مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
التأسيس المستمر
 
أصفهاني، أحمد
 

 

 

 

كيف لنا أن نقارب مناسبة تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، بينما الأمة والحزب عُرضة لعواصف عاتية؟

 

ما الذي يعنيه أن يلتقي رفقاء هنا ورفقاء هناك، في متحدات صغرى أو كبرى، متجاورة أو متباعدة، للاحتفال بعيد التأسيس ... وفي الحلق علقم، وفي القلب نزيف، وفي الوجدان قلق؟

 

ألا يدفعنا الواقع المُحزن إلى التساؤل عندما نرى أن احتفالات عدة تجري في المتحد الواحد، حيث رفقاء باعدت بينهم اعتبارات لا علاقة لها بتاتاً بإيمانهم القومي الاجتماعي؟

 

المؤسسات الحزبية التي أرادها سعاده حاضناً ومختبراً لبناء الإنسان السوري الجديد، الإنسان المجتمع، كيف يمكن لها أن تقوم بهذا الدور النهضوي الحيوي؟

 

أسئلة تختلج في عقل كل واحد منا، نطرحها كل ساعة وكل يوم... وأكثر ما تلح علينا حينما نقترب بخجل من موعد حلول مناسبة تأسيس الحزب.

 

عملية التأسيس لا تُقاس بالسنوات ولا تُحد بالزمن. صحيح أنه تم التوافق على تاريخ 16 تشرين الثاني سنة 1932، إلا أن الواقع العملي غير ذلك. الحزب لم يتأسس في لحظة معيّنة، وفي مكان معيّن، ومع أشخاص معيّنين. كان الحزب صيرورة يومية في عقل سعاده ووجدانه، منذ أن عايش مآسي المجاعة في الوطن خلال الحرب الكبرى. يقول  في رسالته إلى المحامي حميد فرنجيه وعنوانها "في ما دفعني إلى انشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي": "كنت حدثاً عندما نشبت الحرب الكبرى سنة 1914، ولكني كنت قد بدأت أشعر وأدرك. وكان أول ما تبادر إلى ذهني، وقد شاهدت ما شاهدت وشعرت بما شعرت وذقت ما ذقت مما مني به شعبي، هذا السؤال: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل".

 

يمكننا اعتبار هذا السؤال بداية تمهيدية للتأسيس. وعلى مدى سنوات، أخذت الأجوبة تتبلور في ذهن سعاده، ومعها أسئلة جديدة تؤدي إلى أجوبة جديدة... وهكذا في حركة دائمة تتطلع إلى الأمام وترنو إلى الأعلى والأسمى.

 

إن عبارة "ذكرى تأسيس الحزب" لا تنطبق حرفياً على الحزب السوري القومي الاجتماعي. ذلك أن مفردة "ذكرى" تحيلنا إلى الماضي، إلى حدث وقع في مرحلة ما... مرحلة أصبحت خلفنا أو بعيدة عنا. أبداً!! التأسيس في مفهومنا واعتقادنا هو فعل نهضوي متواصل، نمارسه في كل لحظة من حياتنا. إننا لا نتذكره، لأنه لم يغادرنا بتاتاً. نحن لا نحبسه في أدراج موصدة طيلة العام، ثم نسترجعه للذكرى في السادس عشر من تشرين الثاني كل عام.

 

التأسيس بالنسبة لنا وجود كليّ، إنه وجودنا الناصع في متحداتنا الاجتماعية ومع رفقائنا. ولأننا "حركة الشعب العامة"، كما يقول سعاده، فإن عيد التأسيس يصبح مناسبة للاحتفال بقدر ما نحقّق وجودنا في مجتمعنا.

 

المؤسسات والإدارات وُجدت لتصون النهضة، وقد أرادها سعاده مخبراً حياتياً حاسماً. فالحزب وسيلة وليس غاية بحد ذاته. إنه "يعني تغيير النظرة إلى الحياة، وتغيير الأساس النفسي الخلقي القائم عليه بناء اجتماعي متفسخ متزعزع". ولا يمكننا إحداث التغيير المطلوب إلا بـ"إيقاظ الوجدان القومي وتأسيس الأخلاق القومية".

 

إن احتفاءنا بالسادس عشر من تشرين الثاني أعمق بكثير من عبارات تتردد حسب العادة: "ذكرى التأسيس"، "إعادة التأسيس"، "التأسيس الجديد"... وما شابه ذلك. الحقيقة إننا في وضعية "التأسيس المستمر"، أي غير المحدود بزمن وأشخاص وأماكن ومؤسسات.

 

كل واحد منا يختزن إمكانية أن يكون "مؤسِساً" بطريقة ما، و"مسؤولاً" بطريقة ما. فنحن نحمل في ذواتنا الخميرة المباركة التي سرت في أرواحنا يوم تعاقدنا مع سعاده. مسؤوليتنا أن نعبّر عن العقيدة في السنوات العجاف كما في السنوات السِمان. في مواسم الخير نحن طلائع هذه الأمة، وفي مواسم الجفاف نحن غيث هذه الأمة، وفي لحظات الخطر نحن سيوف هذه الأمة ودروعها... ونحن ـ دائماً وأبداً ـ بوصلة هذه الأمة.

 

البوصلة القومية الاجتماعية لا تخطئ غايتها الطبيعية المعلنة، مَنْ يخطئ هو الذي يقرأها بعقلية مشوّهة. وفي زمن القراءات الخاطئة تشتد الحاجة إلى دورنا التأسيسي. فالأمة في وضعها الراهن تترنح على حافة هاوية سحيقة. وشتان بين من يقف متفرجاً على دمائها النازفة، وبين من يبلسم جراحها بلمسات المحبة والإيمان والعطاء.   

 

 أمام هذا الواقع الخطير، فإن حاجة الأمة والقوميين اليوم تتمثل في شد العصب القومي، وإظهار كل خيّر وجميل في نفوسنا وفي مسيرتنا. وهذا لا يعني السكوت التام على الأخطاء، بل من الضروري تناولها بشفافية مطلقة... لكن ليس على قاعدة تدمير ما تبقى من عناصر الثقة بين القوميين الاجتماعيين. فالثقة الواعية والمنظمة هي خط الدفاع الأخير عن الحركة السورية القومية الاجتماعية.

 

لقد حذّر سعاده السوريين سنة 1938 بقوله: "قد جاء الوقت الذي إذا فات ولم نفعل شيئاً في سبيل حريتنا، فإنا ساقطون في عبودية شديدة طويلة". إنه التحذير المستمر، وتقع على عاتقنا نحن مهمة التصدي الشامل بعقلية "التأسيس المستمر".

 

 
التاريخ: 2024-11-16
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro