الجمهورية اللبنانية جامعة الدول العربية الجمهورية اللبنانية
وزارة الإعلام المنظمة العربية للتنمية الإدارية وزارة الثقافة
ندوة
تأصيل التراث العربي
رؤية بين الحداثة والهوية وتحديات المستقبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثقافة العربية
بين الأصالة والتبعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية
قصر الأونيسكو، 9- 10- 11 حزيران 2014
بيروت
إذا كان على هذه الورقة أن تبحث في تحديات التبعية الثقافية، فهذا يعني، البحث أولاً في مفهوم الثقافة والتثاقف، والعلاقة بين الثقافة والهوية، ومن ثم الدخول إلى موقع العرب في هذا العالم مروراً بواقع الثقافة العربية ومسببات التبعية الثقافية، والعلاقة بين الثقافة المفتـَّتة والتطور اللامتكافئ على الصعيد العالمي، وما يمكن فعله لبناء الثقافة الأصيلة، مع كل ما يلزم من عناصر التحديث والعصرنة.
الثقافة، التشكل والمفهوم
إذا كان لمفهوم الثقافة بدايات في تطور الغرب الفكري، فلهذا المفهوم أيضاً بدايات في تطور الفكر العربي، حيث ارتبط منذ القدم بالانسان العارف المشحوذ فكرياً وعملياً. المجرب الذي عركته الأيام وثقفته[1] وصقلته لدرجة أنه يعرف ما يحيط به، وما يمكن أن تصل إليه الأمور مع إمكانية التأثير في الأحداث. وإذا بقي هذا التعبير مقتصراً في التراث العربي على المعنى الذي يمكن أن يتصف به الفرد، فإن ثمة الكثير من المجتمعات غير معنية بتأصيل هذا المفهوم أو الاهتمام بتطوير النظر إلى ما تعنيه الثقافة؛ مع الاعتبار المؤكد أن لا مجتمع بشرياً خلو من الثقافة. كل المجتمعات الانسانية لها ثقافاتها المخصوصة، ولكن ليست كلها مشغولة بهمّ البحث في هذا المفهوم.
مع بدايات الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والاتنولوجية (علوم الإنسان)، بدأ مفهوم الثقافة يخرج من المداولات الفلسفية والمعيارية إلى المداولات الإجرائية، من خلال البحث في تنوع الشعوب واختلافاتها في أنماط عيشها الناشئة أساساً عن اختلاف مجتمعاتها، وبالتالي عن اختلاف ثقافاتها. وقد كان من موروثات البحث في الشأن الثقافي وجود نظرتين في مسألة الثقافة، النظرة العمومية التي تعطي للثقافة عموميتها والنظرة المخصوصة التي تتبدل بالتعدد الثقافي، وإن كان ضمن إطار الوحدة الإنسانية.
إن التعريف الذي لا يزال متداولاً إلى اليوم وضعه ادوارد ب. تايلور في العام 1871. وقد نظر تايلور باعتباره انتروبولوجياً بريطانياً إلى الثقافة أو الحضارة "موضوعة في معناها الاتنولوجي الأكثر اتساعاً هي هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والاخلاق والقانون والعادات وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع"[2].
هذا التعريف يبين أن الثقافة، حسب تايلور، هي ما يمارسه الإنسان في المجتمع، هي إنتاج اجتماعي يفصله باعتباره ناشئاً من الجماعة وللجماعة، ومن تفاصيل الحياة المجتمعية الواعية واللاواعية.
اعتبر بواس، بعد تايلور، أن الاختلاف الأساسي بين المجتمعات هو اختلاف ثقافي لا عنصري. وقد سخر بواس من الفكرة السائدة في عصره التي تربط بين الخصائص الجسمانية والخصائص الذهنية. واعتبر أن التنوع البشري هو المنتج للتنوع الثقافي، وهذا ما أكده ابن خلدون قبل ذلك بأكثر من أربعة قرون. وهذا كله يعني أن لا تباين بيولوجياً بين البشر بل تباين ثقافي، وخصوصاً بين البدائيين والمتحضرين. ومن البديهي أن تكون التباينات الثقافية مكتسبة لا طبيعية.
ولأن الثقافات متنوعة بتنوع المجتمعات، ولأن الحاجات الإنسانية متعددة ومتطورة بتطور المجتمعات نفسها، فلا بد أن تكون الثقافة نسبية، إن كان بالنسبة لتطور كل مجتمع، أو بالنسبة لتنوع المجتمعات وتعددها. وقد ألمح بواس إلى ذلك في سياق معالجته التطبيقية لموضوعة الثقافة. ونسبية الثقافة تخلّص المؤمن بها أو الداعي إلى تبنيها من النزعة الإتنية المركزية التي تحتم المقارنة بين ثقافة وأخرى، وقياس ثقافة على أخرى انطلاقاً من واحدة بعينها. وقد اعتبر عن حق أن النسبية الثقافية توجب على الدارس تفحص الثقافة التي يدرسها انطلاقاً من ذاتها ودون أي خلفية مسبقة.
منهجية دراسة الثقافة أوصلت بواس إلى خصوصية الثقافة وتميزها عن أي ثقافة أخرى. وإذا كان بواس قد تأثر بالمفهوم التخصيصي للثقافة كما ساد في ألمانيا باعتبارها مؤلفة من عناصر عليها أن تتماسك لصنع وحدتها، فأي عنصر ثقافي لا يمكن فهمه ووضعه في مكانه الصحيح إلا في السياق الثقافي العام. وتعبر الثقافة عن نفسها بتجليات فكرية وعملية تفصح عن خصائص هذه الثقافة وتؤثر بطريقة واعية ولا واعية في سلوك الأفراد في حياتهم العملية وفي تكوين بنيتهم الذهنية .
لا شك في أن هذه النظرة إلى النسبية الثقافية توصل إلى اعتبار كل ثقافة ناشئة بذاتها وملبية لحاجات المجتمع الذي تنتمي إليه. لهذا من الضروري احترام كل الثقافات انطلاقاً من القناعة بتنوعها، وبالتالي العمل على حمايتها من كل تهديد.
في الولايات المتحدة أخذ المفهوم شكل ومضمون المفهوم الثقافي الأوروبي، وإن بطريقة تحاول أن تظهر الثقافة على أنها متماسكة وقوية بعناصرها التي عليها أن تحفظ دائماً هذا التماسك. وهو التماسك الذي عليه أن يبقى مع كل أنواع التغيير التي يمكن أن تصيب العناصر الثقافية ذاتها. ولا يمكن الاشتغال على هذا النحو إلا من خلال عمل المؤسسات التي عليها أن تحافظ على تماسك هذه العناصر، وخصوصاً المؤسسات التربوية. وهذه العناصر بمؤسساتها تمد الأفراد بما عليهم فعله في ممارستهم اليومية في وعيهم ولا وعيهم.
تعتبر مارغريت ميد أن النقل الثقافي عبر الأجيال يتم عن طريق التربية حيث يتشرب الفرد هذا النموذج الثقافي عن طريق نظام كامل من الأوامر والنواهي والحوافز الظاهرة والمضمرة توصل به إلى تمثل المبادئ الأساسية للثقافة التي يتربى في كنفها.
الثقافة في هذه الحال تنسب إلى الذين يعيشونها، وفيها تفاعل متواصل بينها وبين الفرد بحيث لا يمكن تصور أحدهما دون الآخر. والفرد هنا، هو ما يعنيه كإمكانية اجتماعية من خلال تفاعله مع المجتمع الذي ينتمي إليه. وهذا ما أدى برالف لينتون إلى اعتبار الشخصية الاجتماعية الشخصية الأساسية المحددة بالثقافة التي ينتمي إليها الفرد. وما يختلف بين ثقافة وأخرى هو ما تتميز به الشخصية الاجتماعية عن شخصية اجتماعية أخرى. والشخصية الاجتماعية الأساسية هي الأساس الثقافي للشخصية الفردية المكتسبة عن طريق النظام التربوي والتنشئة الاجتماعية في أي مجتمع.
بقي علماء الاجتماع والانتروبولوجيا يعالجون المسألة الثقافية من جوانب متعددة، كان أهمها الثقافة الفرعية التي تنسب إلى جماعات، أو إثنيات في مجتمعات شديدة التنوع والتعدد الثقافي. ومن الباحثين من تحدث عن ثقافات فرعية تخص الطبقات الاجتماعية والمثليين والفقراء، وإن كان يؤلف بين هؤلاء جميعاً ثقافة المجتمع الشاملة. كما أعطى بعض علماء الاجتماع لمفهوم التنشئة الاجتماعية الأولوية في عملية انخراط الفرد في المجتمع عبر تشربه العناصر الثقافية المتشكلة في المجتمع الذي ينتمي إليه، أو المجموعة الاجتماعية الإتنية والدينية أو غيرهما. ويمكن لهذه العناصر أن تكون خاصة بكل مجموعة، كما يمكن لبعضها أيضاً أن تكون منبثقة من ثقافة المجتمع بشموليته. وقد أعطى دوركايم لمسألة التنشئة الاجتماعية الأهمية القصوى في نقل مجموعة المعايير الاجتماعية والثقافية التي تؤمّن التضامن بين أعضاء المجتمع مع الشعور بالإلزام تجاه تبني هذه القيم والمعايير.
وأعطى تالكوت بارسونز، عالم الاجتماع الأميركي للتنشئة الاجتماعية الأهمية أيضاً لأنها تعمل إما على تأمين الانخراط السليم في المجتمع أو الانحراف.
أما بيتر بيرغر وتوماس لوغمان فقد اعتبرا أن ثمة ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية الأولية والثانوية. ومجرى الحياة يعطي لكل منهما التأثر والتأثير في الأخرى ويعتبران أن التنشئة الاجتماعية هي صيرورة دائمة في حياة الفرد[3].
إلا أن التعريف الأكثر شمولية وإحاطة للثقافة هو ذلك الذي أعطاه غي روشيه حيث يعتبر أن الثقافة " هي مجموع من العناصر له علاقة بطرق التفكير والشعور والفعل، وهي طرق قد صيغت تقريباً في قواعد واضحة والتي – كون جمع من الأشخاص قد اكتسبها وتعلمها وشارك فيها – تستخدم بصورة موضوعية ورمزية في آن معاً، من أجل تكوين هؤلاء الأشخاص في جماعة خاصة ومميزة" .[4]
أما أكثر التعاريف اختصاراً ودلالة هو الذي يعرّف الثقافة على أنها ما يعرفه ويمارسه الانسان لحظة الحاجة إليه بعد أن ينسى كل شيء[5].
الثقافة والتثاقف
خرج الباحثون الأميركيون في ثلاثينيات القرن العشرين إلى وضع مفهوم للتثاقف يقول بأنه "مجموع الظواهر الناتجة عن تماس موصول ومباشر بين مجموعات أفراد ذوي ثقافات مختلفة تؤدي إلى تغيرات في العناصر الثقافية الأولى الخاصة بإحدى المجموعتين أو كليهما[6] . وهذا المفهوم يتحدد بهذا التعريف على أنه غير التغير الثقافي، ولا يعني الاستيعاب أو الانتشار. وهذا يعني أيضاً، أن هذه الدلالات تعبر عن أجزاء من عملية التثاقف. وعمليات التماس الثقافي التي ينشأ عنها ما يعني التثاقف (أي نشوء التفاعل وتداعياته) تكون بين مجموعات بأكملها أي ثقافات بأكملها أو بين ثقافات ومجموعات من ثقافات أخرى. ويمكن أن يكون تفاعلاً ودياً أو عدوانياً أو بين مجموعات ذات ثقافات متماثلة في تعقيدها وفي تماسكها أو بين هذه وثقافات أكثر أو أقل تماسكاً وتعقيداً.
في عملية التثاقف، إذن، تظهر بوضوح عمليات الهيمنة والتبعية التي يمكن أن تنشأ بين ثقافة وثقافة، أو بين ثقافة متماسكة وقوية وثقافات فرعية ناشئة ضمن ثقافة عمومية هشة وضعيفة. كما يفرض منطق التناقض انتقاء عناصر من الثقافة المؤثرة يمكن أن تندمج في العناصر الثقافية الأصلية، كما يمكن أن تحل مكان عناصر منها، وما يمكن أن ينشأ عن ذلك من سرعة تبني العناصر المتبناة من الثقافة المؤثرة، أو مقاومة هذا التبني في عملية التثاقف، أو محاولة التأثير في الثقافة المؤثرة بما يمكن أن يسمى بالتناقض المضاد[7] .
وعليه، اتجه النظر في مسألة التناقض إلى التأكيد أن العملية لا تحصل بشكل غير مشروط من ثقافة لثقافة أخرى. بل تتم من خلال انتقاء عناصر محدودة تتقبلها الثقافة الآخذة. وهذا يعني أن من المستحيل حلول ثقافة مكان ثقافة أخرى، بل ما يحصل هو ما تتقبله الثقافة، وإن حولت بهذا التقبل ثقافتها إلى ثقافة هجينة لا هي بالأصلية الهاضمة لعناصر من ثقافات الآخرين ولا هي بالثقافة المؤثرة.
في هذا المجال اقترح هرسكوفيتز فكرة "إعادة التأويل" التي تعني الصيرورة التي تُسند بها دلالات قديمة إلى عناصر جديدة أو التي تغير بها قيم جديدة الدلالة الثقافية التي كانت لأشكال قديمة[8] .
لا يمكن لعملية التثاقف أن تحصل باتجاه واحد، إذ لا وجود لثقافة مانحة بالكامل ولا لثقافة متلقية بالكامل. وقد وضع روجيه باستيد نماذج ثلاثة للتثاقف، سياسي وثقافي واجتماعي؛ السياسي يمثل أوضاعاً تتراوح بين العفوية المنظمة والمخطط لها، والثقافي يمثل التجانس أو عدمه، والاجتماعي يتمثل في الانفتاح أو الانغلاق بين المجتمعات المتماسة أو المتثاقفة.
البحث في مسألة التثاقف يفرض البحث في مسألة الهيمنة وعلاقتها بالتثاقف. لا شك أن الثقافة الضعيفة المهيمن عليها لها مواردها الثقافية كما لها القدرة على إعادة التأويل الثقافي، حسب تعبير هرزكوفيتش، لما يُفرض عليها ليتناسب ويتكيف مع عناصرها.
