9 تموز 2004
العلاقة بين الفكر والجغرافيا والتاريخ امر استقطب اهتمام الفلاسفة في القرن العشرين خارج معسكرات (الشيوعية/والفاشية/والرأسمالية) التي توزعت آنئذ على الصعيدين الفكري والسياسي وما يتبع ذلك النفوذ من نتائج ومثلما انفعل (الفكر) خارج (اوربا) بمنطق الصراع والمنافسة هذا انفعل عندنا لينال شيئاً من (الجغرافيا والتاريخ) المعاصر في، او بين، او بعد، أتون، حربين عالميتين! في التخوم الجنوبية لذلك العالم المصطرع! والمضطرم! في صورة غاب عن المشهد سؤال (الذات) العربية المشرقية امام جبروت ايديولوجيا الاخر فكراً واقتصاداً وسياسة وعسكرة واعلاماً. فلم يحضر من (الفكر الصامت) في التاريخ الساكن ولا الجغرافيا المنفعلة ببضاعة الاخر -على تناقضها- الا ومضات جاءت على قدر كبير من الاهمية! ولكن متى؟ بعد ان استنفذ اللاعبون الكلاسيكيون الكبار جميع وسائلهم، وحقق بعضهم غاياته او اخفق في تحقيقها حين كان يوصد الابواب والشبابيك على حقيقته الفكرية من اجل حقيقته الجغرافية والتاريخية والسياسية. فأنفعل كل من الجغرافيا والتاريخ وتغيرت الخرائط وخفت الاصوات القديمة لتفسح المجال للـ (المنسي/الساكت) ليحضر ويتكلم بهدوء فيأتي خطابه (المتواصل) كناية عن (عقلانية نقدية) جديدة رامت الافلات من القدر الايديولوجي السائد آنئذ بعد ان انتقلت الاحداث بالطبقة العاملة من قائدة للتغيير والاصلاح ومشاركة في الصراع ضد النازية الى عدوه (الخطر الشيوعي) لعالم الرفاه الرأسمالي ثم الى نفايات للتقنية انسحبت فيها النقابات من العاملين لتدافع عن العاطلين بحكم منطق العولمة وانفصال اوربا ما بعد الحداثة (اوربا العجوز) عن ايقاع القطبية الواحدية للولايات المتحدة الامريكية وهي تقود مرحلة (الحداثة الثالثة) في عالم اليوم لتعلن بداية لحظة حضارية امريكية المطلوب من الجميع الاستجابة لها والا فأن القوة بجميع اشكالها ستحسم المعارك لصالح الامبراطورية الجديدة. ولما كانت مبررات هذه الدراسة مقترنة بحدث (تاريخ) و(جغرافيا)و(فكر عربي مشرقي) استكمل قرن من الزمان على ميلاد صاحبه(انطون سعاده 1904-2004) فأن دواعي المشروع ستدور حول (المغيب) من ذلك الفكر بعد ان ولد خارج الخرائط الكبرى للفكر الانساني (الصاخب) في القرن الماضي نوازه فيه المسألة الاهم التي انفعلت بها اوربا ساعتئذ والى زماننا هذا من غير ان تعالجها بنجاح واعني بها (المسألة الاجتماعية) مسألة الانسان (العدالة والحرية) خارج مشاجرة (الفردية والجماعية، الرأسمالية/القومية/الاشتراكية) المعروفة آنئذ فالمسألة الاجتماعية المقصودة هنا هي المقترنة بالانسان العاقل وسعيه لتحقيق العدالة والحرية والمساواة وحماية كرامته وكينونته الجمالية من الاستلاب والاستغلال وتسخير المؤسسات لصالح انسانيته وانمائه الانساني والكثير من الوقائع تقول: لقد اخفقت (الشيوعية- والفاشية- والليبرالية الامبريالية) في حل مشكلة الانسان بعد ان سخرت ثمار (العقل والعلم والتكنولوجيا والدولة والطبيعة) لصالح اللاعبين الكبار (سلطات-جماعات-مؤسسات-احزاب-بيروقراطيات-مافيات) بالضـد من ارادة الانسـان؟
فعاش ذلك الانسان غريباً خائفاً مقهوراً ترك خيبة امل لدى الجميع تصاعدت وتائرها مع اخفاقات السياسة والاقتصاد داخل (المركز الغربي) وعلى اطرافه مما اكد اهمية (النداءات الفلسفية) التي جاءت بمثابة اعلان عن الطريق الثالث بعد تلاشي النزعات النازية/الفاشية في الغرب واستقطاب الهيمنة بثنائية المعسكرين الشرقي والغربي الى تسعينات القرن العشرين مع تزايد اخفاقات المشاريع الاجتماعية للمال والسلطة في زماننا هذا وغياب شروط العدالة الاجتماعية المنشودة وصولاً الى القيم الاخلاقية والجمالية فكان من اهم مسميات الفكر (العقلاني النقدي):-
فماذا نستحضر بعد قرن من ميلاد سعاده من فكر القضية الاجتماعية (انسان-ارض-تاريخ) مقاربة مع اجوبة مدرسة فرانكفورت حول مسألة (العدالة) والحرية و(الفن)؟ مقارنة بالطريق الثالث الذي سعى الى تحقيقه جماعة فرانكفورت وغيرهم من المفكرين الذين خابت آمالهم لفشل المشاريع المطبقة في اوربا وامريكا خلال القرن المذكور!
وكيف تفاوتت (الاقدار) بجماعة لم يتوفر لها شرط التوحد (فكراً وتاريخاً وجغرافياً) قياساً الى هموم الانسان (الاوربي) الغربي الذي كان يعاني من اختلال المعايير واهمال دوافعه الروحية والنفسية والاجتماعية وتعليبه في علب تكنولوجية والجدير بالتنويه ان دراستنا هذه تقع خارج تداعيات السؤال التقليدي الذي دوخ (الشرق والغرب) حقبة من الزمن واعني به سؤال ايهما يستحق الاولية في الرعاية (الفرد ام المجتمع)؟ وكيف حاول كل معسكر ان يعالجـه فاخفق الجميع. ان متابعة حيثيات الموضوع بالكيفية التي جاءت على اقلام نصار وحمية ورسمنا مساراتها وجدت في نصوص سعاده الاصلية معيناً جديداً تمثل بالدراسات الممتازة التي انجزها الدكاترة ناصيف نصار وعادل ضاهـر وعلي حمية في هذا الاطار.
على اهمية الدراسات التي انجزت باقلام باحثين ممتازين في الموضوعات الادبية والاقتصادية والفلسفية والفنية وفي هدى هذا التصور سيأتي العرض والمقاربة والمقارنة وكأنها وتر مشدود بين الفلسفة والواقع يفتش له عن فرصة تاريخية بعد نصف قرن من الاختبارات العالمية والاقليمية التي اكدت واقعية الجواب الاجتماعي لسعاده مع تعديل فرضه منطق التغير والتبدل والتطور فعسانا نوفق في استكماله.
المبحث الاول: الهم الاجتماعي لمدرسة فرانكفورت دراسة مقاربة
1- موقع مدرسة فرانكفورت في خارطة الفكر الاوربي في القرن العشرين:
الغرب والاشكالية الاجتماعية -مقارية التاريخ والفلسفة- لم تكن ساحة الفكر الفلسفي الغربي في القرن العشرين مقتصرة على (الماركسية/الشيوعية) في الشرق و(الاشتراكية القومية الفاشية/العنصرية والنازية) في الوسط او (الليبرالية/البراغماتية) في الغرب الى حين انتهت الحرب الثانية باقصاء الفكر الاستعلائي العنصري في اوربا واستقطاب الصراع بين المعسكرين الشيوعي (الماركسي/المجموعي) والرأسمالي (البراغماتي/الفردي) بل افرزت هذه المسيرة -على صعيد الفكر- نواتج جانبية اهتمت بالانسان وحذرت من مخاطر تشيئه على الرغم من الاصوات الوجودية التي نعت الانسان (كماهية) بعد ان تحطم (وجوده) على مذبح المصالح والمنافع والارادات الكبرى! انها خيبة الامل التي حذر منها البعض بعد ان وجد احلام الناس في حياة سعيدة قد انتهت الى نوع من الامبراطوريات لاتأخذ بالحسبان طموح الكثرة من المواطنين في تحقيق (الحرية) و(العدالة) على الرغم من الشعارات اللماعة التي كانت تداعب خيال الناس في (الحياة السعيدة) اعتماداً على العلم بفضل الكشوف العلمية التي عليها ان تسخر الطبيعة لصالح هذا الهدف! نعم هزت (جماعة فرانكفورت) -منذ وقت مبكر- 1923- ناقوس الخطر الذي يهدد ارادة الانسان وطموحه المشروع في الخلاص من عبوديته المشدودة باصنام يصعب الخلاص من تأثيرها. واذا كان (العلم) و(الطريقة العلمية) و(فلسفة العلم) واحدة من الحلول التي عجزت (جماعة فيينا) عن تسخيرها لصالح الانسان فأن (مدرسة كوبنهاجن) هي الاخرى عجزت عن توظيف العلم في عملية تحرير الانسان من مآساته؟ بعد ان تبجج الجميع بالخلاص الانساني من سطوة (الدين) و(الاسطورة) و(الميتافيزيقيا) و(الطبيعة) بفضل سلاح العلم الذي لايضاهى ولكن اتضح فيما بعد ان العلم ذاته اصبح واحداً من وسائل اثقلت معاصم البشر بالمزيد من القيود.
واذا كانت ردود الفعل السلبية قد بلغت بالوجوديين حداً نصحوا فيها الانسان بالقاء ذاته في اتون (العبث، والغثيان، ثم المخدرات، والتمرد وصولاً به الى الانتحار!) كحل وحيد يمارس الانسان من خلاله حقه في الحياة والموت! فأن جماعة (كارل بوبر) انتهوا الى (المواقف) التي كفرت بالعلم وراحت تبحث عن اللاقياس واللانظام في عالم الطبيعة والحياة في هدى منظور(كيوسي) = فوضوي يعصف بجميع مفاهيم العلم بعد ان وجد في نقائضها (كمالاً) لايعطي العلم الابه! حتى أضحت (الكيوسية) لغة العصر في ظل العولمة والقطبية الواحدية. هذا على صعيد (الشمال/الغرب) اما على صعيد وسط اوربا فلقد مسكت (جماعة فرانكفورت)1 منذ عام 1923/1924 بالخيوط الاجتماعية ولاسيما الخيطين الاخلاقي ممثلاً بفكرة العدالة والفني ممثلاً بفلسفة الجمال بعد ان حذروا من (مخاطر النظريات الشمولية والانظمة التوليتارية ) او (الفردية الليبرالية) على حرية الانسان وحقوقه وكرامتـه! وبقدر ما تسمح به ظروف المقاربة سنقف عند هاتين المسألتين عساها
تكشف عن قواسم مشتركة بين الوعي الابداعي في الغرب وكما هو عند العرب ولاسيما (سعاده) على الرغم من اختلاف مكونات التاريخ والجغرافيا على الانسان أي (النزعة العقلانية النقدية) ازاء اخفاقات الحياة الغربية آنئذ:
(1)- لقد تتبع لنا هبرماس (ج) مسار تطور مدرسة فرانكفورت في مرحلتين
الاولى: النشأة التي طغى فيها الاثر الماركسي الغربي (لما يعرف بماركس الشاب) من 1923-1945 والمنظوي تحت عنوان (اليسار الهيجلي) المتسلح بنزعة عقلانية نقدية.
الثانية: التشاؤم النيتشوي بعد تراجع التأثير الماركسي في المادية التاريخية وضغط آثار الحرب الثانية وغلبة العدمية النيتشوية على هموم الناس والصدمة و الاحباط وضبابية صورة المستقبل. ومن نماذج التفاؤل الماركسي والتشاؤم النيتشوي وخيبة الامل في الانظمة والوثوق بالدور النقدي للعقل جاءت هذه المدرسة التي نقلت معها ذخيرة السابقين وتأثيرهم من (تاريخ الفكر الى الجغرافية الاجتماعية) لاستيعاب مسارات الخط العقلاني هكذا:
أ- شوبنهور على هوركهايمر.
ب- وكيركيجارد على ادورنو.
ج- هايدجر على ماركوز.
د- فكر الحداثة والتنوير الكانتي على هبرماس(2).
(2)- كما كشف ادورنو عن الاثر النيتشوي المشترك بين كل من:-
1- هوركهايمر و ادورنو - 2- فوكو و باتاي.
3- ماركوز وبلوخ - 4- دريدا و دولوز.
علما ان فكرة الحداثة ما قام اصلاً الا على جعل (العقل النقدي) وسيلة لاقصاء (اللاهوت)، والعلم الحديث لمواجهة (الاستبداد والظلم) الاجتماعي ولكن خيبة الامل والانتقال الى مرحلة مابعد الحداثة قادتا الى امرين مهمين عند نيتشه ثم عند رجال المدرسة هما:-
الاولى: الاسطورة (الروح الديونيسية) للمغامرة والاقدام وفكرة الامل والسوبرمان.
الثـاني: الفن كوسيلة للتعويض عن ضياع (الميتافيزيقيا) وانتشاء الروح.
(3)- جميع ذلك قاد الى سلسلة مراجعات نقدية حذرة هكذا:
اولاً: نقد الحداثة والتنوير
ثانياً: نقد العقل الاداتي والبحث عن حلول (عادلة) لمشكلات الانسان.
ثالثاً: التحول نحو الفن كسبيل للخلاص عند كل من ادورنو وماركوز.
كما قاد اخفاق التجربة الماركسية وتعثر مهام الطبقة العاملة وتحول الرأسمالية من دولة استغلال الى دولة رفاه اجتماعي الى قيام المقدمات التي عولت عليها مدرسة فرانكفورت في (نقد الاقتصاد السياسي الرأسمالي على الاساس الماركسي) اولاً ثم كما قاد نقد الاقتصاد السياسي الى نقد العقلانية الاداتية وهي تتلاعب بقيم الانسان وحقوقه الطبيعية جميع ذلك وحد جهود ماركوز وهبرماس وهوركهايمر وادورنو التي اثمرت النتائج الاتية:-
أ- عجز العلم والتكنولوجيا عن تجسيد دور الطبقة العاملة في معركتها ضد الاستغلال فغابت العدالة وسخر العلم لصالح الرأسمالية مما دفع الى نقد ثمار (الحداثة) بالكيفية التي انجزتها هذه المدرسة.
ب- التحول من نقد الايديولوجيا دفاعاً عن قيم (العقل والحرية والعدالة)الى (نقد العقل في التاريخ) أي العقلانية/التاريخية!
ج- التحول من النقد (في الفلسفة) الى (النقد في التاريخ) حتى اصبح نقد (فلسفة التاريخ) في اطار (جدل التنوير) عند كل من هوركهايمر وادورنو.
د- نحن نعلم انه بالعلم ارادت الحداثة التخلص من سيطرة الكنيسة فوقعت تحت سيطرة الدولة (بعدها الاسطورة الجديدة) مثلها مثل العلم والتكنولوجيا في دائرة التطبيق.
هـ- لكن العلم الذي حاول فيه الحداثيون التخلص من الفكر الغيبي ليحل محل الفكر الوضعي للسيطرة على الطبيعة لصالح الانسان دفع بالعقل الفلسفي النقدي الى اكتشاف الحقيقة القائلة ان هذا العلم قد سخر للسيطرة على الانسان وتشييئه (تحويله الى سلعة).
و- ظنت الحداثة انها بامتلاك (القانون الطبيعي) قادرة على قهر القوى الخفية والغيبية و(سحرها) المسخر لاخضاع الطبيعة لصالح الانسان فاكتشفت ان هذه الطبيعة (وثروتها) وقوانينها الخفية (العلمية) هي السحر الجديد للسيطرة على قوى الطبيعة وعلى الانسان لصالح ارباب (المال) الذين يسخرون كل شئ لصالح مشروعهم المعولم.
ز- ووصل التراجع حداً سخر فيه (العقل) لصالح المال -كما ظهر عند هوركهايمر في كتابه -اضمحلال العقل- في سعيه للسيطرة على الطبيعة فاكتشفت بعد حين ان هذا العقل عبارة عن (عقلين) ذاتي وموضوعي.
