مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
العالم العربي والهوية المأزومة
 
عطيّه، عاطف
 

 

 

الإجابة عن أسئلة مدغمة مرقمة من 1 إلى 8.

 

 

  1. عندما بدأ العرب في المطالبة بالقومية العربية، كان الكثيرون من نخبتهم يطالبون بالرابطة الإسلامية في مواجهة الغرب، من جهة، نصرة للعثمانيين، إنطلاقاً من إيمانهم الديني. وأقصى ما طالبوا به هو الإصلاح على أساس اللامركزية، وإعطاء العرب شيئاً من إستقلالهم الذاتي تحت راية العثمانيين، ممثلي الخلافة الإسلامية. لذلك جاءت المطالبة بالقومية العربية بإستقلال تام عن السلطنة العثمانية، من قبل النخبة المسيحية في لبنان، ومن كان منها في مصر. وعندما بدأ الأتراك ينادون بالقومية التركية وبالأصل الطوراني، معتدّين بأنفسهم على حساب العرب المسلمين، توجهت نخبة هؤلاء إلى المناداة بالقومية العربية غير المفصولة عن الإسلام معتمدين على وحدة اللغة ووحدة الدين والعنصر بما يتناسب مع العاطفة، في وجه تعالي الأتراك المنقادين من منظمة الماسونية العالمية والعنصرية الطورانية. فاعتمدوا بذلك، وعلى نحو عاطفي، ما يمكن أن يكون نتيجة للإجتماع البشري على أنه أسباب. عند ذلك توجه اللبنانيون المسيحيون إلى المناداة بالقومية اللبنانية في أكثريتهم، معتمدين على العنصر الديني نفسه. ذلك أن المجتمع وبيئته الإجتماعية هي التي تحدد صفاته ومميزاته عن أي مجتمع آخر، وإن كان قريباً منه، لأن المتحد الإجتماعي هو الذي يحدد المواصفات والمميزات لا هذه تحدد المجتمع.

 

ما أريد قوله إن الدين واللغة والعنصر ليست إلا نتائج لواقع إجتماعي تاريخي للمجتمع وليست المسببة لوجوده. لذلك أخفق المشروع النهضوي العربي لأنه لم يقم على أسس متينة وثابتة، بل جاء كمحاكاة للمشروع الغربي وفي مواجهته سياسياً في الوقت نفسه. وهنا كانت حقيقة المشكلة النهضوية العربية. وكان من النتائج التي وصلت إليها النهضة العربية أن قُسّمت البلاد، وخصوصاً المشرق العربي إلى دول صنعت على غرار ما يريده الغرب لتبقى على تبعيتها له. مع الإبقاء على كل العناصر التي تكفل بقاء العجز عن القيام بمشروع نهضوي حقيقي. فبقيت الدول كما رسمها الغرب ونشأت الممالك والإمارات والجمهوريات على الشكل الذي يكفل بقاءها الدائم، من خلال حرص الأنظمة على البقاء والإستمرار عن طريق التوارث، أو الإنتخابات ضمن أهل الحل والربط التي تبقى على استعداد دائم للتبعية تجاه من ساهم في إيجاد هذه الكيانات وأنظمتها.

 

2. لم يظهر المشروع القومي في صيغه المكتوبة والمنظمة إلا في صيغتين: القومية العربية بأشكالها المتعددة، ومنظّريها الذين لم يصلوا إلى مرحلة التنظيم الدقيق إلا لدى حزب البعث العربي الإشتراكي الموحد ومن ثم المنقسم بين الفرعين السوري والعراقي، والحزب السوري القومي الإجتماعي الذي اعتبره العروبيون إقليمياً، مع أنه يقول بالجبهة العربية بعد تأمين وحدات الأمم العربية الأربع، لأن منطق التاريخ يقول بأهمية وحدة المجتمع المبنية على الشروط السوسيولوجية المعروفة، لأن فاقد الشيء لديه لا يعطيه لغيره. ومن ثم هناك أفكار قومية عربية مبنية على الآمال والآلام المشتركة ووحدة الدين واللغة المساعدة لتمتين القومية وليس لخلقها، ومنها التيارات الناصرية التي وجدت لها بعض المنظرين في القومية مثل ياسين الحافظ وعصمت سيف الدولة وساطع الحصري من قبلهما ونديم البيطار وغيرهم. لذلك بقي كلام هؤلاء مجرد تنظير لم يفعل فعله على أرض الواقع. بينما حكم حزب البعث دولتين في المشرق. ومن المفارقة أنهما كانا على خصام فاقع، أكثر من أي علاقة أخرى مع أي بلد عربي آخر. والحزب السوري القومي الإجتماعي، رغم نجاحه في علمنة نظامه، وتأثيره في علمانية أعضائه وقياداته، لم يستطع التأثير بما يمكن أن يغيّر في بنية المشرق الذهنية ومن ثم بنية العرب ،إلا في القليل الذي لم يتوصل إلى البدء بعملية التغيير. وربما السبب في ذلك يعود إلى ملاحقته المستمرة من قبل الأنظمة، واضطهاد أعضائه في الشكل الذي أبقى نشاطه في إطار الحد الأدنى.

