الهيمنة الغربية على الهلال الخصيب

 

كفروني، يوسف

 

 

                                                                    

الهلال الخصيب مصطلح أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد ( 1900) على حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام.

 

الفرات ودجلة ينبعان من جبال طوروس التي تشكل الحدود الطبيعية بين تركيا والهلال الخصيب.

 

الدول التي تشكل حاليا ما يعرف بالهلال الخصيب هي فلسطين-لبنان -الأردن سوريا-العراق-الكويت.

 

مصر تتبع جغرافيا وادي النيل ومن الخطأ تصنيفها ضمن الهلال الخصيب

 

هذه المنطقة هي عقدة الوصل بين القارات الثلاث-العالم القديم: آسيا، أوروبا، أفريقيا

 

وشكّلت عبر التاريخ منطقة جيو استرتيجية في غاية الأهمية.

 

-الثورة الزراعية الأولى: المحراث –الدولاب- التدجين- الهندسة والحساب...

 

–نشوء العمران المديني ونشوء الدول والامبراطوريات.

 

كثافة العمران المديني وتواصله ضمن الهلال الخصيب، لا وجود لقرى أو أرياف بعيدة ومنعزلة عن التأثير المديني.

 

صموئيل كرايمر الباحث في السومريات يسجل أكثر من 25ظاهرة حضارية بدأت في سومر.

 

-الملاحم القديمة –جلقامش-إينوما إيليش...

 

-الفكر الديني المنفتح –الى المسيحية ونشر الاسلام ومركز أهم امبراطوريتين اسلاميتين الأموية والعباسية-دمشق-بغداد.

 

-التشريع مع أورنامو ولبت عشتار وقوانين حمورابي الشهيرة –الى القانونيين الكبار الذين أسهموا في قسم كبير من القوانين الرومانية-الى مدرسة بيروت الحقوقية التي دمرت سنة555.

 

-الأبجديات المسمارية والأبجدية الكنعانية (الفينيقية) التي انتقلت الى العديد من اللغات في العالم.(الثورة الأولى في الاتصال)

 

- سرجون الأكادي وحّد هذه المنطقة في الألف الثالث ق.م.

 

تعاقبت الامبراطوريات البابلية و الأشورية والكلدانية.

 

مع الامبراطورية الأشورية سادت اللغة الأرامية في كل منطقة الهلال الخصيب. وأصبحت هذه اللغة لغة المراسلات الدولية، ومن الاسم الأشوري أصبحت منطقة الهلال الخصيب معروفة باسم سوريا.

 

بعد الكلدان خضعت المنطقة للنفوذ الفارسي ثم اليوناني ثم حكمت الأسرة السلوقية ذات الأصل اليوناني سورية وجعلت عاصمتها انطاكية. ثم جاء الاحتلال الروماني والبيزنطي الذي دام حتى الفتح العربي.

 

قبل الفتح العربي توحّدت المنطقة في ظل الثقافة الآرامية-السريانية والمسيحية.

 

كل الطوائف المسيحية في الهلال الخصيب هي ذات جذور آرامية سريانية.

 

بعد الفتح العربي سادت اللغة العربية شقيقة الآرامية-السريانية وتحولت غالبية السكان مع مرور الوقت الى الاسلام، وأصبحت معظم الجماعات منتمية الى الثقافة العربية الاسلامية بما في ذلك الطوائف المسيحية. وأصبحت التسمية العربية التي تغطي منطقة الهلال الخصيب هي العراق وبلاد الشام.

 

حين نتكلم اليوم عن المذاهب والاتنيات في هذه المنطقة غالبا ما يجري تضخيم الفروقات.

 

معظم السكان ينتمون الى الثقافة العربية، الذين ينتمون الى اتنيات محافظة على عصبيتها ولغتها، كالأكراد مثلا هم أقل من 10%.

 

الاسلام هو دين الغالبية الساحقة من السكان ويشكل المذهب السني الأغلبية المطلقة من مجمل السكان، يليه المذهب الشيعي، ثم تأتي مذاهب الأقليات الاسلامية كالعلويين والدروز والاسماعيليين.

 

ظلت المنطقة تابعة للامبراطوريات الاسلامية المتعاقبة التي كان آخرها الامبراطورية العثمانية والتي بدأت تظهر فيها علامات الضعف والانحلال منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى انتهت على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية الأولى

 

بدأ التدخل الأجنبي الأوروبي في شؤون الدولة العثمانية بعد انهزام جيشها أمام جيوش محمد علي والي مصر وابنه ابراهيم باشا الذي احتل معظم بلاد الشام، حيث كان لتدخل هذه الدول الدور الأساسي في هزيمة ابراهيم باشا وسحب جيوشه من بلاد الشام.

