في ما يلي، تنشر " البناء" تسجيلاً لمحاضرة القاها عميد الإذاعة الرفيق هنري حاماتي في الشويفات، الإسبوع الماضي ، مع تسجيل بعض من الأسئلة والأجوبة التي عقبتها .
" التحديد شرط الوضوح".
فنحن لا يمكننا الكلام في الثورة الا بدءاً من تحديد معنى الثورة: كيف نفهم الثورة؟ ما معنى هذه العبارة؟
لقد كثر الكلام عن الثورة والثائرين في بلادنا حتى أصبحت الثورة تعبيرا لا معنى له، وحتى صار الثائرون و " الثوريون" كل الناس، المتحرك منهم والمتثائب.
لفد حصلت في التاريخ ثورات عديدة، فكانت احداثا عظيمة ترتبت عليها نتائج كبيرة في حياة الأمم وسير الحضارة. وفي نشوء الأمم، الكتاب العلمي الذي ابتعد فيه سعاده عن التأويلات ألفلسفية والنظريات، وردت عبارة " الثورة" في صفحات عديدة كان مدلولها فيها يختلف اختلافا جذرياً عن المدلول الذي تستعمل من أجله اليوم.
تحدث سعاده عن الثورة الثقافية السورية الأولى، وكانت بابتكار الحروف الهجائية ووضع قواعد الكتابة، الوسيلة الأولى للاتصال الثقافي داخل المجتمع – هذا الذي ضمن تفاعل ألفكر داخل المجتمع – والوسيلة الأولى لتصدير الحضارة والثقافة من مجتمعنا الى العالم، وسيلة التفاعل الثقافي العالمي الأول. واعتبر سعاده، في نشوء الأمم، ان الثورة الثقافة السورية الأولى هي أساس تمدننا الحديث، وانها، هي، المفترق التاريخي الأول الذي عبرت منه الإسانية المتحضرة، تقدماً وتطوراً، حتى بلغت ما بلغته في عصرنا الحاضر.
وفي صفحة اخرى تكلم سعاده عن ثورة يونس السوري، ذاك الذي قاد العبيد ضد الإمبراطورية الرومانية: كانت ثورة مسلحة استقطبت عبيد روما ودفعتهم في تحرك مسلح، في كفاح مسلح، ضد استبداد روما وسيطرتها، وكانت تعبيراً عن مناقب الإسان المستفيقة في المستعبدين، ضد الذين استعبدوهم.
وتكلم سعاده عن ثورة ثالثة، في توضيح سير تطور المجتمع الإنساني، هي الثورة الصناعية، هذه التي حصلت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، وخلال القرن التاسع عشر : الآلة الكبيرة تحتل مركزها في ثورة الإنتاج الاوروبي. العمال يتركون المعامل الصغيرة ويتوافدون على أبواب المصانع الكبيرة التي أسسها الرأسماليون في نظام الرأسمالية ألفردية في أوروبا القرن التاسع عشر. الآلة الكبيره تنتج الإنتاج البضاعي الواسع. الآلة الكبيرة تسخر العامل من جهة، وتعطل العمال من جهة، وتضعف الأجور من جهة، ولكنها في النظام الرأسمالي ألفردي الذي أسيء فيه استعمال الآلة بالنسبة الى العمال – توسع آفاق الإنتاج أمام المنتجين، وتمكن أوروبا القرن التاسع عشر من ان تتزعم حركة التطور العالمي، وأن تسود العالم كله بانتاجها البضاعي الكبير.
وتكلم سعاده في المحاضرات العشر عن الثورة التي دعيت ثورة الدروز، وكانت هذه التسمية خاطئة لأنها كانت ثورة شعبنا ضد ألفرنسيين – دروزاً كانوا أم مسيحيين. واذا لم تكن هذه الثورة، في ظروفها، وبإمكاناتها ، وبأبعادها، قادرة على ان تتحول الى ثورة إجتماعية عأمة، فإنها كانت، بما سجلته في تاريخنا ضد الإحتلال ألفرنسي تعبيرا ًعن رفضنا الإحتلال، وتعبيراً عن قدرتنا على مجابهة الإحتلال.
بهذ التعابير: ثورة ثقافية، وثورة العبيد ضد روما، وثورة الصناعة في أوروبا، وثورة ضد الإحتلال ألفرنسي في سورية... بهذه التعابير نستطيع ان نبدأ تحديدنا لمعنى الثورة.
بملاحظة أولى نستطيع ان نقرر ان الثورة من حيث هي حدث في التاريخ، هي دليل قوة لا دليل ضعف. هذا يعني ان الجماعة... او المجتمع الذي تحدث فيه الثورة... الأمة التي تحدث في مجتمعها الثورة هي أمة قادرة على إحداث الثورة فما لم يكن الأوروبيون قادرين، في القرن التاسع عشر، بالنظر الى تطورهم العلمي والثقافي عأمة، على تطوير الآلة بحيث تصبح الآلة وسيلة انتاج جديدة، واسلوباً حديثاً ونمطاً حديثا في الإنتاج، ما أمكنهم ان يحدثوا ما يسمى بالثورة الصناعية. فالثورة الصناعية في أوروبا هي دليل تطور المجتمع الأوروبي، دليل تطور قدراته ومواهبه.
وكذلك الثورة في كل أشكالها، مهما تعددت هذه الأشكال.
نحن في مجتمعنا اذا حاولنا ان نسحب هذه المفاهيم على أوضاعنا الحاضرة، فماذا نحن نحتاج؟ واين نحن من معنى الثورة بشكل عام؟ ما صناعتنا؟ ما زراعتنا؟ ما وسائل انتاجنا بشكل عام؟ ما هي قدرتنا لحمل السلاح ان ضد إسرائيل ام ضد المستبدين في مجتمعنا؟ ما هو وضع الثقافة بشكل عام". أهي ثقافة متطورة قادرة ان تلعب دور عامل تاريخي حاسم في تطوير مجتمعنا، كذلك الدور الذي لعبته الصناعة في أوروبا؟
أم ان الثقافة في مجتمعنا متخلفة، وهي معطلة كما سائر عوامل حياتنا الاخرى؟
اننا لن نتردد عن الجواب ان الثقافة متخلفة، والثقافة في مجتمعنا، بكل ما تشمله عبارة الثقافة عاجزة عن تحقيق الثورة في مجتمعنا.
الثورة دليل قوة وليست دليل عجز. فالثورة التي تحدث في اي مجتمع هي دليل وجود شروط وتوفر امكانات فيه. ويجب تحديد هذه الشروط وتعيين هذه الامكانات، فاذا توفرت شروط لنا لاحداث الثورة، وتوفرت امكانات لنا لاحداث الثورة، كانت الثورة ممكنة وكان الكلام عن الثورة كلاما صادقا لا هراء وكذبا.
هنا بالضبط تنطرح امامنا أزمة ألفكر السياسي في بلادنا، نحن نتكلم عن الثورة ولا نعرف ما الذي يحدث الثورة وبماذا تكون الثورة؟ وكيف تكون.
ان وعي ظروفنا الحاضرة هو الطريق الوحيد لمعرفة اذا كنا فعلا في ثورة بمعنى من معاني الثورة التي ذكرناها، وما اذا كنا فعلا قادرين على أحداث الثورة بأي معنى من المعاني التي ذكرناها.
ان ظروف حياتنا الحاضرة نعرفها جيدا، نحن مجتمع ممزق اجتماعيا، الى قبائل واعراق وعشائر وطوائف، ونحن مجتمع ممزق سياسياً الى دويلات وكيانات انشأها المستعمر ليتمكن من اخضاع مجتمعنا، ونحن مجتمع متخلف اقتصاديا وثقافياً.
هذا ما نحن. فما هي الثورة التي نتكلم عنها في مجتمع متخلف وممزق؟ وما هي القوة التي ستعبر عنها الثورة في مجتمعنا – اذا كانت هذه القوة موجودة فعلا، واذا كنا فعلا نعني اننا نواجه ثورة في مجتمعنا.
ان ظروف حياتنا الحاضرة هي ظروف تاريخية صعبة ودقيقة، وشعبنا يدرك هذا الظروف، على تمزقه وتخلفه، ويبحث عن طريق لاحداث التغيير والتقدم ولتسديد هذه الظروف ولرد اعداء الأمة عنها. شعبنا يبحث عن طريق، ووجد أكثر من طريق حتى الان عبرت عنها الأحزاب والمنظمات العاملة على سطح مجتمعنا.
لقد نشأت هذه الأحزاب والمنظمات في مراكز المواجهات التاريخية التي يواجهها شعبنا:
فاذا كان في مجتمعنا اليوم كفاح فلسطيني مسلح فلقد نشأت منظمات الكفاح ألفلسطيني المسلح في مراكز مواجهة الإحتلال الاستيطاني الإسرائيلي.
واذا كان في مجتمعنا اليوم احزاب عقائدية طبقية نقول بألفكر الطبقي والصراع الطبقي فان هذه الأحزاب قد تمكنت من النشوء والنمو داخل مجتمعنا في مراكز مواجهة الاستغلال الإقطاعي الرأسمالي في هذا المجتمع.
واذا كان في مجتمعنا احزاب وقوى وطنية تتمركز على جبهة الإستعمار، فلأنها نشأت في هذه المراكز مراكز مواجهة الإستعمار ومواجهة كل خطط الإستعمار وكل مؤامراته على مجتمعنا: هنا نشأت وهنا تمركزت وهنا وجدت لنفسها طريقا للنمو.
واذا كان في مجتمعنا احزاب نصف ثورية كما يصفون، أحزاب معتدلة، تقول بالوحدة الوطنية، وتقول بالغاء الطائفية، بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة فهذه الأحزاب احزاب التسوية كما كنا نسميها، نشأت في مراكز مواجهة الاستبداد والتمزق الطائفي ومواجهة هذا الخليط من القوانين التي تسود أبناء شعبنا على اختلاف نحلهم ومذاهبهم.
لقد وجد شعبنا اذا طرائق عديدة لمواجهة مشاكله التاريخية الحاضرة، وكل فئة من أبناء شعبنا سلكت طريقها، وهي على يقين تام ان هذه الطريق هي طريق الثورة الحقيقية.
فبلغة الكفاح ألفلسطيني المسلح لا يمكن لهذه الأمة ان تصمد وان تحقق وجودها تاريخيا ما لم تقض على إسرائيل، وبلغة بعض المنظمات والأحزاب لا يمكن لامتنا ان تصمد وتحقق انتصارا على اعدائها الا اذا حاربت على جبهات الإستعمار وفي لغة بعض الأحزاب الاخرى، ان مجتمعنا يجب ان يتوحد طوائف واعراقا، وان هذا المجتمع لا يمكنه ان يواجه الإستعمار وإسرائيل الا اذا تمكن من توحيد ذاته.
طرائق عديدة في الظاهر سلكتها فئات من شعبنا اعتبرت ان هذه الطرائق هي طرائق الثورة ألفعلية لتسديد حاجات امتنا في مواجهاتها التاريخية ضد إسرائيل والإستعمار والإقطاع الرأسمالي المحلي وضد التمزق الاجتماعي والسياسي الداخلي.
غير ان هذه الطرائق المتناقضة والمختلفة في الظاهر هي في نظرنا نحن وحدة المواجهات القومية لمجتمع واحد.
أين نحن من معنى الثورة في هذه المواجهات؟ الكفاح المسلح هو ثورة مسلحة ضد الإحتلال، والكفاح المسلح على جبهة الإستعمار هو نظير الثورة التي اعلنها يونس السوري على روما، والكفاح على جبهة التمزق الداخلي هو دعوة الى الاخوة القومية في المجتمع الواحد، وهو بهذا المعنى ثورة روحية داخلية غير ان هذه الاشكال من الانماط الثورية هي اشكال اذا بقيت متباعدة ومتناقضة في سياسة قادتها لا يمكن ان تصل الى تحقيق ذاتها من حيث هي مواجهات متميزة ولا يمكنها ان تحقق ذاتها الا من حيث انها تطرح مشاكل مجتمع واحد ويجب ان تطرح هذه المشاكل في مواجهة واحدة لان ظروفها الحاضرة هي ظروف مجتمع موحد يواجه إسرائيل والإستعمار والإقطاع الرأسمالي الداخلي والتمزق والتخلف في وقت واحد ومن هنا انبثقت دعوة الحركة السورية القومية الاجتماعية الى وجوب توحيد القوى الثائرة في مجتمعنا في موقع واحد في مواجهات هذا المجتمع التاريخية الحاضرة.
الازمة الثانية التي يعيشها، ألفكر السياسي في بلادنا هي حملة الأفكار السياسية يظنون ان المذاهب الاجتماعية المعاصرة هي كالمذاهب الدينية القديمة يمكن الاخذ بها افرادياً، وادعاء الايمان بها، وادعاء تحققها في الذات ألفردية وفي حال حصول هذا الايمان.
ليست المذاهب الاجتماعية المعاصرة كالمذاهب الدينية القديمة، ذلك ان المذاهب الدينية القديمة في منحاها وغرضها الاخير تطرح مشكلة الوجود ألفردي ومصير هذا الوجود، بينما المذاهب الاجتماعية المعاصرة تطرح مشكلة الوجود الاجتماعي ومصير هذا الوجود. لذلك لا يمكن ان يكون تحقق للمبادىء الاجتماعية المعاصرة الا في المجتمع. ومن هنا قول سعاده " ليست القومية الاجتماعية مذهبا للافراد بل هي مذهب للمجتمع".
أزمة ألفكر السياسي عندنا ان المواطن الواحد يعتنق مبدأ، أو عقيدة، أو فكرة هي مذهب اجتماعي، ويعتقد اذ ذاك انها قد تحققت فيه، وانه هو قد ضمن تحقيقها فيه، فيما الحقيقة ان المذاهب الاجتماعية لا تتحقق الا في المجتمع، في اقتصاده وفي جيشه، وفي ادارته وفي مختلف مصالحه الحيوية الواقعية.
ألفرق كبير بين المذهب الاجتماعي الحديث والمذهب ألفردي الديني القديم. من هنا ازمة ألفكر السياسي المعاصر عندنا.
ويعتقد البعض انهم أمنوا بمذهب اجتماعي تقدمي، وان هذا المذهب هو مذهب ثوري، قالت به ثورات وصنعت على اسمه ثورات في تاريخنا الحديث، فاكتفى هذا البعض بأنه لهذا المذهب دخول وجدانه هو ألفردي، ورغم هذا البعض انه هو بهذا الايمان قد تحول من مواطن رجعي الى مواطن تقدمي، وانه بهذا قد اتسم بالطابع الثوري التقدمي.
انت تستطيع ان تكون مسيحيا متنسكا في عزلة بعيدا عن المجتمع، وان تمارس مسيحيتك داخل المجتمع، ولكنك لا تستطيع ان تكون قوميا اجتماعيا الا في نظام، وثورة تنظم المجتمع كله، فالقومية الاجتماعية التي تفعل فيك تنظمك وتحركك من أجل ان تفعل انت في مجتمعك ولتحقق القومية الاجتماعية في مجتمعك نظاما جديدا، وحياة جديدة.
القومية الاجتماعية لا تتحقق في فرد بل في المجتمع لانها مذهب اجتماعي لا مذهب فردي.
أزمة ألفكر السياسي المعاصر عندنا، ان شبابنا يحملون افكارا ثورية، ويظنون انهم يؤمنون انتصار هذه الأفكار فيهم، ويعلنون انهم هم أصبحوا ثوريين بحملهم هذه الأفكار.
ليس الثوري من يحمل ألفكرة الثورية، بل الثوري من يناضل في حركة في موقع نضال من اجل تحقيق الثورة في مجتمعه.
ولكن كيف تتحقق الثورة في المجتمع؟ وما هو دور القوميين الاجتماعيين في هذا السبيل؟
الثورة تتحقق في المجتمع، تتحقق في مصالحه : الثورة في الزراعة وهذا يعني بالضبط ان نحدث وسائل انتاجنا وان نزرع أرضنا، بعد ان ندرسها علمياً، وان نستغل كل ثرواتنا الزراعية، وان ننشيء الصناعات الزراعية. وان نستمر في تطوير هذه المصلحة الزراعية حتى يمكننا القول ان هذه العملية التاريخية هي ثورة في الزراعة.
ثم الثورة في الصناعة. وهذا يعني ان ننتقل من مرحلة الإنتاج الصناعي الصغير والمتخلف الى مرحلة الإنتاج الصناعي العصري، وان نستعمل كل مآتي الحضارة الحديثة في الصناعة، التكنولوجيا الحديثة، واذ ذاك نستطيع ان نقول، اننا حققنا ثورة في الصناعة.
