معظم الرفقاء الذين انتموا في السنوات العشرين الاخيرة لم يسمعوا بالامين إميل رعد، عكس الرفقاء الذين نشطوا في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي.
هذا اقصى ما يعرفه الرفقاء عن الامين إميل رعد، فكيف عن شقيقيه الرفيقين جوزف وشارل، وعن شقيقته وداد، التي، وان لم تنتم، انما عايشت احداث الحزب ورافقت مسيرته وقياداته وقدمت الكثير من وقتها وجهدها.
*
اشارت المواطنة وداد، الى غرفة في المنزل، كانت تعقد فيها جلسات المجلس الاعلى ومجلس العمد. هنا، وتشير الى مكان آخر، أقام الرفيق الشهيد غسان جديد سنوات. وهنا، في ركن من الدار، كان يمضي الرفيق سعيد تقي الدين ساعات كثيرة في الفترة الصعبة التي اعقبت اغتيال العقيد عدنان المالكي واضطرار آلاف القوميين الاجتماعيين الى مغادرة الاراضي الشامية.
اسد الاشقر، انعام رعد، عبدالله سعاده، عبدالله قبرصي وتكرّ اسماء من كان لهم حضورهم الحزبي ومسؤولياتهم. جميعهم عرفَتهم جيداً. جميعهم، اقاموا او ترددوا الى المنزل.
ببشاشة استقبلت الجميع، بفرح تعبت وجهدت في تأمين مستلزمات الاقامة. ليس امراً بسيطاً ان تستضيف شخصاً او أكثر، فكيف اذا كانوا عشرات، وبشكل يومي ومستمر.
*
ولد الامين إميل رعد في الشبانية، في 8/12/1924 من بطرس رعد وهيفاء حاتم، والدها ناصر من بين ثمانية هم اول دفعة من متخرجي كلية الطب في الجامعة الاميركية عام 1871.
درس في رأس المتن حيث كان والده مديراً لمدرسة "الفرندز" إلا ان والده رغب ان يتوجه إميل الى الدراسة بالفرنسية، فالتحق بمدرسة عينطورة الى ان تخرج منها، والتحق بالجامعة اليسوعية لدراسة الحقوق.
كان طالباً في الجامعة اليسوعية عندما شارك في الثورة القومية الاجتماعية الاولى، الى جانب الرفيق الشهيد عساف كرم في سهل مشغرة. تمكن من الافلات متنقلاً من مكان الى آخر وصولاً الى دير مار قزحيا، الا ان الوساطة التي قام بها الدكتور الياس بعقليني، من الشبانية، مع صديقه الشيخ بشارة الخوري ادت الى تعهد الاخير بان يُحكم على الرفيق إميل رعد سنة واحدة مع وقف التنفيذ، في حال سلّم نفسه.
هذا "العام دون تنفيذ" تحول بقرار من رياض الصلح الى 6 سنوات. امضى منها 4 سنوات الى ان خرج بعفو مع ستة رفقاء آخرين، منهم الامين نائل نديم(1) الذي ربطته به صداقة متينه، جعلت شقيقه الرفيق جوزف يطلق اسم نائل على احد اولاده.
اوقف الامين إميل في سجن الرمل لمدة سنة ونصف السنة، ثم نقل الى سجن بعقلين صيفاً لمدة شهرين ونصف فالى سجن القلعة(2) وفيها كان له دوره، مع رفقاء آخرين، سيأتي الحديث عنهم لاحقاً، في اعطاء الدروس للمساجين من رفقاء ومواطنين.
بعد خروجه من الاسر، توظف الامين إميل في الجمارك اللبنانية، ثم اسس مع شقيقه الرفيق جوزف مؤسسة تجارية في شارع المعماري، رأس بيروت، استمر فيها الى ان حصلت الثورة الانقلابية.
*
انتمى الامين اميل رعد في اواخر اربعينات القرن الماضي. تولى مسؤوليات عديدة، ناظراً، منفذاً، عميداً وانتخب عضواً في المجلس الاعلى. ترشح باسم الحزب عن المقعد الماروني في دائرة بعبدا عام 1960، إلا انه انسحب بقرار من حزبه.
شارك في الثورة الانقلابية مشرفاً على عملية قطع خطوط الهاتف في وزارة البريد والبرق. لم تطلع شقيقته وداد على الامر، انما كانت في المنزل عندما كان رفقاء عديدون يترددون إليه لتلقي التعليمات من الامين إميل.
عندما فشل الانقلاب، تمكن الامين إميل من التواري، الى ان امكن لرفقاء(3) ان يؤمنوا له ملاذا امينا في منطقة بين شارعي جان – دارك- المقدسي، حيث مكث فيه 97 يوماً.
انتقل بعدها بواسطة احدى السيارات التي تملكها احدى الرفيقات الى دمشق، ثم انتقل الى عمان منضماً الى رفقائه فيها، ومشاركاً في الادارة العامة المؤقتة التي تسلمت ادارة الحزب(4) الى ان خرج الامين عصام المحايري من الاسر عام 1964، فحلّت نفسها وانتخبته رئيساً مؤقتاً للحزب.
