9 تموز 2004
شكلت مفارقات وإشكاليات عدّة ، من وجهة نظري ، وصاغت فكر وعقيدة ووجهت نضال مفكرنا السوري القومي الإجتماعي أنطون سعادة ، وهو المفكر والعقائدي والمناضل الذي وجد نفسه في عالم متغير ، عالم يحاول سلب هوية الآخرين ووجودهم إنسانا ومجتمعا وأمة وتغييبهم كذات مستقلة ضمنه ، من جانب ؛ ومن جانب آخر هو المفكر الذي تواجد في عالم غير عالمه أنسانا ومجتمعا وأمة فبدأ فكره هناك من قراءة فكر الآخر لعله يجد لديه ضالته والإجابة عن تساؤلاته ، لكونه يدرك بأنه لاعقل ثابت يحكم أنماط معرفتنا ، ولا منهج شامل يحدد ماهية الجدل المحتدم والصراع المتحقق بين الفكر والواقع ، عقيدة ونضالا؛ وهو من جانب ثالث المفكر الذي أدرك وجود هوة بين الفكر العربي المعاصر وبين الواقع العربي المعاصر بعدما رصد المحاولات الفكرية والعقائدية لبعض المعاصرين له ، ورأى بأن المفكر العربي هنا أو هناك ينأى بإشكالياته وطروحاته ، همومه وتساؤلاته عن الواقع العربي بإشكالياته وطروحاته ، همومه وتساؤلاته ؛ فإنطلق من هنا صوب البحث في الواقع العربي في محاوله جادّة وجدّية لإستجلاء همومه وتساؤلاته ووضع الحلول لإشكالياته وطروحاته ، والتي وجدها تتمحور حول إشكالية فكرية ــ عقائدية ــ نضالية ألا وهي إشكالية الحرية : حرية الإنسان وحرية المجتمع وحرية الأمة ومرادفها أو مدلولها أو معناها الواقعي الديمقراطية . ومن هذه الإشكالية كان منطلق أنطون سعادة على وفق ما أرى ؛ إذ طرحت هذه الإشكالية بدورها إشكاليات عدّة عن : الفكر والواقع ، والأنا والآخر ، والقراءة والخطاب ، والمفاهيم والدلالات ، التي جهد سعادة في صياغة أطرها ومضامينها عبر ذات خاضت تجربة الواقع ، المتمثلة بتجربة الغربة في المهجر والمنفى .
التوظيف المفاهيمي في قراءتي لفكر سعادة ..
أجزم بأن المفاهيم لم تكن تعني المفكر أنطون سعادة بقدر ما كان يعنيه توظيف دلالة هذا المفهوم أو ذاك وهو يصوغ فكره المعبر عن عقيدته الآيديولوجية المعبرة في الوقت نفسه عن نضاله ، عبر تجربته الذاتية بعد خوضها معاناة الواقع ، ومقاربة الفكر الذي يراه غريبا طالما لم يشخص حال الإنسان والمجتمع والأمة ويصوغ الحلول لتجاوز صعابه . ومن هنا وجدت نفسي وبعد قراءة معمقة للآثار الكاملة لسعادة وما تضمنت من فلسفة وفكر ونضال على وفق عدد من المفاهيم تمكن القاريء لفكر سعادة والباحث في فكره على فهمه بعمق وموضوعية . وتؤشر بشكل مباشر أو ضمني ما صاغ من إشكاليات على وفق قراءة للذات والآخر تشكل مقاربات فكرية تارة ، وتارة مفارقات فكرية مع المعاصرين له .
ولعل في تحديد مفهوم الإشكالية المدخل الى مضمون البحث وموضوعته الأساسية . فـ ( الإشكالية ) في معناها هي الماهية التي يتم بموجبها إستحضار موضوعة ما الى المنظومة المفاهيمية للمفكر تسهم في طرح التساؤلات على وفق نظرة شمولية ضمن الفكر المعين نفسه يمكّن المفكر من النظر الى الوقائع في ضوء المفهوم .( 1 ، ص 50 ) وبموجب ما تقدم تصبح الإشكالية النظر المميز لفكر ما تمكنه من رؤية الواقع وصياغة نظرة متجددة توصف بالشمولية تضع الإجابة عما يثار من تساؤلات ، ضمن هذه الإشكالية ولتفهم من ثم بكونها إشكالية . ( 2 ، ص 15 و 17 )
الى جانب مفهوم ( القراءة ) الذي مكن سعادة ، كما أزعم ، من النظر الى الآخر نظرة حقيقية ومن ومعرفة الذات معرفة حقيقية تكشف عن ماهية المفارقة بين هذه الذات وبين الآخر ( الغرب ) في الفكر والواقع ، في النظر والتجربة . عبر تفعيل الفلسفة وتأسيس الفكر بموجبها تأسيسا فلسفيا ومعرفيا عميقا ، يمنحه التجدد والمعاصرة فيما يثير من إشكالية وما يطرح من تساؤل وما يقدم من عقيدة وآيديولوجية وتجربة نضالية . ( 3 ، ص5 ـ 6 )
ومن ثم فإن هذه الإشكالية وتلك القراءة كوّنتا ، من وجهة نظري ، المضمون المعرفي والدلالي لمفهوم ( الرؤية ) ، مضمون الإبداع الفكري والعقائدي والنضالي المتميز لسعادة في الفكر النهضوي العربي ومشروعه الحضاري . فرؤية سعادة هي وجهة نظره الشمولية المنطلقة من ، والمعبرة عن منظومته الفكرية الموحدة من المفاهيم والأفكار والبنى ، للدلالة على تجربته الشخصية الفردية ، وخبرته الذاتية الخاصة ، ومعاناته الوجدانية ، تؤسس على وتنطلق من فعل التفلسف لتبين إشكاليات الفكر وتساؤلات العقيدة وتناقضات الواقع ولتصوغ الحلول وتضع التصورات الآنية الحاضرة والآتية المستقبلية في حياة الإنسان والمجتمع والأمة . ( 4 ، ص 125 )
وهكذا سأتبين ماهية تفعيل سعادة لهذه المفاهيم في فكره وعقيدته ونضاله ، عبر موضوعة الحرية الإشكالية الأساسية لديه .
إشكالية الحرية بين المفهوم والموقف ..
يشكل رجوع سعادة الى وطنه بعد طول غربة في المهجر بداية المواجهة مع إشكالية الحرية التي وجدها الإشكالية الأساسية المفقودة بعد خوضه تجربة الواقع وإستقرأ ماهية الموقف الذي يقتضيه حضورها فيه ، فإنطلق يتساءل : أي حرية نريد ؟ أ هي حرية الذات أم حرية الإنسان أم حرية المجتمع أم حرية الأمة ؟ أ نريد الحرية قيمة أساسية من قيم الإنسان ؟ أ ترتبط حرية الإنسان بواقعه ؟ وهل ينتزع الإنسان حريته إنتزاعا من واقعه ؟ وهل ترتبط الحرية بالحياة ؟ وما الترابط بين الأمة والحرية ؟ وما مدى حرية الفرد الذي ينتمي الى الحزب السوري القومي الإجتماعي ؟ وهل تترك للمنتمي حرية الإعتقاد الفردي ؟ غيرها من التساؤلات التي طرحها سعادة على نفسه وحاول صياغة إجاباتها ضمن جهده في حلّ إشكالية الحرية والديمقراطية مفهوما وموقفا وممارسة .
يتضح تمكن سعادة من إشكالية الحرية عبر موضوعين أجدهما يفصحان عن حقيقة فهمه لموضوعة الحرية و الماهية التي تمّ بموجبها تحول سعادة من مفهوم الحرية على وفق قراءته لنظرة الآخر له عبر تجربة فرنسا في موضوع ( الحرية وأم الحرية ) ( 5 ، ص55 ـ 63 / ج1 ) ، وإتخاذ الحرية موقفا للذات إزاء الآخر والذي يتضح في موضوع ( مشكلة الحرية تحل بالحرية ) ( 6 ، ص64 ـ 66 / ج16 ) . ففي هذين الموضوعين تتمظهر الحقيقة الفكرية والواقعية والتجربة النضالية ، من وجهة نظري ، للمفكر سعادة من إشكالية الحرية وهي في الوقت نفسه تشكل بداية المفارقة عن الآخر ( الغرب ) وعن الغير ( المعاصرين له ) .
بدأ سعادة الإطلاع على تجربة الآخر في الحرية وعلى وجه الخصوص التجربة الفرنسية ممثلة بـ ( الثورة الفرنسية ) ومبادئها فإنطلق ينتقدها بعدما تيبن حقيقتها في الممارسة والواقع وبلا شعارات زائفة ، فوجد فرنسا النموذج المنشود للحرية ولرقي الإنسان ولتحرير البشرية من الإستبداد والإستعباد . ( 5 ، ص 57 / ج1 ) ترى في الآخرين ( الشعب الشرقي ) غير مؤهل للحرية إلاّ بسيطرة الشعب الغربي عليه . ( 5 ، ص 126 / ج1 ) هذا من جانب ؛ ومن جانب آخر تبين ماهية الحرية الفرنسية المنغمسة في الشهوة والرذيلة إذ وجدها الحرية الوحيدة وبكل ما في هذه الكلمة من معنى . ( 5 ، ص 63 / ج1 ) وكأنه إكتشف التناقض بين مباديء الثورة الفرنسية التي تدعي بأنها " أم الحرية ومبدعة المباديء الإنسانية السامية " " ومنقذة البشرية من هوة العبودية " وبين حقيقة الفرنسي المستعبد لغيره . فقرر بأن حرية الثورة الفرنسية حرية زائفة لا تمت الى الواقع والحقيقة . ( 5 ، ص 58 و 62 / ج1 )
وبموجب ما تقدم يصوغ سعادة نهجه الخاص في الحرية والتحرر في نص دستور حزبه أو في نصوص مقالاته وخطاباته ومراسلاته . نهج يجانب تجربة الآخر ( الغرب ) ويتفاعل مع الواقع وإنسانه ، ومع المجتمع وصيرورته ، ومع الأمة ووجودها القومي . فيرى " في حرية النفس أساس كل الحريات " ( 7 ، ص 56 / ج2 ) ومثال حرية النفس هو السوري القومي الإجتماعي الذي حرر نفسه وعقله وفكره وإنطلق لتحرير مجتمعه وأمته . ( 7 ، ص 177 و 179 / ج2 )
