فقهاء الفساد عديدون ومتمكّنون ، في السياسة والإجتماع والإقتصاد والمال والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية. كما أن عديدهم وتَمَكّنهم ينسحبان على الأتباع والرماديين وشياطين السكوت . لذلك قال روبرت فْروسْت : «إن أحد الأسباب الرئيسة لانتصار الأشرار هو أن الأخيار لا يفعلون شيئاً». ولعل ما يُذهل في الوضع اللبناني المتداعي أن معظم مسؤوليه يتصرفون كأن شيئاً لم يتغير، كأن النقمة الشعبية - التي تمظهرت في تحركات واسعة وتَفَجّرَتْ في أصوات المواطنين العالية ضد الفاسدين الكُثُر- لا تعدو كونها إحتقانات عابرة لن يطول الوقت حنى يتم تنفيسها وإجهاضها، بل كأن كل ما قيل وما ثبت عن الإختلاسات العامة والخاصة لم يكن سوى صيحة في وديان الفساد المترامية الأطراف.

ولم تكن هيروشيما بيروت ، المتمثلة في تفجير المرفأ على نحوٍ لم يسبق له مثيل، أكثر من تصريحٍ آسِف عند ذوي الضمائر الميتة، أو من بيانٍ إستنكاري أضعف من أن يقبضه حصيف بعيد، أو معنيٌّ قريب فَقَدَ منزلاً أو مؤسسة أو مبنى، أو إنساناً غالياً لن تعِيده أعمال المسح ولا تحقيقات القضاء ولا دموع التماسيح. من دون أن ننسى الآثار النفسية العميقة للتفجير الرهيب لدى الجرحى والمعاقين، بل لدى الذين بلغ أسماعَهم دَوِيُّ العصف المدمِّر وبكى فيهم القلبُ قبل العين، والمشاعر قبل الحدقات.

يا فقهاء الفساد في كهوف لبنان المحتضر، يا أثرياء الباطل المصنوع من آهات اليُتْم وآلام الكرامة... ستلاحقكم لعنة التاريخ إلى يوم القيامة، وسيحاسبكم بالعقوبة المستحقة دمُ الأبرياء المُراقُ على رصيف العَوَز. ولكنْ يبقى أن نُهدي كُلاً منكم كلمَتَيْن لائقتين من سيف العراق الشعريّ الأمضى، مظفّر النَّواب: «يا ابْنَ جَيبَيْنِ حَراماً، إنني أَسكَر كي أحتمل الدنيا التي فيها أراكْ».