حسب كارل ماركس وماكس فيبر، في كل مجتمع تراتب ثقافي. فالطبقة المسيطرة هي دائماً ذات ثقافة مهيمنة متأتية من موقع الطبقة الاجتماعي والسياسي، وليس من تميز ثقافي. وهذا يعني أن المنافسة بين الثقافات على المستوى الطبقي، داخل المجتمع، كما بين المجتمعات، ناشئ عن المصالح الطبقية والمجتمعية التي تعطي لكل ثقافة، فرعية كانت أو شمولية، قوتها الخاصة.
بهذا المعنى، الثقافة المهيمن عليها ثقافة هشة وضعيفة ولكنها ليست تابعة كلياً. وهي مضطرة، لضرورات اجتماعية، اقتصادية وسياسية، أن تأخذ من الثقافة المهيمنة، إذ إنها بحاجة ماسة إلى عناصر ثقافية مادية ولا مادية، حسب الزمان والمكان، من ناحية؛ ومولعة كثقافة مغلوبة، حسب تعبير ابن خلدون، ومهيمن عليها، بالإقتداء بالغالب، وإن كان الغالب أو المهيمن يقتدي أيضاً بالمغلوب وإن بدرجة أقل. وبهذا المعنى لا يمكن لثقافة مهيمنة أن تفرض نفسها على ثقافة مهيمن عليها. كما أن الهيمنة لا تستقر، بل هي في حراك دائم مصحوب بعمليات تلقين يكون فيها التأثير متبادلاً أحياناً، وغير مقبول أحياناً أخرى. ومن المهم أيضاً دراسة تغيرات الثقافة المهيمن عليها وكيفية إعادة تشكلها تحت سلطة الهيمنة[9] .
الثقافة والهوية
لا يمكن الكلام على الثقافة بمعزل عن الهوية. فالمفهومان مترابطان دون تطابق. إذ يمكن للثقافة أن تعمل دون وعي للهوية. كما يمكن للهوية أن تصنع ثقافتها أو تعدل في عناصرها. وإذا كانت الثقافة تبنى بأنماط تفكير وممارسات واعية ولا واعية، فإن الهوية انتماء واع ومدرك. وهي باعتبارها هوية ثقافية، هوية اجتماعية أيضاً؛ بل إن الهوية الثقافية متضمنة في الهوية المجتمعية. هذه الهوية تعمل على ربط الفرد في محيطه الاجتماعي. هي، إذن، تعني الانتماء إلى الروابط الأولية للفرد في جنسه وعمره ونسبه وفئته القرابية الأهلية والدينية بما يسمى الانتماء الأهلي للإنسان؛ وهو الانتماء الذي لا إرادة له فيه ولا حول. والهوية، بهذا المعنى، تجعل الفرد محدداً لموقفه في السياق الاجتماعي، وتجعل الآخرين قادرين على تحديد موضعه اجتماعياً.
هذا على مستوى الفرد باعتباره كائناً اجتماعياً. أما الهوية المجتمعية فهي لكل مجموعة لها موقعها ضمن الكل الاجتماعي. وهي لذلك يمكن أن تحدد مواصفات وخصائص المجموعة ضمن الكل من ناحية، وهي بهذا المعنى متماسكة تجاه الآخر؛ وهي تحدد نفسها تجاه الآخر باعتباره آخر ضمن الكل نفسه. فهي إذن تبدو وكأنها أداة تصنيف بين الأنا / النحن والآخر المختلف على أي صعيد كان.
في الهوية الثقافية انتماءان؛ الأول، الانتماء الأولي للإنسان. والإنسان هنا، ليس له أي إرادة في هذا الانتماء، أعطيناه صفة الانتماء الأهلي. وهو انتماء ثابت لا يحول ولا يزول. والانتماء الثاني، هو ما يعرف بالانتماء الاجتماعي ذي المرجعية المبنية على الميراث الثقافي المبني اجتماعياً. وإذا كان هذا الانتماء مفروضاً على الفرد اجتماعياً باعتباره ينتمي إلى هذا المجتمع وإلى هذه الثقافة، فإن هذا يعني أيضاً أن الهوية سابقة على وجود الفرد. وهي كذلك فعلاً. لذلك ينسب الفرد إلى هوية ثقافية وإلى مجتمع بعينه محدد بخصائصه الثقافية وبهويته المميزة[10] .
تعرضت النظرة إلى الهوية الثقافية، على النحو المذكور، للنقد، لأنها تنظر إلى الهوية من خلال مواصفاتها، ما يشي باستقرارها وثباتها. بينما الهوية هي شعور بالانتماء، ووعي هذا الانتماء على أنه لجماعة فيها من الواقع، وفيها ما هو متخيل. وما هو مهم في هذا الانتماء هو ما يتم تشييده في وعي الأفراد لواقعهم الاجتماعي، وما يحتويه بالفعل؛ ما يعني تفاوت الوعي واختلافه بين منتم وآخر.
إذا كانت هذه النظرة تحصر فكرة الانتماء في الوعي الفردي، ما يعني تغير الفكرة بتغير الوعي، فإن الهوية الثقافية ليست بهذا القدر من التغير الخاضع لوعي الأفراد، كما أنها ليست في الوقت نفسه ثابتة ومستقرة إلى درجة الجمود.
موقع العرب في العالم
إذا كان على العرب العمل على صنع النظام العالمي الجديد المأمول بالتعاون والمشاركة مع أوروبا وبقية الدول المتقدمة في جنوب شرق آسيا، وبمؤازرة دول الجنوب واتحاداتها الممكنة، لا بد، أولاً، من البحث في شؤون الذات، ابتداء من الموقع العلمي الذي تشغله كل دولة عربية على حدة، أو على ما يمكن أن يشغله العالم العربي في المواقع الاقتصادية العالمية إذا تسنى له نوع من الوحدة الاقتصادية، أو ما اصطلح على تسميته بالسوق العربية المشتركة على غرار ما حصل في أوروبا في بدايات اتحادها الاقتصادي. وفي ما يمكن أن يساهم في ترسيخ وحدة توجهه، أو انسجامه في قضايا لها وجهة عالمية انطلاقاً من تقارب في العادات والتقاليد ووحدة اللغة والدين والحضارة. أو في النظر العقلاني لإقامة اتحادات، على الأقل اقتصادية في البداية لدول الجوار وتمكين التكامل الاقتصادي فيما بينها للوصول إلى توجه منسّق ومؤتلف في الإعلام والسياسة والأمن.
هذه المسائل مجتمعة، ومنفردة، تساهم في ترسيخ قيم اجتماعية وسياسية وأخلاقية، وتعمل على تمكين المجتمع من ممارسة حقه في اللعبة السياسية، وفي تداول السلطة وممارسة الديموقراطية والشعور الحقيقي بالحرية عن طريق الممارسة. ولا يمكن الحصول على هذه القيم، أو ممارستها، إلا عن طريق تمثل قيم النظام العالمي الجديد الذي يقوم بكل ما يمكن أن يساعد على تبني هذه القيم وممارستها بواسطة الكثير من الامكانيات المتاحة، وخصوصاً وسائل الاعلام والاتصال.