بعد الاردن انتقل الامين إميل الى باريس، لفترة، فالى نيجيريا حيث استقر فيها مؤسسا مصنعاً ناجحاً.
توطدت علاقة الامين إميل رعد بالملك حسين في فترة مكوثه في الاردن. حتى انه كلف خاله الشريف ان يتفقده في المستشفى في باريس عندما تعرّض لازمة قلبية.
تلك الازمة عاودته بعد ان انهى اعماله في اللاغوس، مستقراً في باريس حيث وافته المنية بتاريخ 19 نيسان 1986، وفيها ووري الثرى.
*
اقترن الامين إميل رعد من الرفيقة منتهى جرمان ورزق منها بيتر (دكتور في الهندسة) ثم اقترن من سيدة المانية وانجب منها ميشال، مرسال وايلان، وجميعهم خارج الوطن (باريس، بلجيكا، جنوب افريقيا).
اقترن شقيقه الرفيق جوزف من السيدة سناء الصلح وانجب منها هلا ونائل.
*
وفي المادة الثانية: يتبع مكتب العمل عمدة الاقتصاد ويعد جهازاً من اجهزتها.
وكان الرفيق إميل رعد تعيّن ناموساً لعمدة الاقتصاد بتاريخ 5 كانون الثاني 1949 والرفيق كميل جدع عميداً للاقتصاد.
*
هذه النبذة التعريفية، لا تفي تلك العائلة القومية الاجتماعية حقها علينا، وقد سطرت في تاريخ الحزب ومضات مضيئة وكان لها حضورها المميز في النضال القومي الاجتماعي لسنوات طوال، التي يجدر بنا ان نحكي عنها كثيرا وبتقدير.
توفي الامين اميل رعد عام 1986، انما ليبقى في تاريخ حزبه حياً وخالداً، كما الشهداء وكما الذين يعطون حزبهم بصدق وتفان ووفاء.
**
1- من مدينة منبج (الشمال السوري) منح رتبة الامانة في تشرين اول 1954، شارك في الثورة القومية الاجتماعية الاولى، واسر لمدة 4 سنوات. يقول عنه الرفيق شارل رعد انه كان يتمتع باخلاق حميدة، بشوش الوجه.
2- من الذين اعتقلوا في سجن القلعة: الامين منير الشعار، الرفقاء انيس ابو رافع، توفيق رافع حمدان، نصير ريا.
3- يورد الامين وديع حداد تفاصيل مذهلة عن كيف امكن تأمين المكان الآمن للامين إميل رعد، فانتقاله الى دمشق. الامين غسان عزالدين كان بدوره مطلعاً ومعنياً بتأمين انتقال الامين رعد الى الاردن.
4- شكل اعضاء المجلس الاعلى والعمد الذين امكنهم الافلات من قبضة المكتب الثاني، عام 1962، وآخرون، ادارة عامة مؤقتة كان من اعضائها الامناء علي غندور، زهدي الصباح، عيسى سلامة، رامز اليازجي، نذير العظمة وغيرهم.
*
فيما كنت أراجع أعداداً سابقة من مجلة "صباح الخير"، عثرت على الكلمة المنشورة في الصفحة 65 عن رحيل الأمين إميل رعد، نشرها لفائدة تاريخنا الحزبي.
"أثناء احتجاب "صباح الخير" خلال الأسبوعين الماضيين لضرورات فنية طباعية، غيّب الموت وجهاً مضيئاً من وجوه قادة الحزب السوري القومي الاجتماعي التاريخيين، وجه الأمين السابق الرفيق إميل رعد عضو المجلس الأعلى وعميد الداخلية وعميد الدفاع الأسبق، وذلك حيث توفي بنوبة قلبية في المغترب الأفريقي.
والرفيق الأمين إميل رعد شارك في الثورة القومية الاجتماعية الأولى بقيادة الزعيم، وأبلى بلاء حسناً بقيادته في المتنين، وأُسر مدة ثماني سنوات في سجن القلعة. ثم شارك بقيادة الثورة الانقلابية في 1961 وحُكم بالإعدام غياباً.
وعُرف إميل رعد بشجاعته وعزمه وإداريته ونضاله المشهود، وتحمّله الأسر ومشقات النضال في سبيل حزبه.
كما عُرف بشخصيته المحببة، ودماثة خلقه، وفهمه وذكائه، وجديته في تحمل المسؤوليات.
انتُخب عضواً في المجلس الأعلى بين 1957 و1961، كما تولّى عمدتي الداخلية والدفاع في الفترة نفسها.
إنّ الألوف من القوميين الاجتماعيين والمواطنين الذين عرفوا الفقيد الراحل يحيون ذكراه بكل تقدير، وسيبقى إميل معنا، مع صفوف هذه النهضة الزاحفة نحو العز".
في: 08/01/2025 لجنة تاريخ الحزب