وثورة في القوانين والدساتير مماثلة للثورة في الصناعة والزراعة.
وثورة في بناء قوانا المسلحة، وثورة في مفاهيمنا وأفكارنا تنعكس في انتاجنا الادبي وألفني على أشكاله، وتنعكس في سائر منتجاتنا ألفكرية والمادية. هذا هو معنى الثورة اذا كنا نريد فعلا ان تتحقق الثورة.
نلمح من هذا التعيين لمعنى الثورة، اننا لسنا بحاجة الى ثورة واحدة بل الى ثورات عديدة تشمل كل مصالح هذا المجتمع. نحن لسنا بحاجة الى ثورة بمعنى الكفاح المسلح فقط، بل نحن بحاجة الى ثورة بالمعنى الشامل لعبارة الثورة.
وما لم ندرك هذا الشمول، وما لم ننظم، في عملية تاريخية، لتحقيق هذا الشمول، تبقى الثورة بمعناها الأجوف، تعبيرا أدبيا عاطفيا لا معنى له .قلنا ان في أوروبا حصلت ثورة هي الثورة الصناعية.
في يقيننا نحن وفلسفتنا المدرحية ان المجتمع هو وجود مادي روحي، وان الحياة الاجتماعية تتطور بعوامل مادية روحية، وان تطور المجتمع لا يمكن ان يحدث ما لم تتأمن هذه العوامل ويتأمن فعلها.
في أوروبا حدثتت ثورة صناعية كان ظاهرها الآلة الكبيرة وكان ظاهر فعل هذه الآلة الإنتاج البضاعي الكبير، غير ان الآلة من حيث هي وسيلة انتاج حديثة كانت نتيجة ثورة في العلوم وألفكر بشكل عام.
ثمة علاقة تفاعلية، اذا، بين ألفكر – العمل ألفكري- الذي ولد الآلة ووجود الآلة.
واستمرت الآلة في عملها واتسعت عمليات استعمال الآلة في المجتمع الاوروبي، ولقد كان لهذا الاتساع أثره في تركيب المجتمع الاوروبي .
لقد تغيرت قوانين المجتمع الاوروبي وتخلخلت تراكيبه الاجتماعية والإقتصادية السابقة فولدت تراكيب جديدة هي علاقات انتاج جديدة تتوافق مع وجود الآلة والثقافة التي انتجتها. ان العلاقة التفاعلية بين ألفكر الذي ولد الآلة والآلة، يأتي تعبيره في علاقات الإنتاج والعلاقات الاجتماعية الجديدة، والقوانين، والأفكار، والدساتير التي استتبعها وجود الآلة في المجتمع الحديث. هذا يعني ان ألفكر يلد الآلة والآلة في عملها تغير في المجتمع تغير أوضاعه، فتلد مناخا جديدا لولادة فكر جديد.
هذا ما نقول به في المثل المأخوذ من أوروبا. ونحن فنقول ان مجتمعنا لا يمكن ان يتطور ويتقدم الا بعوامل تطوره الواقعية الموجودة في صميم هذا المجتمع.
يجب ان نبحث عن هذا العامل الذي سيحدث الثورة في الصناعة والثقافة بشكل عام ، وفي الإدارة السياسية.
اذا كانت عوامل حياتنا الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية هي عوامل ضعيفة عاجزة عن تحقيق الثورة في مجتمعنا، فمن سيحدث الثورة؟ ما الذي يقود مجتمعنا اذا نحو تحقيق الثورة في الصناعة والإقتصاد عموما، وفي السياسة والثقافة والحرب؟
كيف يمكننا ان نحدث الثورة؟ من أين نأتي بعامل التغيير في مجتمعنا، ليس صحيحا ان في مجتمعنا ثورة في الإقتصاد او في السياسة او في الثقافة او الإدارة... مجتمعنا متخلف، وهذه العوامل هي عوامل ضعيفة ومتخلقة واذا استمرت هكذا فالثورة في مجتمعنا غير ممكنة.
البحث هو عن عامل جديد يحرّك المجتمع ويحدث الثورة في مصاحله الواقعية.
ليست الثورة كلاما وثرثرة، بل عمل في قلب المجتمع، يحدث تغييرا في بنى المجتمع الإقتصادية والسياسية والادارية والعسكرية.
فاذا كنا نحن اليوم لا نلمح تغييرا يحدث في هذه البنى، فاننا نستطيع ان نؤكد ان مجتمعنا الان لا يحضن الثورة وكل كلام عن الثورة هو كلام باطل.
البحث اذا عن الطريق الحقيقي للثورة هو البحث عن عامل التغيير التاريخي في مجتمعنا في زمانه الحاضر.
ما هو العامل؟ لا صناعتنا ولا إدارتنا السياسية قادرة على إحداث الثورة.
الطلاب في الشوارع منذ سنين والإدارة في لبنان عاجزة عن تأمين المدارس لأبناء اللبنانيين، وان لم تكن عاجزة عن ضرب أبناء اللبنانيين في الشارع.
مئة ألف تلميذ لبناني لا مقاعد لهم في مؤسسات وزارة التربية. ان السياسة في لبنان بمعنى السياسة الحقيقي، السياسة من حيث هي تأمين المصالح في المجتمع، السياسة في لبنان عاجزة عن إحداث تغيير في حياتنا الثقافية لان الدولة في لبنان، بعد كذا عشرات السنين من الإستقلال عجزت عن تأمين المدارس لأبنائنا، وهي عاجزة عن بناء جامعة بمستوى الجامعات العادية في العالم.
والسياسة في لبنان هذا شأنها بالنسبة لكل مصالح الإقتصاد وبالنسبة للمصلحة الأولى مصلحة مواجهة إسرائيل. فاذا اردتم ان تعرفوا ما السياسة في لبنان وما السياسة من حيث عامل التغيير في لبنان يمكنكم ان تنظروا في سهول لنبان وشوارعه فلسوف ترون الأرض البور، والعامل العاطل عن العمل، التلميذ المقتعد الرصيف، فيما الساسة يتلهون بأعمال السياسة، السياسة بمعنى الحرتقة والكذب والدجل، ولسوف ترون ان حياتنا ستبقى على جمود طالما ان هؤلاء الساسة هم ما هم وطالما انهم متسلمون مقدرات هذا الشعب ولا يمثلون الا مصالحهم ومصالح الإستعمار ومصالح إسرائيل مباشرة.
منذ اكثر من ألف عام فقد مجتمعنا مؤسساته السياسية المخططة فمنذ أكثر من ألف عام ما عادت لنا في بلادنا قيادات سياسية تقود مجتمعنا: تمحص في مصالحه، وتدرس شؤونه، وتواجه مشاكله.
منذ اكثر من ألف عام نحن متخلفون في هذا المجتمع نحضن التخلف، تراكمات من التخلف عن سائر المجتمعات في العالم.
السياسة عامل تاريحي كان يمكن ان يكون قادراً على التغيير وإحداث الثورة، غير ان السياسة في مجتمعنا ليست هذا العامل، ما هو اذا العامل الذي سيحدث التغيير، والثورة في مجتمعنا.
لا الإقتصاد عامل، ولا السياسة ولا أوضاعنا الاجتماعية تسمح لنا بالتحرك الموحد في مجتمعنا لتكون هذه الأوضاع عاملاً تاريخياً لإحداث التغيير .
ما هو هذا العامل؟
هنا بدأت الحركة السورية القومية الاجتماعية انها بدأت في الإجابة على هذا السؤال ما هو عامل التغيير في مجتمعنا، " ما الذي جرَّ على شعبي هذا الويل؟" هذا السؤال طرحه سعاده على نفسه، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، انطلاقا من هذا السؤال أسس سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي الحركة السورية القومية الاجتماعية لتكون هي عامل التغيير في مجتمعنا العامل التاريخي الحديث الذي سيحدث الثورة في مصالح مجتمعنا؟
غير ان هذا الكلام نفسه يحتاج الى تحليل واثبات.
لقد قلنا ان للثورة مظاهر في التاريخ، ودللنا على هذه المظاهر، فاي مظهر نمثل نحن في التاريخ؟
قلنا ان المجتمع الذي يحقق الثورة في ذاته هو مجتمع قادر على تحقيق الثورة، فما الذي يثبت ان الحركة القومية الاجتماعية قادرة على تحقيق الثورة؟ وان مجتمعنا الذي يحضن هذه الحركة هو مجتمع قادر على تحقيق الثورة بمعنى التغيير والتقدم بمصالح مجتمعنا الواقعية.
كيف نفسر علمياً نشوء الحركة السورية القومية الاجتماعية؟
مجتمعنا تعطلت عوامل تقدمه. غير ان مناقبه وأصالته بقيت قائمة فيه ولم تتمكن أجيال التخلف والإستعمار من محوها.
ومجتمعنا يعاصر العالم الحاضر، عالم التطور الثقافي المعاصر. ومجتمعنا يعاصر ثورات ونهضات في العالم ونحن لسنا في عزلة.
في مبادئنا، في فلسفتنا، ان التفاعل المادي الروحي، ليس تفاعلاً محدوداً في المجتمع بذاته بل هو تفاعل عالمي ايضا تشترك الأمم فيه في بناء الثقافة الإنسانية العأمة.
في هذا المجتمع نشأت الحركة السورية القومية الاجتماعية مفيدة من معطيات العالم العلمية الحضارية في المعرفة الإنسانية وفي التنظيم، وفي هذه المجتمع نشأت الحركة القومية الاجتماعية مفيدة من روح هذه الأمة البارزة في مواقفها النضالية العظيمة في التاريخ، مدللة على ان روح الأمة، مناقبها وفضائلها ومواهبها، ما زالت فاعلة فيها معبرة عن هذا ألفعل بوجود القوميين الاجتماعيين في حزبهم ملبين الدعوة للقائد المعلم.
وفي هذا المجتمع قادت الحركة القومية الاجتماعية أبناء شعبنا في مواقف وفي مواقع نضال أثبتت فيها انها حركة في مستوى هذا العصر ومستوى مشاكل ومواجهات هذا العصر.
وماذا نحن نمثل اذاً في مجتمعنا في الوقت الحاضر؟
ونحن القوة النظامية الروحية المسلحة ، القوة العارفة المدركة المخططة، نحن هذه القوة المبنية على قواعد علمية نظامية روحية، هذه القوة الدينامية الثورية هي العامل المفتقد في مجتمعنا، وهي العامل الذي سيتمكن من تحقيق الثورة في مجتمعنا في كل مجالات العمل وفي كل المصالح في مجتمعنا.
نحن قوة دينامية ثورية، نحن حركة نهوض مجتمع، نحن شعب يحاول ان يواجه مشاكل نفسه في هذا العالم، يحل هذه المشاكل بالمواجهة العنيفة القوية.
بما نحن نحمل السلاح ونقاتل نحن ثورة على طريقة يونس السوري، وبما نحن نعرف وندرك ونخطط، نحن ثورة في أساس التمدن الحديث ونحن بما نحن قوة نظامية، روحية، نحن جماعة تحاول ان تثبت بأن ألفضائل في هذا العالم لم يتم دحرها، واننا سنتمكن في هذا البقعة ان نحقق الثورة ألفعلية في مجتمعنا.
اذا نحن قوة متولّدة من هذا الشعب
نحن دليل القوة في هذا الشعب
نحن علأمة الثورة في هذا المجتمع
نحن حركة مجتمع ولسنا حزباً يحيا لنفسه بل للمجتمع.
ونحن بهذا، العامل التاريخي الجديد الذي يحدث التغيير والتطوير في حياتنا. وما لم نحدث الإنجاز التاريخي الكبير في مجتمعنا، ثورات متصلة في ثقافتنا واقتصادنا وسياستنا، ومجموع مصالحنا وقوانا المادية والروحية، وما لم نحقق هذا الإنجاز في صميم مجتمعنا ومصالح حياتنا الواقعية، سيقى كلامنا عن الثورة، مضامين وابعاداً، كلاماً أدبياً لا مدلول له غير الادعاء والتبحج.
ولتحى سورية
الأسئلة والأجوبة
س – هل استوعبت الثورة القومية الاجتماعية الثورة الطبقية وكيف تم ذلك ؟
ج – الثورة الطبقية تعني ان تثور طبقة ضد طبقة أخرى. وهذا يقرره ألفكر الطبقي. وألفكر الطبقي يعتمد عنصرين لقيامه :
العنصر الاول هو عنصر نظري، وهو الجدلية المادية. وحدة صراع المتضادات. التناقض. والعنصر الثاني هو عنصر واقعي وهو الطبقة ضد الطبقة.
هذا ألفكر الطبقي يعتبر ان محرك تطور المجتمع في التاريخ وتطوره في الزمان الحاضر هو صراع الطبقات. والثورة في مفهومه، هي ثورة طبقة ضد طبقة أخرى. هذا معنى ألفكر الطبقي.
القومية الاجتماعية تختلف عن الطبقية وألفكر الطبقي في انها لا تقول بحتمية الصراع الطبقي. ألفكر الطبقي يقول ان صراع الطبقات هو صراع حتمي لأنه في النظرية هو قانون : قانون النظرية يقابله صراع الطبقات داخل المجتمع. فمن يقل بقانون الصراع الطبقي يقل بحتمية صراع الطبقات، ولا يعود بإمكانه ان يفسر نشوء ثورة او حصول تطور الا من خلال صراع الطبقات.
نحن في النظرية لا نقول بقانون الصراع الطبقي لذلك لا نحتم حصول الثورة بواسطة الطبقة الدنيا.
القومية الاجتماعية تختلف عن ألفكر الطبقي في هذا : ألفكر الطبقي يرى في المجتمع طبقات، ويرى ان الثورة هي طبقة تثور على طبقة. ألفكر القومي الاجتماعي يرى في المجتمع طبقات، ولكنه لا يرى الثورة بالضرورة طبقة تقوم على طبقة. ولقد ظهر في عصرنا الحديث، في مثال الصين، ان الصراع الطبقي ليس الطريقة الوحيدة الحتمية للثورة. ففي ظروف الإحتلال الياباني للصين قال ماو بالتحألف الطبقي ضد اليابان، وقال ان التناقض في مثال الصين يتمثل في الأمة الصينية تواجه الأمة اليابانية، فقام بحلف الطبقات داخل الصين، وحارب بطبقة المزارعين التي قادها ماو وطبقة العمال والبورجوازيين والبورجوازية الوطنية الكبرى. وبهذا التحألف تمكنت الثورة الصينية من الإنتصار على أعداء الأمة الصينية.
في مثال الصين اذاً لم يكن الصراع الطبقي ضرورة حتمية للثورة بل كان الصراع القومي هو هذه الضرورة التاريخية.
في المجتمع السوري نحن نواجه أخطر مما واجه ماو في الصين. لقد واجه هو إحتلالاً يابانياً مؤقتا فيما نحن نواجه في جنوب مجتمعنا إحتلالاً إسرائيلياً يهودياً استيطانياً دائماً.
التناقض الكبير الذي يحضنه مجتمعنا – اذا كنا نريد ان نستعمل هنا قانون التناقض – هو تناقض الأمة السورية مع اليهود في جنوب الوطن السوري. هذا هو التناقض الذي يجب ان يستوعب عندنا كل الامكانات القومية، كل الإمكانات المؤهلة من أجل مواجهة إسرائيل، كما فعل ماو في الصين عندما قال بحلف الطبقات.
ألفرق كبير بين سعاده وماو :
بدأ ماو من ألفكر الطبقي، وتجاوزه، وأحدث الثورة خارج قانون الصراع الطبقي، بدءاً من طبقة العمال تحارب طبقة الرأسماليين. ثم وجد ان العمال في الصين المتخلفة فئة عاجزة عن إحداث الثورة، فقال بطبقة المزارعين تتحألف مع البروليتاريا، وتقودها هذه، ضد طبقة الرأسماليين المتسلّطة.
ثم وجد ان المواجهات القومية في الصين تستدعي تجاوز الصراع الطبقي، فتجاوزه، وقال بحلف المزارعين والبروليتاريا والطبقة الوسطى، والطبقة البورجوازية، حتى توصل ان يقول بالأمة الصينية في وجه الأمة اليابانية، كطرفي تناقض. فيما سعاده بدأ منذ البداية بالقول بالأمة السورية في وجه كل أعدائها بالخارج والداخل.
ألفرق كبير بين فكر علمي منطلق من مبدأ المجتمع الواحد والأمة الواحدة لمواجهة مشاكل هذا المجتمع، وفكر آخر يتلمس طريقه تدريجياً، متخلياً عن الصراع الطبقي من حيث هو ضرورة تاريخية ليقول بعد ذلك بالأمة الصينية كما بدأنا نحن نقول بالأمة السورية.
سؤال – النية وحدها في التغيير لا تكفي، بل هي بالحاجة الى المعرفة والى الوسائل الخاصة الصحيحة لتحقيق النجاح. وبما ان الحزب لا يلتقي مع سائر الأحزاب في كيفية التغيير، اذ ان له خطه الخاص فكيف يمكن اذن ان يعمل ويلتقي مع الأحزاب الأخرى للوصول الى الثورة الحقيقية؟
ج – في سياق عرضي لمفهوم الثورة وظاهراتها في مجتمعنا، قلت ان المنظات والأحزاب كانت متوزعة جبهاتنا القومية كلها. فكان بعضها ( فتح مثلاً) تقاتل إسرائيل، وكان بعضها (الجبهة الشعبية) تقاتل الإستعمار، وكان بعضها كالأحزاب الطبقية داخل المجتمع، تقاتل الإستعمار، وتقاتل الطبقات المتسلطة، وبعضها يقاتل على جبهات التمزق العرقي والمذهبي الداخلي .
قلت ان جميع هذه القوى الوطنية كانت تبحث عن طريق لتحقيق الثورة. ولقد كانت على يقين، ان هذه الطرائق المتميزة هي طرائق الثورة، هي طرائق للثورة، وأكدنا بعد ذلك الضرورة القومية الأولى التي هي الجبهة القومية لمواجهة كل هذه المواجهات بوقت واحد.
كيف نلتقي نحن والآخرون؟ كيف نتلاقى مع الآخرين. نحن نتلاقى مع من يقاتل في موقع ضد إسرائيل، ومع من يقاتل في موقع ضد الإستعمار وضد الإقطاع الرأسمالي ألفردي في البلاد، ومع من يقاتل على جبهة التمزق الاجتماعي الداخلي. نحن هكذا نتلاقى معهم جميعا وندعوهم الى رؤية وحدة المعركة، وحدة الجبهة في هذه المواجهات كلها.
س – كثيرا ما يحدث جدل حول يمينية الحزب او يساريته، نسمع ان بعض المسؤولين يقول بيمينة الحركة القومية الاجتماعية، والبعض الآخر يقول بيساريتها، مع العلم ان سعاده، لم يقل لا باليمين ولا باليسار، أرجو توضحيا عن هذا السؤال.
ج – للإجابة على هذا السؤال، كنقطة أولى، الحركة القومية الاجتماعية هي حركة شمول في النظر الى شؤون الاجتماع والسياسة في بلادنا، فهي اذن ليست على يمين الحاكم ولا على يساره. اليمين واليسار كلمتان ولدتا في الثورة ألفرنسية. ناس على يسار الحاكم يعارضون وآخرون على يمينه يؤيدون ويوالون. نحن لسنا على يسار الحاكم ولسنا عن يمينه. بهذا المعنى لكلمة يسار، لسنا يمينا ًولسنا يساراً.
وعلى من يعرف ما نحن، ان يقرأ الحركة القومية الاجتماعية في تراث سعاده ويتعرف هناك على حقيقتها ، دون ان يكون مضطراً للبدء في فهمها من خلال كلمة يمين او من خلال كلمة يسار.
لماذا نقول بأننا حركة تقاتل في مواقع اليسار. نحن نقول بأننا حركة تقاتل في مواقع اليسار القومي بعد ان حددنا هذا التعبير الذي لم يستعمله سعاده الا نادراً.
أورد لكم تعبيرا آخر كان سعاده قد أهمله ثم استعمله قبل غيابه. انه تعبير العروبة. لقد قال سعاده بالجبهة العربية منذ تأسيس الحزب، وقال بالأمة السورية. وهو لم يتاجر بالعروبة كما فعل الآخرون، بل انطلق من فهم علمي للمجتمع، وحدّد المجتمع انطلاقاً من العلم.
وبعد ان قطعت الحركة القومية الاجتماعية شوطاً من حياتها، وجد سعاده ان كلمة " عروبة" قد كثر تداولها في السوق العقائدية في البلاد ووجد ان تجار السياسة وتجار ألفكر قد أحسنوا استثمار هذا التعبير، وانهم تمكنوا من خداع الشعب به. فتناوله سعاده من الشارع، من الصحف، من الكتب، من المقالات، من الخطب حيث كان يتاجر بها، تناول تعبير العروبة وقال نحن نقول بعروبة حقيقية وهم يقولون بعروبة وهمية. وبدأ سعاده يستعمل هذا التعبير من يومها وكان فهمنا للعروبة السورية القومية الاجتماعية.
لقد آمنا بالعروبة الحقيقية ورذلنا العروبة الوهمية، وبهذا نميز بين عروبة وعروبة.
لم يستعمل سعاده كلمة يسار، غير ان سعاده صاحب فلسفة العقل. لقد اطلق سعاده العقل في مجتمعه، ورفض كل قيد للعقل، فكيف يعقل ان يلزمنا سعاده بعدم استعمال " اليسار"، وكيف يعقل ان تكون هذه الحركة قد تحددت بأدبها وبإعلامها بما استعمل سعاده قبل غيابه.
تلقفنا الكلمة من الشارع، من الصحف، من الكتب، من الخطباء، من الثرثارين، من الثوريين الذي يزعمون الثورية، تلقفناها وقلنا باليسار القومي. وقلنا به انطلاقا من مبدأ "التحديد شرط الوضوح". وذهبنا الى تحديد معنى اليسار القومي. فقلنا ان مجتمعنا يواجه مواجهات محددة، واننا نرى في هذا المجتمع مواقع نضال قومي، هي وحدة المواقع هي مواقع اليسار القومي. فمن ينوجد في هذه المواقع يكن في مواقع اليسار القومي. هذا معنى اليسار القومي في حركتنا. هذا ما ندل به عليه من كلمة اليسار في حزبنا. اليسار القومي يساوي مواقع النضال القومي. ولا معنى لليسار غير هذا المعنى عندنا وان يكن عند الآخرين معان تختلف او متميزة عن هذا المعنى.
س – إننا بأعضائنا الممزقي الثياب، الخارجين من صفوف العمال وألفلاحين اللذين يريدون حياة جديدة. على أي اساس وضع الزعيم هذه ألفقرة؟
ج – انه وضعها على اساس ان الحركة القومية الاجتماعية تشمل الشعب كله. وعلى اساس انه يريد ان يدلل على أوضاع العمال وألفلاحين الزرية في ظل الإقطاع السياسي والإقطاع الإقتصادي المتحكمين بمصير البلاد. وهو يصف في هذه ألفقرة وضع مجتمعنا من الوجهة الاجتماعية والإقتصادية. وهو بهذه ألفقرة لا يعني انه يقول بالصراع الطبقي، بل هو صاحب ألفلسفة التفاعلية المادية – الروحية. فلسفة التفاعل تختلف عن فلسفة التناقض. فلسفة التفاعل المادي الروحي تختلف عن فلسفة التناقض المادي، او الجدلية المادية. والذين لا يستطيعون ان يميزوا بين ألفلسفتين هم عميان.
لا يمكن الخلط بين ألفلسفتين بهذه الطريقة.
س – هل حزبنا هو حزب طليعي. يقوم بالثورة بأقلية ضئيلة من مجموع شعبنا ام أنه ينتظر الشعب كله ليعي حقيقته القومية الاجتماعية ليقوم بالثورة.
ج – نعم، نحن حزب طليعي.
نحن، كما قلت في حديثي عن الثورة، نمثل قوة ديناميكية ثورية في هذا المجتمع. وهذه القوة الدينامية الثورية هي قوة بشرية وقوة مناقبية وقوة عسكرية مسلحة، وهذه القوة هي العامل التاريخي الجديد. وهي التي سوف تحدث التغيير في المجتمع كله. فنحن لا ننتظر الشعب كله.
س – الى متى السكوت عن محاربة الدولة لحزبكم؟ واذا تحركتم كيف سيكون تحرككم ضدها؟ هل سيكون تحركاً ثورياً؟
ج – من أبشع الأشياء ان أجيبك كيف سيكون تحركنا ضد الدولة.
س – ذكرتم ان الثورة لا يمكن ان تتحقق في مجتمعنا ما لم تتحد جميع القوى الثورية في بلادنا في جبهة قومية واحدة لتحل مشاكلنا. فهل يمكن تحقيق ذلك وكل قوة من هذه القوى تطرح اسلوباً مختلفاً عن القوى الأخرى، لا بل متناقضاً ؟
ج – أريد ان أوضح جانبا من هذا السؤال الذي يشابه السؤال طرح لإستيضاحنا رأينا في قيام الجبهة القومية الداخلية. وسآخذ لهذا الإيضاح مثال " فتح" مرة ثانية. " فتح" هي صاحبة الشعار " كل البنادق موجهة الى العدو" وفتح دخلت معارك كبيرة ضد إسرائيل، وهي ثورة مسلحة ضد إسرائيل، وعلى جبهة إسرائيل وحدها. غير ان مثال فتح هو مثال هام في تاريخنا القومي من حيث انه اختبار خطير وتجربة عظيمة. لقد دخلت فتح مع إسرائيل في معارك كبيرة، وسقط من رجال فتح عشرات الألوف من القتلى في هذه المعارك غير ان المعارك العظمى اطلاقا التي خاضتها فتح، لم تكن ضد إسرائيل التي دعت فتح الى توجيه كل البنادق ضدها، بل كان ضد الأنظمة في لبنان والاردن.
لقد تمنت فتح ان تقاتل إسرائيل وحدها، غير ان قتال إسرائيل وحدها امر ليس ممكناً، لان جبهة إسرائيل وجبهة الأنظمة الرجعية العميلة في الداخل، هي جبهة واحدة.
ولقد أدركت " فتح" بعد تجاربها، في نيسان وتشرين بيروت، وأيلول عمان، ان جبهة إسرائيل وجبهة الإستعمار وجبهة الأنظمة الرجعية العميلة في الداخل هي جبهات ظاهرية متميزة ولكنها في الحقيقة تؤلف جبهة واحدة.
بهذا ألفهم لوحدة خط النار على مجتمعنا، نحن ندعو جميع المقاتلين على الجبهات المتميزة ظاهرياً الى التمركز في جبهة قومية موحدة تقاتل على جميع هذه الجبهات في وقت واحد.
انت لا يمكنك ان تستفرد إسرائيل، او تستفرد الإستعمار او تستفرد الأنظمة فهي متكاتفة ملتفة حول شعبنا، وهي متعاطفة، وفي استراتيجية واحدة ضد هذا الشعب.
ليست دعوتنا الى وحدة الأحزاب والقوى التقدمية دعوة سياسية بل هي دعوة استراتيجية قومية من ضمن وعينا لوحدة الجبهات القومية المتميزة ظاهرياً والموحدة في حقيقتها استراتيجياً.