6 تموز 2004
بداية بودي أن أتساءل هل أن السياسة كانت بعد الاقتصاد في حالة تشكيل دول مجلس التعاون الخليجي فعندما قرأت موضوع (مجلس التعاون الخليجي.. الاقتصاد قبل السياسة) تبادر إلى ذهني قول أحد أساتذتنا في الجامعة، عندما حدثنا في إحدى المحاضرات قائلا (لا تصدقوا أن أي قرار يصدر من اي دولة حتى لوكان يمس ابسط أوجه الحياة العامة إلا ويكون له مغزى سياسي)..
وعندما تعمقت بحثا عن جذور ودواعي إنشاء مجلس التعاون الخليجي وجدت أنه صحيح قد تم التأكيد على البعد الاقتصادي في مسالة تأسيس مجلس التعاون الخليجي، إلا إنني وجدت أن السبب الأساسي كان سببا سياسيا/ أمنيا ذا بعد دولي. فقد أنشئ مجلس التعاون الخليجي أساساً بدوافع أمنية ودفاعية، وبعبارة أوضح، جاءت فكرة إنشائه بعد بروز التهديد الإيراني إثر قيام الثورة الإسلامية، ثم نشوب الحرب العراقية –الإيرانية، ولم تشمل عضوية العراق تجنبا من ناحية للإفتزاز إيران وخشية من هيمنة العراق، الدولة الكبرى والأكثر ثقلا من دول الخليج الست جميعاً من ناحية ثانية.
من هذه المقدمة البسيطة أنطلق لأقول احدى البديهيات المعروفة.. وهي أن هذه المنطقة تمثل توجها رئيسا لمحاور إهتمامات القوى الكبرى، سواء باعتبارها تحتوي أهم السلع الاستراتيجية التي تترك بصماتها على مجريات الساحة الدولية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي الطاقة...أومن ناحية كونها جزءً حيوياً ومهم من منطقة المشرق العربي وجواره الاقليمي.
وتكمن القيمة الاستراتيجية لقضايا الطاقة في المجال النفطي من حيث كونها تختزن ما نسبته 64.6% من مجمل الاحتياطي العالمي من النفط وفقا لإحصاءات Statistical Review للطاقة العالمية لعام 1997، وتقوم بتوريد ما نسبته 24% للولايات المتحدة الامريكية، و46% للاتحاد الاوربي ونسبة 67%إلى اليابان وفقا لما أصدرته إدارة إستعلامات الطاقة /وزارة الطاقة للولايات المتحدة الأمريكية في التقرير الإحصائي الدولي للنفط في أيار 1996؛ هذا فضلا عن امتلاكها لما نسبته 34% + 9% من احتياطي الغاز الطبيعي، يمر مجمل هذا عبر مضيق هرمز.
أما أهمية منطقة دول مجلس التعاون من ناحية الموقع الجغرافي، فإنها تقع في الجنوب الغربي لقارة آسيا في موقع متوسط المسافة بين مشرق العالم وبين مغربه، فلو حُسبت ساعات السفر من أية دولة خليجية إلى الجزر الواقعة في شرق آسيا لوجدناها مساوية لعدد ساعات السفر التي تصل بها إلى أقصى دولة في أوربا، كما إننا نجدها متوسطة تقريبا بين أقصى نقطة في شمال الكرة الارضية وبين أبعد نقطة في قطبها الجنوبي. لذلك فإن موقعها يعد همزة وصل بين الشرق والغرب، كما يمكن أن يقال الشيء ذاته بين الشمال والجنوب، فهذه الدول تقع بين خطي عرض 15إلى 35 شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 35إلى 60 شرق جرنتش، وتحدها من الشمال العراق والاردن ومن الجنوب الجمهورية العربية اليمنية والبحر العربي ومن الشرق الخليج العربي، ومن الغرب البحر الأحمر. أما أهميتها كجزء من منطقة الشرق الأوسط فتكمن في أنها نقطة تلاقي ثلاث قارات (آسيا، أفريقيا، أوربا) ونتيجة لهذا البعد الجغرافي – الاقتصادي- العسكري، كان الخليج العربي على الدوام مصدر اهتمام وصراع الدول الكبرى منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى عصر النهضة والذرة.
حيث كان لخصوصية هذه المنطقة أثر مهم في التنافس الاستعماري قديما وحديثا وبمختلف الصور عليها. فالنفط كان ولا يزال يمثل عصب الصناعات الحديثة، ولحاجة القوى الكبرى الماسة والمتزايدة لهذه المادة الاستراتيجية ظلت متمكسة بالمنطقة خاصة وأنها سوقا مربحة لتصريف منتجاتها الصناعية والإستفادة من الفوائض المالية النفطية المتوفرة في دول المنطقة عن طريق بيع كل ما تحتاجه وبكميات كبيرة وتأتى الاسلحة في مقدمة ذلك.
وبما أن القوى الكبرى تدرك جيدا أهمية استمرار السيطرة على منطقة الخليج العربي؛ وبكل السبل لضمان تدفق النفط واستمرار السيطرة على الطرق الموصلة إلى أوربا وأفريقيا وآسيا. فإنها اعتمدت على سياسة ثابتة تستهدف إضعاف المنطقة ومنع أية فرصة لوحدة حقيقية وخلخلة الاستقرار، وليكن ذلك مصدرا لأحداث الحروب المتواصلة التي تبدد الكثير من طاقات الأمة العربية بصورة عامة وتجعلها في حاجة مستمرة لطلب الحماية العسكرية من القوى الأجنبية.
لقد إندفعت دول الخليج العربية لتطبيق برنامج واسع وباهظ التكاليف في مجال التسلح وبدعم كبير من القوى الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية ونتج عن ذلك تنامي واسع لظاهرة سباق التسلح. حيث قامت دول مجلس التعاون باستيراد أسلحة متطورة من القوى الكبرى، مما فتح المجال بصورة واسعة لإنتشار الخبراء والمتخصصين العسكريين الأجانب في دول المنطقة. فضلا عن قيامها بعقد إتفاقيات أمنية دفاعية مع هذه القوى للدفاع عما أعلن عنه رسميا بـ (أمن منطقة الخليج العربي) والتي شكلت بمجملها ونتائجها القبول الشرعي للتواجد العسكري للقوى الدولية شكلا ومضمونا على الاراضي والمياه العربية. وعلى الرغم مما يعكسه هذا التواجد من اثار خطيرة على ارض الخليج العربي وعلى الامن القومي العربي، فثمة خطورة تكمن في تحول اشكال التواجد من السرية إلى العلنية، ومن تواجد مؤقت إلى وجود دائم.
إلا أنه على الرغم من التقارب في التوجهات حول مسالة أمن الخليج، فإن هذا التقارب لم يتمخض عنه أي نوع من أنواع التحالفات بين دول هذه المنطقة.