 

بقي كلام منظّري القومية العربية على اختلافها في إطار التنظير ولم يستطيعوا الخروج من سيطرة القوى الحاكمة والمحكومة بتبعيتها، فكانوا بمعظمهم من منظّري السلطان ومن الضاربين بسيفه. ومن كان منهم على حرية معلومة في القول والفعل تعرّض للاضطهاد والسجن وحتى القتل. وبقيت السلطة بكل أشكالها هي الماسكة لزمام الأمور على المستويين الثقافي والسياسي. ومن الطبيعي في هذه الحالات أن يبقى الحكم في أي بلد عربي خاضعاً لمنطق الأقوى في الخارج وسائراً في ركابه. ويمارس بدوره في الداخل سلطة الأقوى، وعلى الجميع أن يسيروا في ركابه، وإلا التشرد والنفي والسجن وكم الأفواه.

 

 

3. عندما قام أي نظام في أي بلد عربي، كان همه الأساسي الحفاظ على استمرارية الحكم. ويقوم بتنظيم كل ما له علاقة بالدولة لخدمة هذا التوجه. وفي مسار الحكم الذي يعمل على تأبيد نفسه، إما يُشرك آخرين لضمان الإستقرار والإستمرار، وإما ينفرد بالمجد على الطريقة الخلدونية. وفي الحالتين يكون الإستبداد والسيطرة الهوية الإساسية للحكم. الإستبداد يؤدي إلى التفرد في الحكم والسيطرة عن طريق القوة، بالذراع المخابراتية والعسكرية. والمشاركة لتأمين التوازن الذي يمكن أن يختل لمصلحة مغايرة لمصلحة الحاكم. فيحصل الإنقلاب من فوق تحت عنوان تصحيح المسار. فيطول التغيير أفراداً من السلطة الحاكمة. وعلى مستوى القاعدة يبقى كل شيء على حاله. والحاكم الجديد يعمل على تثبيت دعائم حكمه، وعلى فرض الهدوء في الشارع على كل المستويات. فيبقى المجتمع عموماً في مكان، والحكم في مكان آخر. ما يعني أن السلطة تعمل على موجة مغايرة لمصالح المجتمع وتطلعاته. فيبقى هذا غارقاً في تخلفه، ويتجه النظام إلى الغرق أكثر في تبعيته للخارج ليبقى محافظاً على وجوده في السلطة. في هذه الحالة ما على السلطة إلا أن تبني علاقاتها مع القوى المؤثرة في المجتمع، مهما كانت هويتها. فتُشركها في الحكم وتؤمّن ولاء أتباعها. ويسير كل شيء كما هو مرسوم من قبل السلطة.

 

4. عندما يفشل مشروع ما، مهما كان نوعه، لا بد من أن يستبدل بمشروع آخر. الطبيعة لا تحتمل الفراغ. ولا بد لأي فراغ أن يُملأ. وهذا يسري على مشاريع الحكم التي تقوم بتنفيذ برنامج سياسي إجتماعي تؤمن به، أو تتبنى مشروعاً سياسياً اقتنعت به. فإذا نجحت كان به، فتعمل على إنهاض المجتمع بموجب حكم رشيد يدرك أهمية التنمية على مختلف وجوهها، فينجح وينقل المجتمع من حال إلى حال، ويبقى على نهوضه ذاك. أما إذا فشل، فإن تحمّل تبعات الفشل تقع على الفكر الذي عمل على تحويل نظرياته السياسية والتنموية والإجتماعية إلى ممارسات عملية فاشلة، وليس فقط القائمين بالعملية الفاشلة. فيكون ذلك سبباً للحكم على فشل النظريات القومية وليس على القائمين بتنفيذها. فيتقدم حاملو المشاريع المغايرة، دينية أو حاملة لمشروع نهضوي عابر للقوميات، حسب الواقع الإجتماعي التاريخي للبلد المعني. وعندنا في البلدان العربية، تتربص التيارات الدينية بالدولة للإنقضاض عليها في حال الفشل في قيامها بهماتهما بإسم الوطنية والقومية والتحديث والمعاصرة. فيعملون إما على استلام الحكم أو على المشاركة فيه، بإعتبار التجربة هي البرهان على إمكانية التغيير. فينقلب الأمر من فشل مشاريع سياسية وتنموية، بتجربة مشاريع جديدة تقوم على نظام يتخذ من الدين وسيلة له بكل ما فيه من متوجبات شرعية تحصي على الناس أنفاسهم، وتعمل على الحكم بإسم الدين، متخذة من العامة الممثلة للأكثرية الساحقة من المجتمع والوسيلة القوية لذلك؛ وهي الوسيلة المتّسمة بالجهل، والمسيّرة بإسم الدين وما يريده الله، وما لا يريده. فننتقل بذلك من فشل القوى القومية في إدارة دفة الحكم إلى قوى تحكم، أو تعمل على الحكم، بإسم الدين والشرع الديني. فينتقل المجتمع بذلك إلى واقع أمرّ وأدهى. ونسير في دائرة تاريخية تعيدنا إلى البدء، لنستأنف العمل من جديد، للمحافظة على هيبة الحكم والإستقرار، بإستعمال شتى أنواع الترهيب عن طريق أجهزة المخابرات على أنواعها.

 

5. الإسلام ليس مشروعاً سياسياً وإن كان برنامج حياة للمسلمين. إتخاذ الإسلام وسيلة لحكم المسلمين جرّ على الإسلام والمسلمين الكثير من المصائب في الماضي والحاضر، وسيعمل على ذلك في المستقبل إذا بقى الإصرار على اعتباره برنامجاّ سياسياً، أو نظاماً سياسياً. ويمكن الإفادة من توجهات الإسلام حتى في الشؤون السياسية، ولكن على السياسة إن تبقى شأنا وضعياً من صنع البشر وإن استلهم المبادئ الإسلامية في تدبير شؤون الناس، وخصوصاً ما يتعلق بالعدالة والتسامح والتقوى والشورى وغيرها. مقولة الإسلام هو الحل بمثابة ذر الرماد في العيون. إذ لا يمكن ان يكون الله هو الحاكم، وفي الوقت نفسه مقاليد الأمور بأيدي الناس ومن متوجبات العمل بما يطرأ من شؤون عملية وإنسانية ناشئة عن العلاقات فيما بينهم. والإسلام لا يقدم إلا العموميات المختصرة جداً في شؤون الحكم والاقتصاد والإجتماع والسياسة وكل شؤون الحياة الأخرى. ولا أجوبة لديه عن المستجدات الإنسانية التي نشأت وتنشأ في ظل التطور الحضاري الحديث. ولا برامج لديه أو خطط في كيفية التعامل مع مستجدات العالم الحديث. فكيف عليه أن يعمل. وإذا عمل، فلا بد من تطوير وتوسيع هذه الخطوط العامة التي جاء بها الإسلام. وهنا لا بد من التساؤل، من الذي عليه أن يفصّل ويوسع، وفي حال القيام بذلك إلى من تعود هذه التفصيلات والتوسعات؟ هل من صنع البشر هي أو من صنع إلهي. وهل تضمن الإجماع؟ وهل تخرج عن كونها وجهات نظر في الإسلام يقدمها مسلمون؟ وخاضعة كما غيرها للنقاش والمعارضة والتوافق والحياد مثلها مثل أي شيء آخر ينتجه إسلاميون؟ ويكون في الوقت نفسه مظنة الخلاف فيما بينهم قبل أن يكون بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين من العرب ومن غير العرب من الناس أجمعين؟ ألم نقتنع بعد أن أكثر التشريعات الإسلامية، بل أكثريتها الساحقة خاضعة لوجهات النظر ولا تحظى بالإجماع؟ أليس هناك من المسلمين في أنحاء العالم قاطبة لا يأخذون مرجعية ثابتة لهم إلا القرآن؟ حتى أنهم لا يعتبرون أن سنة الرسول مرجعاً موثوقاً لهم؟ كيف يمكن لنا في هذه الحالة أن نعنبر أن الإسلام هو الحل؟ وكيف يمكن له أن يتحقق؟ ونحن نلاحظ اليوم أن أكثر الناس عداوة فيما بينهم هو التابعون للمنظمات الإسلامية؟ وتراق دماء كثيرة بإسم الإسلام وبأيدي المسلمين؟

 

 

6. الربيع العربي نشأ قبل أوانه. لذلك جاء بإعتباره مؤامرة ضد أي نوع من أنواع التغيير. لقد قضى على كل إمكانية للتغيير. وما حصل أدى إلى تصفيح الأنظمة العربية وإلى توجهها أكثر نحو الإسلام الراديكالي الذي يعتبر أن المهم أولا إسقاط الأنظمة، ومن ثم المرحلة الإنتقالية الفوضوية التي تمهد لإستلام الحكم من قبل الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي. وما حصل في الربيع العربي هو إظهار الإسلام على أبشع صورة في كل تنظيماته. ومن بقى خارج الصراع من المسلمين، كانوا مكمومي الأفواه ويعتبرون أن هذا الإسلام ليس هو الذي يؤمنون به. ورأوا أن من الضروري العودة إلى التبشير بالإسلام الرحوم والمنفتح والنيّر. وهو ما لم يلحظه الربيع العربي الذي جلب مع نسائمه المبشرة بالخير أفظع مجرمي العالم باسم الدين والجهاد في سبيل الدين. فكان أن قضي على الربيع العربي باسم الإرهاب والتطرف، وأنقذ الأنظمة من دمويّتهم باعتبار أن الحرب المعلنة تحلل كل المحرمات، ولا بد من الحفاظ على الوجود مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات والوسائل. لم يكن الربيع العربي أكثر من جنين تعرض لعملية إجهاض، فراح الجنين وراحت أمه معه، أو على الأقل أثخنت بالجراح إلى الدرجة التي لم يعد لها قائمة من بعده. وليس من المستغرب أن نجد أن الأكثرية الساحقة من الشعوب العربية، وفي أي مكان عادت إلى روابطها الأهلية الأولية التي لا تتعدى القرابة المباشرة والبعيدة ضمن القبيلة والطائفة ضمن الدين الواحد، والمنطقة. وهذا أقسى ما يمكن أن يتعرض له الإنسان، فرداً كان أو جماعة، أو مجتمعاً.

 

 

7. الهوية الوطنية لا تأتي بذاتها ولذاتها مثل الهويات الأهلية التي تولد مع الشخص وتنمو بنموه من خلال تربية أهلية يكتسبها بالطبيعة من خلال انتمائه إلى أهل وأقارب ومذهب ودين، وحتى كنوع واسم وانتماء لمسقط رأس. الهوية الوطنية صناعة وتنشئة وتربية تقوم بها مجتمعة أجهزة ومؤسسات تشكل عصب الدولة. وبالتالي تولد الهوية الوطنية بمعنى الانتماء إلى وطن ووعي هذا الانتماء والعمل من خلاله في التعاطي مع مواطنين يشاركونه الانتماء ووعيه، ويحس من خلاله أنه مساو للآخرين في علاقاته معهم، ومع الدولة التي عملت على تنشئته ومع المجتمع الذي ينتمي إليه، مع وعيه لبقية أنواع انتماءاته التي تشكل هويته الأهلية المخصوصة، ودون أن تلغي هويته الوطنية بقية هوياته هذه. والمسألة لا تتعدى تراكم الأولويات مع وعي هذا التراكم، وتسلسل أولوياتها في علاقاته مع الآخرين وفي المواقف التي يجد نفسه فيها. فهو المربي لحظة قيامه بهذا الدور، وهو هويته المهنية، وهوالأب والزوج عند دخوله إلى المنزل، وهو العضو في النادي أو الحزب عند ممارسته لدوره في هذا المجال، وهو المؤمن لحظة ممارسته لأمور دينه في المعبد، وهو المنتمي إلى الوطن لحظة الحاجة إلى التعبير عن هذا الانتماء الذي يتقدم على أي انتماء آخر لحظة التهديد بخطر يتعرض له الوطن من الداخل أو الخارج.