يفرض ترسخ الوعي على الذات إظهار موقعها في هذا العالم، الذات المنفردة والذات المجتمعية. ووعي الذات يضعها في موقعها في هذا العالم، كما يضع كل من يمثل جزءاً من هذا العالم في موقعه. ويبدأ الوعي في انتاج ثمار العلاقة الندّية مع الآخر، وفهم هذا الآخر، ومن ثم بلورة نوعية العلاقة معه دون عقد نقص أو دونية، ودون تبخيس الذات، أو إعطائها قيمة أكثر مما تستحق.
بهذه الطريقة، تنبني أسس التعاون بين العرب أنفسهم، متجاوزين عقدهم الكيانية والقطرية والدينية والمذهبية والطبقية، من جهة؛ وبين العرب والعالم المتقدم منه، والموازي لهم أيضاً، في الموقع ونمط الحياة والتوجه.
في هذه الأحوال، على العرب أن يحددوا موقعهم، كأكثرية مسلمة، من الاسلام ومن المسلمين في العالم. أي إسلام يريدون، وأي مسلمين هم، وكيف يريدون المسلمين الآخرين؟ وكيف عليهم أن يبنوا علاقاتهم مع غير المسلمين؟ كما عليهم أن يحددوا مواقفهم من العالم غير المسلم. وعليهم أن يحددوا نقاط التلاقي مع هذا العالم وكيفية التعامل معه، مغلبين المعادلة القائلة بحوار الحضارات والثقافات الدنيوية والدينية، بدل صراعها الذي يوصل إلى آفاق أخرى أقل ما يقال فيها أنها مدمرة ، لأن أسس الصراع المبنية على دار السلام ودار الحرب هي وحدها التي تخدم المنطق المعولم بالطريقة التي تنتهجها الولايات المتحدة؛ وهي وحدها التي تعيد انتاج العنف والصراع المبني على الأصول القبلية نفسها.
الاعتراف بالآخر وبإمكانية التعاون معه لا يأتيان من فراغ ولا من منطق الصراع. الاعتراف والتعاون ينبثقان من الاحساس بوجود الآفاق المنفتحة والتعامل الانساني المبني على الديموقراطية والحرية والمساواة والحق في الحياة واعتبار الانسان القيمة الكبرى في الوجود. وهذه القيم الانسانية النبيلة هي ما يمكن أن يتبناها ويعمل من أجل تعميمها على العالم أجمع النظام العالمي الجديد المتفلت من سيطرة أميركا ، والقابل للوجود والحياة بتضافر الجهود العلمية والعملية وتضامنها في بذر وحصاد ثقافة الانفتاح والاعتراف بالآخر، وبالتعدد وحق الاختلاف على المستويات كافة، مع إمكانيات كبرى للتعاون في شتى المسائل التي تهم الانسانية جمعاء، وخصوصاً في ما يتعلق بالبيئة وقضايا التلوث وحرية الانسان وتمكين المرأة ونشر الديموقراطية في العالم.
تتجلى هذه القيم، في حال تبنيها والعمل على ترسيخها في مناهجنا وتنشئتنا الاجتماعية، وفي المدى المنظور، وعياً للذات ووعياً للآخر. والآخر هنا، يصبح آخرين. ومن هؤلاء الآخرين الولايات المتحدة، ومنهم أيضاً أوروبا ووسط وجنوب شرق آسيا، ومنهم أميركا اللاتينية، وأفريقيا أيضاً. بهذا المعنى لا يعود الغرب غرباً واحداً، ولا الشرق كذلك. والوعي بالذات وبالآخر يفرض منطقاً جديداً للتعامل والتعاون والتنسيق والتكامل. وهذا المنطق القائم على الائتلاف والتعاون، بله الاتحاد بشتى أشكاله، يصنع القوة القائمة على العدل والمساواة، وليس على الهيمنة والطغيان. وبهذا المنطق يصير العرب، كما غيرهم ممن يتبناه، أقوياء. ويصير لهم المكان اللائق في هذا العالم.
العرب والثقافة
إذا كان على العرب أن يعيشوا في قلب العصر، في بدايات القرن الواحد والعشرين، لا بد لهم من أن يكونوا أقوياء. ولكي يكونوا كذلك، لا بد لهم من استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وعلى الأصعدة كافة، وخصوصاً تكنولوجيا الاعلام والاتصال: القطاع الاقتصادي – المعرفي الرئيس في بدايات الألف الثالث. واستيعاب التكنولوجيا لا يكون بنقلها والتدريب على استعمالها وادخالها في بعض قطاعات حياتنا اليومية فحسب، بل بالاضافة إلى ذلك، صنع الذهنية العلمية المعرفية ونشرها في قطاعات المجتمع كافة ليصير العلم والذهنية العلمية والمعرفية من سمات المجتمع ومن أوصافه، ومن مواصفات الفئات المجتمعية ، وإن كانت بدرجات متفاوتة. وهذا كله يتطلب معرفة ما نحن عليه اليوم مقارنة مع البلدان المتقدمة في مجالات العلم والمعرفة والتكنولوجيا، لنحدد موقعنا في العالم ، أولاً، ولندرك الهوة التي تفصلنا عن العالم المتقدم، ثانياً، ولمعرفة كيفية العمل من أجل اللحاق بركب التقدم العام، ثالثاً. فالتغيير، كما يقول هشام شرابي، لا يمكن أن يحصل إلا من خلال فهم الواقع الاجتماعي ونقده[11]. وفي شيء من المقارنة بين البلدان المتقدمة وبيننا في مجال العلم والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي يتبين لنا بشكل ساطع عمق الهوة ووسعها بين العالم العربي والبلدان المتقدمة.
من المعلوم أن تبني العلم والبحث العلمي وما أنتجاه من تقدم صناعي وتكنولوجي كانت من العناصر الأساسية التي اتصفت بها الثورة الصناعية في أوروبا منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومن ثم قيادتها من قبل الولايات المتحدة ابتداء من منتصف القرن العشرين لظروف صعبة مرت فيها أوروبا ناشئة عن منطق الاستعمار والمنافسة. إلا أن منطق المنافسة نفسه قضى بأن تتصدر الولايات المتحدة قائمة البلدان المتبنية للبحث العلمي والتكنولوجيا، تليها المجموعة الأوروبية واليابان. ومنطق التطور اللامتكافئ بين الدول المستعمرة المستفيدة من الثورة الصناعية والدول التي كانت مسرحاً للاستعمار ومنجماً للمواد الأولية، جعل من هذه الأخيرة في الموقع الأدنى، ومقام المستهلك، والمنفذ لإرادة المستعمر بحكم السيطرة ونشوء النخبة المحلية المنفذة للسياسة الخارجية. هذه العلاقة غير المتكافئة أنتجت تخلفاً على كل المستويات، وخصوصاً على مستوى تبني العلم والبحث العلمي، وعلى مستوى الذهنية التي عليها تقع مهمة البحث عن المعرفة ونوعيتها.
تظهر تقارير التنمية الانسانية أن مجمل ما يرصده العالم العربي للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي لا يتعدى نسبة 0,75 % من الناتج المحلي، بالمقارنة مع 2,8% في الولايات المتحدة و2,42% في فرنسا و2,5% في ألمانيا. ولا وجود لأكثر من 318 باحثاً ومهندساً لكل مليون من السكان[12]، بالمقارنة مع 3360 عالم ومهندس في الولايات المتحدة لكل مليون من السكان. وإذا كان في العالم العربي 300 مليون، فهذا يعني أنه ليس لدينا أكثر من 100 ألف باحث. ولا يختلف الأمر في أميركا اللاتينية عما هو عليه في العالم العربي.