ففي حين رأت كل من العراق وإيران أن مسؤولية الأمن تقع على عاتق دول المنطقة بالدرجة الاساس. فان الدول الخليجية الستة الاخرى رات، وبدرجات متفاوتة، إن تحقيق الأمن والاستقرار يتطلب البحث عن حلفاء في النظام الإقليمي والدولي بصفته الخيار الوحيد لتحقيق الأمن الإقليمي. وقد شكلت الخلافات السياسية بين إيران والعراق أحد المعوقات الرئيسة الحائلة دون إيجاد نوع من التنسيق بين دول المنطقة حول مسالة الأمن الخليجي، وحتى مسالة توقيع إتفاقية الجزائر في عام 1975 بين الدولتين لم تساهم في تهيئة الأجواء الإقليمية لإنشاء تكتل إقليمي يضم جميع دول المنطقة. فقد ذهب إقتراح إيران في عام 1976 لإنشاء حلف عسكري إقليمي مهب الريح إذ لم تقبله الأطراف الخليجية الأخرى؛ باستثناء سلطنة عُمان؛ ويرجع بعض المحللين ذلك إلى تخوف هذه الدول من ان قبول ذلك الحلف سيضفي شرعية على هيمنة إيران السياسية والعسكرية على المنطقة، بينما رأى آخرون بأن العامل الرئيس وراء الاقتراح الايراني هو الحد من توجهات الدول الاقليمية الأخرى المنافسة في المنطقة مثل قيام المملكة العربية السعودية بالدعوة إلى إنشاء خط أنابيب للنفط يربط السعودية والكويت والعراق وسلطنة عُمان لنقل النفط إلى خليج عُمان والذي رأت إيران فيه إضعاف لهيمنتها على منطقة الخليج حين إنتقد رئيس الوزراء الإيراني آنذاك (عباس هويدا) أثناء زيارته لدول المنطقة في نيسان 1976 ذلك ونظر إليه على أنه إخلال بالتوازن الإقليمي في الخليج
وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها الطرف العربي لتخفيف حدة التوتر مع إيران والتي توجت بزيارة الملك خالد بن عبد العزيز عاهل السعودية آنذاك في أيار 1976 فإن القلق الإيراني حدا بحكومة الشاه إلى تقديم عرض بإنشاء منظمة إقليمية لا تضم إيران مقابل إلغاء المشروع. وانفضت جميع الإجتماعات السابقة من دون أي إجراءات وطويت الفكرة مؤقتاً.
وبعد تطور مجريات الأحداث السياسية وما تمخض عن نجاح الثورة الإيرانية والتي أدت إلى انهيار مبدأ نيكسون القائم على الاعتماد على القوى الاقليمية (سياسة العمودين) لضمان – كما تدعي الولايات المتحدة الامريكية- أمن المنطقة. حيث أعلنت الحكومة الإيرانية الجديدة آنذاك، رغبتها في التخلي عن سياسة الشاه تجاه منطقة الخليج العربي وعدم رغبتها في آداء دور شرطي الخليج، والغاءها في اذار 1979 صفقة أسلحة كان قد طلبها الشاه من الولايات المتحدة الامريكية كانت قد قدرت بـ 756 مليون دولار. وفي آب من نفس العام أعلنت إلغاءها صفقة أسلحة أخرى سبق لنظام الشاه إبرامها مع الولايات المتحدة تبلغ قيمتها حوالي 9 مليارات دولار. وكان من أهم النتائج التي ترتبت على نجاح الثورة الإيرانية الإنتقال من التحالف الإيراني –السعودي لإحتواء الأخطار إلى التحالف العراقي – السعودي لاحتواء الخطر الإيراني.
ومن ثم جاء التطور الثاني في الأحداث والمتمثل في التدخل السوفيتي في أفغانستان في عام 1979 الذي جعل القوات السوفيتية على بعد ما يقارب 800 كم من منابع النفط. وهو الامر الذي رات فيه دول الخليج العربي تهديدا مباشرا لها وعدته خطوة اولى تجاه الخليج في الاهداف السوفيتية بعيدة المدى واعادتإلى الاذهان وصية القيصر لجنوده باتجاه المياه الدافئة مما عزز القناعة التي كانت سائدة لدى عدد من دول الخليج بان احد الاخطار الخارجية التي تهدد امنهم هي الاطماع السوفيتية.
ومن ثم جاءت الحرب العراقية الايرانية في ايلول 1980 وهو الحدث الذي اتاح الفرصة للمملكة العربية السعودية، بعد ان اصبحت القوتان الاقليميتان الرئيستان منشغلتين بالحرب وادراكها بان الحرب بينهما ستسفر عن اضعاف قدرتهما العسكرية، وعليه فان على السعودية ودول الخليج الاخرى ان تعلن حيادها رسميا والوقوفإلى جانب العراق ماديا لان الاخير يقوم باضعاف ايران بالانابة عنهم كما اصبحت الفرصة سانحة للسعودية ايضا لدعوة دول الخليج العربية الاخرى التي تتماثل معها في نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتشكيل تكتل اقليمي في مواجهة التحديات المشتركة لايتكون للعراق او ايران او اي منهما طرفا فيها.
ان ما تقدم اوجد الرغبة في القيام بمنظومة للتعاون الامني والعسكري بغطاء اقتصادي تلعب المملكة العربية السعودية الدور الاول الرئيس فيه.
اذ طرحت فكرة انشاء مجلس تعاون خليجي مجددا في قمة عمان/الاردن في تشرين الثاني 1980 وتمت الموافقة على الفكرة وجرى الاعداد لورقة عمل طرحت في اجتماعات جانبية للقمة الاسلامية في الطائف خلال الاسبوع الاخير من شهر كانون الثاني 1981 لمتابعة المشاورات حول اخراج فكرة مجلس التعاون الخليجيإلى حيز التنفيذ.
وتبع ذلك عقد مؤتمر لوزراء خارجية دول الخليج الست في الرياض في 14 شباط 1981 فاعلن عن فكرة اقامة مجلس التعاون الخليجي، ثم عقد مؤتمر اخر لوزراء الخارجية في مسقط بسلطنة عُمان في اذار 1981 وجرى التوقيع بالأحرف الاولى على النظام الاساسي للمجلس والذي عرض فيما بعد على مؤتمر القمة الخليجي في ابو ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة في 26/ايار/1981 للتصديق عليه، والاعلان رسميا عن قيام مجلس التعاون الخليجي. اذ جاء في مطلع ورقة العمل المشترك التي تبنتها قمة ابو ظبي (ان ظهور مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى حيز الوجود يعني استجابة للواقع التاريخي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الذي مرت وتمر به منطقة الخليج العربي، وهو اشد ما يكون الحاحا في الوقت الحالي، اكثر منه في اي وقت مضى لصالح شعب المنطقة)
وبالتالي ساعدت المتغيرات السابقة المملكة العربية السعودية في تحقيق استراتيجيتها والمتمثلة في ايجاد صيغة او منظومة رسمية تحقق لها احكام هيمنتها على دول الخليج العربية الصغيرة وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق عدة اهداف سياسية يمكن تلخيصها كما اوردها د. حسن العلكيم في دراسته الموسومة الأمن والإستقرار في منطقة الخليج العربي بـ :
2. تعزيز مكانتها الإقليمية من خلال زعامتها للدول الخليجية العربية الأخرى في التوازن الإقليمي الخليجي وأبعاد فكرة نجاح أي من العراق أو إيران في التحالف مع أي من هذه الدول الصغيرة.
3. تعزيز مكانتها الدولية خاصة في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تتعامل معها الولايات المتحدة بصفتها المركز من ناحية، وتضمن عدم انتهاج أي من الدول الأعضاء في المنطقة سياسة مغايرة لتوجهاتها.
4. تعزيز دور المملكة العربية السعودية في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) ومنظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط (اوابك) من خلال تنسيق سياستها الإنتاجية والتسعيرية لضمان التزام بقية أعضاء المجلس بتوجهات السياسة الخارجية السعودية.
5. تعزيز الارتباط الأمني بين دول الخليج العربية الصغيرة والمملكة العربية السعودية حيث تمثل هذه الدول الحزام السعودي وتشكل الأخيرة العمود والركيزة الأساسية التي يقوم عليها أمن المنطقة.
6. تنسيق السياسات بين الدول العربية الخليجية الصغيرة والمملكة السعودية خاصة في مجال تبادل المعلومات الأمنية التي تتعلق بأبناء المنطقة النشطين سياسيا ومنع إمكانية حصول أي من عناصر المعارضة السعودية لملاذ في أي من هذه الدول. كما تهدف كذلك إلى زيادة التنسيق الأمني في مجال إحتواء الخطر (الشيعي) في كل من البحرين والكويت والمنطقة الشرقية (ايران) إضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية حول الوافدين العرب والأجانب العاملين في هذه الدول.
7. رغبة المملكة العربية السعودية في استخدام مجلس التعاون للحصول على تنازلات سياسية من الدول الأعضاء بما يحقق مصالحها خاصة فيما يتعلق بمسائل الحدود وقضايا النفط.
وهو ما نتج عنه تباين في الآراء حول الأسباب الحقيقية وراء قيام مجلس التعاون الخليجي، حيث رأت الآراء بأن النخبة الحاكمة في الخليج والجزيرة العربية أخذت موقفا معاديا منذ البداية للتيار القومي فشكلت مصر الناصرية بتبنيها للتيار القومي ثم العراق تهديدا مباشرا لأنظمة حكم الخليج والجزيرة، لذلك لجأت الحكومات في بلدان الخليج إلى خلق التحالفات بين القوى الاجتماعية والسياسية المحافظة لمواجهة هذا المد القومي..
في حين رأى أصحاب الرأي المدافع عن تكوين المجلس أن قيامه لم يكن سوى امتداد لتأثير الحركة التحررية القومية التي بدأت منذ بداية عقد الخمسينات مع انبثاق ثورة يوليو في مصر وزيادة المد والوعي القومي العربي في المنطقة، وتأكيد هذا التأثير فيما بعد بكل من قيام الوحدة بين مصر وسوريا والنظام الجمهوري في العراق؛ إلى جانب زيادة التعليم والثقافة في منطقة الخليج العربي نفسه بسبب من النمو الاقتصادي المتصاعد.
ونود أن نشير هنا إلى بعض الحقائق وراء دوافع إنشاء مجلس التعاون الخليجي:
وتصريح للسلطان قابوس سلطان عُمان (إذا نحن أعطينا أهمية كبرى للناحية الأمنية في إتفاق مجلس التعاون الخليجي فذلك لإعتقادنا بأنه ليس فينا دولة واحدة قادرة بمفردها على حماية أمن الخليج ولكن حتما في تكتلنا الأمني والدفاعي الجماعي سيتوفر الأمن حيث يجب أن يتكفل بها مجلس التعاون الخليجي).
كذلك ما صرح به الدكتور مانع سعيد العتيبة وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك في دولة الإمارات العربية المتحدة (إن مسالة تحسين النظام الدفاعي وإجراءات الأمن الداخلي تحتل أعلى مرتبة بين سلم أولويات عمل المجلس).
2. يبدو إن انكشاف حقول النفط وسهولة تعرضها للخطر الذي أكدته الحرب العراقية –الإيرانية وخطر الوجود العسكري السوفيتي، في حينه، في أفغانستان على مشارف الخليج، بمعنى أن حقول النفط يمكن أن تكون هدفا سهلا وسريعا وهي الحقول التي يمكن إعتبارها الثروة الوحيدة لهذه الدول، كما أنها المصدر الرئيس لتغذية العالم بحاجاته النفطية أدى إلى توافر دوافع قوية لدى كل الأطراف لحماية هذه المصالح.
ولكن هل إستطاع مجلس التعاون أن يكفل أمن دوله بالإعتماد على القدرات الذاتية للدول المنّظمة إليه؟ والجواب القطعي هو كلا.. فدول مجلس التعاون لم تتمكن، وحتى الآن، من بناء قوة عسكرية تكون قادرة على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء أو حتى مواجهة أي عدوان إلى حين وصول الإمدادات الخارجية، ويعود ذلك إلى عدة أسباب نوجزها في:
ج- الإعتماد الكلي على الخارج في بناء القوات المسلحة.
د-تعدد مصادر السلاح، فعلى الرغم من ايجابيات ذلك لكي لا تصبح دول المجلس جميعها تابعة لدولة واحدة، فان مسالة دمج قوات الدول الاعضاء في حالة الازمات لن تكون مهمة سهلة.
هـ-معظم الاسلحة التي تشتريها دول مجلس التعاون من الولايات المتحدة تتبعها شروط امريكية قاسية، كما انها تنقصها القدرات الهجومية ويشرف عليها في عدد من الحالات طيارون وفنيون امريكيون.
وعلى الرغم من ذلك لم تسع دول المجلس إلى معالجة نقاط الضعف هذه التي واكبت مسيرة المجلس ولم تمكّنه من تحقيق هدافه، وعوضا عن انشاء قوة عسكرية موحدة سعت هذه الدول إلى توقيع اتفاقيات حماية مع القوى الكبرى مما اعاد المنطقة إلى مرحلة الاستعمار ولو بصورة غير مباشرة وصريحة مثلما هو الحال الان مع العراق، مع الاخذ بنظر الإعتبار فارق أسباب وجود هذه القوات على أراضي كلا الطرفين.
ويعود السبب في ذلك إلى إعتبارات مختلفة لعل أهمها الخلافات القائمة بين دول المجلس، وحالة عدم الثقة التي تسود العلاقات الثنائية ويمكن إرجاع الإمتناع عن إنشاء قوة موحدة إلى عدة أسباب منها :
1.مشكلة القيادة والتحكم والتخوف من تعزيز هيمنة المملكة العربية السعودية على بقية دول المجلس.
2.إنه في حالة إندلاع أزمة بين دولتين أو أكثر من أعضاء المجلس فكيف يمكن الإستعانة بهذه القوة وكيف سيكون موقف أفرادها؟.
3.عدم الثقة في نوايا بعضهم البعض وسعي كل دولة في بناء قواتها الذاتية مما أدى إلى دخول الدول الأعضاء بشكل غير مباشر في سباق التسلح؛ ويتضح ذلك في الارتفاع الهائل في موازنة القوات المسلحة التي أصبحت تتجاوز 60% من الميزانية السنوية واجراءات تخفيضات هائلة في الانفاق على المشاريع التنموية الأخرى. فإن معدل نصيب الفرد من الإنفاق العسكري في البلدان العربية الخليجية يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، ولا يعكس ذلك بالطبع معيار نسبي لدرجة القوة العسكرية بقدر ما يعكس صغر عدد السكان مقارنة بحجم الموارد المالية الضخمة المخصصة للإنفاق العسكري، أنظر الجدول رقم (1)
الدولة |
المصروف بالدولار الامريكي |
المملكة العربية السعودية |
33610 مليون دولار امريكي |
الكويت |
7568 مليون دولار امريكي |
الامارات العربية المتحدة |
6813 مليون دولار امريكي |
سلطنة عمان |
2589 مليون دولار امريكي |
قطر |
2007 |
البحرين |
1968 |
المجموع |
54455 |
يبين إجمالي المصروف الدفاعي للسنوات الـ 25 الماضية.