 

إذا كانت بذور الفتنة السنية الشيعية تعود للعصر العباسي في عهد الأمين والمأمون، فإن الفتنة الطائفية في لبنان المارونية-الدرزية تعود جذورها الى عهد ابراهيم باشا الذي استخدم الموارنة لمحاربة الدروز الذين ثاروا عليه عند احتلاله بلاد الشام.

 

ومنذ ذلك الحين أخذ التدخّل الأجنبي يستند على عصبيات الطوائف ويغذّيها. فرنسا مسؤولة عن حماية الموارنة والكاثوليك، روسيا مسؤولة عن حماية الأرثوذكس، وانكلترا مسؤولة عن حماية الدروز.

 

أثناء الحرب العالمية الأولى حصل اتفاق سايكس-بيكو سنة 1916 بين فرنسا وبريطانيا الذي أدّى الى تقسيم المنطقة بين الدولتين الكبريين.

 

 

سنة 1917 وعد بلفور لإعطاء فلسطين وطنا لليهود، وعمل البريطانيون كل مايلزم لتنفيذ هذا الوعد الذي أدّى الى طرد الشعب الفلسطيني الى البلدان المجاورة وخلق الدولة الصهيونية التي هي امتداد للهيمنة الغربية وقد عاشت منذ نشأتها على الحروب، وشكّلت ولا تزال تشكّل أكبر عامل تهديد للمنطقة. حروب:1956 -1967-1973-1978-1982-1994-1996-2006 وهي في بنيتها وايديولوجيتها تجعل من المستحيل اقامة سلام مع الآخرين.

 

 

سنة 1920 تم انشاء الكيان اللبناني الذي بنيت دولته على أساس النظام الطائفي.

 

وقد تعرض هذا الكيان الى صراعات داخلية مدمرة كادت تودي به، ولا يزال وضعه مهدّدا.

 

أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا تخلّت فرنسا لصالح تركيا أولا عن لواء كيكيكية 1922ثم عن لواء الاسكندرون 1936فأصبحت انطاكية العاصمة السورية القديمة تابعة لتركيا، كما أصبحت جبال طوروس ومعها منابع دجلة والفرات ضمن السيطرة التركية.

 

-الاحتلال الأميركي للعراق بعد محاصرته وتجويعه وموت أكثر من مليون طفل خلال الحصار ثم تقسيمه وتفتيته.

 

مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية لا تحل بمفاهيم الدولة الدينية ولا بإقامة الدولة على أساس النظام الطائفي، إنها تحل بتعميم الثقافة المدنية العلمانية، ثقافة المواطنة وفصل الدين عن الدولة وتطبيق المساواة والحريات الدينية والمدنية لجميع المواطنين دون تمييز.

 

المسألة اليهودية نشأت في أوروبا، معالجتها بإقامة الدولة اليهودية من خلال الاغتصاب وطرد الشعب الأصلي، لم يحل المسألة في الواقع بل زادها تعقيدا، وخلق مشاكل يزداد تفاعلها باستمرار مما يهدّد أمن واستقرار المنطقة لا بل أمن واستقرار العالم.

 

ومعالجة مشكلة الأقليات الدينية أو الاتنية قي الهلال الخصيب من خلال خلال خلق دول طائفية ومذهبية أو اتنية ليس حلا وانما هو خلق مزيد من المشاكل والتعقيدات الآن وفي المستقبل.

 

إذا كانت الاستراتيجية الغربية لمنطقة الهلال الخصيب هي منع قيام دولة قوية تأمينا لمصالحها النفطية وغير النفطية وضمان أمن الكيان الصهيوني في المنطقة من خلال العمل على تقسيمها وتفتيتها، فإن الدول الضعيفة أظهرت أنها مصدر لعدم الاستقرار، وتخلق مشاكل أكبر أهمها التطرف والارهاب الذي تتجاوز نتائجه حدود المنطقة.

 

قد لا يكون من الممكن ولا من المطلوب حاليا الغاء الدول القائمة واقامة دولة مركزية. ولكن لابد من حد أدنى من أشكال الانفتاح والتعاون والاتحاد فيما بين هذه الدول.

                                    

 

 

 

 

التاريخ: 2021-05-29