هذه الأرقام تبين لنا مدى تأخر العالم العربي في ميدان البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. وما نلاحظه اليوم هو تكريس هذا الواقع، وازدياد الهوة بيننا وبين العالم المتقدم[13]. وهذه الهوة فرضت على العالم العربي، وعلى أمكنة كثيرة من العالم تعيش أوضاعاً متشابهة مع أوضاعه، علاقةً تزداد تبعيتها للبلدان الصناعية المتقدمة، وتترك المجال لهذه البلدان بأن تتعامل معها بحرية لا يكاد يقيدها قيد، وهي حرية متأتية من الضعف المقابل، لتأمين مصالحها ودعم استراتيجياتها في علاقاتها مع البلدان النامية، ومنها العالم العربي.
أما إذا أردنا استنطاق ما تقوله تقارير الأمم المتحدة حول هذه المسائل، فإننا نرى، بعد عشر سنوات، أنها أكثر تشاؤماً، وتساهم في تأكيد ما ظهر أعلاه. ففي أحد تقاريرها تبين أن الدول العربية لا تخصص أكثر من 0,5 % من مجمل ناتجها المحلي للبحث العلمي والتطوير، مقابل 2 % للدول المتقدمة. وذلك حسب التقرير[14] الذي ظهر في العام 2002. وما يزيد الطين بلة أن تقرير 2003 أفرد 0,2 % من مجمل الناتج المحلي للبحث العلمي والتطوير[15]. وإذا كانت هذه المعلومات دقيقة، فهي تعني أننا نسير بسرعة إلى الوراء. ويشير تقرير العام 2002 إلى ما يمكن أن يفعله العرب ليحققوا تطورهم وأمنهم، وهو زيادة نسبة الأموال المخصصة للبحث العلمي والتطوير من 0,5 % إلى 1 ومن ثم إلى 1,5 و 2% في فترة لا تتعدى الثلاث سنوات. وإذا كان على البلدان العربية أن تحافظ على مواقعها في هذا العالم فعليها " تبني العلم الحديث الذي يقوي قدرتها على مواجهة المنظومة العالمية الجديدة التي تتحكم في أحدث التقانات وأنجع التنظيمات"[16].
ويظهر التقرير نفسه (2002) أن قلة العاملين في مجال البحث العلمي والتطوير في العالم العربي لا يعود إلى نقص متأصل عند العرب بقدر ما يعود إلى هجرة الكفاءات العلمية للعمل في ميادين اختصاصهم التي لا تتوفر في البلدان العربية، أو لأسباب أخرى تتعلق بموقع رجل العلم في بلاده، أو إلى ضعف الامكانيات والحوافز التي عليها أن تشجعه على البحث والتطوير. هذا بالاضافة إلى أن العالم العربي يأتي في آخر قائمة مستخدمي شبكة الانترنت في العالم، ونسبة هذا الاستخدام هي 0,5% علماً أن نسبة عدد العرب إلى العالم هي 5%[17].
الحلول الممكنة
بصرف النظر عن المعلومات الواردة في هذا التقرير، وعن التحليل الذي يفصل بين الدعم المادي للبحث العلمي والبنية المعرفية العامة للمجتمعات العربية[18]، يرتب هذا الوضع على العرب مسؤولية كبرى تجاه حاضرهم ومستقبلهم، ويحتم عليهم النظر في ما يمكن أن يقوموا به إذا كان عليهم أن يعززوا مواقعهم في هذا العالم.
وهنا لا بد من التساؤل معهم: أي الحلول ممكنة؟
- تصفيح الذات، والعمل على أن ينأى العرب عن كل متغيرات هذا العالم ومستجداته، وعلى المستويات كافة؟
- نقل التكنولوجيا والبقاء في موقع الاستهلاك لكل ما ينتجه الغرب، انطلاقاً من المقولة التي لا تزال تتردد: طالما نمتلك القدرة على اقتناء ما يلزم من منجزات الحضارة الغربية، فلماذا الغرق في بحور البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، فيكفي ما لدينا من الروحانيات ونستورد ما يلزمنا وما يناسبنا من الماديات.
- نقل التكنولوجيا وتوطينها[19] واستيعابها في شرايين النسيج المجتمعي لتصبح من دواخل ذهنياتنا ومن عناصر عقولنا ومن مبادئ ممارساتنا العملية في شتى أمور حياتنا؟
لا شك أن احتمالات الاختيار هذه تجول في عقول أهل الحل والربط والنخب وأهل الفكر والعلم عندنا. وكل فئة ترى في خيارها سبيلا للمستقبل، وإن كانت المناقشات حول هذه الخيارات لا تزال محتدمة تملأ صفحات الاعلام المقروءة وشاشات الوسائل المرئية الفضائية منها والمحلية. وفي كل حال يبقى خيار نقل التكنولوجيا ومن ثم توطينها واستيعابها، الخيار الوحيد الذي يعمل على تحول المجتمع ليصير مجتمع المعرفة المنتج لها والمتقوّي بها، وبالتالي هو الخيار الأسلم. فإذا كان البشر صانعي المعرفة، فإنهم في المحصلة الأخيرة صنيعتها أيضاً[20]. وفي العصر الراهن " يمكن القول أن المعرفة هي سبيل بلوغ الغايات الانسانية الأخلاقية الأعلى: الحرية والعدالة والكرامة الانسانية"[21]. ويعني مجتمع المعرفة اعتماد المعرفة مبدأ ناظماً لجماع الحياة الانسانية[22].
واذا كان لا بد من نقل التكنولوجيا[23]، فكيف السبيل الى توطينها واستيعابها؟
التكنولوجيا كتعريف ليست سوى مجموعة معينة من التقنيات تتداخل في عملية معينة بمصادر الإنتاج الأخرى. والتطورات التكنولوجية ما هي إلا تراكم كمي لهذه المجموعة مع مرور الزمن[24]. ويتطلب نقل التكنولوجيا بين البلد الذي هو بحاجة اليها وبين البلد المصدر وجود مشروع مشترك بين الملتقي والمرسل. وهنا نقع على نمط جديد من العلاقات اللامتكافئة التي عليها في كل الأحوال أن تعيد انتاج علاقات التبعية من الناقل الى المالك والمصدّر.
هذه العلاقة اللامتكافئة بين منتج التكنولوجيا وناقلها ناتجة بدورها عن التطور التكنولوجي للبلد المنتج، من ناحية، وتخلف الناقل عن اعتماد العلم والبحث العلمي كخيار أساسي للتقدم من ناحية ثانية. وهذا التطور ناتج بدوره عن واقع اقتصادي واجتماعي وثقافي، وهو جزء من نمط حياة وانتاج. وبالتالي فإن العلاقة بين المعطي والملتقي هي علاقة بين نمط حياة متقدم ونمط حياة يتلمس طريقه للتقدم. وبهذا، لا تعود العلاقة مرتبطة فقط بالمسألة التكنولوجية. ما يعني أن هذا الإنتاج الأخير هو جزء من هذه العلاقة وليس العلاقة بكاملها. وهنا ندخل في عمق العلاقة التابعة التي تظهر هنا بصورة علاقة تكنولوجية لتصير بالأخير علاقة غير متكافئة تطول شؤون التعامل في شتى مناحي الحياة. ويصير النقل التكنولوجي، إذا لم يكن في خدمة النظام الإنتاجي للناقل، عبئاً عليه بدل أن يكون مساعداً. ويصير بهذا المعنى وكأنه من جملة المنقولات الأخرى التي تزيد من عمق الهوّة ووسعها بين الناقل والمرسل، من جهة؛ وتعمّق علاقات التبعية، من جهة ثانية.
