ما يجمع اللبنانيين وكل أبناء الوطن السوري بكلّ طوائفهم وأطيافهم السياسية هو مبدأ الاشتراك في الحياة الواحدة، الذي تحدّثَ عنه أنطون سعاده وشرحه في مختلف كتاباته وأقواله. هذا الشعب يشترك في حياة واحدة بمقوماتها ومصالحها وأهدافها، ويجمعه مصير واحد. وقد عبَّرَ سعاده عن هذه الحقيقة بقوله: "إنّ في البلاد السورية وحدة قومية فعلية في الحياة الاجتماعية والمصالح النفسية والاقتصادية، وفي المصير الشعبي كله، لا يمكن لكل عوارض الحدود السياسية أن تقطعها وتجزئها."[1] كما قال: "لنا وحدة حياتنا في هذا الوطن الذي هو وطننا وتراثنا، ولنا مصالحنا التي لا نخلط بينها وبين مصالح الوحدات الأخرى، ولنا إرادتنا التي لا نقبل إرادة غيرها."[2]
مبدأ "وحدة الحياة والمصير" نجد ترجمته الفعلية في الظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، والتي وحدتهم المحن والآلام وجعلتهم يتضامنون في مواجهة التحديات وحرب الإبادة. في هذا الظرف العصيب الذي يمر به لبنان نتيجة الاعتداءات الهمجية المتواصلة، المُوجعة والمدمّرة، التي نفذتها دولة العدو في الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق، والتي أجبرت آلاف العائلات على النزوح من بيوتها، تجلّت روح الوحدة والتضامن بشكل لافت. فقد هبَّ اللبنانيون بكل طوائفهم وأحزابهم وتياراتهم السياسية لاستقبال النازحين، وتأمين مراكز الإيواء لهم. واستقبل كثيرون العائلات النازحة في منازلهم، وساهموا في تأمين احتياجاتهم الضرورية ليشعروا بالراحة والأمان.
القوميون الاجتماعيون في مختلف المناطق التي يتواجدون فيها، من بيروت إلى الشوف والمتن والكورة وطرابلس والضنية وعكار وباقي المناطق، وقفوا وقفة مشرّفة إلى جانب أبناء بلدهم في محنتهم. كانوا السبّاقين في تلبية نداء الواجب القومي والأخلاقي، وتحمل مسؤولياتهم الوطنية في إيواء النازحين الهاربين من صواريخ العدو، وتأمين احتياجاتهم الأساسية. كيف لا وهم أبناء العقيدة القومية الاجتماعية التي تؤكد على وحدة المجتمع ونبذ الأحقاد، وتحطيم الحواجز الاجتماعية بين طوائف الأمة. فهم يؤمنون أن ما يجمع اللبنانيين هو رابطة "الأخوة القومية" المتولدة من الاشتراك الفعلي في الحياة الواحدة والوطن الواحد.
القوميون الاجتماعيون في الكيان الشامي أيضًا لبوا نداء الواجب القومي، وساهموا في إيواء النازحين اللبنانيين جراء العدوان "الإسرائيلي" عليهم، إيمانًا منهم بأن هؤلاء هم إخوتهم في الوطن وغير منفصلين عنهم. كما قال سعاده: "الشعب اللبناني مندمج في وحدة حياة الشعب السوري، لأنه جزء من هذه الوحدة الحياتية."[3]
القوميون الاجتماعيون في المغتربات استنفروا إمكانياتهم وسارعوا إلى إرسال المساعدات المالية والعينية والطبية، شعورًا منهم بواجبهم القومي والإنساني تجاه أبناء شعبهم. هكذا علمتهم النهضة القومية الاجتماعية وروحها التي وضعت على أكتافهم عبئًا كبيرًا، لأنها تعرف أن أكتافهم أكتاف جبابرة وسواعدهم سواعد أبطال.
لطالما أثبت الشعب اللبناني عبر تاريخه أنه قادر على تجاوز المحن بروح التعاون والتعاضد. لم يتردد اللبنانيون، رغم اختلاف طوائفهم ومناطقهم، في مد يد العون لإخوانهم النازحين. وقد تجلى هذا الدعم ليس فقط بتقديم المواد الغذائية والمساعدات المادية، بل أيضًا بفتح منازلهم واستضافتهم لفترات طويلة، مما عكس أسمى معاني الوحدة الاجتماعية والأخوة القومية.
في قلب هذا التضامن، يمكن القول إن اللبنانيين توحّدوا في مواجهة المحن والصعاب، وتجسّدت مشاعر الأخوة التي تتخطى الحواجز الطائفية والجغرافية. لقد كانت المحنة جسرًا للوحدة الاجتماعية والإنسانية، حيث ساهم الجميع رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.
"وحدة المصير المشترك" هي العبارة التي جسّدتها حرب الإبادة التي تشنها دولة العدو على الشعب اللبناني وعلى شعبنا السوري بأكمله. فقد أدرك الجميع أن ما يواجهه النازحون اليوم قد يواجهه كل لبناني في المستقبل، لأن هذا العدو المجرم لا يرحم، وأطماعه في كل لبنان معروفة. بالتالي، فإن مساعدة النازحين ليست مجرد واجب إنساني، بل مسؤولية جماعية، وطنية، لحماية النسيج الاجتماعي اللبناني.
رغم الأزمات المتلاحقة، أثبت اللبنانيون قدرتهم على الوقوف جنبًا إلى جنب في مواجهة عدو عنصري متوحش يعتمد الإجرام والإرهاب. وهذا ما رأيناه في المواقف البطولية التي اتخذها الحزب القومي، إلى جانب بعض الأحزاب والجمعيات المحلية. تحولت كل قرية وبلدة إلى ملجأ آمن، واستجاب الجميع بروح العطاء والتضحية.
في الختام، يمكن القول إن وحدة اللبنانيين التي تجلّت في مساندة النازحين كانت مثالاً رائعًا على أن القيم المجتمعية تتغلب على أي خلافات. هذا الشعب قادر على التغلب على التحديات الكبرى عندما تتوحد صفوفه في مواجهة الأزمات.