إن هذا الرقم الهائل لو قمنا بمقارنته بعدد السكان الضئيل لأثار تساؤلا مهما مفاده: من الذي سيستخدم هذا السلاح؟ والجواب سيكون قاطعا ليس هناك من يستخدمه من المواطنين أفراد القوات المسلحة الأعداد ضئيل. إذ أن المجمل العام لكافة جيوش مجلس التعاون الخليجي من الأفراد لا يتجاوز 251000 لكافة الدول.. وهكذا وظف مبلغ 54455 مليون دولار لصالح 251000 فرد أي بمعدل 216952 دولار لكل جندي طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية.. وإذا حاولنا أن نكون أكثر دقة فأن علينا أن نلاحظ الجدول رقم (2) الذي يرينا مجمل الإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي للسنوات 81-94 حسب تقرير معهد بحوث السلام الدولي –ستوكهولم SIPRI بتقاريره الصادرة بكتابه السنوي للأعوام 93-97، والذي يتضح فيه مقدار الإنفاق العسكري لتلك الأعوام لدول مجلس التعاون الست. وهنا أيضا ستظهر حالة عدم التوازن بين الإنفاق والحاجة الفعلية لدول ذلك المجلس.
ومع ذلك فإن مثل هذا الحشد التسليحي الهائل لمجلس التعاون يمكن أن يكون مقيدا إذا ما فكرت دول المجلس بروية أكثر بحثا عن أمنها الحقيقي الذي لا بد وأن ينشأ ويحتضن من قبل الأمن القومي العربي الشامل وليس بالسعي وراء الأجنبي للحصول على حمايته التي سوف لن يقدمها عند الحاجة إليها أو عند طلبها لمواجهة عدو غير عربي
وهي الحالة المطلقة، إذ لا يمكن تصور وجود عدو عربي مهما حاولت الدوائر المعادية تسويق هذه الحالة خليجيا..
وقد حاولت البحث في الرؤية العراقية لأمن الخليج العربي فوجدت أنها قد تمثلت في أن الأمن الاقليمي الخليجي جزء لا ينفصل في تحقيقه عن الأمن القومي العربي، لذا نراه قد دعا إلى:
وقد سعى العراق من ناحية أخرى إلى التأكيد على أهميته في النظام الإقليمي الفرعي الخليجي لكونه:
إلا أنه بالمقابل بقيت دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى العراق على أنه :
2. إرتباط نوايا وأفعال الدول الخليجية بما يمتلكه العراق من قوة عسكرية يحسبونها تهديدا موصوفا.
3. الإصرار الخليجي في ظل التحول الذي أصاب المصلحة القومية على بناء المقدمات المقصودة لإستيعاب الإيديولوجية القومية وبما يحقق مليا في فصل أمن الخليج عن الأمن القومي العربي.
ومن ثم جاءت أحداث الثاني من اب 1990 لتعصف بالكثير من المسلمات فقد تصدع على أثرها التحالف الذي قام بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق في أعقاب نجاح الثورة الإيرانية، وانتقلت العلاقات من التحالف الخليجي –العراقي لاحتواء خطر الثورة الإيرانية إلى مرحلة جديدة من التحالف ضد العراق ولكن هذه المرة مع القوى الخارجية وليس مع إيران.
أما بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية فوجدت أن إيران رأت من خلال الشاه في القرار البريطاني الفرصة السانحة التي طال إنتظارها للتوسع وتغيير الخريطة الجيوبلتيكية لمنطقة الخليج العربي، من خلال القيام ببعض المحاولات في مياه الخليج لكي يكون قريبا جدا من شاطئه العربي، فقامت السياسة الإيرانية في عهده تجاه الخليج العربي على أساس:
2. الدفاع عن المصالح الغربية في المنطقة من خلال القيام بدور شرطي الخليج ([2])
3. المحافظة على الوضع السياسي القائم في المنطقة ويتضح ذلك في دور إيران وتدخلها العسكري في سلطنة عمان لدعم القوات السلطانية في إخماد ثورة ظفار ([3]).
وعلى الرغم من حالة التعاون التي سادت العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية فإن العلاقات لم تكن مستقرة وفي نفس الدرجة من التعاون مع جميع الدول العربية في الخليج.
وقد حاولت تحديد أهم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية –بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه – تجاه منطقة الخليج العربي بعدد من النقاط، وهي بتصورنا لا تختلف عن أهداف إيران في العهد السابق للثورة الإسلامية، وهي :
2. إضعاف الدور العراقي: على إعتبار أن العراق هدفها الأول لسياسة تصدير الثورة التي تبنتها وهو أمر لا يعود لإعتبارات جغرافية ومذهبية فحسب، وإنما لأن سقوط العراق كان سيعني تهاوي النظم الخليجية تباعا، بل إن إيران كانت قد ذهبت لا بعد من ذلك حينما صورت حربها مع العراق أنها (الطريق لتحرير القدس) وليس هنالك شك، فإن إيران اليوم تنظر بعين الإرتياح لما آلت اليه ماكنته العسكرية من ضمور بسبب حرب الخليج الثانية والعقوبات الدولية التي فرضت عليه فضلا عن سقوط نظامه السياسي وتدهور وضعه الأمني واستقراره. إذ في ذلك إضعاف وإقصاء لأهم قوة خليجية إقليمية منافسة لها.
3. إبعاد النفوذ الأجنبي: على العكس من نظام الشاه، فإن النظام الحالي يجد في تزايد النفوذ الأجنبي في منطقة الخليج على أنه قيود تترتب على السياسة الايرانية وتحد من حركتها الخارجية الهادفة إلى تغيير الخارطة السياسية وموازيين القوى الاقليمية. بل وتعتقد أن تعاظم هذا النفوذ وتصاعد وتائره أنه موجهه لها بشكل مباشر وينذر بمواجهة عسكرية معها. وليس من شك فأن نظاما أمنيا يقتصر على دول الخليج يعطيها الفرصة الأمثل للبروز كقوة إقليمية مهيمنة، لذا هي تسعى لأن تزيح عن هيكل التوازن الإقليمي أية عناصر يمكنها لعب دور (موازن القوة) لأن دور هذا دور هذا الطرف الذي يقوم بالموازنة هو المساعدة في مواجهة طموحاتها الإقليمية.
4. لهذه الأسباب وغيرها، فإن إيران قد وجهت سيلا من الانتقادات للدول الخليجية بسبب التسهيلات والاتفاقيات العسكرية والأمنية التي عقدتها مع الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، موضحة بأن ذلك سيكون باعثا لعدم استقرار المنطقة ويخضع دوله للمصالح الاجنبية.