 

أما في حال عدم التنشئة الوطنية التي تحدد له اتجاهه المواطني، وفي الحالات التي يزيد النظام السياسي الإجتماعي، أو التوجه العام للدولة من خلال ممارساتها، من تعميق انتماءاته الأهلية، فإن ذلك يزيد من تشتت انتماءاته ولا يجد أمامه إلا أن يحمي نفسه، أو يدافع الدفاع المستميت عن انتمائه الأهلي، إن كان في عصبية الدم أو الطائفة أو المذهب أو المنطقة. وفي هذه الحالات يضمر الشعور بالانتماء إلى المجتمع الواحد أو الدولة على قدر الغرق في انتماءاته الأهلية. وعند حالات التفتت هذه تضيع معالم الدولة كساحة مشتركة لجميع المنتمين إليها، وتظهر معالم القطاعات المحلية المحكومة من هذه القبيلة أو تلك، ومن هذه الطائفة أو تلك، ومن هذا العنصر أو العصبية أو ذاك. وفي هذه الحالات يصير العمل على إعادة إحياء الدولة مطلباً وطنياً يعيد تحديد أسس العقد الإجتماعي الجديد، أو التأسيس لمرحلة جديدة من عمر الدولة الواحدة، أو اتحاد جماعات بطرق متعددة تأخذ معالم الدولة الاتحادية بأشكالها المتعددة.

 

 

8. تعدد الهويات على الصعيد السياسي مشروع ضمن إطار جامع يحدد الهوية الوطنية، وإن كان النظر إلى هذه الهوية يمكن أن يختلف بين عدة توجهات، ولكن من ضمن التسليم بالهوية الوطنية الواحدة. ولكن ثمة الخلاف الواضح حتى على الهوية الوطنية التي يمكن أن تتقدم على الهوية الدينية أو تتخلف عنها. وعادة ما يكون الخلاف على الهوية بين الهوية الوطنية أو القومية من جهة، والهوية الدينية من جهة ثانية، على أن تكون الهوية الوطنية جزءاً من الهوية الدينية أو العكس. وفي هذا التفارق تنشأ الخلافات وتخاض الحروب باسم الوطنية، من جهة؛ والدين من جهة مقابلة. ومن ثم تستأنف بعد كل فترة، ما يجعل الحروب على الهوية مستمرة. وهو ما يضيّع كل إمكانية للتنمية أو النهوض بالمجتمع أو الانتقال من دولة الرعية إلى دولة المواطن. وحتى الهويات المتفارقة ضمن الدين الواحد، أو بين الدينين، تكون أسباباً للنزاع من أجل تثبيت هوية مخصوصة على حساب هويات أخرى مماثلة في انتماءاتها الأهلية، هذا طبعاً بالإضافة إلى تحمل وزر هذه الحروب من قبل مواطنين ارتضوا لأنفسهم أن يحملوا هويتهم الوطنية ضمن هذا الخضم من الهويات المتقابلة والمتقاتلة، فيكونوا ضحايا الهويات كلها، ويتحملوا الخسارة الكبرى.

 

في هذا المجال، تظهر الخطابات الهوياتية وكأنها حروب تخاض بالكلام، ويبقى كل شيء رهناً بالظروف والتغذيات الموصلة إلى الحروب الطاحنة، أو التجفيفات التي تبقي على النار تحت الرماد، ويبقى المجتمع الواهن والمفكك بهوياته المتناقضة في سلم أهلي بارد، ينتظر الفرصة للتحول إلى المواجهة الحارّة.

 

 

 
التاريخ: 2021-05-31
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro