مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
معنى الحياة بين أنطون سعاده ومي زيادة
 
ملحم، ادمون
 

 

 

شكل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي نقطة تحول تاريخية، حيث وصفه أنطون سعاده بأنه "انبثاق الفجر من الليل" وخروج "الحركة من الجمود"[1]. كان هذا التأسيس بمثابة نقض للتاريخ الذي فرضته القوى الأجنبية وأدى إلى تفكك الأمة وفقدان هويتها. لم ينتهِ هذا الفعل التأسيسي بمجرد إعلان المبادئ وإنشاء المؤسسات، بل ما زال فعلاً مستمراً يعيشه كل فرد مؤمن بالقضية وعاملاً لتحقيق الحياة القومية الجديدة التي هي مشروع دائم ومتجدّد يتطلب العمل المستمر والنضال لتحقيق الأهداف العليا.

 

ماذا يعني سعاده بالحياة القومية الجديدة؟ وما هي نظرته إلى الحياة؟

 

سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال مقارنة بين فلسفة سعاده ورؤية الأديبة مي زيادة لتوضيح كيف تلاقت وتباينت رؤى كل منهما.

 

في معظم كتاباته وخطبه، يتحدث سعاده عن معنى الحياة وغايتها ويميز بين العيش والحياة، معتبراً أن بينهما "بون شاسع وفرق عظيم". يقول: "الحياة لا تكون إلا في العز، أما العيش فلا يفرق بين العز والذل. وما أكثر العيش في الذل حولنا!"[2] من هنا، يرى أنطون سعاده أن الحياة تتجاوز البقاء المادي إلى نهضة تعبر عن هوية الأمة وجوهرها.

 

 

رؤية مي زيادة للحياة

 

في حديث لها بعنوان "غاية الحياة"[3]، ألقته أمام مجموعة من سيدات مصر بدعوة من جمعية "فتاة مصر الفتاة"، رأت مي زيادة أن الحياة ليست مجرد وجود فيزيائي بل غاية تتطلب السعي لتحقيقها، وهي حالة من البحث عن معنى يتجاوز البقاء اليومي. بهذا تلتقي مع رؤية سعاده بأن الحياة ليست مجرد تفاعل بيولوجي أو سعي وراء الرغبات الشخصية، بل هي تعبير عن الوعي الاجتماعي والقيم العليا والواجب القومي. كلاهما يرى أن الحياة مشروع يتطلب وعي الفرد بمسؤوليته ودوره في سياق أوسع.

 

 

أهمية العمل والإبداع

 

تشدّد مي زيادة على أن قيمة الحياة تتجلى في العمل والإبداع، معتبرةً أن العمل هو ما يمنح الحياة طعماً ومعنى، ويقود إلى الاكتفاء الذاتي والتحقق الشخصي. يشاركها سعاده هذا الرأي، لكنه يربط العمل بجهد جماعي يهدف إلى تحقيق النهضة القومية والاجتماعية، ويعتبر أن العمل الصادق هو ما يحدد قيمة الإنسان.

 

 

التطلع نحو التقدم والرقي

 

من أوجه التشابه بين سعاده وزيادة هو التطلع نحو التقدم والارتقاء. مي تتحدث عن السعي نحو السعادة والاكتمال الفكري والنفسي، بينما يربط سعاده هذا التطلع بالارتقاء الجماعي للأمة لتحقيق حياة تليق بالكرامة والعز. ويؤكد: "الحياة كلها وقفة عز فقط"[4]، مشيراً إلى أن الحياة الحقيقية تتطلب الشجاعة والإقدام لمواجهة الصعوبات والتمسك بالمبادئ السامية التي تعبر عن حقيقة الأمة وكرامتها.

 

 

الاختلافات بين الرؤيتين

 

تركز مي زيادة على التجربة الفردية وتمكين الفرد من تحقيق معنى شخصي للحياة، بينما يعطي سعاده الأولوية للمجتمع ككل، معتبراً أن تحقيق المعنى الفردي لا يتم إلا من خلال الانتماء والمساهمة في مشروع قومي جامع. الحياة بالنسبة لسعاده تُعاش بشكل أعمق حين تكون جزءاً من مشروع أمة تسعى للنهوض والتقدم. مي تتناول الحياة من زاوية فلسفية وروحية، بينما يحمل مفهوم سعاده بعداً عملياً وسياسياً يربط الحياة بالنضال والعمل لتحقيق أهداف الأمة.

 

 

الالتزام والنهضة

 

في خطابه في دده ـ الكورة عام 1948، يعبّر سعاده عن فلسفة الحياة التي ترتكز على وجود غاية سامية تستحق النضال، مؤكداً أن الحياة بدون غاية تتحول إلى مجرد بقاء حيواني، بينما الأمم العظيمة تُعرَف بغاياتها العظيمة. يشدّد سعاده على نبذ الاتكالية والكسل والاعتماد على الذات لتحقيق حياة العز والكرامة، محذرًا من أن الخضوع للأجنبي يُفضي إلى الذل والعبودية [5]ومؤكداً أن الحرية تتحقق بالصراع المستمر: "من أبى الصراع رفضته الحرية".[6]

 

 

الحياة كصراع مستمر

 

الحياة بالنسبة لسعاده هي صراع مستمر بين قوى التقدم والتراجع، وبين العز والذل. في مقاله "شق الطريق لتحيا سورية"[7]، يعرض سعاده كيف أن النهضة القومية أيقظت الوجدان القومي وأحيت الطموح نحو حياة متميزة بالكرامة والسيادة. ويؤكد في خطابه في الكورة: "إنّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة، إنها الطريق التي لا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة. أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جانبها."[8]

 

 

خلاصة

 

لم يكن تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فعلاً لحظياً أو مجرد خطوة سياسية، بل هو فعل مستمر يتجدد مع الأجيال التي تحمل مشعل العقيدة وتؤمن بمعنى الحياة كمها سعاده. لقد أدرك أن الأمة تواجه تحديات مستمرة تتطلب العمل الدؤوب والالتزام والشجاعة والصراع. ويقول: "نحن مستعدون للصراع في كل دقيقة... نحن حزب صراع... حزب قوة وقتال في سبيل عقيدة تعني وجود الأمة السورية."[9] ويعتبر سعاده أن النهوض ليس مهمة تنتهي بتحقيق هدف معين، بل هو عملية مستمرة تعبّر عن إرادة الأمة وصراعها من أجل حياة أرقى وأفضل وأجمل.

 

 


[1] أنطون سعادة، المحاضرات العشر 1948، "خطاب أول حزيران 1935، طبعة 1976، ص 28.

[2] سعاده في أول آذار، 1956، ص 101.

[3] مي زيادة، غاية الحياة، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2013.

[4] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948-1949، ملحق رقم 2 خطاب الزعيم في بشامون، 3/10/1948.

[5] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن 1948-1949، ملحق رقم 4 خطاب الزعيم في دده الكورة، 17/10/1948.

[6] المرجع ذاته..

[7] أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني 1935-1937، "شق الطريق لتحيا سورية"، 12/07/1937.

[8] أنطون سعاده، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني 1935-1937، خطاب الزعيم في الكورة صيف 1937.

[9] ملحق رقم 4 خطاب الزعيم في دده الكورة، 17/10/1948.

 
التاريخ: 2024-11-17
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro