تحتفي الشعوب بقادتها السياسيين أو العسكريين أو العقليين، من دون أن يعني ذلك إنكار القادة الأبطال في البلدان الأخرى ، بل من دون أن يعني طمس إنجازاتهم أو تخْييس إضافاتهم وخبراتهم ومآثرهم . لكنّ اليُتْم الذي أبْدته فئات لبنانية مُتفرنِسَة بعد غياب عُمدة باريس أولاً ورئيس فرنسا ثانياً ، هو يُتْم غير مشروع سوى عند الذين نسَوْا انتماءهم وشعبهم ووطنهم من أجل بيع أغلى ما لديهم لنُصرة أجنبيٍّ على وطنيّ، ولضرب معيار المصالح الوطنية العليا من أجل رهان سياسي خاسر ، ظنّوه رابحاً فإذا هو خسْرانٌ مُبِين.
ما من ريب في أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك كان شخصية عالمية . لكنْ كيف يُوالي مسؤولون ومواطنون لبنانيون شخصيةً تخلّتْ عن مبادئها الديغولية التي بموجب رفْع شعاراتها إنْ لم نَقُلِ الإلتزام بها وصلتْ إلى الإليزيه ، وكان لها أن تجعل من فرنسا الأوروبية شريكاً فاعلاً في بعض القرارات الدولية والمحطات المفصلية ؟ بل كيف لشرائح سياسية لبنانية أن تُوالي مسؤولاً فرنسياً سابقاً كانت له يدٌ طولى في استصدار قرار مجلس الأمن الدولي 1559 ، وبالتالي في الإنقلاب على اتفاق الطائف عبْر الدعوة إلى سحب سلاح المقاومة الإستراتيجي الرادع ؟
ألا يدرك هؤلاء أن لذلك القرار الدوليّ السياسيّ تداعياتٍ خطيرة على لبنان الذي "يحبونه" هم وشيراكُهُم ؟ وهو "حُب" أسهمَ في الحرب "الإسرائيلية" التدميرية على لبنان سنة 2006، كما أسهمَ في التأسيس للحرب التآمرية الإجرامية على سورية منذ ما قبل اندلاعها عام 2011 ؟ أم أنهم يدركون تماماً ما أدى إليه ذلك وهذا بالضبط ما كانوا يريدون ؟
نقول ذلك بعد أن مرّتْ منذ أيام الذكرى العزيزة لعملية "الويمبي" الإستثنائية التي قام بها المقاوِم القومي الإجتماعي الشهيد البطل خالد علوان عام 1982 في بيروت ،المحتلّ رأسُها وقلبها وأطرافُها يومئذٍ ، من دون أن يشعر أيتامُ شيراك بالحاجة إلى الإحتفاء بالعملية البطولية التي شرّفتْ لبنان والأمة كلها ، كما شعروا "بالحاجة" إلى الإحتفاء بمن أذلّهُم في مواقفه من لبنان وسورية ، وحتى من العراق يوم زَعَمَ الوقوف ضد الإجتياح الأميركي، المفتقر إلى ما يُسمى موافقة المجتمع الدولي لكنه عاد فاصطفّ مع قوى العدوان على أرض الرافدين ، لأن الصفقة الإقتصادية ذات العنوان السياسي والعسكري قضتْ بأن يكون لوريث بيكو الفرنسي بعضٌ من ثروات العراق المنهوبة وبعضٌ من فُتات الدور الإستعماري المتداعي في العالَم.
نقول بوضوح : لولا الإحياء السنويّ المهيب الذي ينظمه الحزب السوري القومي الإجتماعي في شارع الحمراء حيث جرتِ العملية النوعية ضد ضباط الإحتلال وجنوده، ولولا أقلامٌ نبيلة ووسائلُ موضوعية في الإعلامٍ المقاوِم ، لِمَرّتِ الذكرى المُشَرّفة وكأن وفاة جاك شيراك أعزُّ على نفوسٍ مريضة من استشهاد خالد علوان الذي لم يتمكن العدوّ منه بل عملاؤه الداخليون بعدئذٍ . لذلك نقول لأصحاب تلك النفوس المهترئة : هنيئاً لكم نماذج أوهامكم وأبطالُ أمراضكم ... أما نحن فإن بطل "الويمبي" وجميع الأبطال المقاوِمين للإحتلال "الإسرائيلي" هُمْ أبطالنا حقِنا في وجه باطِلِكُمْ، ونماذجُ عزّنا في وجه خنوعكم. ولكنْ يا خجل أين حُمرتُك؟
ا