ويقرّ سعادة بحق سيادتنا القومية ويعدّه الحق الأول من حقوقنا ( 7 ، ص 239 / ج2 ) ويربطها بالحرية حينما يصف الحرية القومية بالمقدسة ويجد في هذه " الحرية القومية المقدسة حرية سورية الأمة " ( 7 ، ص110 / ج2 )
وبموجب ذلك سمّى الحرية المقترنة بالحق والخير والجمال صورة للنفس السورية والتي عدّها الرمز الأساس من رموز حزبه . ( 7 ، ص 85 / ج2 ) وهو يعزز رؤيته لحرية الأمة حينما يقرن الأمة والحياة والحرية ، في نصه القائل : الأمة السورية " أمة حية تريد الحياة الحرة ... أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية ، وتحب الموت متى كان الموت طريقا الى الحياة . ( 7 ، ص 175 / ج2 ) و ( 8 ، ص 25 / ج15 ) ؛ الى جانب تؤكيد سعادة على عدم وجود قضية قومية للشعب السوري قبل تكوين الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي هو " فكرة وحركة تتناولان حياة الأمة بأسرها " . ( 7 ، ص 176 / ج2 )
ولهذا سعى الحزب ، على وفق نظرة سعادة الى تمكين الأمة السورية من ممارسة حقوقها المدنية والقومية ( 7 ، ص 195 و 199 / ج2 ) منطلقا من ومحققا لشعاره " سورية للسوريين والسوريون أمة تامة " . ( 8 ، ص 28 / ج 15 )
وتأسيسا على ما سبق يتضح بأن همّ سعادة بعد عودته من غربة المهجر تحرير الشعب من إستعباد الآخر ( الغرب ) ليس سياسيا فحسب ولكن تحريره عقليا مما بثه ( المستعمر ) الآخر من فكر مستبد يحارب حرية الفكر والحريات المدنية والسياسية للشعب السوري ليحول دون تقرير الشعب لمصيره ولمصير نخبه السياسية . ( 6 ، ص 64 / ج16 ) فتمت محاربة الشعب السوري محاربة فكرية مضمونها " محاربة الفكر الحر بالفكر المستبد " و " الرأي الصحيح بالرأي الآخر " لعجز الآخر عن مواجهة الفكر بالفكر . ولهذا حاول سعادة تقديم خطاب حقيقي للشعب السوري يحرر النفوس من الدجل والوهم والباطل . ( 6 ، ص 65 / ج16 ) بعدما لاحظ وعبر تجربة الشعب اللبناني في الحرية على وجه الخصوص ، وعلى تباين وتنوع هذا الشعب في المعتقد والمعتنق ، هو شعب " يريد الحقيقة ويريد المعرفة الصحيحة " وكلاهما لا تتحققان إلاّ في ظل حرية الفكر لا بالإضطهاد ولا بالعبودية .
ومن هنا ربط سعادة بين الحرية والشعب في نص مفاده " إن مشكلة الحرية ... هي مشكلة في الشعب " ، و على عاتق القوميين الإجتماعيين حماية " إنطلاق الفكر " في آفاق الحرية حتى ولو أصطرعت فيه العقائد المتباينة والمتنوعة ولكن لتبتعد عن إشكاليات السياسة .
وكأن مشكلة العقائد في لبنان هي مشكلة الحرية ، فعالج سعادة هذه المشكلة بشكل موضوعي واقعي ووجدها لا تحل إلاّ بالحرية لكون مشكلة العقائد هي أصلا مشكلة حرية و لكون لبنان لا يحيا إلاّ بالحرية . ( 6 ، ص 66 / ج16 )
وهكذا تحولت الحرية لدى سعادة الى موقف واقعي عمّقه بالنظر الى تجربة الحرية وإنموذجها لبنان . وهو يسجل ماهية التجرية الواقعية التي خاضتها الحركة القومية الإجتماعية في لبنان نفسه من أجل ترسيخ الحريات الأساسية والحقوق المدنية والسياسية فيه وله . ( 6 ، ص 62 / ج16 )
الدولة القومية الإجتماعية ـ الخيار الديمقراطي ..
لعل في خوض تجربة الواقع لإستجلاء همومه وتساؤلاته ووضع الحلول له وجهت سعادة ، بعدما أدرك بشكل معمق ما غاب عن هذا الواقع أو ما غيب فيه مما يمس حياة الإنسان وصيرورة المجتمع وتوجه الدولة . فرأى في الديمقراطية المفهوم الحاضر والموقف المغيب ، فتساءل : ما هي الديمقراطية التي نريد ؟ بعدما إطلع على تجربة الآخر ( الغرب ) الديمقراطية ونموذجه ( بريطانيا ) . أ يمكن تطبيقها في واقعنا فتكون ديمقراطيتنا إنموذجا عن ديمقراطية هذا الآخر ؟ . أ نستمد ديمقراطيتنا من ديمقراطية الآخر الذي يتبجح علينا بديمقراطيته في الوقت الذي يمثل فيه نموذج العنف والقهر للآخرين أو للغير . ( 6 ، ص59 / ج16 )
هنا تنبثق الإشكالية والمفارقة في المفهوم والموقف في الوقت نفسه . فينقد تجربة الغرب الديمقراطية لبيان أوجه هشاشتها في واقعها ودلالة مفاهيمها ، فيرد مفهوم الديمقراطية كضد لمفهوم الأرستقراطية التي تكمن مهمتها في إختيار الأسياد المستعبدين للغير ( 5 ، ص 58 و61 / ج1 ) تارة ، وتارة يرد مفهوم الديمقراطية مقترنا بمفاهيم البرلمانية من جانب ، وبالدكتاتورية من جانب آخر . ( 9 ، ص106 ـ 107 / ج 4 ) فيتساءل : ما هي الديمقراطية ؟ أ يمكن أن تكون الديمقراطية موقفا للمجتمع أي للدولة الإجتماعية ؟ وماذا عن ممارسة الديمقراطية في المجتمع والحزب ؟ ومن يمارس الديمقراطية ؟ وأي ديمقراطية نريد ؟ هل نريد ديمقراطية تعبيرية أم ديمقراطية تمثيلية ؟
وما نظرة سعادة الى الديمقراطية وتساؤلاته بصددها إلاّ من أجل صياغة مفهوم جديد للديمقراطية ،يعّد نموذجا حقيقيا وموقفا واقعيا في الدولة القومية التي يريد تأسيسها " دولة قومية مركزية ديمقراطية ، مستقلة " ( 10 ، ص 15 / ج6 )
ومن هنا ينطلق في وضع مفهوما للديمقراطية تفارق ديمقراطية الآخر ( الغرب ) التي لا يرى فيها سوى المصطلح أو المفهوم ، طالما تبرر هكذا ديمقراطية إحتلال الآخرين بحجة التحرير . ( 10 ، ص129 / ج6 )
فأقول : تمظهر الفعل الديمقراطي ، على وفق رؤية سعادة ، في الواقع الحياتي بممارسات عدّة شكلت موقفه من الديمقراطية ، وأجابت عمّا طرح تساؤلات من تتعلق بماهية الممارسة الديمقراطية بدأ بالفرد ( عضو الحزب ) وإنتهاءا بالمجتمع ( ديمقراطية الدولة القومية ونظامها السياسي ) ، تثار ضمن جدل الفكر والعقيدة والنضال ، لتشكل من ثم نظرة شمولية للحياة ، ضمنها نصوص دستور حزبه .
وضّح سعادة ماهية الممارسة الديمقراطية في حزبه وما يتمتع العضو المنتمي إليه من حقوق ديمقراطية تتمثل بدأ من حق إبداء الرأي في الإجتماع النظامي العام والخاص وفي خطط الحزب السياسية وفي تقديم الرأي فيما يتعلق بشؤون الحزب أو تقرير سياسته أو حل مشكل له آثاره العكسية على حياة الحزب الداخلية أو لتعديل دستوره المعمول به . على وفق ما ورد في مضمون المادتين الثامنة والعاشرة من دستور الحزب السوري القومي الإجتماعي . ( 7 ، ص 128 و 157 / ج2 ) ؛ في الوقت الذي يقرّ فيه بحق الفرد في ممارسة معتقده الديني ونهجه المذهبي بحرية . ( 7 ، ص 195 / ج 2 ) و ( 8 ، ص150 / ج15 ) و ( 11 ، ص 281 / ج9 ) حتى يغدو الحزب السوري القومي الإجتماعي وكأنه يجسد أرقى الممارسات الديمقراطية ومظاهرها التعبيرية كإنموذجا عن الدولة القومية ( الأمة السورية ) بدأ بالإنسان المنتمي ( الفرد ) وإنتهاءا بالمجتمع ( المجموع ) . الى جانب توكيده على إطلاق حرية الفكر ( الحرية الفكرية ) ( 5 ، ص341 / ج1 ) وحرية القول ( الحرية الصحفية ) وحرية التعبير الصحيح عن الموقف دونما تشدق أو دسّ أو تحريض أو خنق . لأن الوقوف ضد هذه الحقوق والممارسات الديمقراطية للفرد وللمجموع ينطوي على خنق للديمقراطية نفسها . ( 6 ، ص57 / ج16 )
ويرى سعادة في من يحرم نفسه من حق حرية الفكر والقول والتعبير والرأي فهو يحرم نفسه من حق الحياة في الوقت نفسه ( 6 ، ص54 ـ 55 / ج16 ) ، لذلك يشخص سعادة ما يلحق بالفرد وبالمجتمع في حال غياب هذه الممارسات الديمقراطية ، فيرى في التدخل بالشؤون الفكرية والروحية للمجتمع فعله العكسي على حريته الفكرية ، الأمر الذي يحول دون تقدمه وتطوره ( 9 ، ص 161 / ج4 ) ، مما يدل على الإرتباط الوثيق بين حرية الرأي والقول والتعبير والإجتماع وبين الإستقلال والسيادة التامة وفي دلالة أحدهما على الآخر . على النقيض أو الضد من العبودية والإستبداد التي تحول دون تحقيق الممارسة الدسمقراطية ، والتي تغدو الديمقراطية بموجبها مجرد ألفاظ لا تفقه معانيها . ( 6 ، ص 35 , 144/ ج16 )
أما ما يتعلق بواقع الدولة القومية فإن الفعل الديمقراطي لسعادة يؤسس على نقد ديمقراطية الآخر التي يصفها بكونها ديمقراطية تمثيلية على ما يعنيه التمثيل من جمود وإنغلاق لتعلقه بما تحقق في الماضي أو الحاضر على وجه التحديد ، فهكذا ديمقراطية تعد ديمقراطية شكلية . ليأتي بمفهوم جديد للديمقراطية تصح ممارستها في الدولة القومية ألا وهي الديمقراطية التعبيرية على ما يعنيه التعبير من إنشاء وإدراك لشيء جديد ودلالته التعبير عن موقف ( إرادة ) الشعب ، فهذه هي الديمقراطية الحقيقية . ( 12 ، ص 29 ـ 30 / ج7 ) و ( 13 ، ص168 / ج12 ) ليميزها سعادة عمّا إرتبط بالديمقراطية من مفاهيم أعتمدت لدى الآخر ( الغرب ) كالبرلمانية والدكتاتورية . فيرى في البرلمانية شكلا من اشكال الديمقراطية ولكنها لا ترقى الى الديمقراطية بذاتها على الرغم من تمتع الفرد فيها بحق القول والخطابة والكتابة والنقاش والحوار والرأي ( 9 ، ص 106 / ج4 ) .
وعلى الجانب الآخر يربط سعادة بين الدكتاتورية والديمقراطية حين يرى في الدكتاتورية شكلا من أشكال الديمقراطية الصحيحة في مفارقة واضحة في الوقت نفسه الذي يتم فيه رفض الآخرين من المفكرين المعاصرين له للدكتاتورية مفهوما ومضمونا ونظاما ؛ فإن سعادة يرى فيها نظاما مؤقتا للإنتقال بالأمة من حال الفوضى الى حال النظام ، ومن حال الضعف الى حال القوة ، ومن الموت الى الحياة . وكأن الدكتاتورية نظاما لا بد منه للأمة التي أصابها الشلل الفكري والسياسي والأخلاقي والثقافي .
ويعد ما تقدم التفسير العلمي المبرر من سعادة لتبنيه الدكتاتورية كنظام تمهيدي ، من وجهة نظري ، الى النظام الديمقراطي التعبيري .( 9 ، ص 107 / ج4 ) مما يؤشر أيضا تبني سعادة موقف العادل المستبد ، لكونه " وليد نهضة محددة يحمل رسالتها ويعمل لتحقيق مبادئها " دون تسخير شعبه لمطامعه الشخصية . ( 9 ، ص 137 / ج4 ) ولعلها مفارقة أخرى تميزه عن مفكري عصره .
حرية المرأة في فكر سعادة ..
قرأ سعادة مجتمعه قراءة معمقة وشخص حركة الإنسان فيه ( المرأة ) و( الرجل ) على وفق نظرة شمولية للحياة والمجتمع ، فبذل جهده من أجل تنظيم حياة إنسانه عبر مرتكز الحرية . فإنطلق من المرأة يوثق دورها الإجتماعي وحضورها السياسي ورصد حالات تأخرها وتأثيرها السلبي على الحياة والمجتمع والسياسة والتي وجدها في موضوعة الحرية .
رأى سعادة في المرأة طاقة روحية فعّالة لكونها تفكر بقلبها ، والتفكير الإحساسي القلبي هذا يعّد جوهر نهضتنا وبغيره لا يمكننا تحقيق غايتنا . لأن القضية القومية ، من وجهة نظر سعادة ، ليست " قضية منطق " فحسب بل هي قضية حسية أيضا ؛ بمعنى ليس بالمنطق وحده ننتزع حقوقنا ، ولكن بالإحساس العميق الذي يؤدي بنا الى التضحية من أجل نيّل حقوقنا كاملة من خصومنا . والمرأة بفكرها الإحساسي القلبي الى جانب الرجل بفكره العقلي التجريدي يكونان المرتكز الأساس في تحقيق نهوضنا الحضاري .
وبموجب هذه النظرة الى المرأة ثبّت سعادة في المادة التاسعة من دستور الحزب السوري القومي الإجتماعي حق المرأة في الإنتماء الى الحزب الى جانب الرجل على حد سواء فقال : " كل سوري ذكرا أم أنثى يحق له دخول الحزب السوري القومي الإجتماعي " ( 7 ، ص 157 / ج2 ) .
وهكذا إنضمت المرأة الى الفعل القومي وعضوية الحزب بكل حرية ، لكون الفعل والحزب ليسا حكرا على الرجل حصرا . ورأى سعادة في تاريخ المرأة السورية الدور المشرق في تقدم المجتمع ورقي الأمة . لأن ما تدركه المرأة بقلبها لا يمكن للرجل تقديره بعقله .
ومن ثم فإن سعادة يريد من المرأة أن تكون عضوا ناشطا في المجتمع وفي الحزب عبر دعوته المفتوحة الى النساء السوريات للإنضمام الى بنية الحزب السوري القومي الإجتماعي لتميزهن بالإندفاع الذاتي في الفعل القومي في مقابل الرجل الذي قطع الشوط الأكبر فيه . ( 9 ، ص 54 / ج4 )
وإذا ما حدد سعادة حرية المرأة السياسية في الفعل القومي ، فهو يشخص فقدان المرأة لحريتها في المجتمع ، فيتساؤل : ما هو حال الأجيال القادمة التي تؤدي المرأة الدور الفاعل في تربيتها وتنشأتها إ ن كانت المرأة مقيدة في حريتها وفكرها وموقفها ؟ .
فيشخص مظاهر الفساد في النظام الإجتماعي حينما يرى قهر الرجل ( الأب ) للمرأة ( الأم ) من جانب ، والقهر المزدوج الذي يمارسه الرجل ( الأب ) والمرأة ( الأم ) على البنت من جانب آخر ، هذا القهر الذي يحول دون تحقيق البنت لرغباتها وتسيير شؤون حياتها ويحرمانها من حقوقها وحرياتها ويجردانها من إرادتها في الحياة ..
وهنا يتساءل سعادة أ يمكن لهذه الفتاة التي ستصبح أما في المستقبل ، التمكن من غرس روح الثقة بالنفس وحرية الفكر وحرية التصرف وسائر الفضائل لدى جيل الأبناء ، وهي مجردة من الحرية ؟ وهل يمكن لهكذا أبناء مقهورون بدورهم تنشئة " رجالا ونساء أحرارا ؟ " . ( 5 ، ص341 / ج1 ) و ( 7 ، ص17 / ج2 )
ومن الجانب الآخر فإن سعادة ينكر تشبيه الحياة الزوجية بالعبودية ، أي هي عبودية للرجل وعبودية للمرأة على حد سواء .. لأن هذا التشبيه يضّر بالحياة الإنسانية عموما لأن نتيجته ستكون العزوف عن الزواج مما يعود بالضرر على المجتمع . ولكن سعادة يقّر بالتباين والتنوع بين المرأة والرجل في الحياة ، فيرى فيه تباينا وتنوعا حياتي لا وجه للعبودية فيه ، بمعنى للرجل دور في الحياة وللمرأة دور في الحياة ولكونهما غير متساويان في هذا الدور الحياتي الوظيفي ، فهذا لا يعني على الإطلاق كون المرأة مستعبدة كما يظن .
ومن ثم فإن تحرير المرأة والرجل من " عبوديتهما " الزوجية في الحياة هي ضرب من الوهم البحت . فلا عبودية بين المرأة والرجل ولكن " نفسان متحدتان " وشخصان متساويان في الحقوق والواجبات والحريات . وإذا ما إستبد الرجل بالمرأة أو إستبدت المرأة بالرجل " فما ذلك الإّ نتيجة إنحطاط أخلاقي في المستبد " . وإذن إذا ما وجدت فكرة إستبداد الرجل وعبودية المرأة على سبيل الفرض فمرجعها الى الخلق الذي رتب للمرأة وظيفتها وواجباتها ورتب للرجل وظيفته وواجباته لتتم بهما الحياة . وهذا ما يسميها البعض بـ ( العبودية ) والتي هي وهم في عقولهم حسب . ( 5 ، 48 ـ 50 / ج1 )
ولعل المفارقة في فكرة حرية المرأة لدى سعادة إنطلقت من موقف وتساؤل ، كلاهما تمحور حول شخصية إمرأة هي شخصية الأديبة ( ميّ زيادة ) ، فميّ وبشكل مباشر أو بشكل غير مباشر وجهت موقف سعادة الى جانب المرأة بعدما قرأ ما كتبت عن ( المساواة ) بين المرأة والرجل ودورهما في الحياة والمجتمع ( 5 ، ص 41 ـ 51 / ج1 ) ، من جانب ؛ ومن جانب آخر وضعت سعادة هي أيضا ( ميّ ) أمام التساؤلات : أ يمكن تصور الحياة بلا حرية ؟ وما هو حال من يجرد من حريته إمرأة كانت أم رجلا ؟ وما شأن الحرية الشخصية للمرأة وللرجل ؟ . ( 14 ، ص 35 / ج8 ) وخصوصا بعدما عرف ماهية القيد الذي فرض على حرية الأديبة ميّ والتي أدت به الى ترسيخ الحريات ، بدأ بحرية الحياة وإنتهاءا بالحرية السياسية مرورا بالحرية الفكرية والروحية والنفسية التي بها جميعا يكون الإنسان إنسانا . (9، ص 22 ـ 23 / ج4 )
وقفة أخيرة ..
لعل النظرة الى الحرية مفهوما وموقفا فكريا وآيديولوجيا ونضاليا كونّت مرتكزا أساسيا في المشروع النهضوي ـ الحضاري الذي ظهر في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن العشرين حيث إلتقى حوله المفكرون والنهضويون الذين شكلوا ملامح عصر الصحوة السياسية والفكرية على وفق تباين توجهاتهم وآيديولوجياتهم وافكارهم ، فهم جميعا إنطلقوا من مفهوم الحرية وإفترقوا في الموقف منه .
ومن هنا وجدت ضرورة بيان أوجه المفارقة تارة ، وتارة المقاربة بين فكر سعادة وبعض المفكرين السياسيين أمثال مؤسس البعث ( ميشيل عفلق ) والمفكر ( أحمد لطفي السيد ) في موضوعة الحرية على سبيل الذكر لا الحصر . فهؤلاء جميعا قرأوا الآخر ( الغرب ) فكرا وواقعا بشكل مباشر ، وشكّل هذا الآخر بنظرته الى مبادىء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تصور هذا المفكر أو ذاك السياسي وماهية فهمه لتلك المبادىء بعمق أو بإفتعال .
فأرى في ميشيل عفلق مؤسس البعث في الأربعينات من المفكرين القوميين الذين نالت فكرة القومية المرتبطة بالحرية والتحرر محور آيديولوجيته الثورية . فهو يرى في الحرية ضمانة حقيقية واقعية لتفسير قوميتنا العربية ، مما يدل على كون هذه القومية تتيح الحرية للجميع مهما كانت قومياتهم وأعراقهم ودياناتهم بلا تفرقة ولا إنقسام ولا تمايز ولا كره . ( 15 ، ص 177 ـ 185 / ج1 ) في حين يرى سعادة في الحزب السوري القومي الإجتماعي الضمانة الحقيقية لممارسة الحرية لجميع أبناء الأمة السورية مهما كانت إنتماءاتهم ومعتقداتهم ومبادءهم ، لكونه " حزب الشعب كله " . ( 7 ، ص195 / ج2 )
والحرية بكل معانيها تعد قدر الأمة العربية لدى عفلق من جانب ، ولكون عقيدة البعث من جانب آخر مرهونة بالإخلاص لهذه الحرية ولقيمها الإنسانية . ( 16 ، ص 28 / ج5 ) مما يجعل المنتمي إليه يحرص على حريته وحرية الآخرين والذي يصل حد التضحية في سبيل الدفاع عن هدف الحرية ـ الموقف . وهذا تتحول الحرية من مفهوم الى موقف لدى عفلق . ( 16 ، ص 29 / ج5 )
وبموجب ما تقدم ينفي عفلق وجود أي تضاد أو تناقض بين الحرية والقومية العربية ، فيرى القومية العربية هي الحرية ( 15 ، ص139 / ج1 ) مما يوثق الترابط الجدلي بين عقيدة البعث والحرية ، و يجعل من الحرية هدفا أساسيا وموقفا في الحياة لكونها جوهر الحياة ومعناها . وإذن فالحرية بهذا المعنى لا تقبل التجزؤ لما تعنيه من تحرير للنفس وتحرير للوطن . ( 17 ، ص 29 ـ 31 / ج2 )
وهنا أرى المقاربة واضحة بين سعادة وعفلق ، حينما يشخص عفلق الخطر الذي يهدد وجودنا عقيدة وأمة وتحررنا ، والذي يكمن في الأخطار والمؤآمرات الإستعمارية . ( 18 ، ص 176 / ج4 ) و ( 7 ، ص 180 / ج 2 ) و ( 8 ، ص27 / ج15 )
وإذن إذا عدت الحرية موقفا من الحياة ومقوما أساسيا فيها ، فالحرص على ترسيخ هذه الحرية في الواقع يعني الدفاع عن الحياة نفسها ، وعندئذ تتحول الحرية الى معركة حياة أو موت . لأن الحرية ستكون في هذه الحال ليست مادة في دستور أو نصا في قانون أو موضوعا للخطابة والكتابة ، بل إيمانا وجهادا وإستشهادا من أجل ترسيخها بما يعمق من قيمنا وأخلاقياتنا ، ويحافظ على مستقبل أجيالنا ويضمن تحرر أوطاننا وإستقلالنا . ( 17 ، ص 30 ـ 31 / ج2 )
وعندئذ يجد الإلتقاء بين عفلق وسعادة تشخيصه من خلال النظرة الى تفعيل الحرية في الحياة بوصفها موقفا واقعيا وليس مفهوما نظريا حسب ، وبما يعنيه تفعيل هذه الحرية بحرية المنتمي الى هذا الحزب أو ذاك من مديات ترتبط بحرية النفس سواء أكانت حرية الذات أو الإنسان أو المنتمي وحرية الآخرين وحرية الوطن وحرية الأمة العربية لدى عفلق أو الأمة السورية لدى سعادة .
ولربما يبين الدرس المقارن بين سعادة وعفلق ماهية الإتفاق والإفتراق بينهما في الفكر والعقيدة والنضال لكونهما إنطلقا ، كما أرى ، من تجرية الغربة قبل التأسيس ومن نظرة الآخر ( الغرب ) الى الحرية والديمقراطية وتحولا بعد التأسيس الى نقد الآخر وترسيخ مفاهيم عقائدية ـ واقعية للحرية تنبع من صميم المعاناة .