غير أن إيران يبدو أنها قد تيقنت من أن هدفا كهذا أصبح يفوق قدراتها الفعلية، فوطنت نفسها على التكيف مع الوضع الجديد، سيما وأنه لا يخلو من فائدة بالنسبة لها. متمثلا ذلك في أن التواجد العسكري موجها بصورة خاصة إلى خصمها الاقليمي العراق، ويقوم بدلا عنها بمهمة إنهاكه وإضعاف دوره.
وعلى العموم فأنه في الوقت الذي تسير فيه خطى التقارب الايراني-الخليجي بشكل وئيد، فإن الدول الخليجية لم تعتمد سياسة موحدة إزاء إيران إذ فيما نظرت بعض الدول الخليجية إلى السياسة الإيرانية بارتياب، فقد استمرت علاقة البعض الآخر منها بدرجة كبيرة من التنسيق، ويرجع ذلك إلى الاعتبارات الاستراتيجية واختلاف اولويات الامن وحالة العلاقة الثنائية.
اما بالنسبة لعلاقة دول المجلس الدولية فان أبرز علاقة أمنية نجدها مع الولايات المتحدة الامريكية سيما بعد إحتلال العراق للكويت، وهو ما أدى زيادة الإنفاق على الجانب العسكري فقد رصدت الكويت مبالغ تزيد على 12 مليار دولار لغرض بناء قاعدة بحرية وإنشاء مرافق أخرى تستخدم من قبل القوات الأمريكية
كما وقعت المملكة العربية العديد من الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الامريكية تضمن للأخيرة التواجد العسكري في المنطقة من خلال الخبراء والعاملين على تشغيل الاسلحة ودامتها.. حيث تم فرض عقود تسليحية كبيرة على السعودية بلغت اثمانها عشرات المليارات من الدولارات، وذلك بتجهيزها باسلحة ومعدات مختلفة، واهم هذه الصفقات هي:
2. تعاقدت المملكة العربية على تجهيزها بـ (1117) عجلة مدرعة نوع (لاف) لتسليح الحرس الوطني السعودي.
3. صفقة لشراء معدات وقطع غيار لطائرات الانذار المبكر وطائرات التزود بالوقود جوا بقيمة 350 مليون دولار.
4. صفقات لشراء منظومات دفاع جوي امريكية بقيمة 447 ليون دولار.
5. صفقة لشراء صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ مع معدات عسكرية مختلفة بقيمة 2.7 مليار دولار.
6. صفقة تجهيز 450 دبابة و384 عجلة وادامة واسناد و175 ناقلة اشخاص بقيمة 5.9 مليار دولار.
7. صفقة لتجهيز 72 طائرة من نوع F-15 بقيمة 9 مليار دولار.
8. لقد وقعت المملكة العربية على صفقات عسكرية كثيرة اخرى مع الولايات المتحدة الامريكية وكان قسما منها لأغراض الخزن فقط، وليس لأغراض تجهيز القطعات ذلك لأنها اكثر من طاقتها الاستيعابية.
ان هذه الاتفاقيات الامنية مع دول مجلس التعاون الخليجي تشكل منظومة امنية متكاملة للولايات المتحدة بخصوص منطقة الشرق الاوسط فهذه الاتفاقيات تعبر عن مزاوجة بين اسلوب وزير الخارجية الامريكي في الخمسينات جون فوستر دالس القائمة على الاحلاف والتدخل وبين اسلوب الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون بالتحالف غير المعلن والتدخل عن طريق الوكلاء والذي انهار مع نجاح الثورة الايرانية للإيرانية في شباط 1979- ثم اعلان مبدا كارتر الذي يقوم على تعدد الخيارات (قوات التدخل السريع والبحث عن قواعد في المنطقة ورغم بناء القوة الذاتية لدول المنطقة وتعزيز دور اسرائيل وقيام باكستان بلعب دور ايران في المحافظة على الامن والاستقرار في المنطقة. ثم جاء مبدا ريغان الذي قَبل بمبدا كارتر وركز على القواعد العسكرية في المنطقة (سلطنة عمان والبحرين والمملكة العربية السعيدة خاصة في حفر الباطن والجفير والظهران). وفي هذا الإطار تهيء الاتفاقيات الأمنية ادوارا لحلفاء آخرين كإسرائيل وتركيا والباكستان ودول عربية كمصر والأردن إحياءا لفكرة الاجماع الاستراتيجي التي طرحها الكسندر هيغ وزير الخارجية في عهد ريغان، والتي تقوم على كل من مصر وإسرائيل وتركيا والباكستان، على أن تنظم إليها فيما بعد كل من الأردن والمملكة العربية السعودية لتشكل قوس الإحتواء لأي خطر على المصالح الأمريكية فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط.
وقد عمل الرئيس جورج بوش الأب على تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة وتعزيز العلاقات الثنائية مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي عوضا عن التركيز السابق على السعودية بصفتها المركز، والالتزام الفعلي بالدفاع عن الوضع السياسي القائم وقد ترجم هذا السلوك بوضوح في أزمة دخول العراق للكويت ومن ثم توقيع إتفاقيات دفاعيى عسكرية مشتركة مع معظم دول المنطقة تسمح بتخزين عتاد وأسلحة أمريكية واستخدام القوات الأمريكية التسهيلات العسكرية المتاحة
أما مع بريطانيا فتعد المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط، حيث بلغت الصادرات الدفاعية إليها حوالي نصف إجمالي الصادرات البريطانية للسعودية والتي تقدر قيمتها بنحو 2.3 مليار دولار عام 1994.. وكان عقد اليمامة وهو أكبر عقد دفاعي ظفرت به المملكة المتحدة البريطانية قد أدى إلى خلق حوالي 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر في بريطانيا، وبضعة الآف فرصة مماثلة في السعودية. وهذه الصفقة التي بدأت عام 1985 تتضمن توريد 120 طائرة (تورنادو) منها 48 طائرة لم يتم تسليمها حتى عام 1996، وطائرة هوك وطائرة تدريب (B.C.9) ومعدات بحرية، وبعض الأعمال الإنشائية، فضلا عن عقود الخدمات والامدادات والتدريبات اللازمة.
هذا وقد أصبح الوجود العسكري والبحري البريطاني منذ نهاية عام 1995 يتضمن ثلاث سفن طراز (ارميلا باترول) التي كانت قد دخلت عندئذ عامها الخامس عشر من مهمتها في الخليج إلى جانب ست طائرات (FC10) مكلفة بالعمل ضمن عملية مراقبة جنوب العراق إلى جانب ست طائرات أخرى في شماله. وخمسة عشر مراقبا مكلفين بالعمل مع القوة التابعة للأمم المتحدة على الحدود العراقية – الكويتية، واطقم خدمة مكلفة بالقيام بمهام تدريبية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما شاركت بريطانيا في مناورات تدريبية مشتركة مع دول مجلس التعاون عام 1994، تضمنت مناورات بحرية وجوية مشتركة وتدريبا واحدا على مستوى السرايا، شارك فيها رجال البحرية الملكية البريطانية مع الكويت وتدريبا مماثلا مع سلطنة عمان.
