رفض سعاده حالة الفسيفساء والقطعانية والتفسخ والإنقسامات في شعبه وكتب في مقال نشر عام 1938: ""إذا كان الشعب يريد تغيير الحال فعلاً فعليه هو ان يسعى لهذا التغيير في نفسه في تقاليده واتجاهاته الفكرية."(1) وفي مقال له بعنوان "آن للشبابِ ان يدركَ" يقول: "إن الذين يريدون الإصلاح الحقيقي يجب عليهم أن يكونوا صادقين في أنفسهم، وأن يتحولوا إلى الإصلاح في ذواتهم أولاً.."(2)
من هذه الأقوال وغيرها الكثير يمكن تلخيص رأي سعاده بمايلي:
أولاً، لا يمكن إصلاح الدولة بدون إصلاح حال الأمة وإصلاح العلة في أهلها.
ثانياً، ان الإصلاح الحقيقي لا يكون في تغيير الحكومات والمجالس وخلع الحلل بل يكون في إصلاح حالة الأمة النفسية-المناقبية وفي تغيير القضايا الرجعية الخصوصية نفسها التي هي سبب انحطاط الأمة.
ثالثاًً، الإصلاح الفعلي لا يكون في النصوص والقوانين فقط بل يأتي نتيجة عقيدة صحيحة موّحِدة للشعب "تنشىء جيلاً جديداً ونظاماً جديداً وجمالاً جديداً".
إن بداية الإصلاح تكون في بناء النفوس بناءً جديداً وتوجيها نحو الأمة وقضيتها الصحيحة وتكون في تحرير النفوس من قيود الذل والخمول والخوف والخنوع وفي إنقاذها من المساوىء والأهواء والنزوات الفردية وتسليحها بقيم الحياة الصراعية والوعي القومي الصحيح. فالنفوس المتحررة بقوة العلم والمعرفة والوعي والمناقب السامية والمتسلحة بالوجدان القومي هي وحدها القادرة على بناء المستقبل والوصول إلى مراتب العز والتقدم والإنتصار.
إن حركة سعاده الإصلاحية خلقت بتعاليمها المناقبية الجديدة، كما يقول سعاده، "روحاً جديداً في الشعب وأنشأت نظاماً جديداً لحياته وحققت له إصلاحاً عظيماً"(3). والحق يقال أن هذه الحركة التي شكَّلت إنقلاباً فكرياً فاصلاً في تاريخ الأمة هي حركة الحداثة التجديدية الأصيلة لأنها جاءت بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن غايتها تأسيس الحياة القومية الجديدة بعد تحويل مجتمعنا المفتت ذو التناقضات المتعددة إلى مجتمع قومي أساسي موحَّد له نفسية جديدة وهوية واضحة وقضية قومية مستقلة، مجتمع يتساوى أبنائه في ملكيتهم للوطن وثرواته وينصهرون في قومية سورية جامعة نتيجة اشتراكهم في وحدة الحياة والمصالح والمصير. لذلك يقول سعاده: ان "المبدأ الذي أتمشى عليه هو مبدأ القومية، وهو المبدأ الذي يدعونا إلى محبة أبناء قومنا وجلب الإصلاح القومي لهم." ويقول ايضاً: "المبادىء القومية الإجتماعية وحدها هي طريق الإنقاذ. فالذين يريدون فعلاً خير الأمة فما عليهم إلا الإتجاه نحو الحركة القومية الإجتماعية التي تقدم مبادىء الإنقاذ والتي أوجدت الإصلاح الفعلي في صفوفها الذي هو نموذج رائع للإصلاح الذي يمكن ان تقدمه للأمة كلها."(4)
أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية 1936 – 1943، الطبعة الأولى (آذار 1976)، ص 165.[1](1)
(2) المرجع ذاته، ص 19
(3) أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية – 2- الإنعزالية أفلست 1947 – 1949، ص 145.
(4) أنطون سعاده، مختارات في المسألة اللبنانية – 2- الإنعزالية أفلست 1947 – 1949، ص 201. [1]