في حين يصل الإتجاه الليبرالي ( العلماني ) في الفكر السياسي المصري مداه لدى المفكر أحمد لطفي السيد قبل ثورة 1952 في مصر بتبنيه للمفهوم الديمقراطي على وفق المنظور الإنكليزي والفرنسي الذي يؤسس على فصل السلطة الدينية عن الحياة المدنية ــ المجتمعية وأطرها الزمنية ( 19 ، ص42 ) و( 20 ، ص 611 و 813 ) و ( 21 ، ص 326 ) . ومع ذلك فإن السيد أخفق في تفعيل حركة الجماهير لفصله بين الديمقراطية والحركة الوطنية ( 20 ، ص 507 ) ، مما أشر مفارقة في حياة السيد الفكرية ــ السياسية ، التي تتضح عبر قراره خوض التجربة الديمقراطية بشكل مباشر فرشح نفسه لإنتخابات الجمعية التأسيسية ( النيابية ) على مبادىء الديمقراطية التي وصفت بكونها تجربة فاشلة حينما تمكن خصمه منه بعدما أشاع عن كون السيد يساوي المرأة بالرجل في حق تعدد الأزواج على غرار حق الرجل في تعدد الزوجات فأدت هذه المقولة الى إسقاط أحمد لطفي السيد في الإنتخابات . ( 21 ، ص 20 )
ولربما كان السيد يبحث لنفسه عن موقع وهدف يحقق من خلاله الذات حتى في حال تناقضه مع قناعاته ( 20 ، ص496 ) .الأمر الذي يدل على تأرجح السيد بين الليبرالية وما تضمنت من مفاهيم الحرية والتحرر الإجتماعي وحقوق الإنسان ورفضها لأشكال الوصاية والإنتداب وتبنيها لمفهوم التحرر القومي ، وهي المفاهيم التي إقترنت بتجربة الآخر ( الغرب ) للحرية وظهرت كإشكالية في الفكر العربي المعاصر بدأ بعصر النهضة ( 22 ، ص 60 ) ؛ وبين نزعته القطرية وإطلاقه شعار " مصر للمصريين " في جريدته ( الجريدة ) في وجه الإحتلال البريطاني والخلافة العثمانية على وفق مفهوم العصبية الجنسية المصرية بما تميزت به من سمات التاريخ والثقافة تمهيدا لعزل مصر عن بيئتها العربية . ( 23 ، ص 182 و194 )
وكأن المفارقة تحددت عبر تراجع أحمد لطفي السيد عن ثقته بإطروحات الآخر ( الغرب ) ، منطلقا من توظيف رؤيته الفلسفية لما عرف عنه من كونه " فيلسوف الجيل ومفكر الأمة المصرية " ، ومن تفعيل الفكر الفلسفي على وفق رؤيته السياسية ـ الواقعية لتشكل السياسة موضوعا من موضوعات الفلسفة .
( 22 ، ص 22 ) .
وبموجب ما تقدم تتضح المقاربة بين مفكرنا سعادة وبين أحمد لطفي السيد بدأ من تفعيل الفلسفة أو الفكر الفلسفي في الرؤية السياسية ، وفي قراءة الآخر ( الغرب) وتجربته في الحرية ، وفي التراجع بعد غمار تجربة الواقع عن نظرة الآخر هذا والإنطلاق من نقده لغرض تجاوز إطروحاته في مفهوم الحرية والموقف من الديمقراطية من جانب ؛ ومن جانب آخر في إلتقاءهما في تحقيق الشعار نفسه على الرغم من إختلافه مضمونا وإتفاقه دلالة ألا وهو شعار " سورية للسوريين " ( 7 ، ص178 / ج 2 ) و (8 ، ص 28 / ج 15 ) شعار سعادة المؤسس على منظور عقائدي ـ آيديولوجي نضالي ، وشعار أحمد لطفي السيد " مصر للمصريين " المحقق لمنظور سياسي ـ قطري.
المصادر حسب ورودها في البحث ..
10 . أنطون سعادة ، الآثار الكاملة ، ج6 / 1939 ، ط1 ، بيروت ، 1983 .
11 . أنطون سعادة ، الآثار الكاملة ، ج9 / 1940 ــ 1942 ، ط1 ، بيروت .
12 . أنطون سعادة ، الآثار الكاملة ، ج7 / 1940 ، ط1 ، بيروت .
13 . أنطون سعادة ، الآثار الكاملة ، ج12 / 1944 ــ 1945 ، ط1 ، بيروت .
14 . أنطون سعادة ، الآثار الكاملة ، ج8 / 1941 ، ط1 ، بيروت .
15 . ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، مكتب الثقافة والإعلام القومي ، ج1 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1985 .
16. ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، مكتب الثقافة والإعلام القومي ، ج5 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1988 .
17. ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، مكتب الثقافة والإعلام القومي ، ج2 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1986 .
18 .ميشيل عفلق ، في سبيل البعث ، مكتب الثقافة والإعلام القومي ، ج4 ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1987 .
19 . د. سيّار الجمّيل ، العرب والأتراك الإنبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة ، ط1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 1997 .
20 . مركز دراسات الوحدة العربية ، أزمة الديمقراطية في الوطن العربي ، ط3 ، بيروت ، 2002
21 . مركز دراسات الوحدة العربية ، الحركات الإسلامية والديمقراطية دراسات في الفكر والممارسة ، سلسلة كتب المستقبل العربي ( 14 ) ، ط2 ، بيروت ، 2001 .
22 . مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية الفلسفية المصرية ، الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام ، ط1 ، بيروت ، 2002 .
23 . مركز دراسات الوحدة العربية والمجمع العلمي العراقي ، مكانة العقل في الفكر العربي ، ط 2 ، بيروت ، 1998 .