أما مع فرنسا إستطاعت هذه الأخيرة في أن تنجح في تعزيز مكانتها في سوق الأسلحة في دول مجلس التعاون الخليجي ففي تشرين الثاني عام 1994 حصلت على عقد من المملكة العربية السعودية بلغت قيمة 3.7 مليار دولار لتوريد فرقاطتين للدفاع الجوي وتوريد تجهيزات برية، وقد جاء ذلك في أعقاب صفقة مؤقته قيمتها 693 مليون دولار لإصلاح أربع فرقاطات وسفينتين تموين سبق بيعها للمملكة العربية السعودية وفي السنة نفسها طلبت قطر من فرنسا شراء طائرات مقاتلة من طراز ميراج 5-2000 بلغت قيمتها 1.4 مليار دولار. وفي عام 1995 طلبت الكويت شراء زوارق دورية سريعة من فرنسا قيمتها 455 مليون دولار. وأبرمت دولة الإمارات العربية صفقة قدرها 235 مليون دولار لشراء سبع طائرات مروحية من طراز (بانثر) مزودة بصواريخ (S15TT) وخمس طائرات مروحية من طراز كوجار مجهزة بصواريخ اكزوست (AM39) مضادة للدبابات
وقد توصلت في النهاية إلى أن الملف الأمني سيبقى هو الأكثر صعوبة والأكثر أهمية وكذلك الأكثر تعقيدا وهذا الجانب يستحوذ على نسبة كبيرة من الموارد المالية لدول مجلس التعاون الخليجي، وأن الملفات الأخرى تأتي بعد الملف الأمني ،كالملف الاقتصادي، وملف الوحدة والتكامل، فضلا عن ملف العلاقات مع بقية الدول سواء العربية أو غير العربية.
وحتى لو سعت دول المجلس لتطوير الجانب التعاوني فيما بينها في هذه المجالات فإنها لا زالت تعاني من قصور واضح وغير مبرر في تحويل علاقاتها البينية إلى تنظيم اقليمي فعال لدول ذات أنظمة وتقاليد وثقافة متشابهة فضلا عن التهديد المشترك. فما زال المواطن الخليجي يقف عند المنافذ البحرية أو البرية مدة قبل أن يسمح له بالدخول، فضلا عن عدم تبني نظام البطاقة الشخصية في التنقل من دولة لأخرى داخل إطار مجلس التعاون أو على الأقل إيجاد جواز سفر موحد لمواطني دول المجلس، أو حتى تبني عملة موحدة لدول المجلس.
يزيد على ما تقدم، أن دول مجلس التعاون تعاني نفسها من وجود حالة من الخلافات البينية، مثل خلافات الحدود والتي تعد بمثابة لغم يمكن أن يفجر العلاقات بين دول الخليج، ونشير إلى ذلك الخلافات بين المملكة العربية السعودية وقطر، وما بين قطر والبحرين، والتي تصاعدت إلى مستوى المواجهة، ثم أحيل الملف إلى محكمة العدل الدولية للبت فيه بدلاً من وجود إلية خليجية للتعامل مع هذه الخلافات؛ فضلا عن تجذر النزعة القطرية لدى دول المجلس لا سيما لدى الكويت، مثلا، والتي كانت من بين الدول التي عرقلت الملف الأمني رغم أنها كانت الأكثر عرضة للتهديد، فضلا عن رغبة في الاستحواذ والهيمنة الموجودة مثلا لدى المملكة العربية السعودية.
هنالك تحدي آخر يواجه دول مجلس التعاون الخليجي، وهي رغم أن المجلس قام على أساس الانسجام في النسيج الاجتماعي إلا أن نسبة عالية من المهاجرين لاسيما من جنوب شرق آسيا، أثرت بشكل كبير على النسيج الإجتماعي، وربما فيما عدا المملكة العربية السعودية إلى حداً ما، فبقية الدول كلها معرضة للتهديد الداخلي لوجود جاليات ليست من مواطني الدولة الاصليين، مما ينبغي معه النظر بجدية لإيجاد حل لحالة عدم التجانس ربما بتوسيع إطار مجلس التعاون الخليجي ليضم دولاً عربية في الجوار.
وبالتالي وبالرغم من مرور أكثر من عقدين ونيف على إنشاء مجلس التعاون الخليجي فإن الإنجازات لا تزال دون المستوى إذ لم يتمكن المجلس من تحقيق الهدف الأمني الذي أنشئ أساسا من أجله ولا الهدف الاقتصادي الذي الحق به، فحجم التبادل التجاري البيــني لايتجاوز9%.
وبالمقابل فالمبالغ الطائلة التي تنفق على الجانب الامني/العسكري، لو كان قد استغل بعمليات تمويل واستثمار في الدول العربية لعادت على دول الخليج وبقية الدول العربية الكثير من الخيرات، فلا يخفى على أحد أن هنالك بعض الدول العربية تتمتع بأيدي عاملة رخيصة وذات خبرة بنفس الوقت فضلا عن إمتلاكها لملاكات علمية ذات خبرات تقنية، فضلا عن وجود مناخ ملائم مساعد على الزراعة، وثروات طبيعية ومعدنية تساعد على الصناعة لحلت الكثير من المشكلات التي تعاني منها اليوم دول الخليج وربما اولها المسالة الأمنية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.. ويتم حل ولو جزء بسيط من مشكلة البطالة التي يعاني منها الشباب في الخليج، والتي اودت بهم ليكونوا تائهين بلا طموح أو مستقبل، وهو ما يدفعهم للتوجه نحو التقوقع أو التطرف أو الإنفلات.
لكن مع ذلك يجب أن لا نترك اللوم يقع كله على دول المجلس، فهذه الدول وجدت نفسها دولا ضعيفة وقليلة السكان وضعيفة القدرة العسكرية، مع وجود قوتين اقليميتين تملكان من الإمكانيات العسكرية والبشرية وحتى الثروة التي تملكها دول الخليج، ويزيد على ذلك أن هاتين الدولتين لهما طموحات أقليمية كبيرة.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوضع الذي يعيشه العراق لن يؤثر إلا بشكل محدود على الإطار العلائقي العام في المنطقة من الناحية الإستراتيجية
لقد بقيت دول الخليج تعاني من نقص واضح في المجال الدفاعي والعسكري بالرغم من كل التدريبات التي تلقتها جيوشها واستعانتها بالخبرة والتقنية الغربية. لأسباب ذاتية وموضوعية تتعلق بعدد السكان وإمكانية الإستيعاب ومن ثم تعداد القوات المسلحة وهيكليتها ومهامها.
إن ما تقدم ترافق مع وجود مصالح حيوية للقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. كل هذه العوامل وغيرها دفعت دول الخليج العربي إلى اللجوء إلى القوى الخارجية.
ولعلنا لا نضيف شيئا جديدا إذا قلنا أن غياب الموقف العربي للتوجه نحو اللُّحمة الواحدة فضلا عن غياب الإرادة الحقيقية سواء بالنسبة لدول الخليج العربي نفسه أم لدى بقية الدول العربية الأخرى، فالكل يتجه نحو تامين مصالحه القطرية الخاصة وأن على حساب الدول العربية الأخرى.
إذن أصبح على دول الخليج العربي أن تتوجه نحو خيارات عقلانية ترفع الحواجز بينها وتزيد من عرى الانسجام والالتحام والتصرف أمام العالم ككتلة سياسية إقتصادية واحدة لكي يضفي لها ذلك نسبة من المصداقية والإحترام وحتى الهيبة من جانب دول العالم الأخرى.
وبعد إحتلال العراق الفعلي أصبح العالم عموما، ودول هذه المنطقة على وجه التحديد يسيرون بمنعطف خطير يفرض على دول المجلس كسائر دول لجنوب المستضعف إتخاذ خطوات فعالة للمحافظة على أمنه واستقراره.. وتتمثل الخيارات المفتوحة أمام دول مجلس التعاون لخليجي بـ:
الأولى ىإدخال العراق و اليمن..
ففيما يخص العراق فإن له فائدة كبيرة في حال دخوله إلى المجلس سيما مع تغير نظام الحكم السابق والذي كان يختلف في توجهاته من حيث كونه نظام ثوري راديكالي لا يتلائم مع توجهات دول الخليج المحافظة، فضلا عن ارتباطه آنذاك بمعاهدة صداقة وتعاون مع الإتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة، فضلا عن أنه عُد من أكثر الدول المسببة للقلق من الناحية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي لا سيما لدولة الكويت بعد دخوله لأراضيها في عام 1990 وإحتلالها.
يستطيع العراق أن يضيف ثقل سكاني كبير لدعم دول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغت نسبة سكانه حسب تقديرات عام 2003 ( 24.683.313 نسمة)
وهو ما سيمثل إضافة ثقل سكاني لدول المجلس بوجه التهديد الإيراني المفترض، هذا فضلا عن توفر طبقة انتلجينسا راقية وعمالة في العراق، وهي قوى عاملة مؤهلة علميا وعمليا توفر معينا ذا كلف معقولة قياسا بالبدائل المتاحة لدول المجلس من عمالة غير عربية مع ما يرافقها من مشاكل إجتماعية وصحية وحضارية.
وفي ميدان الإستثمار يتضمن الإقتصاد العراقي مجالات إستثمارية خصبة في حالة تأمين إستقراره وتحقيق الضمان المطلوب لرؤوس الأموال الوافدة إليه والتي يتوقع أن تكفلها إتفاقات الانضمام إلى المجلس وتمثل قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة مجالات ذات آفاق هائلة للاستثمار.
يزيد على ذلك ان انضمام العراق إلى مجلس التعاون سيوفر دعما تفاوضيا إضافيا لإقتصاديات دول المجلس مقابل التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية الأخرى.
كما أن انضمام العراق للمجلس سيلاشي نزعة العداء والمطالبة بالأراضي أو إعادة ترسيم الحدود. فضلا عن أن العراق يملك الشروط الأساسية لإنضمامه لمجلس التعاون الخليجي وهو إطلالته على الخليج العربي، وهو أمر يمتاز به على اليمن، فضلا عن كونه بلد عربي، وهو أمر يمتاز به عن إيران.
ولعل من شأن هذه الخطوة المستحقة تعزيز وضع المجلس كمنظمة اقليمية للتعاون، وتوسيع رقعة امتداده، فالعراق يمثل عمقا استراتيجياً لا يستهان به للدول الخليجية العربية، كما أن السوق العراقية يمكنها أن تكون جزءا من السوق الخليجية، بل أن العراق عندما ينضم إلى الإتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة فإنه بإمكاناته الكبيرة وتنوع موارده سيفتح المجال جديا أمام تحقيق مطلب التكامل الاقتصادي المنشود، سيما وأن الدول الأعضاء حاليا في مجلس التعاون لا يمكنها أن تحقق التكامل الاقتصادي فيما بينها، ما دامت جميعها تعتمد على المورد النفطي وحده، ولكن الأمر سيكون ممكناً عندما يكون بلد نفطي وزراعي وفيه أساس لتطور صناعي مثل العراق عضوا في هذا المجلس وطرفا في تلك الاتفاقية.
إن ذلك ربما سيساعد على إنشاء هيكل إقليمي سليم، فضلا عن أنه سيوسع التشابك الاقتصادي لعدد من الدول المجاورة ويحقق ترابط اقتصادي واجتماعي على أساس المنافع المتبادلة ويمثل ذلك مستقبلا قاعدة استقرار سياسي واقتصادي واضح لأية منطقة في العالم.
ومن جانب آخر فإن إنضمام العراق لمجلس التعاون الخليجي ينطوي على عدد من الآفاق المتمثلة بالسوق الكبيرة التي يوفرها العراق لمنتجات دول الخليج خاصة وإن هذه السوق كانت وعلى مدى عقدين من الزمن متعطشة لجميع المفردات السلعية والخدمية التي تستطيع بعض الوحدات الإنتاجية لدول الخليج تأمينها لها.
إن دخول العراق كعضو في مجلس التعاون لا يعد أمرا غريبا، فالعراق وحتى في ظل النظام السابق وقبل دخوله الكويت، كان عضواً في العديد من المنظمات الخليجية مثل : مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، ودورات مباريات كأس الخليج، وشركة الملاحة العربية، قبل تجمد عضويته فيها أو يتم فصله منها.
لكن تبقى هنالك تحديات تواجه دخول العراق إلى مجلس التعاون الخليجي، وهي معوقات ذات بعدين الأول خاص بالعراق والثاني خاص ببعض دول الخليج العربي لاسيما الكويت.
ففيما يخص العراق، فإن وضعه الحالي تحت السيطرة والإحتلال المباشر للقوات الأمريكية، فضلا عن وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي وحتى الأمني الداخلي، يزيد على ذلك معاناة إقتصاده الذي رضخ تحت نير ثمان سنوات حرب وزادتها أكثر أكثر من ثلاثة عشر سنة حصار ومقاطعة على مختلف الأصعدة، فضلا عن ترتب تعويضات مالية كبيرة جراء الأعمال التي قام بها النظام السابق وأكثر مديونية وفوائد هذه المديونية والتي ترتبت بسبب شراء ترسانات من الأسلحة.
وبالتالي إذا ما استطاعت الحكومة العراقية وبكل روح وطنية صادقة من معالجة وتجاوز هذه المصاعب استطاع العراق ان ينهض ويستعيد دوره كقوة اقليمية، لكن هذه المرة قوة اقليمية داعمة ومعززة للموقف والوضع العربي.
البعد الثاني، وهو متعلق بترسبات إحتلال العراق للكويت وما نتج عن ذلك من وجود روح عدائية، وعدم انسجام لكل ما هو عراقي بالنسبة لدولة الكويت.. فإلى حد الآن وبعد سقوط النظام السابق الذي كان هو السبب الرئيس في دخول الجيش العراقي للكويت، مازالت هناك دعوات كويتية على الأقل على الصعيد الداخلي تذكر بأن الشعب العراقي غزا الكويت... وبالتالي إذا ما أردنا دخول العراق لمجلس التعاون وايجاد منظمة إقليمية فاعلة علينا تجاوز ما حصل والتعالي على كل الجراح.. لأن ما عانت منه الكويت لمرة واحدة عانى منه العراق شعبا وأرضا واقتصادا لأكثر من أربعة عشر سنة، وما زال يعاني من ذلك تحت نير الإستعمار الجديد. فلا بد من التسامح وايجاد خط مشترك لترسيخ المودة وزيادة أطر التعاون والاتفاق.
أما ما يخص خيار دخول اليمن، فان ذلك أيضا من شأنه تعزيز مكانة مجلس التعاون، من خلال تقوية البعد السكاني إذ يقدر عدد سكان اليمن ما يقارب 18.078.035 فرد(، فضلا عن تأثير إستراتيجي إذ سيمكن دخول اليمن إلى مجلس التعاون هذا الأخير من توسيع إطلالته البحرية، إذ سيتمكن من ملكية مضيق هرمز وباب المندب والساحل المفتوح على المحيط الهندي، فاليمن كمنطقة جغرافية مهمة لدرجة كبيرة. يزيد على ذلك يساعد دخول اليمن على ايجاد عمالة رخيصة ويقلل من التعويل على الأيدي الأجنبية. إن انضمام اليمن إلى المجلس سيكون عامل استقرار وسيساعد على فتح مجال الاستثمار في المنطقة نفسها، الأمر الذي سيقلل من مخاطر مجازفات الإستثمار.
لكن يبقى هنالك تحدي ألا وهو التحدي الاقتصادي لليمن، إذ سيقع على عاتق المجلس رفع المستوى الاقتصادي لليمن ليلائم مثيله في الدول الخليجية. فاليمن بوضعه الحالي يمثل عبئاً إقتصاديا على مجلس التعاون وذلك للتفاوت الكبير بين اليمن والدول الخليجية، إلى جانب عدم تؤهل الاقتصاد اليمني للاندماج في الاقصاديات الخليجية، فاندماج الاقتصاد اليمني في الاقتصاد الخليجي يحتاج إلى إعادة صياغة وتعديل للكثير من القوانيين والتشريعات اليمنية بما يتلاءم مع التشريعات الخليجية المتقاربة والذي يحتاج لفترة زمنية كافية قد تكون طويلة نسبياً.
وعلى الرغم من كل التحديات التي تحول دون دخول العراق أو اليمن ضمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، إلا أن تجاوز هذه المصاعب سيسهم إيجابياً في تعزيز وتقوية فرص التعاون والتكامل في المنطقة وانشاء تجمع وكيان واحد يتميز بعرى وثيقة وهو ما سيؤول -إن وجدت الإرادة- من أن تتصرف هذه الدول وكأنها كيان واحد في مواجهة أي تحدي خارجي.
إن التقارب الإيراني الخليجي سلاح ذو حدين، ويمكن أن يأتي بآثار سلبية على دول الخليج إذا تركت المبادرة في يد الطرف الإيراني، لأنه لا شك يسعى لتحقيق مصالحه ولو على حساب بعض أو كل دول الخليج العربية، حتى ولو كانت مبادراته تبدو في صورة معقولة، لأن لديه القدرة على الإنتقال من هذه الصورة إلى الوضع الذي يعطي الأولوية لمصالحه... وبالتالي ضرورة أخذ مجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة خدمة لصالح هذا الأخير، وهو ما يتطلب التنسيق الواعي بين دول المجلس والتمسك بالوحدة الفكرية ووحدة المصالح بينها ومراعاة أن يكون هذا التقارب تدريجيا ومقننا بضوابط تمنع تحقق مصلحة لطرف خليجي مع إيران على حساب طرف خليجي آخر، وتجعل كافة الصفقات الإيرانية مع أية دولة خليجية صفقات متعادلة لا تؤدي إلى إثارة حساسية أو سوء ظن لدى دولة خليجية أخرى، لأن هذا سوف يفسد العلاقات بين الدول الخليجية وسوف يفسد بالتالي التقارب الإيراني-الخليجي، ولذلك فمن الضروري أن تتفق دول مجلس التعاون على الدراسة وتقويم خطوات التقارب الإيراني تجاه كل دولة من دول الخليج وآثارها المستقبلية على المجلس ودوله، وكذلك ردود الفعل التي ينبغي أن تتخذ حيالها، ويقدم المبادرات لحلول واقعية للمشاكل المعلقة بين دول الخليج وإيران، حتى تدرك إيران أن تحقق التقارب الكامل مع هذه الدول رهن بحل المشاكل المعلقة، وهذا التقارب ما هو إلا وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وحتى تدرك إيران أيضا أن هذا التقارب لن يكون على حساب أية دولة عربية أو صديقة لدولة من دول الخليج.
إلا إننا نستبعد إمكانية قبول إنضمام إيران إلى مجلس التعاون لخليجي ، بسبب استمرار الخشية من الهيمنة الإيرانية على بقية دول مجلس التعاون لا سيما وأنها تصر على إعتبار الخليج العربي خليج فارسي ولا تقبل أبدا بتسميته بالخليج العربي، فضلا عن كون إيران دولة غير عربية أساساً وتختلف من ناحية النسيج الإجتماعي مقارنة بدول مجلس التعاون.... لكن ما تقدم لا بد أن لا يمنع من ضرورة مشاركة إيران في مسالة الحفاظ على أمن المنطقة بدلا من إعتبارها قوة تبطن عداءً خفيا وبالتالي يتصلب عرب الخليج تجاه أي موقف أو توجه إيراني، وهو ما لا يخدم دول الخليج بقدر ما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، والتي بهذا الإتجاه ستضمن بقائها لاأطول فترة ممكنة باستخدام التهديد الإيراني وتخويف دول المنطقة بها.
إلا أن هذا الخيار له تحديات ايضا، فهذه القوى لها مصالح ذات طبيعة خاصة مع الولايات المتحدة، فضلا عن أن كل من روسيا والصين مثلا تعاني من مشاكل داخلية، روسيا تعاني من مشكلة الوضع الاقتصادي، فضلا عن مشكلة الشيشان؛ في حين الصين لديها مشكلة تايوان ومحاولات هذه الاخيرة للاستقلال عن الصين.. أما بالنسبة إلى فرنسا والمانيا فان هاتين الدولتين تحبذ تقوية مركزهما على الصعيد الاوربي ومحاولة دعم وتقوية هذا الاتحاد لمواجهة اي مشكلة او اختلاف سيما وان هذا الاتحاد كما نعلم يضم العديد من الدول تملك من المصالح ما هو مختلف عن الاخرى.
إن ما تقدم يتطلب من دول مجلس التعاون الخليجي أن تقوم بـالإتحاد فيما بينها لأن ذلك وحده هو الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه أمن المنطقة، من خلال القضاء على الخلافات بين هذه الدول أو على الأقل خفضها إلى أدنى مستوى خاصة في مسائل الخلافات الحدودية أو السياسية.. وهو أمر لن يتأتى ما لم يوجد هنالك إدراك مشترك بين هذه الدول لمعنى الأمن بعيد المدى وبما لا يتعارض مع الأمن العالمي.. سيما بعد إدراك دول الخليج وبسبب من التجارب المرة التي مرت على كل دول الخليج دون إستثناء والتي كانت متمثلة بالحرب العراقية الإيرانية وإنعكاساتها السلبية على هذه الدول، ومن ثم ما لحقتها من حرب الخليج الثانية أثر دخول العراق للكويت والذي ترتب عليه وجود أمريكي مكثف في هذه المنطقة لحماية مصالحه الحيوية، وما آل اليه الوضع في النهاية من إحتلال مباشر للعراق وتأثيرات هذا الإحتلال السلبية على دول مجلس التعاون الخليجي.