في هذه الحالة، تبقى الفائدة من النقل التكنولوجي في حدودها الدنيا وشكلها الفردي الذي يفيد قطاعات ضيقة ومحددة. ويبقى النقل، اذا اقتصر الأمر عليه ولم يتعدّ حدوده، لصيق الواقع الإجتماعي-الإقتصادي بدل أن يدخل في خيوط نسيجه الأمتن. لذلك على النقل أن يسلك مسلك الإستيعاب التكنولوجي. فالتكنولوجيا بالإضافة الى كونها عملية تصميم السلعة وتقنيات الإنتاج وأنظمة التسيـير من أجل التنظيم والتنفيذ، هي التطبيق المنظم للعلم وباقي المعارف المنظمة لأغراض تطبيقية[25]. وعليه، إذا كان من المستحيل شراء العلم والتكنولوجيا المرتبطة به، فإنه من الممكن نقلها كسلع ومواد لا كمعرفة وثقافة ومنظومة قيم[26]. ونقل المعرفة المتعلقة بالسلع التكنولوجية يبقى في هذه الحدود، وليس له القدرة على الوصول الى المعرفة باعتبارها منتجة لهذه التكنولوجيا، ولا الى منظومة القيم التي أسست لها، ولا لنمط الحياة المجتمعية التي تجلت عنها.
إن تحقيق ما يمكن أن يؤدي الى تطوير البحث العلمي واستيعاب التكنولوجيا وتوطينها يتطلب توفر الأساس الصلب المتين المتبني لمناهج البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. وهذا الأساس بدوره لا يتطلب أكثر من توافر النوايا الصادقة والرغبة الحقيقية المتمثلة في تضافر ثلاثة عناصر، حسب ما ذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002، وهي الإلتزام الجاد بدعم العلم والبحث العلمي من قبل صانعي القرار، والإحترام الحقيقي للعلم والمعرفة من المجتمع، ورغبة صادقة في استمرار مواكبة التقدم العلمي[27]. هذا الأساس، إذن، ينقل التعامل مع التكنولوجيا من اعتبارها وافدة وذاتاً متميزة للنخبة ولفئات محددة ومحدودة في المجتمع، الى شأن أساسي مجتمعي باعتبارها انتاجاً علمياً يستجيب للحاجات المتغيرة بتغير نظرة المجتمع الى الحاضر والمستقبل؛ وباعتبارها مطلباً حيوياً يستوجب تضافر الجهود في شتى الميادين العلمية والعملية لضمان تحويل الإنتاج الفكري التقني الى قيمة اقتصادية فاعلة في المجتمع[28].
من أجل ضمان تحقيق الإستيعاب التكنولوجي، لا بد من تحقيق نقلة نوعية في بيئة المجتمع وفي ذهنية المنتمين اليه. وأولى الخطوات في هذا المجال وضع العلم والبحث العلمي في المقام الأول. وهذا يتطلب تحولاً في محتوى البنية المعرفية العامة بمعنى ترتيب أولويّاتها. فمن المعروف أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين تقدم المجتمع العلمي وبين اعتبار العلم كأولويّة في بنية المنتمين اليه الذهنية والمعرفية. والبنية المعرفية العلمية تشجع الإبداع والإبتكار والاصلاح.. والتغيير إذا كان لا بد منه. ومن أجل بناء المعرفة العلمية لا بد من التخطيط لسياسات اجتماعية ولتنشئة علمية في المناهج التربوية، وتبنّي العلم والبحث العلمي منذ بدايات التعليم في المدارس وصولاً الى مراحل التخرج من الجامعات، والعمل في مراكز البحوث، بالإضافة الى تحفيز البحث وبث روح المنافسة بين العلماء والباحثين، وخلق روح التعاون لتقدم البحث العلمي.
الثقافة العربية والديمقراطية
إذا كان الاستيعاب التكنولوجي يتطلب تغيراً جذرياً في ممارسة السلطة الحاكمة لدورها في إعلاء شأن العلم والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وتغيراً جذرياً في نظرة المجتمع إلى العلم، وإلى العلماء، وإلى مكانة البحث العلمي، وإلى الاستمرار في متابعة ما يجري على الساحة العلمية في أي مكان من العالم؛ إذا كان الاستيعاب التكنولوجي يتطلب كل ذلك، فهل بالامكان استيعاب ذلك مع الحفاظ على الهوية، وعلى الانتماء، في عالم جعلت منه التكنولوجيا مجرد قرية كونية؟
في الاجابة عن هذا التساؤل، تتداخل عوامل متعددة، منها ما يتعلق بعامل نقل التكنولوجيا والبقاء في هذا الموقع، ومنها ما يتعلق بعوامل متعددة متعلقة باستيعاب التكنولوجيا وتوطينها.
البقاء في موقع نقل التكنولوجيا يبقي هذه العملية مقتصرة على قطاعات محددة من المجتمع قدّر لها أن تتبوأ المراكز المسؤولة في الدولة وفي المجتمع، وعلى النخبة المثقفة التي إما شغلت مهناً جعلتها متميزة عن غيرها من الفئات الأدنى، أو فصلت نفسها، بثقافتها عن القطاعات الشعبية والمتوسطة التي تشكل أغلبية فئات المجتمع. فأبرزت تميزها هذا باقتناء ما يتناسب مع مواقعها، وخصوصاً في مجالات الاتصال والاعلام بمختلف توجهاته.
في هذه الحالة، تبقى التكنولوجيا محصورة في أيدي النخبة ومستعملة في حدودها الدنيا التي لا تتعدى الاطلاع على آخر ما أنتجته البلدان المتقدمة، وفي المجالات كافة، وباللغة المهيمنة على لغات الاتصال والاعلام. فيبقى المشغـّلون لهذه الشبكات في مواقع ردود الفعل وتلقـّي ما يملأ شاشات الكوميوتر والفضائيات، وخصوصاً ما هو ممنوع بثه أو تداوله في البلدان العربية. ولا يقتصر الأمر في ذلك على أمور الجنس والعنف والشذوذ في أشكاله كافة، بل تطول أيضاً البرامج السياسية والفكرية والدينية بشكل عام، ما يجعل المتابع لهذه المسائل في البلدان العربية، وخصوصاً من النخبة، يشعر بحالات من الإحباط وتبخيس الذات ونبذ كل ما هو عربي: حضارة ولغة وديناً، ويشجعه على الغربة عن مجتمعه وعلى إنكار هويته والتنكر لحضارته... أو يرتدّ فعله فيتقوقع على الذات ويصفـّح نفسه ضد أية إمكانية للتغيير، وفي الحالتين خلل في النظر إلى الذات وإلى الآخر. ويُبقي، في الوقت نفسه، القطاعات العريضة من الفئات الشعبية في عزلة عما يحصل، إلا بما تتيحه القنوات الفضائية التي تشعره، وإن أقل، بنوع من الغربة عن محيطه وحضارته ومقتضيات إيمانه الديني. ولكن يبقى، في الأخير، أن النقل التكنولوجي والاقتصار عليه يزيد الهوة اتساعاً، ليس بين المتلقين والمرسلين فحسب، بل، أيضاً، بين فئات المجتمع الواحد مما يضعف من قوة التلاحم الاجتماعي، ويساهم في عملية التفتت الموصل، ولا بد، إلى التوتر فالصراع.
من هنا تظهر أهمية الاستيعاب التكنولوجي التي تتطلب، أول ما تتطلب، قضية الوعي بالذات، وبموقع هذه الذات في العالم، وفي علاقة هذه الذات بالآخرين. والوعي بالذات يتطلب فهم الواقع الإجتماعي- التاريخي للعرب، وموقعهم من العلم والعلماء وفضلهم في بث الروح العلمية وتشجيع البحث العلمي في العالم ابتداءً من القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي- وعلى يد العباسيين، خصوصاً، سلطة ومجتمعاً، ودورهم في تشجيع العلم والعلماء، وفي تعميم أهمية التجربة العلمية ودورها في استنـتاج القوانين العامة للعلم عن طريق الإفتراض والبرهان وتثبيت النتائج. كل ذلك في مناخ من الإيمان الديني والإنفتاح والتسامح والحوار بين المذاهب الفكرية والدينية للوصول --الى الحقائق المؤيدة من العقل، أو المسلـّم بها عن طريق الإيمان في حال عجز العقل عن إظهار البرهان القاطع. حصل ذلك في وقت استهله العرب بالأخذ عن الأعاجم، وخصوصاً من اليونان المختلف في الدين، ومن الفرس المختلفين في الطائفة ضمن الدين الواحد، ومن الهنود المختلفين في كل شيء. فقد عرف العرب جالينوس وأبقراط وكانكا وأساتذة مدرسة جنديسابور وعلماءها قبل أن ينتجوا باللغة العربية ، وضمن مناخ الحضارة العربية الاسلامية، ما قدمه الفارابي وابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم والخوارزمي وابن حيان والبتاني والرازي وغيرهم من العلماء في شتى مجالات العلوم.
إذا كان ذلك قد حصل في القرن العاشر للميلاد، وما بعد، فهل من الكثير على العرب أن يعاودوا فعل ذلك في بدايات القرن الواحد والعشرين؟ أن ينتقلوا من مرحلة نقل التكنولوجيا إلى مرحلة توطينها واستيعابها، ومن ثم الفعل فيها بما يتناسب مع قدرات العرب، وبما يلبي حاجاتهم؟
إذا كان ذلك بالامكان، فما هو السبيل إليه؟
العقلانية والبحث العلمي
لا شك أن تقدير العلم وتشجيع البحث العلمي وبث الروح النقدية في شرايين المجتمع ، وعبر نسيجه الاجتماعي المتنوع وانتماءاته المتعددة هي هذا السبيل. إلا أن هذا التعاطي الايجابي مع العلم لا يأتي من فراغ، ولا ينبعث حياً من ذاته ولذاته، بل هو نتاج نظام حكم ومؤسسات وجمعيات وروابط ونقابات وأحزاب تعمل على صناعة المجتمع المدني والمواطن، وتنفخ في الحس الطبيعي للانسان لتحوله من حس أهلي إلى حس مدني يدرك ذاته، ويعي موقعه في مجتمعه من خلال إحاطته بكل ما يشكـّل حقوقه المجتمعية، وبكل ما يشكل واجباته أيضاً تجاه مجتمعه، وتجاه الدولة التي ترعى شؤونه كمواطن. وبوعيه لحقوقه وواجباته يدرك مدى أهمية الحرية التي عليه التمتع بها، ومدى ثقل المسؤولية التي عليه تحملها لتأمين الصالح العام وبلورة الارادة المشتركة والمصير الواحد في هذا العالم المتعدد والمتضارب في مصالحه.
وعي هذه المسائل جميعاً، يولّد الاحساس بوجوب الافادة من تقنيات العصر المتولدة بدورها من العلوم والبحوث العلمية في المجالات كافة التي تفيد الانسان وتلبي حاجاته. وبهذا الوعي تنـتفي الصفة الغائية عن "النقل التكنولوجي"، وينتقل بإرادة المواطن وقدرته وعلمه ووعيه لمسؤوليته إلى وسيلة لاستيعاب التكنولوجيا ووعي دورها في عملية النهوض المجتمعي، ومن ثم الفعل في ميدان التكنولوجيا بما يتناسب ومتطلبات حياتنا وحاجاتنا في شتى المجالات للوصول إلى التنمية الحقيقية. وهي التنمية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالتنمية الانسانية الشاملة بما فيها تمكين المرأة وتنشئة الطفل والقضاء على الهجرة والبطالة.
هذه الغاية الانسانية النبيلة هي محط أي فعل مجتمعي إن كان في نقل التكنولوجيا أو استيعابها أو الفعل فيها. وهي غاية لا تتحقق فعلاً إلا بتغيير نظرة الحاكم إلى المحكومين، وبتغيير نمط الحكم وعلاقته بالمجتمع. فالحاكم عندما لا يشغله سوى الحفاظ على موقعه في الحكم، يتوسل أية وسيلة ممكنة للبقاء. فينعكس ذلك على نظرته نفسها إلى التكنولوجيا التي لا تعني له شيئا إلا في كيفية الافادة منها باستغلالها لتأبيد سلطته، بوصفها أداة في أيدي أجهزة الأمن تستعملها لعرقلة عملية تداول السلطة، وقمع الحرية، ولجم الديموقراطية ومنع نضوج الحس المدني والشعور بالمواطنية. وفي هذا المجال لا يأنف الحاكم عن استعمال شتى الوسائل، ومنها مسألة الانتماء الديني أو المذهبي، ليبقى على رأس السلطة. فينظر عن طريق توسل الدين، إلى الأمور الحياتية بمنظار الدين المحافظ، فينكمش الانفتاح، أو يقفل على ملكوت الإيمان الخالص والمعزول عن متطلبات الحياة كافة. وتصير متغيرات الأمور الحياتية، ومنها التقدم التكنولوجي نفسه، من عمل الشيطان الأكبر.
بهذا التوجه، تلتقي استراتيجية الحاكم الشمولي المؤيد من حرس طهارة الدين، مع استراتيجية الهيمنة والقوة في تماثل بنيوي لا مثيل له ينتج، من جملة ما ينتج، تقابلاً في موقع اللاتوازن يعيد انتاج العولمة المقبوض عليها من مركز القرار في العالم، وتزيد، باستعراض جبروتها على أرض المواجهة، قوة على قوة.
التوجه المقابل المنتج من قبل المجتمع المدني عن طريق العمل الدؤوب والمطالبة والضغط للافساح في المجال للمزيد من الديموقراطية التي تتيح إمكانية تداول السلطة وممارسة الحرية بالتعبير عما يجول في الفكر قولاً وكتابة ورسماً وتمثيلاً وغناء، وفتح القنوات بين فئات المجتمع كافة للمزيد من الاندماج الاجتماعي بالقضاء على التفاوت والسماح بالتدرج حسب الكفاءة والمقدرة والاجتهاد دون أي اعتبار لعناصر أخرى.
بهذه الاعتبارات جميعاً تزداد ثقة المواطن بنفسه، وتقوى قدرته على المعرفة، ويملؤه الشعور باحترامه لذاته ولمجتمعه وحضارته وهويته. ويعود الألق إلى إيمانه بدينه باعتباره دين الانفتاح والتسامح والمشجع على العلم، والمساوي بين مداد العلماء ودماء الشهداء. ولا يبقى الدين، على الاقل بالنسبة إليه كمواطن، مطيةَ السياسة والسياسيين، وإن كان يملأ روحَه إيماناً وتقوى.
بهذا التوجه، يصبح من السهل على التكنولوجيا أن تنتقل وتترسخ وتُستوعب لتصير في خدمة المجتمع، ولتكون عنصراً من عناصره الأساسية المشكـّلة لقوّته وقدرته على العيش في قلب العصر، لا على هامشه أو خارجه. وبهذا المعنى يصير استيعاب التكنولوجيا، والفعل فيها، بعد هضم مرحلة نقلها، الأساسَ الذي يبني العرب عليه نظرتهم الجديدة إلى العالم. نظرة تقابل الند للند، من موقع تبادل المصالح دون عقد نقص أو دونية.
أهمية التكامل العربي
يوصلنا هذا القول إلى نتيجة في غاية الأهمية، مفادها أن لا مجال لوجود عالم عربي فاعل، اليوم، أو في المدى المنظور، إذا لم ينهج نهجاً مغايراً في أمور السياسة، وفي العلاقات العربية – العربية، كأنظمة ومجتمعات، وفي العلاقات العربية – الدولية. وعلى هذا النهج أن يكون، في كل الأحوال، ذا توجه وحدوي في إطار البيئات الطبيعية التي يتألف منها العالم العربي، أو اتحادي – تنسيقي في البداية، إذا صعب التوجه الوحدوي، على المستويات كافة، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، ومستوى النظر إلى الأمور الدولية ولاسيما العلاقات مع الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ودول جنوب شرقي آسيا. وتحديد العلاقة مع هذه الدول بما تقتضيه المصالح العربية العليا. وهي المصالح التي تدعو العرب جميعاً إلى التوجه ناحية أوروبا، صديقة العرب والداعمة لمواقفهم والملتقية معهم في استراتيجيات مناهضة العولمة الأمبراطورية.
هذه العلاقة، في حال تعميقها، يمكن أن تـثمر نتاجاً هاماً على الصعيد التكنولوجي من ناحية أوروبا، واستيعاباً لها، ومن ثم فعلاً فيها من ناحية العرب بعد أن يوفوا ما يترتب عليهم في مجالات التعاون، إن كان على صعيد المواد الأولية، أو الأيدي العاملة المتخصصة والماهرة، أوالمساحات الشاسعة.
هذا التعاون المتبادل، دون هيمنة أو استعلاء، يمكن أن يولّد علاقات بقدر ما تكون بعيدة عما كانت عليه أيام الاستعمار، تكون جديرة بتكوين نواة نظام عالمي جديد بعيد عن غطرسة القوة الامبراطورية، وقادر، في الوقت نفسه على جذب الدول والمجتمعات التي تتجه هذه الوجهة. وهو مشروع يشكل، في حال تحققه، البديل لما هو عليه العالم اليوم.
نظام هذا شأنه، بقدراته الذاتية، ونظرته إلى مشكلات العالم وقضاياه يمكن أن يحل محل العولمة الأميركية، ويعيد إلى أوروبا موقع الصدارة في عالم جديد متطهر من مثالب عهود الاستعمار ومطامعها.
المراجع
- Edward T. tylor, Primitive culture, J. Murray, 1871, London
[1] . ابن منظور، لسان العرب، مادة ثقف، دار الجيل ودار لسان العرب، 1988، بيروت، ص 364-365.
[2] . Edward T. tylor, Primitive culture, J. Murray, 1871, london
[3] . للتفصيل حول مفهوم الثقافة وتداوله في الغرب، أنظر:
[4] . غي روشيه، مقدمة في علم الاجتماع العام، الفعل الاجتماعي، الطبعة الثانية، مكتبة الفقيه،2002، بيروت، ص198.
[5] . للمزيد من التفصيل حول مفهوم الثقافة والمقاربات المتعددة للثقافة، أنظر:
[6] . كوش، مفهوم الثقافة، مذكور سابقاً، ص93.
[7] . المصدر نفسه، ص95.
[8] . المصدر نفسه، ص96.
[9] . للتفصيل حول عمليات التثاقف والهيمنة في المثاقفة، أنظر:
[10] . للتفصيل حول مواصفات المجتمع الأهلي والمجتمع المدني، أنظر:
[11] . هشام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، دار نلسن، الطبعة السادسة، 1999 . بيروت، ص: 125 - 126 .
[12] . يحيى اليحياوي، في العولمة والتكنولوجيا والثقافة، دار الطليعة، 2002، بيروت، ص ص: 102 - 107 .
[13] . أنظر في هذا الخصوص للتفصيل:
- برنامج الامم المتحدة الانمائي، تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 و2003 ، المكتب الاقليمي للدول العربية.
[14] . تقرير التنمية الانسانية 2002، مذكور سابقاً، ص: 67 .
[15] . تقرير التنمية الانسانية 2003، مذكور سابقاً، ص: 72 .
[16] . تقرير التنمية الانسانية 2002، مذكور سابقاً، ص: 67
[17] . المصدر نفسه، ص: 68 - 69 .
[18] . للتفصيل حول تحليل ونقد تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 ، أنظر الندوة المتخصصة التي نظمتها الجمعية العربية لعلم الاجتماع ونشرتها في كتاب " إضافات" ( غير دوري ) العدد الرابع ، أيار 2003 ، وخصوصأ:
- عاطف عطيه، التنمية الانسانية والديمقراطية، ص ص: 163 - 168 ، بالاضافة إلى مداخلات ووجهات نظر متعددة حول التقرير.
[19] . حول التوطين التكنولوجي وأهميته، أنظر:
- تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2003، الفصل الخامس، السياق التنظيمي لاكتساب المعرفة، مذكور سابقاً، ص ص: 97 - 109 .
[20] . المصدر نفسه، ص: 37 .
[21] . المصدر نفسه، ص: 37 .
[22] . المصدر نفسه، ص: 40 .
[23] . حول مفهوم النقل التكنولوجي ودوره وأهميته، أنظر:
- اليحياوي، في العولمة والتكنولوجيا، مذكور سابقاً، ص ص:110 - 118 .
[24] . هذا التعريف التقليدي للتكنولوجيا ذكره اليحياوي في:
- المصدر نفسه، ص: 111 .
[25] . المصدر نفسه، ص: 115 .
[26] . المصدر نفسه، ص: 115.
[27] . تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002، مذكور سابقاً، ص:64 .
[28] . المصدر نفسه، ص: 64 .