفيق الراحل صباح يوم الأحد 22 نيسان من منزله في بطرام الى قاعة كنيسة القديسين قزما ودميانوس – بطرام، وسط حشد من القوميين الإجتماعيين وأهالي المنطقة حيث ألقى عميد الإذاعة والإعلام الأمين كمال نادر كلمة المركز، ثم نقل الجثمان في موكب مهيب الى جامع طينال – طرابلس حيث صلّي على جثمانه ووريَ الثرى.
الرفيق أحمد العجم باقٍ في وجدان رفقائه وفي تاريخ الحزب كأحلى المناضلين الأصفياء الصادقين في التزامهم، والأوفياء لقسمهم.
وعند رحيل الرفيق سعاده احمد العجم، اوردت ضمن نشرة عبر الحدود بتاريخ 17/10/2007 الخبر التالي:
غيّب الموت ربيب العائلة القومية الاجتماعية التي نعتز بتاريخها النضالي في طرابلس ثم بطرام، أباً وأماً وأبناء وأصهرة وأحفاد، هو الرفيق سعاده أحمد العجم.
والده، الرفيق الراحل احمد العجم له من نضاله مع عقيلته الرفيقة حُـسن سلوم ما تعتز به، فهو بعد أن عرف النضال القومي الاجتماعي في طرابلس اضطرته احداث العام 1958 لمغادرة المدينة الى الكورة مستمراً في نضاله، بانياً أسرة قومية اجتماعية، مشعاً بإيمانه ومناقبه والتزامه ووعيه حتى آخر لحظة من حياته.
شيّع الرفيق الراحل في بطرام ووري الى جانب صهره الرفيق الراحل شهيد يزبك، وتقبلت عائلته التعازي في قاعة كنيسة القديسين قزحيا ودميانوس التي أمتها وفود غفيرة من القوميين الاجتماعيين والأصدقاء واهالي بطرام والمنطقة.
الى الأم الثكلى الرفيقة حُـسن، الى شقيقيه الرفيقين منير وفادي، الى شقيقاته الرفيقات سوريا، حبوبه، واليسار والمواطنتين مادلين وغنوة، الى اصهرته الرفيقين غسان مرعي وساسين صليبا، والمواطنين عدنان عكاوي ونسيم غنطوس، أصدق وأحرّ تعازينا والبقاء للأمة.
وفي نشرة عبر الحدود بتاريخ 16 حزيران 2008 كتبتً عند رحيل الرفيقة حُسن سليمان سلوم، التالي:
" وافت المنية الرفيقة المناضلة حُسن سليمان سلوم زوجة الرفيق الراحل احمد العجم ووالدة الرفقاء والأصدقاء: مدلين عكاري، سورية، غنوة، حبوبة، منير، فادي، المرحومين اليسار وسعاده.
الرفيقة حُسن رافقت زوجها الرفيق احمد العجم في نضاله الحزبي الطويل في طرابلس ثم بعد ان غادرها صيف العام 1958 الى بطرام، وكانت الى جواره نضالاً وتأسيساً لعائلة قومية اجتماعية مثالية في تجسيدها لقيم النهضة.
شيعت الرفيقة حُسن الى مثواها الأخير يوم الأحد 15 الجاري بحضور حشد من اهالي بطرام والجوار والرفقاء من طرابلس والكورة، تقدمهم حضرة عميد الاذاعة والاعلام الأمين كمال نادر.
عمدة شؤون عبر الحدود وهي عرفت الكثير عن مآثر الرفيقة حُسن، كما زوجها الرفيق احمد العجم، تتقدم من عائلة الرفيقة الراحلة، ابناء واصهرة، ومن جميع رفقائنا في بطرام والكورة باصدق واحرّ التعازي، مشاركة اياهم مشاعر الحزن على رحيل رفيقة عرفت الحزب نضالاً وصدقاً في الالتزام وتجسيداً واعياً لمعاني القسم.
*
هوامش:
1) احسان سوق: مراجعة النبذة المعممة عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
2) سليم صافي حرب، كما آنفاً.
3) واصف فتال: كما آنفاً
4) من أشهرهم الامين مصطفى المقدم الذي كان تولى مسؤولية منفذ عام طرابلس، (انظر النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً)
5) عرفت منهم الرفيق عصام البابا وقد كان له نشاطه في الستينات، متولياً مسؤولية الشمال اللبناني، وقد أتيت على ذكره في حلقات "سيرتي ومسيرتي" .
في: 05/03/2020 لجنة تاريخ الحزب