العقل الذاتي: ينطوي على نزعة اداتية (براغماتية) همها الحساب (المالي) والاهداف القريبة (فلسفة النجاح) وكان هم العقل الذاتي هو: (الحفاظ على الذات (الذاتية) بالسيطرة على الطبيعة وعلى البشر).
اما العقل الموضوعي: فاختص بالمثل العليا (الاخلاق، الدين، الميتافيزيقيا) الباحثة عن الحياة الفاضلة والسعادة والعدالة والمعقولية المفقودة.
ح- كما جادلت مدرسة فرانكفورت حول (العقل غاية) و(العقل اداة) هكذا.
ح/1- بعد ان ثبت لدى البعض ان كل نجاح للعقل على الصعيد المادي يقود الى زيادة في القهر والهيمنة والاستلاب مما هدد مفهوم الحرية . كذلك ثبت عملياً :-
ح/2- ان كل نجاح في السيطرة على الطبيعة لصالح رأس المال يقود الى توسيع السيطرة على الانسان.
ح/3- في الوقت الذي ادى اهمال العقل الفلسفي التراثي (الذي يميز بين الانسان والحيوان) الى عبودية جديدة للطبيعة بعد ان ظن البعض ان اصالة التاريخ تقود الى وحدة الجماعة وهو امر سيتحدث عنه سعاده في نظريته الاجتماعية.
اذاً فالمطلوب من المفكرين في اوربا:-
اولاً: ليس السيطرة على الطبيعة للحيلولة دون استغلالها بل ومن اجل فهمها واستيعاب منطقها الخاص.
ثانياً: العناية بالحرية الفردية يجب ان يفضي الى اغناء الجماعة والارتقاء بها الى حياة فاضلة مشتركة.
ثالثاً: ان المواجهة الشمولية بين العقلانية النقدية لمدرسة فرانكفورت واخفاقات الحضارة المعاصرة دفع بأدورنو الى التعويل على (الفن) وعلم الجمال لانه الوحيد في (الجانب الثقافي) الذي يحرر الانسان! ويترك للاشياء ووجوهها الفريدة مسافة معقولة بينها وبين المشاهد والكلمات بما يكشف عن حضور نوعي للاشياء وتأكيد على كل ما هو نوعي متفرد لمواجهة التسلط مما يوجب اكتفاء الفن بنفسه لمواجهة مايأتي:-
أ- السوق الرأسمالية تهدد الفن حين يحول الفنان الى مروج اعلاني.
ب- العقل يحاول الهيمنة على الفن ليحول بينه وبين تفرده مع ان الفن يحرر الانسان من جميع اشكال العبودية والتسلط ولاسيما عبودية الحاجة وتسلطه.
ج- اخطر ما يهدد الانسان في القرن العشرين تحوله الى شئ وحسب فالمطلوب اذاً تحرير الانسان من هذه العبودية والشيئية. بهذه الكيفية شكل (البعد الاجتماعي) منطلقاً لموضوعات العدالة والحرية عند رجال مدرسة فرانكفورت ليصالحوا بين (التاريخ والجغرافيا) والفكرة فلنمض في عرض سريع لهاتين المسألتين بما يحقق المقاربة مع جوهر البحث عن اجتماعية سعاده.
2- البعد الاجتماعي لفكر رجال مدرسة فرانكفورت:
(أ)- طرح ادورنو T.W. Adorno اسئلة جدلية في ضوء نتائج الاحداث ومسارها وهو يختبر تفسيـرات ماركس للعلاقة بيـن (الطبيعـة والانـسـان والتاريـخ) -الموضوعات التي وقف عندها سعاده في مشرقنا العربي- بخلاف علاقة هيجل الجدلية بين (المطلق والطبيعة والانسان) ليكتشف قصور التحليل الماركسي على صعيد التطبيق12 ونزوع مؤسسات الحضارة المعاصرة نحو القمع والتسلط والالغاء بدلاً من تحقيق سيطرة الانسان على الطبيعة واستثمارها. لقد انقلبت المعادلة واصبح الانسان (شيئاً) اوقل عبداً خاضعاً لسلطات مختلفة افقدته (حريته وانسانيته) وحقه (كذات) بعد ان اجتمع عليه (شرقاً وغرباً) كل من (القمع والبيروقراطية والتسلط والنزعة الاستهلاكية والاجراءات الشمولية) فلا شئ في البنيات الفوقيـة في حضارة التكنولوجيـا ومابعد الحداثة غير اثار انعكست على (( البنية التحتية القمعية لجميع مظاهر الحضارة الاستهلاكية المعاصرة ولهذا فالفلسفة الممثلة للحضارة الغربية قد صنعت مفهوماً (للعقل) يحتوي على الخصائص الاساسية في مبدأ التشؤ )) فكأن مهمة الحضارة عند لوكاتش حسب ادورنو -اضفاء الطابع العقلي على الواقع التسلطي ليصبح العقل (اسطورة) تضاف الى اساطير معاصرة (كالعلم والطبيعة - والتكنولوجيا والدولة) تحاصر الانسان وتسيطر عليه وتلغي كينونت حتى كادت(( الادانة تكون صفة للجميع )) اكثر منها صفة للافراد فهي ادانة جماعية (( لنظام يظهر من خلال مؤسسات عقلانية تبدد المصادر الانسانية بعد ان تحول الفرد الانساني الى مجرد موضوع للتبادل السلعي بين ايدي الاحتكارات واشكال التنظيم الاجتماعي لدولة اصبح العمل لايعمل على فتح امكانيات الانسان الخلاقة وانما حشدها في الاتجاه السائد حتى اصبح بنية عقلية سائدة وخفت صوت الصراع بين الانسان ونفسه وبين الفرد والمجتمع بسبب غياب امكانية الفرد على ادراك القمع تحت تأثير الحصار المضروب حول وعيه. فأن (ادراك القمع) يعتمد على المعرفة والمعرفة تراقب وتحدد ولذلك فالفرد لايدري عما يجري حوله من اشياء نتيجة للالة الساحقة التي تضعها وسائل اعلام واجهزة تربوية حتى يندمج الفرد بالاخرين في اطار حالة من (فقدان الذاكرة) العامة التي تجعل الفرد سعيداً )).
كذلك اصبح مفهوم (التسلط والقهر) عملاً جوهرياً عند كل من ادورنو وهوركهايمر من النواحي المعرفية والانطولوجية والنفسية والاجتماعية ولاسبيل امام الانسان لاستعادة حريته الا عن طريق الفن والارتقاء (بالوعي النقدي) والتحرر من السلطة الكليانية للدولة. وادورنو يناضل ضد الكلية الاجتماعية كما يجسدها التاريخ والحاضر لكي يعيد للانسان فرديته المصادرة من المجتمع الاستهلاكي الخطير وتأكيد الفردانية -هنا هي غير مفهوم الفردية في ظل السيطرة الرأسمالية او كالتي ذابت بتأثير التسلط الكلياني الشيوعي فكاننا ازاء شكل جديد من اشكال الوعي يحرص على ايجاد (منطق وسط) بين كليته الشيوعية وكليته الرأسمالية لتحقيق ما يعرف (بالبعـد الاجتماعي للمال والثـروة) بعد تحـريـر الانسان من (الكل الذي هو اللاحقيقة) وانفتاحه على الحقيقة المنشـودة التـي هي (( اللاتطابق بين الفردي والكلي )) عن طريق مايعرف (بالجدل السلبي) لتفكيك العلاقة بين (الفرد) والكل والحاجات والاستهلاك والتكنولوجيا والاعلام عن طريق الاعمال الفنية الابداعية كافة ليتحرر من (بذرة البربرية) التي ينطوي عليها (اقتصاد السوق البرجوازي) بسبب تسخيـر العلم بالضـد من غاياتـه. وكأنـه يقدم لنا (( ميتافيزيقيا اكثر ميتافيزيقية من الميتافيزيقيا نفسها )) فلم يحصد منه الانسان الا الخوف على حاضره ومصيره ومستقبله انها اسطورة جديدة.(( أي انه حين تحرر عقل التنوير من الخرافة والمصير الاعمى وقع في دائرة الجمود والحتمية والتسلط ليعلن فشل العقل التنويري في تحرير الانسان من الخوف ))
بمعنى ان الغرب نجح في حل مشكلات الانسان الجسد لكنه فشل في حل مشكلات الانسان/العقل/والقلب فبقى الانسان خائفاً على مستقبله بعد ان اصبحت المعرفة العلمية (التقنوية) ليست مجرد تحرك لانتشار العلوم انما تعني التحول الكامل للعالم الطبيعي والاجتماعي لانها تؤثر في الموضوع والذات وكل انماط العلاقة والعمل واللغة بعد ان اصبحت المعرفة تتسم بالطابع الشكلي كما اصبح المنطق الشكلي والرياضيـات همـا اداة التوحيد الكبرى في جميع العلوم انه الغزو الرمزي للمعرفة … مما شوه طبيعة لغة العقل الداخلية انه المنطق السائد في القرن العشرين.
اوقل (( تحول العلم والايديولوجيا والفلسفة الى ادوات في خدمة السيطرة التي هي بمعنى من المعاني جوهر المجتمع الذي نشأ عنه هذا الاستخدام للعقل )) بكيفية تختلط فيه (( السياسة والاقتصاد والاديان والاخلاقيات للوصول الى غاية واحدة )) مما يجعل (الفن هو النافذة الوحيدة للحرية الفردية وعبقرية الفنان لانه لايخضع للتكميم ويحرر الانسان من الخوف الذي صنعه (العقل التنويري) فوقع في دائرة اللاعقل البرجوازي مما يتطلب (عقلاً نقدياً) لتحرير الانسان من الخوف وينعش فيه الحرية والخروج من سيرورة (الفعل اللاعقلي) الى (صيرورة الحياة المتجددة) بهدف انقاذ الحقائق النسبية من ركام الغايات الزائفة للسلطات المستبدة.
(ب) اما هوركهايمر(م 1895-1973) فسخر العقلانية النقدية ضد النظريات السائدة (ماركسية نازية ليبرالية):-
ب/1- انطلاقاً من قاعدة تقول ان كل نظرية تحمل في ذاتها علامات المكان الاجتماعي الذي تنشأ فيه(( لاتوجد حياة نقية وخاصة للانسان )) (الفرد) وان النظرية المعرفية يجب ان تكون معبرة عن طموح المجتمع.
وعلى المفكر ان يمارس دوره التاريخي في (النقد-ولاسيما الاقتصاد) من اجل تجاوز الفلسفات التقليدية ولكي يكون للفلسفة الانسانية قيمة ومعنى ومشروعية تاريخية23.
ب/2- ومنذ عام 1937بحث هوركهايمر عن (( فلسفة تهتم بالاتجاهات النظرية في تاريخ الفكر الى الاهتمام بالبنية العامة للمجتمع كما تنعكس في العقل )).
ب/3- الدور النقدي للمفكر مهم جداً لكي يساهم في تكوين المجتمع (الفاعل) بعـد ان كان يعاني من غياب المساواة راسماً صورة المستقبل المتفائلة فالعقل النقدي يسعى الى رفع التعارض (الفرد) التلقائي بطبعه (الواعي) ليتحرر من العلاقات اللاانسانية في جوانب العمل من خلال نقد الطابع البيروقراطي لكلا الاشتراكية والرأسمالية وصولاً الى (النظام والتلقائية الاجتماعية في المجتمع الاشتراكي).
ب/4- هكذا نخرج من خيبة الامل التي يستشعرها الانسان في الحضارة المعاصرة ولذلك كتب هو وادورنو (جدل التنوير) لكي يحرر الانسان من خطر (التدجين والعبودية الجديدة) التي نشأت بسبب الواقع الستاليني والنازية الهتلرية وضغوط المجتمع الصناعي الغربي الرأسمالي. (( انها ثورة ضد الحرب الحديثة ومخاطرها الرهيبة (دخول تكنولوجيا الموت) الحرب الشاملة التي تعتمد غريزة بربرية لاحد لها، غريزة التحمس للموت والتدمير، انه سلوك لاعقلاني مرعب انعكس على الدول ضد الافراد والشعوب من خلال الحروب المجنونة انها عبودية جديدة ).
ب/5- وهنا يلتقي مع ادورنو وقوله بأهمية الفن (( بوصفه ملكة التخيل الذي يربط بين الم الحساسية وعالم العقل والتخيل هو سر التفرد الجمالي المبدع للفنان انه (عالم الامل) المستولد من قلب مأساة الواقع واشكالياته وسلطاته ومرجعياته الكليانية فالفن يمثل انتصاراً على الزمن بمفهومه المقنن حين يحقق وحدة الوجود الانساني ويحرره من تسلط الظروف المقننة لوجوده.
(ج)- اما هبرماس في حديثه عن التحولات البنائية للمجال العام عام 1961 :-
ج/1- فينظر للمجتمع على اساس شبكة علاقات (جدلية) تعتمد الية التواصل التي انتهت به الى نوع من (العقلانية التواصلية) العمرانية بلغة ابن خلدون استكملها في حديثه عن [ ازمة الشرعية في حقبة الرأسمالية المتأخرة عام 1973 ] والتواصل وتطور المجتمع (1976) ونظرية الفعل التواصلي (1981)، والوعي الخلقي والفعل التواصلي والوقائع والمعايير (1992).
ج/2- درس هبرماس في مشروعه (المجال العام) للدولة وسلطتها ومؤسساتها من جانب والفرد واسرته ومجتمعه المدني من جانب ثان فكانت الدولة فيها خارج ذلك المجال ونقطة تصادم مع المواطنين مثلما هو ليس مجالاً للمجتمع المدني فيدرس في المجال العام سلطات الرأسمالية والكنيسة والمال والعسكر والمؤسسات التربوية مقابل المجتمع المدني وآليات السوق والافراد والملكية الخاصة وثقافة الافراد والنشاط الخاص المعبرعن (الذات) والمنزل والاسرة.
ج/3- لقد اكتسب النقد شروطه الاجتماعية والتاريخية على يد هبرماس لأن (المجال العام) هو الجزء الرسمي من الحياة الاجتماعية في اوربا الذي يشكل الرأي العام وما تمخض عنه من مجالس مختلفة تكشف عن الارادة العامة للجمهور وصولاً الى الاحكام الشخصية للافراد.
ج/4- ان الحلول الواقعية للمسألة الاجتماعية تبدأ مع حل مشكلات الفرد حسب شروط الفكر النقدي عند هبرماس وماركوز في:-
أ- انفتاح المجال العام امام المجتمع.
ب- الغاء الامتيازات الخاصة جداً فيه من اجل:-
1- الوصول الى موازنة بين صلاحية الدولة ومساهمة الرأي العام في بناء مجتمع مدني يوفر مناخاً انسانياً للافراد.
2- التمكن من الاساليب العقلانية والمعايير الاخلاقية في ممارسة السياسة بفضل التعايش وحرية الرأي.
3- اظهـار قيمة المجال العام عند هبرماس في ظـل تفاعلات جدلية بين اطرافه (( وليس مجرد ممارسات شكلية لعملية انتخابية وكفى ).
4- دراسة المجال العام عنده تقوم على القاعدة القائلة (( ان المجتمع المدني (طرف) وليس ساحة يتكون فيها الرأي العام بل يتكون الرأي العام في المجال العام تحت شروط توجب استقلالية هذا المجال العام عن كل من المجتمع المدني والدولة.
5- اجمال العملية الاجتماعية القائمة على اساس فهم عقلاني نقدي لاشكال الوعي والواقع الفعلي لذلك الوعي في اطار من التحولات البنائية الاجتماعية.
6- كشف مخاطر الجمود الايديولوجي على المجال العام في التواصل بعده ظاهرة تصيب عملية انتاج المعنى اللغوي والدلالة في الخطاب الاجتماعي )) في الصميم.
7- بيان كون المجال العام سيضمحل بسبب الانفصال والاختلاف الناشئ عن تزايد سيطرة الدولة على ذلك المجال ممثلاً (بالانظمة الشمولية) و (الاحتكار الرأسمالي الكبير)
8- التحذير من تزايد تدخل الدولة في ظل(العولمة)والازمات الاقتصادية العالمية حتى زاد تدخلها في شؤون الافراد الداخلية وتخويفهم والتنصت على هواتفهم ومراقبة حياتهم الداخية.
9- تراجع ادوار النقابات والاحزاب والمنظمات الجماهيرية وهيمنة الاعلام والدعاية والاعلان والتلاعب بالعقول على حياة المواطن فاصبحوا (رعايا لامواطنين) وصولاً الى (الاستهلاك الثقافي) و(النزعة الاستهلاكية الدعائية) في كل شئ على قاعدة ان الانسان كائن مستهلك فقط.
10- اقتصار دور الافراد (في ديمقراطية شكلية) على التصويت والتصفير والتهليل او العكس بالعكس تواجه بالتهجير والتخدير او التسخير او التدمير وهبوط النشاط الثقافي والفني واصبح المواطن عرضة لعملية غسيل الدماغ وحلت المساومات بديلاً عن الحلول العقلانية الوسطى للمشكلات الاجتماعية وغلبة السلطوية واحتكار الحقيقة على البرامج الثقافية لتحويل الناس الى قطيع يساس بمكر لذلك يقترح هبرماس (التواصلية/الاجتماعية) للخروج من مأزق العقلانية الاداتية والكليانية الشمولية مادام المطلوب صيغة عادلة للخروج من محنة الانسان الى اجماع حر طوعي والى وحدة قناعات المشاركين في الحوار النقدي في المجتمع المنشود. انه البحث عن طريق ثالث بين اخفاق الماركسية في التطبيق واستغلال الرأسمالية للانسان والشعوب في مرحلتها (الامبريالية والسوبر امبريالية) حين يؤطر (السياسي والاقتصادي والتكنولوجي) بـ (العمل الاجتماعي والاخلاقي) تلك هي (وسيلة الجماعة الواحدة = والهوية المشتركة) انطلاقاً من الوعي الذاتي وصولاً الى الفهم الذاتي المتبادل في المجتمع المعاصر الذي يشكو من انفصال تام عن مجاله العام ومثل ذلك عرضه هبرماس في حديثه عن الحداثة ومابعدها.
(د)- جميع ذلك قاد ماركوز للحديث عن الانسان ذي البعد الواحد الذي فقدت فيه الشخصية الانسانية مقوماتها الحيوية بسبب وقوعه اسير (سلطات قاهرة) جعلت الطبقة العاملة التي كانت تقود قاطرة الحل الشامل لمشكلات الانسان الاجتماعية في الظل تفتش لها عن نقابات للعاطلين مما اعطى (الطلاب) دوراً جديداً في مسيرة الصراع استكملته (نفايات التقنية) في ظل العولمة!
هذه هي المسألة الاجتماعية في خارطة الفكر الغربي طرحت نفسها بين قمم من الحلول الشرقية والغربية والوسطى! فكيف عالج سعاده هذه المشكلة في مشروعه الاجتماعي لمشرقنا العربي؟ سؤال سنحاول الاجابة عنه في المباحث القادمة انطلاقاً من نصوصه وصولاً الى (امثلة مختارة) من الدراسات الاجتماعية.
ثانياً: سعاده ومكانته في الفكر العربي في القرن العشرين
1- موقع سعاده على خارطة الفكر العربي المعاصر:
لكي نستكمل قراءة خارطة الفكر العربي في القرن العشرين لابد من وقفة عند هذه الخارطة في الوطن العربي (المشرق) منه بعيد الحرب العالمية الاولى وخيبة الامل التي خرجت منها هذه البلاد بخاصة لنتعرف على حقيقة الانجاز (الاجتماعي) الذي قدمه (انطون سعاده، 1904-1949) الى جانب التيارات الكبرى التي سبق وتحدثنا عنها في دراسات سابقة بعد ان أخذ هذا المفكر موقعه داخل لوحة (الفكر القومي).
ولما كانت مسارات هذا الاتجاه متنوعة (واقعية، حضارية، وتاريخية، وعنصرية…الخ) فلابد من وضع (سعاده) في السياق الفكري الذي ينتمي اليه ويدعو واعني بها (الدائرة القومية/التاريخية/الاجتماعية) التي تؤصل اقليمياً (للامة السورية/السريانية/الاشورية/الفينيقية) في اطار خارطة (بلاد الشام والعراق) مع ما يشدها الى الافق العربي الاسلامي اللاحق لتصل بها الى عالم التكتلات الاقليمية الكبرى في القرن العشرين بعد تفكك الامبراطوريات (القرو/سطية) ومنها الدولة العثمانية لتحل محلها خطط الوصاية والتقسيم استكمالاً لمشروع فصل (المشرق) عن (المغرب العربي) الافريقي. وكيف تناضل هذه الامة للخروج من وطأة الانحطاط التي بدأتها بعد سقوط الدولة العباسية سنة 656هـ/1258م.
ان محنة القرون السبعة التي عانى الاقليم منها وصلت ذروتها اثر مؤتمر لندن (1904-1907) ومعاهدة سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور 1917 التي كشفت اسرارها الثورة البولشفية 1917 هذا الواقع التاريخ/الجغرافي/السياسي للاقليم اوجب علينا وقفة (فلسفية/اجتماعية) تأخذ بمبدأ بيان حدود الحضور القومي (السوري الاجتماعي) -بين النظريات الفلسفية المعاصرة- بعد ان تهاوت (الدولة العربية) التي اقامها فيصل بن شريف حسين في بلاد الشام حين اريد لها ان تكون نواة (المملكة الموحدة) للاسرة الهاشمية في المشرق العربي نظير الدماء التي قدمتها الجموع العربية على مذبح الحرية في الحرب العالمية الاولى تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع) لكن هذه المحاولة انهارت سنة 1925.
ان المفهوم الاجتماعي في فكر سعاده يتلمس موقعة بين اجوبة فلسفية متنوعة (اممية، دينية، قومية) بعضها مغترب زماناً والاخر مغترب مكاناً او منكفئة على نفسها في اطار (قطري) او منطلقة نحو ذاتها الحضارية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً مع تأمل للاخر في جميع صوره الظاهرة والخفية ولاسيما ذلك الازدواج الذي ينفصل فيه (الحديث الفلسفي التنويري الانساني)عن السلوك (الاستعماري) المستبد للغربي!
في مثل هذه الاجواء استوعب (سعاده) خارطة الفكرين العالمي والعربي وراح يقدم مشروعه (الايديولوجي/الفلسفي) في مجموعة من المقالات والدراسات والمؤلفات التي سبقت الحرب العالمية الثانية ورافقتها ولحقتها ولاسيما موضوعات (الصراع، ونشؤ الامـم ، والمحاضرات العشر) وما يتعلق منهـا (بالاسلام فـي
رسالتيه) ثم الشروح. كل ذلك من اجل قيام حركة (حزب) يكون بمثابة العقيدة الاجتماعية السورية. الارضية التي تتطلع الى وهج السماء لكن سعاده سرعان ما سقط صريعاً من اجل هذا الدين الجديد الذي نذر نفسه له عام 1949 وهو في سن الخامسة والاربعين ولو عمر اكثر من ذلك لوقفنا على المزيد من التصورات عن (المضمون الاجتماعي) لهذه المدرسة لكن هكذا انتهى منطق الاحداث! ولبيان التأثير الذي تركه سعاده على الساحة الفكرية العربية ننوه بردود الافعال التي جاءت على اقلام المفكرين العرب والكاتبين الاجانب ولاسيما ما يتعلق منه (بالبعد الاجتماعي) على سبيل المثال لا الحصر:
أ- تحدث فائز الصائغ عام 1947 عن الانقلاب الذي حدث في تفكير سعاده وكيف نقله من مستوى عقيدة كلية تشتمل نظرة فلسفية دينية معينة ولعل مقصد الصائغ الذي طرد من الحزب عام 1947 حسب نصار - ذلك التطور الحاصل في فكر سعاده فيقول الصائغ: [ان سعاده تحدث في كتابه (الاسلام في رسالتيه)- الصادر سنة 1942.عن النظرة الى الحياة والكون لكنه في كتابه (الصراع الفكري في الادب السوري) اصبح يتحدث عن (( النظرة الى الحياة والكون والفن )) لذلك عد نصار ذلك النقد من الصائغ بأن الاخير قد نظر الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وكأنه دين جديد جذوره في كتاب نشؤ الامم وسعاده نفسه يستخدم هذا المصطلح!
ب- اما ساطع الحصري فعلى الرغم مـن اختلافه الفكري مع سعـاده كتب قائلاً (( لم يظهر في العالم العربي الى الان حزب يضاهي الحزب السوري القومي في الاهتمام بالدعاية المنظمة التي تخاطب العقل والعاطفة معاً. وقد استطاع هذا الحزب ان يوجد تياراً فكرياً وسياسياً قوياً جداً في سورية ولبنان )) ثم يعترف له بالاحقية والاعجاب بنشاطه ونزعته الاجتماعية وان كان مفهوم القومية العربية عند الحصري يضم الوطن العربي جميعه.
ج- اما لبيب زويا فلقد شرح فكرتي الانسان والمجتمع في القومية الاجتماعية (بالانجليزية) قائلاً (( لقد اعتبر سعاده الفرد ليس كوحدة اجتماعية او كخلية في جسم المجتمع العضوي ولكن كتجريد ليس له وجود حقيقي خارج المجتمع او حتى في داخله )) .
د- ولعل الدور الذي تمناه سعاده لنفسه في (انقاذ) مجتمعه من براثن التخلف والانحطاط الحضاري مثل دور المصلحين الكبار في التاريخ هكذا وصف (خدوري) مشروع سعاده الاجتماعي قائلاً (( اظهر انطون سعاده في البداية … اخلاصاً كاملاً لمهمته … وتصور نفسه كالانبياء الاولين، صاحب رسالة القي على عاتقه نشرها مهما كان الثمن ولم تشهد سوريا في تاريخها المعاصر قائداً تحلى بهذا القدر من الايمان والحماسة وقوة الشخصية وسحرها )) مثل سعاده.
هـ- وصنفه يوسف اسعد داغر قائلاً عن سعاده: (( كاتب اجتماعي درس نشؤ الامم ووضع فيه ابحاثاً جديدة تتصف بالاصالـة والجدة… فهو مؤسس الحـزب
القومي السوري الاجتماعي وزعيمه ومشترعه وواضع رسالته القومية )) موسوعي المعرفة يجيد لغات (العربية والانجليزية والاسبانية والبرتغالية والالمانية والفرنسية) فهو على تواصل مع الاخر.
و- ورأى كمال يوسف الحاج في سعاده انه (( دفع بالسياسة والفلسفة الى اخر حدود الالتزام… وفي الحزب تسيست الفلسفة وتفلسفت السياسة )) وان سعاده فيلسوف قبل كل شئ… تتفلسف الحزبية وتتحزب الفلسفة )).
ز- وعلى خلاف الذين أرخوا للفكر العربي الحديث ولاسيما التربوي منه تجاوز سعيد اسماعيل على (فكر سعاده) مع انه تحدث عن الجمعية السورية والاتجاهات الفكرية في الجامعة الامريكية والاتجاه القومي حصراً والنزعات الاقليمية في لبنان مع تحذيره من دعاة ثقافة حوض البحر المتوسط.
ح- والى جانب الاهتمام المتميز الذي خص به ناصيف نصار المفكر انطون سعاده في معظم مؤلفاته التي نوهنا بها في هذه الدراسة جاءت دراسات عادل ضاهر لتكمل هذا المشروع في حديثه عن علمانية سعاده55 والانسان واستقلالية تدبير الافعال ليؤكد مفهوم العدل الالهي ثم يقول (( تعود هذه الحجة الى انطون سعاده وما نفعله هنا هو تطوير لها )) .
ط- اما دراسات علي حمية الاجتماعية/الفلسفية لفكر انطون سعاده فسنشير اليها في سياق هذه الدراسة الى جانب الندوة التي عقدت في عمان (20 تموز 2003) حول البعد الاجتماعي لفكر سعاده على الرغم من التشويه الذي ادعاه الساسة انئذ بهدف التحضير لجريمة اعدامه . مع ان جميع المعطيات اللاحقة اكدت واقعية الحلول الاجتماعية التي جاء بها هذا المفكر الذي غاب قبل اوانه!
ي- الى جانب دراسات عبد المنعم شميس ونعيم عطية واخرون في ميادين مختلفة لامجال للحديث عنها هنا سنقتصر في المبحث الاخير على بيان اراء نصار وحمية الى جانب رأي كاتب هذه السطور على سبيل (التحقق المعرفي) ليس الا.
ثالثاً: آراء سعاده الاجتماعية -رؤية عقلانية- نقدية-
1- سعاده من الفكر الاجتماعي الى الاداة (الحزب) الحركية:
كشف نصار عن البعد الاجتماعي لسعاده في سياق حديثه عن الحقائق الاتية:-
أ- كان سعاده واضع المبادئ الاساسية والاصلاحية في العقيدة السورية القومية الاجتماعية حين عد الجماعة المخاطبة الامة السورية وسائر العالم العربي من حيث علاقة الامة السورية اما الجماعة المؤمنة بتلك العقيدة فهي الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وضعه نصار في المرتبة السادسة بين المجموعات العقائدية في لبنان في القرن العشرين الذي تأسس عام 1932 تحت عنوان: الحزب السوري القومي ثم اصبح عام 1947 باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي ويعرف احياناً باسم الحزب القومي الاجتماعي.
وهو من الحركات المعارضة لفكرة (الامة اللبنانية) وتدور حول (( فكرة الامة السورية كواحدة من الامم التي تضمها ديار العروبة )) لقد تبلور الاتجاه الاجتماعي على يد سعاده واصبح بفضله عقيدة متميزة بشمول النظرة الاجتماعية القومية، وبدقة الاحكام التأليفي الذي استفادت منه بعض الاتجاهات الفكرية.
لقد آمن سعاده بأهمية التاريخ السابق للاسلام في تقرير الهوية الاجتماعية التاريخية للمجتمع اللبناني مع تركيز الاتجاه السوري القومي على (( حقيقة الامة السورية، وعلى الوحدة القومية الاجتماعية المتجاوزة للفوارق الطائفية )) بعلمانية جذرية كان اكثر انفتاحاً على العروبة كما توافق مع الاتجاه اللبناني في ضم التراث ما قبل الاسلامي الى مكونات الهوية اللبنانية (( كما وافق الاتجاهات العروبية في جعل القضية القومية هي الاولى بين المهمات مما يتطلب ربط الكيان اللبناني عضوياً بمحيطه الطبيعي الاجتماعي التاريخي )).
كما تناغم مع الاشتراكيين، [الماركسيين] في نزعته الشعبية التحررية التي طبعت افكار سعاده الاجتماعية العملية الى جانب تناغمه مع الاتجاه البعثي العربي في (الوضعية الصراعية) من حيث ايمان الحزب القومي السوري بأن لبنان قطر من وطن اكبر.
لقد اجمل لنا نصار المكونات (الفكرية والحركية) لاراء سعاده الاجتماعية لاحقاً مشيراً الى انه (( يهدف… الى بناء مجتمع سوري عربي جديد… على اساس فلسفة انسانية اجتماعية جديدة ))
واللافت للنظر ان سعاده كان يحرص على تحقيق بعدين آخرين الى جانب البعد الاجتماعي هما (القومية) و (النزعة الفلسفية المستقلة).
ب- كما نظر الى (لمشكلة القومية على مبادئ واساليب الفلسفة الوضعية وتقصيره عن ادراك ما تقتضيه من فلسفة انسانية اجتماعية رغم تعلقه الشديد بفصل الدين عن الدولة).
ج-لقد صاغ سعاده (( العقيدة السورية القومية الاجتماعية )) في اطار حديثه عن (الامة السوريـة، والحزب السوري، والدولـة السورية والعروبة الواقعيـة) على
اساس (( النظرة الى الحياة والكون والفن )) بعده صاحب مشروع (( اجتماعي تاريخي )) او قل هو مشروع بعث وتحرر قومي في مرحلة تاريخية حضارية معينة).
د- واهتم سعاده بالاسس الفلسفية لعقيدتة طوال مراحله الاربع وأعني:
د/1: مرحلة النشأة ، ماقبل عام 1932.
د/2: مرحلة صياغة عقيدة الحزب (1932-1938).
د/3: مرحلة الاغتراب القسري في امريكا اللاتينية (1938-1947).
د/4: مرحلة الثورة القومية الاجتماعية الاولى (1947-1949)التي انتهت باعدامه عام 1949. ولعلنا نضبف مرحلة خامسة هي ما بعد وفاته الى اليوم.
هـ- لينتهي نصار الى بيان مراحل فكر سعاده الثماني والتي يهمنا منها:
(الثالثة: ارادة الحياة واجتماعية الانسان.
والرابعة:بنية الوجود الجماعي ومبدأ المتحد القومي.
الخامسة: الوجود الجماعي ونسبية القيم.
الثامنة: التفاعل الاجتماعي والتاريخي).
2-المفاهيم الاجتماعية لفلسفة سعاده:
أ-الفرد-المجتمع-الانسان:
يكاد سعاده يتجاوز ثنائية الفرد والمجتمع الى القول باجتماعية الفرد التي يكتسب من خلالها شروط شخصيته الاجتماعية فيقول في المحاضرات العشر عن الانسان من حيث هو نوع قائم بنفسه هو(( جزء من عالم المادة والحياة فينبغي عليه ان يفهم وجوده وان يهتم بمصيره )) في اطار هذا العالم الذي ينتمي اليه (( لسنا من الذين يصرفون نظرهم في شؤون الوجود الى ما وراء الوجود… بل من الذين يرمون بطبيعة وجودهم الى تحقيق وجود سام جميل في هذه الحياة والى استمرار هذه الحياة سامية جميلة )).
أ/1- هذا هو مفهوم الاجتماع الانساني الذي يمتاز على غيره من المفاهيم عند سعاده ولما كانت (( الفوارق في كيفية فهم المحيط من الوجهة النفسية )) توجب عليه التمييز بين اجتماع الانسان واجتماع الحيوان بما يرفع الانسان الى مستوى خاص لاينكفئ الى ماهو ادنى (( ان الاجتماع في الكائنات الحية انواع لكل منها خصائص لاتتعداه الى نوع آخر وان تطبيق الاجتماع الانساني على مظاهر التجمهر في الحشرات … غلط فادح سببه جهل مرتكبيه بالعوامل البيولوجية المختلفة في انواع الاجتماع المختلفة )) (بمعنى ان سعاده لايأخذ بالمفهوم الداروني للتطور) وسواء أكان الاجتماع البشري موروثاً من اجتماع سابق التطور البشري ام حادثاً بعد نشؤ البشرية فما يهمنا منه انه امر واقع ملازم للبشرية.. وان خصائصه ملازمة لخصائص الانسان حتى انه يستحيل (معه) تطبيق مقاييس اجتماع الحيوان ونظمه عليه ويمتنع كل وجه لجعل الاجتماع الحيواني قياساً له ))
ان مقياس السمـو الانساني يتجلى في افتـراق الاجتماع البشـري عن غيـره بـ (( ظهور الفكر الذي له كل الاهمية في الحياة والاجتماع الانسانيين )).
أ/2- تتجلى اجتماعية الانسان عند سعاده بظاهرتين متلازمتين الاولى الشخصية الفردية ، والثانية الشخصية الاجتماعية وهو امر -حسب سعاده- غير موجود في (( عالم الحشرات والحيوانات الدنيا ولا في عالم الحيوانات العليا )) وتراتيبية العلاقة بين النمطين من الاجتماعيات يظهر في قوله (( .. في احط درجات الاجتماع البشري. وابسطها نجد الجماعة او العشيرة وعبثاً نحاول ان نجد الفرد فهو لاوجود له اقتصادياً ولاحقوقياً ولذلك فهو ليس (بداية) بداءة الاجتماع ، ولاشأن له في تعيين الاجتماع بكيفيته فوجوده الانساني في تلك الحالة الاولية لايظهر الا في التمييز بينه وبين غيره في بعض العلاقات النفسية )).
أ/3- اما الموقف من الفردية القاصرة فيقول سعاده (( بديهي ان لكل فرد نفسية او عقلية خاصة مستقلة )) مع ذلك يرفض سعاده النزعة الفردية لتعارضها مع الماهية الاجتماعية الحقيقية فيقول: (( من الاول رأينا ان النزعة الفردية والرأي النفعي الفردي (نقده المفهوم البراغماتي للفردية) الشخصي هما مرض من اعظم الامراض وصعوبة من اعظم الصعوبات الداخليـة التي يجـب ان نتغلب عليهـا .لنواجه العالم الخارجي كوحدة متينة وارادة واحدة )).
ب- ولكي ينمي سعاده المفهوم الاجتماعي للفرد ليستقي بعده الانساني الحكيم قال (( العقل في الانسان هو نفسه الشرع الاعلى والشرع الاساس هو موهبة الانسان العليا هو التمييز في الحياة فاذا وضعت قواعد تبطل التمييز والادراك تبطل العقل فقد تلاشت ميزة الانسان الاساسية وتبطل ان يكون الانسان انساناً )).
وعلى وفق هذا المنظور (العقلاني) اهتم سعاده بالفلسفة حين عدها (( الحقائق الاساسية والمرامي النفسية الاخيرة التي فكر فيها هؤلاء الفلاسفة )) ناقداً من رام التفلسف بتكرار نصوص الفلاسفة الغربيين واكثر من ذلك خص في نقده للتيارات الفلسفية الكبرى السائدة في الغرب آنئذ [(الماركسية/الشيوعية) و (الفاشية/النازية) و (البراغماتية/الليبرالية)] نعم لقد انتقد النظرة الليبرالية الى الحياة الاجتماعية في اكثر من مناسبة.
ج- ولما كان مضمون المشروع الاجتماعي لسعاده ينطوي على مكونات نابعة من صلب البيئة الطبيعية والاجتماعية والتاريخية التي تطبع بصماتها على الجميع وجدنا سعاده ينظر لمفهوم (القومية) الاجتماعية بأنها (( دين الانسانية في العصور الحديثة )) و (( بأنها في الامم المتعددة الاديان والمذاهب )) بمثـابة (( الديـن الجامع )).
وقال في خطـاب القاه سنة 1937 واصفاً منهجـه الاجتماعي القومي بأنه يشكل (( ديناً جديداً من الارض رافعا النفوس بزوبعة حمراء الى السماء )) به يستكمل الفرد شخصيته الانسانية ويحقق وحدة العلاقة بين النتائج والاسباب.
ج/1- لقد عد سعاده (( ظهور شخصية الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النفسية البشرية وتطور الاجتماع الانساني اما ظهور شخصية الجماعة (الامة/القومية) فأعظم حوادث التطور البشري شأناً وابعدها نتيجة واكثرها دقة ولطافة! واشدها تعقيداً اذ ان هذه الشخصية، مركب-اجتماعي-اقتصادي-نفساني يتطلب من الفرد ان يضيف الى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته، امته… وان يجمع الى فهمه نفسه (أعرف نفسك) فهمه نفسية متحده الاجتماعي وان يربط مصالحه بمصالح قومه )).
ج/2- ان ظهور شخصية الفرد عند سعاده شرط ضروري مرافق لظهور شخصيته الجماعية القومية تزدهر فيها شخصية الفرد لابفضل (نزعته الفردية الانانية) بل بفضل اجتماعية النزعة الانسانية للجماعة لذلك قال عن حزبه (( ان حزبنا… يصارع في سبيل اساس افضل لحياة الانسان.. والمجتمع )).
ج/3- وقال في شروح العقيدة (( ان عقيدتنا تقول بحقيقة انسانية كلية اساسية هي الحقيقة الاجتماعية الجماعة، والمجتمع، والمتحد فالاجتماع الانساني (شرط) حتمي لوجوده ضروري لبقائه واستمراره والمجتمع هو الوجود الانساني الكامل والحقيقة الانسانية الكلية )).
ج/4- ان الجماعة للفرد مثل الماء للسمكة لاتمتلك ارادة العيش والحياة الا في ظل جدل ينظم العلاقة بين الانا والاخر فيقول سعاده (( ما ارادة الحيـاة الا التعبير
عن الحياة مانريد هو : ما نحن؟ نحن نريد مصالحنا (كأمة) لاننا نريد حياتنا(كبشر) والارادة على قدر المصلحة وكلما كانت المصلحة اساسية دائمة كانت الارادة كذلك)).
ج/5- هكذا يتكون البعد الانساني من المناخ الاجتماعي للفرد في ظل مكونات متفاعلة (الانسان، التاريخ، الجغرافيا) والمصالح. نعم يقول سعاده بتفاعل العوامل الاقتصادية مع الاجتماعية لكن البناء النفسي للجماعة يقوم عنده على مجموعة تصرفات تنظم الجماعة بها اسس الحقوق والواجبات. ويحذر من الدوافع الانانية او تغليب الاهداف الخاصة على الاهداف الاجتماعية (القومية) قائلاً: (( ان اهم الاسباب النفسية هي بقاء جماعات كبيرة من الامة السورية خارج نطاق الوعي القومي مغلقة دون تيار التعليم السورية القومية الاجتماعية عاكفة على الدوران ضمن غوامض الماضي منصبة على شؤون الماضي اللاقومية )) -الاغتراب الزماني-ويستحضر لنا (نصار) نصوصاً من الفصل السادس من نشؤ الامم يقول فيها سعاده: (( ان اهم الاسباب النفسية هي عدم وعي الشعب وجوده وعدم ادراكه قضايا حياته… فقضايا الامة لاتزال (خاضعة) لقضايا اللغة والدين والتاريخ الديني السياسي ولقضايا طبقة متمركزة في قضايا الرجعية الدينية والسياسية والحكومات المولودة في انعدام الوعي القومي… الوعي لحقيقة الامة السورية ولوحدة حياتها ومصيرها… لايمكنها ان تدرك القضايا القومية الصحيحة ولا ان تدير دفة سياستها في اتجاه المصالح السورية القومية فسياساتها هي سياسات خصوصية (قطرية) محدودة النطاق تتغلب عليهـا الاهداف الخصوصية على الاهداف القومية )).
ج/6- ان المحرك لتفاعل الامة ووحدتها -عند سعاده- ناشئ من كونها تقوم الى جانب صفات مشتركة معروفة على عامل اعمق هو عامل الاتحاد في الحياة والوجدان الاجتماعي (( فالامة مجتمع طبيعي قائمة على مبدأ الاتحاد الواعي في الحياة والمصير بما يعبر عن: نسبية القيم )).
ج/7- وتواصل (الجماعة) مع تاريخها يتجلى في تجدد طاقاتها وذلك عنده مفهوم (البعث القومي الاجتماعي) الذي لايتحقق عند سعاده الا حين تجعل الامة صاحبة السيادة على نفسها بعيداً عن وصاية الاخرين مسؤولة مسؤولية كاملة بين الامم …تقترن فيها الحرية بالواجب الانساني والنظام والقوة الفعلية المادية والنفسية تلك هي الشروط الاساسية للتفوق والارتقاء )).
د- اما مفارقة حقبة الانحطاط التي خلفتها القرون الماضية فيعني نهوض الامة أي (( خروجنا من التخبط والبلبلة… الى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر انها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية الى نظرة قوية جلية الى الحياة والعالم ولايتحقق ذلك الا من وضوح الهوية واعلان استقلالية الفكرة والعقيدة (الحلول) ان (( الاستقلال الفكري… لايعني مطلقاً الانعزال عن العالم )) والمطلوب هو (( الانفتاح على مختلف الاتجاهات الفكرية العالمية).
وهذه هي حقيقة انسانية اكد عليها سعاده في اكثر من مناسبة قائلاً: (( ان عقيدتنـا اجتماعية تنظر الى الانسان من زاوية الحقيقة الانسانية الكبرى حقيقة المجتمع لا من زاوية الفرد الذي هو في حد ذاته وضمن ذلك الحد مجرد امكانية انسانية )) مرهونة بالجماعة.
هـ- وعلى صعيد الصراع الفكري العالمي انتقد سعاده تقسيم العالم المعاصر الى ( شرق روحي) و(غرب مادي) لايمانه بتكاملية (الروحي والمادي) وعلى الصعيد القومي رفض القول بأن (سورية الكبرى) (امة شرقية) ليخلص من ذلك الى النتيجة الاتية (( اذا كان الشرق المتسكع في قيود المادة قد رأى في ارقى فلسفاته الهندية والصينية ان الطريقة الوحيدة لانتصاره على المادة هي اهمال قضايا المادة وثقافتها فأن العقل السوري الذي خطط للمتوسط والغرب قواعد مادية ثقافته المادية والروحية رأى في الانتصار على المادة يكون بمعالجتها والقبض عليها وتسخيرها للغايات النفسية الجميلة التي تجعل الوجود الانساني جميلاً صريحـاً نيراً )) وبذلك لايمكن للروحي ان ينفصل عن المادي.
هـ/1- وتتصاعد وتائر التفاعل الاجتماعي ثقافياً وقيماً (اخلاقياً) عند سعاده مادام (( الفرد من المجتمع والمجتمع هو الكل الذاتي )) لاعلى اساس تراكم عددي كمي يقول في المحاضرات: (( ان نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية تمكن من جمع عدد من الرجال يقال انهم من ذوو مكانة يقفون فوق اكوام من الرجال مثل التضخم والتراكم بأحلى مظاهرهما بل على قواعد حيوية تأخذ الافراد الى النظام. وتفسح امامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم )) وهذا الوجود النوعي يعني ان (( أي الفرد (كل فرد) من افراد الامة فيه مبدأ الحياة هو الذي يهمنا أكان ذا مكانة تراكمية ام لم يكن لان فيه فاعلية الحياة والنمو التي توجد في الاشياء التراكمية )) -المادية-والمحسوسة.
هـ/2- اما عن القيم الاخلاقية السامية للفرد في مجتمعه فرهنها سعاده بالتضحية الفردية من اجل المجتمع كأسمى صور التعبير عن (( البطولة الاجتماعية )) وذلك لايمانه بالحقيقة القائلة (( اذا تحقق خير الكل وجد الكل في هذا تحقيق ما يرضي القيم الانسانية العليا التي يفيض خيرها على مجموع الشعب )).
هـ/3- من هنا منح سعاده للفن والادب والجوانب القيمية والجمالية (الروحية)مكانة في بنيانه الاجتماعي المنشود فلا تجدد في الحياة اذا لم يتجدد الادب ذلك يعني ان ((حصول النظرة الفلسفية الجديدة الى الحياة والكون والفن يفتح افاقاً جديدة للفكر ومناحي جديدة للشعور… )) هذا ينطبق على السياسة والادب ايضاً فالادب المنشود هو (( الذي له قيمة في حياة الامة وفي العالم. وفي نظرة (نظرته) الى الحياة والكون والفن اوجدت فهماً جديداً للقضايا الانسانية كقضية الفرد والمجتمع، وقضية الحرية، وقضية الواجب، وقضية النظام، وقضية القوة، وقضية الحق، وغيرها )).
هـ/4- ويحتل حقل القيم الجمالية والروحية موقعاً مهماً في فكر سعاده الاجتماعي انطلاقاً من نسبية هذه القيم ويعني بها (المنطق وعلم الجمال وعلم الاخلاق) الكاشفة عن قيم الصدق والجمال والعدالة والفضيلـة (( فالحق والخيـر والجمال من حيث هي قيم مطلقة لاوجود لها في الواقع في العالم الانساني الاحيث ينتفي تنوع النظر او تنوع مصالحها وتصادمها ولما لم تكن هذه القيم مادية فلا يمكن ان يكون لها تحديد واحد في العالم فهي اذاً… نسبية لتنوع الجماعات البشرية وتنوع مراتب ثقافتها…(على قاعدة كل حسب مصلحته)… اما ما يختص بمقدراتنا النفسية على فهم مختلف انواع الحق والخير والجمال عند الامم الاخرى فلا يوجب ان نتخلى عن الحق والخير والجمال كما نراها نحن لنقبل القيم المطلقة (لغيرنا) كما تصورها نظرات الامم الاخرى كل حق وكل خير وكل جمال لكي يصح ان يكون قيماً عليا حقيقة مطلقة عندنا يجب ان تخضع لشروط رؤيتنا آياها كذلك او لاشتراكيتنا في رؤيتها كذلك والا تعرضنا لفقدان نظرتنا الشخصية الخاصة )).
هـ/5- وعن نسبية مفهوم الخير -مثلاً- يتحدث سعاده قائلاً: (( الذي لايقبل الخير كله لانه لايدرك او لم يدرك الخير كله فالخير للانسان هو ماتعوده وتربى عليه (مكتسب من التربية والمحيـط) وتكونت منه نظرتـه للحياة )) بمعنى ان (( الحق والخير والحقيقة والجمال من حيث هي قيم مطلقة هي قيم للمجتمع ولما لم تكن هذه القيم مادية لم يتمكن ان يكون لها تحديد واحد او مفهوم واحد في العالم فلا اجماع على مدلول هذه القيم ومفهومها بصورة كلية مطلقة في العالم الانساني الاحيث ينتفي تنوع النظر اوتنوع المصالح وتصادمها بين المجتمعات الانسانية كما بين فئات المجتمع الواحد )).
هـ/6- ان سعاده في حديثه بين (اطلاق القيم) او تعميمها ونسبيتها انما يريد ان يقول بافقين :عام وخاص فالقيم (( الانسانية العليا لايمكن ان يكون لها وجـود وفعل الا في المجتمع فمتجه القيم كلها هو المجتمع هو مصدرها وهو غايتها )) وكذلك تتنوع مراتب تلك القيم ودرجاتها عند الاخرين
هـ/7- ومستقر سعاده في القيم تلك لايكون الا في الاطار الاجتماعي لابل هي الفضيلة الجوهرية عنده (( فيها كل الخير وكل الحق وكل الجمال وكل الحقيقة وكل العدل للمجتمع الانساني )) عليه (( يجب ان يكون لنا ثقة بأن لنا المقدرة الاجتماعية العليا لكل مجتمع مدرك لندرك ما هو الحق والخير والجمال… ما كان حقاً لنا هو الحق )) ان (( حصول مثلنا العليا السامية الجميلة هي خير ضامن لقيم الحق والخير والجمال المطلقة والمقيدة والمجردة والمصاحبة )).
و- اما القانون الاجتماعي والناموس العام الذي يخضع له الانسان فهو عند سعاده (( ناموس العلاقة البيولوجيـة المثلثة الاضلاع الجسـم والنفـس (الدماغ) والمحيط )).
وكما وجدنا سابقاً ان الحد الفاصل بين نوع الانسان وسائر الانواع الحيوانية يجعل كل قياس بين عالم الحيوان وعالم الانسان اقرب الى التخمين منه الى اليقين )). وهذا يقترب من ثلاثيتنا العقلانية النقدية التي تنظر للانسان (جسداً وعقلاً وقلباً) تحركه الحاجـة وضرورتها والعقل ودهشته والقلب ورهبته فأين ذلك في كيانه الاجتماعي؟
ز- يتحدث سعاده عن محركات الوحدة الاجتماعية القومية التي تبلور شخصية الفـرد الانسانية في اطـار من قاـنون الصراع وتنـازع البقاء فلا يقتصر عنده (( تنازع البقاء على تنازع النظريات بين الامم بل يمتد الى تنازع النظريات ضمن الامة الواحدة كما تشتمل عليه الامة من طبقات وجماعات يكون لبعضها مطامع ومصالح خاصة )).
ان ارادة الامم جزء من ارادة الحياة عند سعاده وهذه الارادة مقترنة بقانون (تنازع البقاء) ضمن الكيان القومي الاجتماعي فيتحدث في المحاضرات العشر قائلاً ارادة الحياة (( في هذا الزمن الذي هو زمن تنازع الامم للبقاء… وفي هـذا الوقت الحرج وشعبنا تعمل فيه عوامل الفساد والتجزئة والملاشاة القومية انبثق الحزب السوري القومي الاجتماعي كما ينبثق الفجر في اشد ساعات الليل حلكاً ليعلن مبدأ جديداً هو مبدأ الارادة -ارادة شعـب حي يريـد سيادته على نفسه ووطنه ليحقق مثله العليا -ارادة الحياة- لامة حية )) تفتش لها عن فرصة لبناء الحضارة.
ح- لما كان المنظور الاجتماعي لسعاده ينطلق من (اجتماعية الانسان) الى (اجتماعية الامة) فالانسانية جاء حديثه عن المجتمع الانساني الذي هو عنده لايعني (( البشرية مجتمعة وانما البشرية مجموعة مجتمعات )) ثم يتسأل قائلاً (( ومن يدري هل يقدر للانسانية ان تصير مجتمعا واحداً في مستقبل العصور؟ )) أي بلغة واحدة واقليم واحد صحيح ان سعاده يقول بأمكانيـة التوحـد الانساني شرط (( ان تزول الامم والقوميات من الوجود ويصبح العالم كله متحداً اجتماعياً واحداً لاتفصل بينه فواصل ارضية او اجتماعية او اقتصادية )) لكنه ليس بالضرورة كمتحد ماركس في الحقبة الشيوعية حين تختفي الدولة والقوميات والاديان والنقود و…الخ اعتماداً على منطق الوعي الذاتي لنشاط الافراد في المجتمع الشيوعي وصولاً الى الجنة الارضية بقيادة الطبقة العاملة.
ط- اما عن مكانة الدين في ذلك البناء الاجتماعي القومي الذي ارسى سعاده هياكله النظرية فيتجلى هكذا:-
ط/1- الدين (( ظاهرة نفسية عظيمة الخطورة على ظواهر الاجتماع البشري انه ظاهرة قد نشأت وارتقت بعامل تطور الانسانية نحو سيطرة النفس (الروح-القلب-الفؤاد-الجنان) وحاجاتها (رهبتها من المجهول والغامض والاتي) في شؤون الحياة… ولن ينفك يتطور بتطورها ولكن تطوره بطئ جداً وفي هذا البطء سر خطورته )) ان (( الدين من الوجهة التاريخية الاجتماعية مسبب لاسبب ولكنه يصير سبباً من الوجهة الوضعية بعد رسوخ العقيدة )).
ط/2- الديـن المسيحي عند سعاده او الديـن الاسلامي (( انساني ذو صيغة عالمية )) والامم متعددة لكنه يحذر من جمود الشرع قائلاً (( اما الانسان فالله قد اعطاه القوة المميزة المدركة لينظر في شؤونه ويكيفها على ما يفيد مصالحه ومقاصده الكبرى في الحياة فليس معقولاً ان يعطك الله نفسه هذه القوة بشرع ابدي ازلي جامد… لذلك كان العقل الانساني (و) كان الانسان (و) كان المجتمع الانساني حراً بأرادة الله حراً بأرادة المصدر الذي نشأ عنه لكي يسير نحو ما هو الافضل ليقرر بذاته ماهو الافضل في حياته )).
ط/3- على وفق هذه النظرة (العقلانية) للدين وللمنظور الاجتاعي لمفهوم العدل الالهي وجد سعاده (( ان الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول: انه يجب ان يكون لكل فرد من افراد الامة السورية الحق والحرية ليعتقد في الشؤون المتعلقة بما وراء (الطبيعة) المادة كالله والسماء والجحيم والخلود والفناء كما يريد ولايطلب منه الا ان يكون قومياً اجتماعياً صحيحاً مخلصاً لامته ووطنه )).
ط/4- ان سعاده وانطلاقاً من المفهوم العقلاني المتحرر للدين لايرى تناقضاً باجتماع دينين عند الانسان دين القومية الاجتماعية التي تجتمع عليها مكونات الجغرافية والتاريخ الذي يعده ديناً عصرياً انسانياً ودين سماوي (روحي/قلبي) يتعلق باله واحد.
ي- اما التفاعل الاجتماعي مع التاريخ فهو عنده لايخرج عن قانونه في [الانسان-والارض (الطبيعة) والتاريخ] وذلك موضوع خصصنا له موقعاً في دراستنا لفكر سعاده في المبحث الرابع بين دراسات (نصار ، وحمية) عسانا نعرضه في حيزه المناسب.
رابعاً: اجتماعية سعاده -قراءات مختارة- [نصار،حمية،الجابري].
اذا كان (مبدأ التحقق) واحد من ادوات (فلسفة العلم) للاطمئنان على نتائج الدراسة التي ينجزها الباحث حاول كاتب السطور هنا اعتماد (مبدأ التحقق الاجتماعي) بناء على مقارنة مواقف باحثين درسوا فكر سعاده الاجتماعي علنا نصل منه الى (صورة) هذه الاجوبة منظوراً اليها من ثلاث زوايا تاركاً للقارئ الفاضل الحكم على هذه التجربة ونتائجها في ضوء منظوره المعرفي:-
1-نصار واجتماعية سعاده:
كان هم نصار وهو يدرس الفكره الاجتماعية الفلسفية لسعاده ان يصل الى (استقلالية) هذه الفكرة في دنيا الافكار وهو ما انتهى اليه في كتاب (طريق الاستقلال الفلسفي) للاسباب الاتية:-
أ- ان مشروع سعاده جميعه يدور حول قضية بعث الامة السورية.
ب- المشاركة الخلاقة في تحقيق نهضة عربية شاملة الغاية والهدف.
ج- التذكير بدور الحزب في تحقيق (البعث القومي/الاجتماعي) (جدل الحزب والامة).
د- المحور الواقعي عنده (الجماعة القومية) وعلى وجه التحديد (الامة السورية) كجماعة محددة وانسانها معلوم الموقع والتاريخ.
هـ- ويعد حاجة الامة الى مفكر في مستوى (الفيلسوف) الاجتماعي التاريخي امر ضروري لكي يفكر في الوجود الانساني على الاطلاق معبراً عن (( حقيقة الوجود الانساني الاجتماعي التاريخي )) على اساس:-
هـ/1- ضرورة احكام العلاقة بين منطق الحركة الاجتماعية التاريخية في كلية الوجود ومصير الانسان ودور الوعي والعقل والحرية والقيم في هذا المصير.
هـ/2- امتناع خروج الفيلسوف الاجتماعي التاريخي عن مقتضيات حدود الانتماء الجماعي وبأن كل فلسفة اجتماعية تاريخية هي تعبير عن وجهة نظر جماعية معينة يلتقي فيها الفكر مع التاريخ والجغرافيا.
هـ3- ان الفلسفة الاجتماعية والتاريخية لايمكن ان تنشأ وتزدهر وتؤثر في التاريخ وكأن البشرية بأجمعها (( بمعزل عن حالة العلم الاجتماعي او التاريخي ومناهجه واكتشافه )).
هـ/4- الفيلسوف الاجتماعي ملزم اصلاً بمصير الانسان والدفاع عنه في خضم الحركة الاجتماعية التاريخية النسبية.
و- وعلى وفق ذلك جاء موقف سعاده (( في مطالبته بأن تهتدي الامة السورية بنظرتها الاصيلة الى الحياة والكون والفن )) بعد ان ادرك الطبيعة العامة للثقافة العقلية كمدخل للتفاعل بين التراث القومي الاصيل والثقافة العقلية العصرية.
ز- أظهر واقع التخلف الحضاري العربي وتفرده عن غيره بمجموعة من الظاهرات العمرانية والثقافية ومن القيم والمثل غير موجودة في مناطق اخرى من العالم بل في بعض (ماضي العرب).
ح- في اطار من العلاقات المركبة بين الفكرة الايديولوجية واطارها الفلسفي والحضاري للاخر وللعرب ماضياً وحاضراً نكتشف المكانة الحقيقية لما بلغه الفكر القومي على يد سعاده… وندرك…(( ضرورة استيعاب وتعميق وتجاوز ما توصل اليه من نظر فلسفي… سعياً (وراء) تكوين فكرنا الفلسفي المستقل )) الذي يرفض الانعزال رفضه للتقليد (( ويتميز سلبياً برفض التبعية والخضوع والاتكال.. ويتميز ايجابياً بالحرية والسيادة والمسؤولية والاستقلال الحقيقي موقفاً وحركة )) انه يستلزم التفاعل والتغير.
ط- لقد وفق سعاده بين المضمون الفلسفي الاجتماعي -كتعبير عن معاناة التحرر الانساني في شكل التحرر القومي وبين الاسس الاتية:-
ط/1- فكرة الحياة هي مرتكز نظريته الانطولوجية مادام الانبعاث القومي يعني اولاً الصراع ضد جميع اشكال الموت والتلاشي (والفناء).
ط/2- ارادة الحياة في فكر سعاده هي الدافع الحقيقي لوجود الانسان ولجميع ما يبدعه على هذه الارض لكي ينتصر على الموت.
ط/3- ان حقيقة المعرفة والوجود والحياة عند سعاده جاءت تعبيراً عن المضمون الاجتماعي للفكر بمقتضى المعقولية الاجتماعية/التاريخية.
ط/4- مبدأ الوجود الاجتماعي جاء بعد مبدأ ارادة الحياة وعلق به نظرته الى الصراع والتفاعل في التاريخ بين (الانسان والجغرافية والجماعة).
ط/5- مضمون (القومي) عند سعاده ينطلق من (فكر تاريخي) في منحاه وفي اصوله اما المضمون الفلسفي (( فيتلمس به حقيقة الوجود التاريخي وحركة التاريخ ومعناه ومصير الانسـان فيه وشـروط تحقيق الحرية والعدالة وسائر القيم الكبرى )).
انه الاطار الفلسفي الشمولي الذي لابد منه للتعبير عن المعقولية الاجتماعية فالمجال التاريخي يتطلب تكوين فلسفة شاملة تلتقي فيها المعقولية الاجتماعية بالمعقوليات الاخرى.
ي- ان حركة النهضة العربية -اذا-تبحث عند سعاده عن فلسفة حياة جديدة عن نظرة جديدة الى الانسان والعالم (( … ان حركة النهضة قد عبرت عن نفسها ايديولوجياً )). (( ولكنه لم يظهر ان الانسان نفسه كائن تاريخي من خلال مضامين فلسفة الفكرة القومية عند سعاده )).
يا- جاء تشديد سعاده على دور الفن في الحياة الانسانية عموماً وفي الحياة القومية خصوصاًاسوة بما ذهب اليـه ارباب النزعـة التاريخية الالمانية (الحديثة) و( مدرسة فرانكفورت) كما نوهنا بذلك في المبحث الاول.
يب- (( فالانسان الحقيقي عند سعاده، كائن حي،.. مادي روحي،.. عاقل حر، مصارع مبدع، فرد وجماعة، ممزق بين الوجود النسبي والوجود المطلق متوتر بين التفوق والبطولة، وبين الانحطاط والتفاهة )). من غير ان تكشف (نمط) العلاقات الجدلية المعقدة بين هذه المقولات.
يج- وتكاد الاسئلة الفلسفية (الاجتماعية) الكبرى لسعادة تدور حول: (اذا كان الانسان كائناً تاريخياً فكيف تفهم القيم؟ وهل هناك قيم مطلقة؟ وما هو دليل اطلاقها؟ وما هو معيار تنظيم القيم في الحياة الاجتماعية التاريخية؟). اسئلة جميعها تصب في المعين (القيمي الجمالي/الاخلاقي) لسعاده.
لقد جاء صخب الوقائع لاحقاً في المشرق العربي والمغرب! ليؤكد اهميته في مسيرة الحياة الراهنة، التي تفرض منطق التواصل والتوحد التدريجي فكراً وتاريخاً وجغرافياً.
يد- وانتهى نصار الى نقد بناء للمسألة القومية والاجتماعية عند سعاده بسبب استغراقه في قضية البعث القومي من غير ان يحدد الشروط العامة لعملية التفاعل بين تاريخ الفكر الفلسفي والتاريخ الحضاري ولاسيما شروط التفاعل بين الفيلسوف العربي المعاصر وتاريخ الفكر الفلسفي.
2- علي حمية وتعميق المضمون الفلسفي لنص سعاده الاجتماعي:
اذا كان (حمية) قد درس جيداً (المدرحية) بعدها اتجاهاً جديدأ في الفلسفة -قبل سنوات كشف فيها عن مقالة له بعنوان: المذهب القومي الاجتماعي، بتاريخ1939 يتحدث فيها عن الفلسفة الجديدة النابعة من حاجات انسانية تقول بتكاملية (المادة والروح=المدرحية) فأن الدراسة الاكثر قرباً من المشروع الفلسفي الاجتماعي لسعاده نجدها في نص آخر يعود الى عام 1938 في رسالة بعث بها الى الدكتور شارل مالك (وهما يعملان سوية في الجامعة الامريكية ببيروت) تعليقاً على خطاب لمالك عن (( معنى الفلسفة )) اكد فيها الحقائق الاتية:-
أ- ان فاعلية الفكر هي التي تفرض نفسها واتجاهها على النطاق الذي تشمله لذلك يأخذ على مالك خطابه الفلسفي هذا (( متناسياً ان هذا الاقليم الكبير الشرق الادنى ليس الا شتاتاً من العمران ومن الاجتماع ومن الثقافة فتخاطبه وكأنه مجموعاً واحداً متجانساً متلاحماً فيذهب خطابك في دورة واسعة )).
ب- ويخاطب مالك قائلاً (( كم احببت اتجاهك الصحيح نحو نور الحقيقة والجمال والحب والعدل. وثق ان شعبنا كله (الشعب السوري) مؤهل للاخذ بهذا الاتجاه بقيادة فلاسفته الذين يدركون حقيقة نفسيته التي كادت طبقات الحوادث التاريخية (ان) تطفئ نورها )).
ج- على الفيلسوف ان يذهب الى الحقائق لا الى الفلاسفة السابقين (ديمقريطس-سقـراط-اوغسطيـن-نيتشـه…الخ). الـى ان (تغيـب هذه الاسماء من امامك) (( وتغوص على هذه الحقائق والمرامي في اعماق نفسك وتحس تياراتها الخفية الجارية من تحت الطبقات التاريخية المطبقة عليها فتكتشف بنفسك-نفسيتك الاصيلة بكل جمالها وكل قوتها فتخرج فيلسوفاً لا ناقل فلسفة وحينئذ تجد الحلقة المفقودة بين الفلسفـة والادراك العادي (لعمـوم المواطنين) وتدرك الرابطـة بين الفيلسوف وامته وبين حيوية امته وقبول الشعوب القريبة منها-حينئذ لاتعود بك حاجة لمنادة الشـرق الادنى او العالـم العربي لان فلسفتك فلسفة امتـك تكون قد اصبحت فاعلة )).
د- ان حمية يتابع اسئلة سعاده عن الفكر وعالميته لان الحديث عن فاعلية الفكر وعالميته يقودان الى سؤال: متى يكون لنا فكر عالمي وكيف؟ والعالمية مهمة في الفلسفة كما هي مهمة في الادب والفن ويحاول حمية الاجابة عن ذلك.
هـ- وهو يعلم ان الشرق الادنى (اقليم الامة السورية/الاجتماعي) وهو مجموع ثقافي غير متجانس بل احياناً متصادم نعم (( انه شتات من العمران ومن الاجتماع ومن الثقافات )) لا مجتمع واحد موحد بل ان فاعلية الفكر فيه هي التي تفرض نفسها على الاخر وتمتلك افاقاً عالمية لابكثرة المجموع التي تخاطبها )) بل بنوعها.
و- ويحذر سعاده -المتفلسفين- من ظاهرة الاساءة للامة وقرع ظهرها بالسياط (جلد الذات القومي) فمثل هذه الممارسة لا تحقق النهضة انما بأرشادهـا الى الادراك العالي ارتقاء من الادراك العادي الذي انتهت اليه بسبب ظروف الانقطاع والانحطاط الحضاري منذ سقوط دولة العباسيين في بغداد عام 1258م.
ز- صحيح ان سعاده: اعلن قيام الدولة القومية المصغرة ممثلة بالحزب السوري القومي الاجتماعي. او قل امة مصغرة منصهرة مع ذاتها لكن معظـم مكونات فكر سعاده اللاحق كانت تدور حول البعد العالمي للفلسفة القومية السورية الاجتماعية (نقداً ، وعقلنة) (( فالوجود السوري في العالم ليس من الاشياء التي يمكن الاستغناء عنها بل هو كائن لازم وضروري للحضارة والثقافة وترقية النوع البشري )).
ح- لقد استقرأ سعاده خارطة الفكر الفلسفي الغربي الكبرى بحكم معرفته للغاتها (ماركسية/فاشية/ذرائعية) وانتهى منها الى بيان فشلها أي فشل الحلول الغربية في الاجابة على المسألة الاجتماعية وهي حقيقة وقفت عندها مدرسة فرانكفورت ملياً وكانت مبرراً للحديث عن طريق ثالث بعد تلاشي الجواب النازي واستقطاب الغرب بين شرق ماركسي وغرب براغماتي لذلك حث سعاده على دور تاريخي للامة المستكينة شرقي المتوسط لكنها تحمل اسرار التاريخ العجائبي لامم الارض وعقائدها.
ط- يخلص سعاده ومعه حمية الى تأكيد دور الفيلسوف لامتنا في الكشف عن خط الارتقاء الاجتماعي نحو نور الحقيقة والجمال والعدل تلك المرامي السامية التي لا تشتاق اليها الا النفوس النبيلة )).
3- علي حسين الجابري، ووعي حركة التاريخ عند سعاده:
درس كاتب هذه السطور حركة التاريخ العربي في اطار من (مثالية سعاده الاقليمية) بنوع من الايجاز تاركاً الاسهاب الى حيث موضعه في موسوعة فلسفة الحضارة العربية (عشرة اجزاء/مخطوطة):
أ- تحدث سعاده عن (الامة السورية) في اطار نشوئي/ جغرافي اقليمي جاعلاً (الاجتماع العمراني)-بالمفهوم الخلدوني صنعة يتمحور حولها النشاط البشري (الاجتماعي) الراقي بفعل عاملي (الاقتصاد والاجتماع) والثقافات تعكس مقدار تفاعل الانسان مع الطبيعة (الجغرافية) في سياق تطور محكوم بدوافع الحاجة فالارض تقدم الممكن للانسان لذلك فهي (الجهة الايجابية من التاريخ).
ب- اما حقيقة التاريخ فهو (( عنده سجل مجرى حياة الامة )) السورية وخطورته هي في نسيانه بفعل عوامل قاهرة.
ج- اما الامة في اطار من القواعد الجغرافية التاريخية والنفسية فهي (( وحدة ارضية معينة تتفاعل فيها الجماعة وتتجدد لتبدع حضارة وتصنع تاريخاً على اساس جدل (الانسان المبدع والارض المعطاء) والتوحد الاجتماعي حتى ربط بين (القيم والاديان والثقافات والتقاليد) التي تتبلور في معمل الحياة الفاعلة للامم الحية وبهذه الجدلية التاريخية.
د- اما الدولة؟ فتشكل هيكلها الصناعي على اسس اجتماعية بهدف العناية (بسياسة المجتمع) لتكون بحق (دولة تاريخية) راقية تكشف عن مستوى رقي الامة وتطـورها التاريخي بفضل الخصائـص القومية للمجتمـع وبوصفها -محركة- الدولة والتاريخ ومدفوعة بعبقرية (البطل التاريخي) الدافعة الى امام.
هـ- لقد انطوى تفسير سعاده (المثالي/الاجتماعي/الاقليمي) -على بعض العيوب في المنطلق الفلسفي والمنهج العلمي يتعارض مع مفهوم (الامة=القومية) العربية وعمقها الحضاري وتجربتها المعاصرة -واقتصار الامة السورية- على المشرق العربي الاسيوي مما يضفي على اراء سعاده نوع من الاحكام المغتربة التي شكلت الاطار الحركي للحزب القومي السوري الاجتماعي الذي تعرض لمواقف سياسية قاسية فيما بعد من اطراف قومية حركية من غير ان يدرك الجميع ان تداعي الاحداث في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين اكد واقعية المشروع الاجتماعي لسعاده في ضوء منطق الصراع، والعولمة، والتحديات الاقليمية الخطيرة .
خامساً: حقيقة المقاربة بين فكر سعاده ومدرسة فرانكفورت.
1- حقيقة المقاربة :
وجدنا في الصفحات السابقة كيف احتلت قضايا [ الانسان ، والعقل ، والحرية ، والابداع ، والعدالة ، والفن ] محطات مقاربة بين كل من انطون سعاده [1904-1949] ومدرسة فرانكفورت [ هوركهايمر ، أدورنو ، ماركوز ، هبرماس ] كان القاسم الاعظم المشترك فيه هو [ البعد الاجتماعي ] للفكر الفلسفي عند (المدرستين) الاجتماعية القومية السورية/والفرانكفورتية والنزعة النقدية والبعد التحرري للفن اما محاورها الكبرى فتدور حول :
ب- التوجه الى الانسان ، وهمومه ومشكلاته في بعديه (الفرد الانساني) و (الفرد-الاجتماعي).
ج- اكتشاف الفجوة الكبيرة بين المؤسسات والوسائل التي أريد لها ان تكون لصالح الانسان مثل (العقل ، والعلم ، والسلطة ، والمؤسسات المدنية وصولاً الى الطبيعة وخيراتها) .
د- المؤسسات التي تتجلى فيها (العلاقة الجدلية) بين الانسان – الجماعة ، وهذه المؤسسات هي (العدالة ، والحرية ، والمساواة) اما ثمار هذه الوسائل فهو الابداع والغنى الروحي والمعنوي والانساني عن طريق (الفن) بهدف تأكيد قيم الحق والخير والجمال والسعادة حتى عد سعاده الفن تعبير عن وعي المجتمع وعظمة المبدع.
هـ- أخطر ما هدد الانسان – والجماعة هو تسخير (العقل الاداتي) و(العلم الوضعي) والسلطة (المستبدة) والمؤسسات المدنية (مجالس – انتخابات – نقابات – أعلام) بالضد من ارادة الانسان لذلك عانت البشرية (هناك) من سطوة/وتسلط ، واسطرة (العقل – العلم – الدولة – المؤسسة)
حتى تحول الانسان الاوربي الى ( شيء) معروض للبيع والشراء خارج المناخ الانساني الذي يحقق انسانيته وابداعه وحريته وسعادته! ذلك هو منطق السوق/الرأسمالي أمس واليوم والمنطق المجموعي ، الاممي الذي يتخطى الخصوصيات القومية والاجتماعية والنفسية والحضارية .
و- لقد (ضاع الانسان الفرد) في اتون فرديات اقوى (مال ، جاه ، سلطة ، منصب) تحت دعاوى (الحرية – والديمقراطية – والمنافسة والمجتمع المدني).
كما ضاع (ذلك الفرد) في مجموع كلياني لم ير من (الغابة الاجتماعية) غير ظلالها وسوادها وكتلتها! بعيداً عن خصوصيات كل عنصر من عناصرها وكل مكون من مكوناتها.
من هنا جاءت ثمار نقد التجارب الشيوعية والفاشية والبراغماتية اجوبة ابداعية مشتركة تمثلت في (المجال العام) لهبرماس و(الانسان ذي البعد الواحد) لماركوز و( الفن لادورنو ) و ( نقد العقل الاداتي لهوركهايمر ) شكلت على لسان ما يعرف ( بمدرسة فرانكفورت النقدية) بمثابة صرخة في غابـة تعلن ضرورة البحث عن ( طريـق ثالث) يحرر الانسان من قيود الكليانية – الشرقية ، والليبرالية الرأسمالية! والنزعات العنصرية طريق يراهن على الجوهر الانساني للانسان وحريته وصولاً الى المجتمع المتوازن السعيد المتحد الحضاري .
ز- البحث عن البعد الاجتماعي للسلطة (الدولة) و الفكر والمال والمؤسسات! لتحقيق الموازنة بين (الفرد – الجماعة) وبين الانسان والطبيعة (الاقليم) والانسان (والدولة – المؤسسة) من اجل (الحرية – والعدالة – والسعادة) كان واحد من اهم موضوعات انطون سعاده في الحقبة الممتدة من 1922- 1949.
2- محطات المقاربة: يمكن اجمال الموقف النقدي والجانب الاجتماعي والفن كنقاط للمقاربة كذلك تتضح هذه المقاربة في المحطات الاتية :
أ- التوقيت: على الرغم من تفاوت ظروف (الاقليمين الجغرافيين) الاوربي ، والعربي (المشرقي) ظهرت الدعوات الاجتماعية عن (الفرد – الانسان ، المجتمع، والمتحد الاجتماعي ، والسياسي/الاجتماعي/ والاجتماع الاقتصادي ) في كلا المسرحين (وسط اوربا ، والمشرق العربي) في اوقات متقاربة – (سعاده 1921 وجماعة فرانكفورت في سنة 1923 .. وجماعة فينا فلا نستبعد وجود صلة (علمية) فلسفية بين سعاده و جماعة فينا بعد ان تبين لنا وجود ثلاث رسائل بينه وبين رجال المدرسة المذكورة كشفت عن.
اولاً: مراسلة سعاده لمجلة المعرفة التي يرأسها هانس راشنياخ و رودولف كارناب الصادرة عن جماعة فينا (مدرسة الوضعية المنطقية) عام 1938 في موقفها النقدي من
(1) المثالية الالمانية .
(2) التحليلية الانجليزية (رسل –فتجنشتاين .. الخ)
ثانياً: وقبلها الاتصال بمجلة الحوليات الفلسفية الصادرة عن جماعة فينا عام 1930 والتي سميت فيما بعد بمجلة (العلم الموحد) في هولندا – لاهاي وانفرط عقد الحلقة عام 1939 بعد ضم النمسا لحلف الرايخ الثالث من الحقبة النازية مع ذلك حاول البعض من رجالها اعادة تنظيم الجماعة في امريكا عام 1939 من خلال النزعة المنطقية – التجريبية اما سعاده فسجل موقفه الفلسفي في.
(ثانياً/1) نقد البرنامج الفلسفي الذي وضعه كارناب تحت عنوان (الوضعية المنطقية).
(ثانياً/2) نقد مبدأ الاثبات بأسهاب وكشف عجز الحس في بيان الحقيقة.
(ثانياً/3) قدم البديل الفلسفي الجديد ممثلاً بالمدرحية كناتج معرفي يؤكد فيه وحدة الوجود، كشف من خلالها الثغرة الموجودة في البناء المنطقي للمعرفة وعجز قانون (عدم التناقض) بعد ان اقام ذلك البناء المعرفي على مثلث الحس ,والعقل والحدس.
(ثانياً/4) قام سعاده بدمج قانوني (السببية ، والاحتمال) ليخرج منه مبدأ (الاحتمال السببي) وهو يترسم صيرورة (الفكرة ، والقاعدة ، وصولاً الى التفسير المعقول) انه (المجال المدرحي) عند سعاده الذي يقاربه (المجال العام) عند أدورنو.
ب- وجه كل من فلاسفة فرانكفورت وسعاده – نقده الفلسفي حول البعد الاجتماعي على الرغم من تفاوت المكون الاجتماعي /التاريخي/الحضاري للمشرق العربي (السوري) والمكون الاوربي. نعم وجه كل من فلاسفة فرانكفورت ، وسعاده نقده الى الاجوبة الفلسفية السائدة التي اهملت العلاقة بين النواميس العمرانية وهي تشكل الهوية (الاجتماعية/النفسية/الاجتماعية) وترتقي بالانسان الى حيث انسانيته السامية وموضوعات رجال المدرسة الاوربية تؤكد هذه الحقيقة في ضوء النصوص التي وقعت تحت ايدينا وعرضنا لها في المقاربة ومثلها الموضوعات التي تناولها سعاده في مقالاته وخطبه وشروحه للمبادئ الاساسية الواردة في كتبه نشؤ الامم ك1 (بيروت1938) والمحاضرات العشر (بيروت1948) والشروح على العقيدة لمبادئ الحزب القومي السوري الاجتماعي ومنطلقاته الاساسية حول الانسان /والمجتمع، والتاريخ ، والقانون والتفاعل الاجتماعي ضمن المسرح الجغرافي الذي تنشأ بفضله السنن الاجتماعية /الطبيعية والمكونات النفسية/العقلية/الحضارية ،والمزاج والهوية التي تقاس طردياً مع عمق التجربة الحضارية التي سبق وقدمها اقليم (سراقيا) من حيث التنظيم والنظام والعدالة والعلاقات الاجتماعية في مجتمعات البادية (الصحراء) والمدنية والواحات الحضارية الغنية التي انتجت اعظم الشرائع والاديان للبشرية (شرقاً وغرباً) وهكذا وصولاً الى السنن التاريخية /الاجتماعية التي تعاون عليها تفاعل العلاقات الاجتماعية /الطبيعية وتداخل وسائل مساعدة جعلت انسان هذا الاقليم في المقدمة.
اما اليوم وهنا تقترب نظرية سعاده من مدرسة فرانكفورت فالامة السورية تشكو (في الهلال الخصيب=على الرغم من علاقتها الاخوية مع عرب الشمال الافريقي) من ضغط الذات المرهقة بسبب سبعة قرون من الانقطاع الحضاري (بعد سقوط بغداد 1258م..).
ضغط خارجي أعجمي، مصدره ، (الجيران) من الاقربين والابعدون ومن الغربيين في مشروع استعماري/استيطاني تجزيئي وضع مقدمات تمزيق هذا الجزء من العالم العربي لهذا فلا العقل ولا العلم ولا الطبيعة الجغرافية ولا المؤسسات المدنية يسعف هذا الواقع ويعالجه. لهذا (فالانسان السوري) يعاني من صراع مع الذات ومع التخلف ومع الانقطاع ومع المعيقات الاجتماعية/الاقتصادية الثقافية السياسية والمعيقات الخارجية السياسية والاعلامية والعسكرية التي تعمل على (قهر هذا الانسان ومصادرة حريته وحرمانه من ثرواته) والحجر على قدراته العقلية وحرمانه من (مؤسساته المدنية) فهو اذاً يفتش عن الوسيلة التي يمتلك فيها شروط توحده وتحرره ونهضته والتي قادت الى غياب شروط ابداعه (الفن ودوره ،الرسم ، الموسيقى) جميع ذلك كان وراء غياب العدالة والحريـة والمساواة والشروط الانسانية للابداع. وهكذا يقترح علينا سعاده مشروعه الاجتماعي في الانقاذ للانسان الذي لايكتسب هويته الا من داخل المتحد الاجتماعي التاريخي الثقافي الجغرافي في اقليم اسمه (سراقيا) عمره الحضاري يمتد الى سبعة الاف سنة! انه مشروع مهم. يتفرع عن ذلك محنة القيم وازمة الاخلاق والروح المعنوية التي دفعت سعاده في نصوصه التي وقفنا عليها للحديث عن (الحق والخير والجمال والصواب) الذي هو مدار نضال ابناء هذه الامة التي تحرص على قيام (علاقة) مصالحة مع ذاتها الحضارية اولاً ومع ذاتها (العربية) ثانياً ومع ذاتها الطبيعية ثالثاً ومع حاضرها ومستقبلها رابعاً الذي تسعى من خلاله الى الامساك بفرصة للسعادة الانسانية في الوقت نفسه لاصلاح العلاقة مع الجيران (الاتراك ، الفرس ، الافريقيين) من الاقربين في اطار من العلاقة الاممية (الدين) وعلاقة للمصالح المتبادلة مع الدول الاوربية الحريصة على مبدأ تبادل المنافع والمصالح على الرغم من قانون الصراع والعراك الذي هو قانون الحياة عند سعاده. نعم الصراع في اوربا (عند مدرسة فرانكفورت) وهنا عند سعاده (هو قانون الحياة) الذي يوجب انتصار العقل والعدل والانسان والجمال. من هنا حاولت هناك (العقلانية النقدية الاجتماعية) ان تطل من نافذتها (الفن) نحو حرية تجدد مناخ البيت الاوربي وتحرره من العبودية والتشيء، وقامت هنا (العقلانية الاجتماعية القومية) لسعاده لتشيع في البيت السوري (الهلال الخصيب كله) حياة الابداع والتشريع العادل والمشروع الانقاذي للانسانية فمثلما كانت امبراطوريات اكد واشور وسومر وكلدان .. جاءت الامبراطورية (الاسلامية) بين دمشق وبغداد لترسم مسار العالم الاسلامي جميعه شرقاً وغرباً فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعقيدياً وفلسفياً. هذه هي الخطوط العامة للمقاربة بين مشروعين متزامنين في بيئتين مختلفتين مكاناً متفقتين في الرؤى والاهداف. وهذا ما خرجنا فيه من (تصورات) عن نسيج علاقة غير (مقصودة) بين مشروعين فكريين لانقاذ الانسان ما زالا يحتفظان بمبرراتهما التاريخية الى يوم الناس هذا ونحن في حيرة من امرنا في عصر العولمة ومنطق القوة عليه نقول ان الحلول التي قدمها فلاسفة فرانكفورت وبحثهم عن طريق ثالث مطلوبة اليوم في ظل العولمة الامريكية السوبر امبريالية لاوربا والتي زادت هماً على هم الانسان مع الحقبة الامبريالية/الرأسمالية مثلما زادت (تجزئة التجزئة) التي تعرض لها المجتمع العربي (في الاقليم السوري الطبيعي) على الاقل، ازمة على ازمتها بالدخول العسكري المباشر لاكبر دولة سوبر امبريالية (امريكا) الى العراق لتكمل حلقة الذراع الصهيوني ضد هذا الاقليم بعد ان جاء مشروع عود دينون اليوم ليكمل مشروع سايكس بيكو بالامس وجاء وعد بوش دبليو لشارون ليكمل وعد بلفور. نقول هذا مع قناعتنا بالاختلاف النوعي بين مجتمعي المدرستين ومسرحهما الطبيعي ممثلاً بـ :
1- ان الظرف التاريخي الذي يتحدث عنه سعاده غير الظرف التاريخي الاوربي فالاول يشكو استلاباً خارجياً وسطوة اجنبية افتقد معها حريته واستقلاله اما الثاني فيشكو استلاباً (فكرياً) واقتصادياً سخر فيه كل شئ من اجل حل اختناقات (الرأسمالية) وانعكاساتها (السلبية) وازماتها التي قادت الى حربين عالميتين وها هي تلوح بالثالثة ضد الارهاب غير محدودة الزمان والمكان.
2- ان الظرف الثقافي للمجتمع السوري على الرغم من عراقته الحضارية يشكو ازمة الاجوبة بين (دينية، متحجرة، او متجددة) و اجوبة (اممية ماركسية ليبرالية) مغتربة واجوبة قطرية متعلقة بالاخر محاكية له او منفعلة به او هاربة منه.
3- غياب المؤسسات الحرة التي تشعر الانسان بدورة في مسيرة الحياة مقابل وجود الاحزاب والحركات الفكرية والاجتماعية الغربية والمنظمات والنقابات والصحافة التي تدافع عن الانسان الغربي وحقوقه دفاعها على حقوق الحيوان والبيئة.
4- غياب الاجوبة الفكرية (العقلانية) وتخلف المؤسسات العلمية والاكاديمية في المجتمع (السراقي) مما ترك الانسان مشوشاً والصلة بينه وبين (النخب) ضعيفة مثلما هي علاقته بمؤسساته وسلطاته وحكومته ودولته متأزمة بسبب تبعيتها وتسلطها وهزالها.
5- انتشار الامية والجهل الاجتماعي والحضاري وتخلف مكانة المرأة ومحدودية ادوارها وغياب مؤسسات المجتمع المدني مما ترك الانسان العربي (السراقي كماً مهملاً مشتتاً تأخذ به النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية) مذاهب شتى بالضد من محتده الاجتماعي الاصيل بخلاف ما عليه من تقدم الانسان الاوربي ثقافة وعلماً ومؤسسات للرجال والنساء، للاطفال والشيوخ.
6- تخلف الادوار الاجتماعية للافراد وطغيان النزعات الانانية الفردية والمصلحية مع ان الامة لاتنهض الا بوحدة مجتمعها ووضوح الرؤية فالانسان (السوري يعيش محنة غياب التوحد) بخلاف ما عليه الحال في اوربا من (وحدة) وسيادة واستقلالية وحرية سياسية منحت الانسان الاوربي فرصة التفرع لمشكلاته السياسية والاجتماعية التي فرضتها عليه فلسفاته الكبرى وانظمتها السياسية والاقتصادية.
7- واذا كانت ازمة الانسان الاوربي كما ادركتها مدرسة فرانكفورت تتجلى في عقدة الانتقال من العقل والعقلانية (فالعقلنة) في انظمتها الفكرية والاجتماعية وفي التعامل مع العلم والعلمية وصعوبة الانتقال الى (العلمنة) في انظمتها الاقتصادية والاكاديمية فأن أزمة الانسان (السوري الاجتماعي) تتجلىفي غياب (العقل) عن قرارات مؤسساتنا السياسية والثقافية والاجتماعية وتغييب العلم عن مشروعاتنا الحالية والمستقبلية وفي حياتنا العلمية والعملية والانتاجية فكيف السبيل الى (الخطط العقلانية) وتوفير فرصة لتطبيقها عملياً عبر (العقلنة) ليأتي قولنا مطابقاً لافعالنا وسلوكنا و(الخطط العلمية) للبدء بمشاريع التنمية والاصلاح لننتقل بها الى (العلمنة) حين يكون العلم جزءاً من حياتنا وسلوكنا وعلاقاتنا.
8- المجتمع الاوربي ارتقى الى حقبة انتاج اسباب حياته الضرورية والكمالية لمراحل الحداثة وما بعدها اما المجتمع (السوري الاجتماعي) فيعيش حقبة استهلاكية/اقتصادية بدائية يعتمد فيها على ما ينتجه الاخر من اسباب الحياة والتقدم انه يعيش مرحلة ما قبل الحداثة.
نتائج الدراسة ومقترباتها الفكرية :
هكذا تبدو للقارئ المدقق ان (المسألة الاجتماعية) المتعلقة بالانسان هي محور هموم (سعاده) وهو يراقب (الذات الاجتماعية/القومية) في النصف الاول من القرن العشرين -شأنه شأن المفكرين العقلانيين النقديين في الغرب- وهي تعاني من استلاب وتغيب وانكسار وتآمر وتخريب لاسباب (مثولوجية وسياسية) معروفة فراح هذا المفكر (العقلاني) يجتهد في اعادة ترتيب القضية الاجتماعية بدءا من (الفرد/الانسان) فالجماعة وفكرها في مسرحها الجغرافي/التاريخي لينتظم حلوله لمشكلات (الذات/الجماعة) في اطار من النظام والمؤسسات (الدولة) والقانون (الحقوق والواجبات) والافكار (الفلسفة/الاجتماعية) واداتها الحركية (الحزب الاجتماعي) وصولاً الى المشروع (السوري الكبير) الذي يقيم صرحه الاجتماعي الجديد على اسس من الجـدل (بين الـذات والموضـوع) و (الخـاص والعـام) و(الاجتماعي والطبيعي) والقومي والانساني، والفكري والواقعي، والقومي، وتعدد الاديان.
اولاً: وبغض النظر عن طبيعة الحلول (النظرية) و(الحركية) التي قدمها سعاده فهي واحدة من المحاولات (القومية/التاريخية/الحضارية) التي اختصت (ببعض العروبة) وهي الموضوعة التي اجتهد فيها اكثر من مفكر (قومي) وهو يقترح حلولاً عقلانية (للقومية/الاجتماعية) ما دامت تحتفظ بموقعها التاريخي في خارطة الفكر القومي لم تتح له الظروف فرصة التطبيق والتحقق والاختبار لكنه الاقرب لواقع الحياة المشرقية وتعقيداتها الاقليمية في زماننا هذا بعد مائة عام من ميلاد هذا المفكر وعلى الرغم من مرور نصف قرن ونيف على مغادرة سعاده لعالمنا المادي. لايقل دوره -على الرغم من قصر عمره- عن دور (مدرسة فرانكفورت) في الفكر الاوربي في القرن العشرين ورجالها الساعين الى حل المسألة الاجتماعية الغربية ووضعها في اطارها الصحيح بعد تعثر التجارب الايديولوجية شرقاً وغرباً.
ثانياً: محاولتان تستحقان التأمل على الرغم من ضعف خيوط المقاربة الفكرية فيما بينهما في (اوربا والمشرق العربي) كما تستحقان التقدير والدراسة ولاسيما حين نتلمس توجه فكر سعاده وبدلالة دراسات فلسفية معاضدة لدراستنا هذه قدمها الدكتوران ناصيف نصار وعلي حمية شكلت مثلث (الاختبار الاجتماعي) شأن افكار هوركهايمر وادورنو وهبرماس وماركوز.. في التوجه نحو الانسان وقضايا (العدالة) و(الحرية) وقيم الحق والجمال حفاظاً على كرامته التي باتت مسحوقة تحت ضغط هراسات (الفكر الشمولي/الشوفيني/الليبرالي/البراغماتي)الغربي طوال قرن من الزمان!
ثالثاً: ثمة روح (خفي) يسري بين (الفكرين) لا يحد قنواتهما حد ولا يحول بينهما سد يترسم لنا خطوط حياة انسانية جديدة مشتركة علها تنقذ الانسان من المصير المأساوي الذي ينتظره لا في عالمنا العربي بل في قارات الدنيا الخمس!
رابعاً: انها فرصة لاعادة طرح السؤال الفلسفي/الاجتماعي بقليل من المفردات وشئ من التعصب وكثير من الشفافية علنا نصل من خلال اجابته الى (ملاذ آمن للانسان المعاصر) يحول بينه وبين اعصار التشيؤ والعولمة ومنطق القوة قوة السوق والمال والسلطة والعلم والطبيعة والدولة والمافيات الدولية العابرة للحدود والقوانين والقارات والحقوق! وكأني بروح (سعاده) من عالمها الاثيري تنادي: حذار من (عواصف العولمة، الفاقدة لمحتواها الاجتماعي) من غير ان نلغي امكانية وجود عولمات في اوربا واسيا وامريكا اللاتينية تقوم على مبدأ (اجتماعية المال) وانسانية العلاقة بين الثروة والمجتمع والطبيعة من اجل افضل العلاقات في تبادل المصالح والمنافع بعيداً عن القهر والاستلاب والاستبداد.
خامساً: المطلوب كما قال سعاده: ان نؤكد حضور منطق الحق والخير والجمال والصدق والسعادة! لاحق القوة الغاشمة وشريعة الغاب! او السلطة المستبدة او السوبر مان التقني تلك هي نتائج هذه الدراسة المتواضعة في الذكرى المئوية للمفكر انطون سعاده.
الهوامش:
1- انطلقت مع عام 1923 من جامعة فرانكفورت جماعة يقودها كارل جورنبرج داعية الى منظور (اخلاقي جمالي) اجتماعي لمشكلات الانسان كان من أبرز رجالها
1- ماكس هوركهايمر كتب عن كانط.
2- تيودور ادورنو كتب عن هوسرل.
3- ف.كونيرال كتب عن فون باور .
4- هربرت ماركوز كتب عن انطولوجيا هيجل وفلسفة التاريخ.
5- ف.بولوك : كتب عن النقود عند ماركس وكذلك هبرماس وغيره.
اما التسمية فانتشرت حين استخدمها ادورنو ليصف جيل من الباحثين ينتمي اليه ولاسيما الذين اشتغلوا على الماركسية او نقدها قبل قيام المدرسة او معها مثل:-
أ - جورج لوكاش في كتابه التاريخ والوعي الطبقي(1923).
ب- كارل كورش في كتابه الماركسية والفلسفة 1920.
ج- والتربنيامين في كتابيه: علم الجمال والنقد الفني
والعمل الفني في عصر الاستنساخ الصناعي
[ رمضان بسطاويسي الاسس الفلسفية لنظرية ادورنو الجمالية كتاب اوراق فلسفية ع7 (ج/2) الفلسفة الالمانية القاهرة 2002 ص225-300 ]
2- اشرف حسن منصور:التأثير النيتشوي على مدرسة فرانكفورت- اوراق فلسفية (ع1) القاهرة 2000 ص67-68.
3- اشرف حسن: التأثير النيتشوي ص68-69.
4- ايضاً ص70.
5- اشرف: مصدر سابق ص70-71.
6- ايضاً ص71.
7- ايضاً ص71.
8- ايضاً ص72.
9- اشرف حسن منصور: التأثير النيتشوي ص72.
10- رمضان بسطاويسي: الاسس الفلسفية ص225.
11- ايضاً ص231.
12- بسطاويسي: مصدر سابق ص233.
13- ايضاً ص233.
14- ايضاً ص234.
15-بسطاويسي: مصدر سابق ص234-235.
16- ايضاً 236.
17- ايضاً ص236-237.
18- ايضاً ص237.
40
19- بسطاويسي: مصدر سابق ص238-239.
20- ايضاً ص239.
21- ايضاً ص240.
22- ايضاً ص241.
23- المصدر السابق ص227 وكذلك: علاء طاهر: مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر الى هبرماس ط1 منشورات مركز الانماء القومي بيروت ص32-81.
24- ايضاً ص226.
25- ايضاً ص227.
26- ايضاً ص228.
27- المصدر السابق ص244-245.
28- ايضاً ص245-247.
29- هابرماس: الحداثة وخطابها السياسي تر/جورج تامر مراجعة جورج كتورة ط1 دار النهار بيروت 2002 ص15-73 وكذلك اشرف منصور ص251 نظرية هبرماس في المجال العام (اوراق فلسفية) ع7 ج/2 ص251.
30- اشرف منصور ايضاً ص252.
31- ايضاً ص252.
32- ايضاً ص253-254.كذلك ابو النور الشريف: هبرماس الحداثة وخطابها السياسي (اوراق فلسفية) ع7 ج/2 ص265-268.
33- اشرف منصور: مصدر سابق ص257-258 وهي ذات الظواهر التي نبه على مخاطر ظهورها ماركوز عند غياب الشروط الانفة في كتابه الانسان ذو البعد الواحد تر/جورج طرابيشي دار الاداب ط3 بيروت 1988 ص25-120.
34- ايضاً ص258.
35- ايضاً ص259.
36- ايضاً ص259.
37- ايضاً ص259.
38- اشرف منصور: مصدر سابق ص260.
39- ايضاً ص261.
40- ايضاً ص262-263.
41- هبرماس.ج: الحداثة وخطابها السياسي تر/جورج تامر مراجعة جورج كتورة دار النهار ط1 بيروت 2002 ص265-268.
42- اشرف حسن منصور: ما بعد الحداثة بين ليوتارد وهابرماس كتاب (اوراق فلسفية) ع4-5 القاهرة 2001 ص29-36.
43- ماركوزة الانسان ذي البعد الواحد ص163-237.
41
44-علي حسين الجابري: العرب بين منطقي الحوار والصراع دار الشؤون الثقافية بغداد 1996 ص33-34.
45- بدأت نشاطات سعـاده مع ثلاثينات القرن العشرين ثم اخرجت في مؤلفات هكذا :
أ- جنون الخلود مقالات (1940-1942).
ب- الصراع الفكري في الادب السوري بيروت 1943.
قدم فيها نظرة الى الحياة والكون والفن.
ج- نشؤ الامم (طبعة بيروت 1971).
د- المحاضرات العشر (ط5 بيروت 1959) القيت عام 1948.
هـ- الاسلام في رسالتيه (ط2 بيروت 1958)
و- شروح العقيدة (ط بيروت 1958).
46- سعاده خطابات باكرة القاها سعاده في الاعوام:
1935و1937 يتحدث فيها عن عقيدة الحزب القومي السوري الاجتماعي بأنه يشكل (( دين جديد من الارض رافعاً النفوس بزوبعة حمراء الى السماء )) [ ناصيف نصار: طريق الاستقلال الفلسفي ط2 دار الطليعة بيروت 1979 ص6-168 ].
47- نصار؛ ناصيف: طريق الاستقلال ص80 هامش 6.
48- ساطع الحصري: العروبة بين دعاتها ومعارضيها دار العلم للملايين 1952 ص70.
49- نصار: طريق الاستقلال ص101 [ نقلاً عن زوايا: الحزب السوري القومي الاجتماعي منشورات هارفرد 1969 ] بالانجليزية.
50- مجيد خدوري: الاتجاهات السياسية في العالم العربي (الدار المتحدة للنشر) بيروت 1972 ص200.
51- يوسف اسعد داغر: مصادر الدراسة الادبية، الفكر العربي في سير اعلامه (ج/3) ق/1 - المكتبة الشرقية بيروت 1972 ص546.
52- كمال يوسف الحاج: موجز الفلسفة اللبنانية بيروت 1974 ص597و654.
53- سعيد اسماعيل علي: الفكر التربوي العربي الحديث سلسلة عالم المعرفة ع113 الكويت 1987 ص40 و46 و122 و270-271.
54- عادل ضاهر: المجتمع والانسان -دراسة في فلسفة سعاده الاجتماعية (مجلة فكر) بيروت 1980 ص183.
55- عادل ضاهر: علمانية سعاده: قراءة فلسفية بحث مقدم الى ندوة عمان في ايلول 1997 باشراف الجمعيـة الفلسفية الاردنيـة وخصصتها لمعالجة فكر سعاده :عمان 1997 ص1 وماتلاها.
56- عادل ضاهر: اولية العقل (نقد اطروحات الاسلام السياسي) دار امواج ط1 بيروت 2001 ص295-299.
57- ندوة عمان حول فكر انطون سعاده بادارة الاخ عزمي منصور ومجموعة من
42
المفكرين مساء يوم 20/7/2003 وحضرها كاتب هذه السطور مع الدكتور ماهر هناندة واسامة بركات في (منتدى ابن رشد).
58- عبد المنعم شميس: القوميون السوريون دار القاهرة للطباعة القاهرة 1958 ص9-32.
59- نعيم عطية: معالم الفكر التربوي العربي (ضمن ملف الفكر العربي في مائة سنة) بيروت 1967 ص501-503.
60- ناصيف نصار: الفلسفة في معركة الايديولوجية ط1 بيروت 1980 ص123.
61- ايضاً ص97.
62- ايضاً ص67.
63- ايضاً ص102.
64- ايضاً ص108.
65- ايضاً ص109-111.
66- ناصيف نصار: طريق الاستقلال الفلسفي ص77.
67- نصار: طريق الاستقلال الفلسفي ص78-80.
68- ايضاً ص 81-92 و101 و109 و131 وماتلاها.
69- سعاده: المحاضرات العشر ط5 بيروت 1959 ص96.
70- سعاده: نشؤ الامم ص53-55.
71- سعاده: نشؤ الامم ص54و91-92.
72- سعاده: ايضاً ص37.
73-سعاده:المحاضرات العشر ص33.
74- سعاده: ايضاً ص115.
75- سعاده: شروح العقيدة طبعة بيروت 1958 ص9.
76- عرض لهذا الامر في: نشؤ الامم ص58و92 والمقالات العشر ص103-106 وشروح في العقيدة ص158-159.
77- سعاده: المحاضرات العشر ص123.
78- سعاده: ايضاً ص143.
79- سعاده: نشؤ الامم ص13-14.
80- سعاده: المحاضرات العشرص14.
81- سعاده: شروح في العقيدة ص17.
82- سعاده: نشؤ الامم ص146.
83- نص سعاده اورده نصار في طريق الاستقلال الفلسفي ص105-106.
84- سعاده: شروح في العقيدة ص79.
85- سعاده: الصراع الفكري في الادب السوري ص66-67.
كذلك:المحاضرات العشر ص33-35.
86- سعاده: المحاضرات العشر ص7و99.
43
87- ايضاً ص83.
88- سعاده: في العقيدة ص172.
89- سعاده: الاعمال الكاملة بيروت 1960 ص22.
90- سعاده: المحاضرات العشر ص99.
91- ايضاً ص24و35.
92- سعاده: الاسلام في رسالتيه ط3 بيروت 1958 ص188.
93- سعاده: المحاضرات العشر ص30.
94- سعاده: الصراع الفكري في الادب السوري والفن (الاثار الكاملة) ج/1 بيروت 196 ص49.
95- ايضاً 1/67.
96- سعاده: شروح في العقيدة ص79-80 وص127.
97- سعاده: الاسلام في رسالتيه ص170-172.
98- سعاده: شروح في العقيدة ص172.
99- ايضاً ص170.
100- سعاده: المحاضرات العشر ص13و14و16.
101- سعاده: شروح في العقيدة ص71.
102- سعاده: نشؤ الامم ص55و68و315.
103- علي حسين الجابري: الانسان والواجب اشكالية فلسفية .دار الشؤون الثقافية سلسلة الموسوعة الصغيرة ع411 بغداد 1998 ص11-62.
104- سعاده: نشؤ الامم ص147.
105- سعاده: المحاضرات العشر ص21-22.
106- سعاده: نشؤ الامم ص137.
107- سعاده: ايضاً ص89.
108- سعاده: ايضاً ص165.
109- سعاده: نشؤ الامم ص161.
110- سعاده: الاسلام في رسالتيه ص168.
111- سعاده: نشؤ الامم ص162.
112- سعاده: المحاضرات العشر ص115-116.
113- سعاده: الاسلام في رسالتيه ص233.
114- نصار: طريق الاستقلال الفلسفي ص124.
115- سعاده: المحاضرات العشر ص23
وكذلك : الاسلام في رسالتيه ص102
وايضاً : الصراع الفكري في الادب السوري (الاثار الكاملة1/70-71)
وله :شروح في العقيدة ص132-133.
116- نصار: طريق الاستقلال الفلسفي ط2 بيروت 1979 ص195-196.
44
117- ايضاً ص198.
118- ايضاً ص199.
119- ايضاً ص202.
120- ايضاً ص204.
121- ايضاً ص206.
122- ايضاً ص209.
123- ايضاً ص216.
124- ايضاً ص217.
125- ايضاً ص218.
126- ايضاً ص219.
127- ايضاً ص217.
128- ايضاً ص219.
129- ايضاً ص220
130- ايضاً ص204.
131- علي حمية: المدرحية اتجاه جديد في الفلسفة -دراسة في فكر سعاده- مقدم في المؤتمر الفلسفي الثالث عشر للجمعية الفلسفية المصرية عام 2000 في القاهرة (ص1-18) ومنشور في ملف (كتاب) الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام (مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية الفلسفية المصرية) ط1 بيروت 2002 ص553-573.
132- ايضاً ص553و555-557 و559-560 و561-572 مشيراً الى عادل ضاهر: المجتمع والانسان -دراسة في فلسفة انطون سعاده الاجتماعية سلسلة اعلام النهضة الحديثة (مجلة فكر) بيروت 1980 ص183.
133- علي حمية: هل يصبح لنا فكر عالمي: قرأة في نص لانطون سعاده في سنة 1938 منشورة ضمن (ملف: كتابة تاريخ الفلسفة العربية المعاصرة) منشورات بيت الحكمة بغداد 2003 ص281-299.
134- ايضاً ص283.
135- ايضاً ص284.
136- ايضاً ص285 (المقال في نيسان 1938) يبدو ان مالك انقلب بعد عشر سنوات (1948) الى مخالف لاراء سعاده (ايضاً ص286).
137- علي حمية: هل يصبح لنا فكر عالمي: ص286.
138- ايضاً ص287.
139- ايضاً ص287-288.
140- ايضاً ص289.
141- ايضاً ص290.
142- ايضاً ص293.
45
143- ايضاً ص295-296.
144- ايضاً ص297.
145- علي حسين الجابري:العرب بين منطقي الحوار والصراع (ق/2) دار الشؤون الثقافية بغداد 1996 ص33-34.
146- النص من سعاده: نشؤ الامم ك1 ط2 دمشق 1951 ص155و160و180.
147- سعاده: نشؤ الامم ك1 حيث درس السلالات البشرية ونشوئها والاجتماع البشري ونشؤ الجماعات ص46و64-67 كما تناول نشؤ الدولة وتطورها في الفصول (6و7و8).
148- درس سعاده اثر الجغرافيا على الامم وتاريخها في نشؤ الامم 1/19-24و39-44.
149- سعاده: نشؤ الامم 1/19-24 راجع عن ذلك:
روز، استيفن واخرون: علم الاحياء الايديولوجية والطبيعة البشرية تر/ مصطفى ابراهيم فهمي مراجعة /محمد عصفور سلسلة عالم المعرفة 48 الكويت 1990 ص23-29.
150- سعاده: نشؤ الامم 1/72-73.
151- ايضاً ص1/113.
152- ايضاً ص1/176.
153- اضاً ص1/166-167.
154- ايضاً ص1/172-175.
155- ايضاً ص1/89و97-107.
156- ايضاً ص1/105-138.
157- ايضاً ص1/131-145.
158- الجابري: العرب بين منطقي الحوار والصراع ص34.
159- راجعها لدى سعاده في نشؤ الامم 1/134و135و136و142و168و172.
160- عبد المنعم شميس: القوميون السوريون (دار القاهرة للطباعة) القاهرة 1958 ص9-32 يقارن مع نصار: طريق الاستقلال الفلسفي 77-135.
161- عزمي منصور: واقعية فكر سعاده الاجتماعي موضوع ندوة عمان في 20 تموز 2003 وكان كاتب هذه السطور حاضراً فيها مع الدكتور ماهر هناندة والباحث اسامة بركات .
162- سعاده: الدليل الى العقيدة السورية ط2 بيروت 1993 ص247-248 وص261 ، وكذلك: سعاده: مختارات السياسة الدولية (1921-1949) دار فكر للابحاث والنشر بيروت 1992 ص19-26 وص261 ، وسعاده: الاثار الكاملة ج/3 ص320-321.
163- سعاده: نشؤ الامم ك1ج/5 ص51-55 و163 .
164- سعاده: الدليل الى العقيدة السورية ط2 بيروت 1993 ص154.
165- سعاده: نشؤ الامم ط1 بيروت 1951 ص180 ويراجع ايضاً طبعة دار طلاس ، دمشق ب ت ص54.
166- سعاده: نشؤ الامم ك1ج/5 ص70-72.
167- سعاده: الدليل الى العقيدة السورية ص255-257 و259 و261 وكذلك سعاده: نشؤ الامم الاثار الكاملة بيروت 1938 ص5 وص89 و96 100 و104.
168- سعاده: نشؤ الامم ج/5 ك1 ص137 و164 وكذلك: سعاده: الدليل ط2 بيروت ص262-266.
169- يوسف مروه: انطون سعاده والفلسفة الغربية المعاصرة مقاربة مع مدرسة فينا مقدمة الى ندوة سعاده العالمية الاولى باشراف مؤسسة سعاده الثقافية –بيروت 9تموز 2004 يراجع عنها (مجلة رؤى ثقافية ع6 دمشق / تموز 2004 ص25).
170- سعاده: نشؤ الامم ج/5 ص74-75 و136-137. وكذلك سعاده: الدليل: ص44 و47-61 و262-266.
171- سعاده: نشؤ الامم –الاثار الكاملة ص5-7 وص105-135.
172- سعاده: الدليل ط2 بيروت 1993 ص237-241 و243-246 كما اجملها احمد السيد الحلبي في بحثه الموسوم: العلاقة بين الفن والحرية والابداع عند سعاده – مجلة البناء ع1061 بيروت (اذار2004) ص130-131.
173- سعاده: الدليل ص253-254 و262-266 وكذلك: سعاده: نشؤ الامم طبعة بيروت 1951 ص136 و177 و253 وطبعة دار طلاس ص25-54 و94.
174- سعاده: الاثار الكاملة ج/3 طبعة بيروت 1938 ص20-21 و80 وكذلك:سعاده: الدليل ص254 وايضاً: سعاده: مراحل المسألة الفلسطينية/ مطبعة الركن للطباعة والنشر بيروت 1997 ص213-215.
175- سجل سعاده نقده المبكر للسلوك السياسي الامريكي المضاد للحق العربي ، وغيره: يراجع سعاده المختارات في السياسة الدولية ط1 بيروت 1992 ص19-26.7