1- كلمة ترحيب لرئيس المؤسسة الأستاذ سمير ريس
2- محاضرة للدكتور عاطف قبرصي حول "المطامع الأجنبية – النفط سلاح انترنسيوني"
3- غداء في فندق ضهور الشوير
4- توقيع كتاب "أمل لا يغيب" للدكتور سامي الخوري
5- التداول في شؤون تهم المؤسسة في نشاطات وخطط ومشاريع مستقبلية
6- زيارة النصب التذكاري
7- حفلة موسيقية غنائية تحية الى زكي ناصيف قدمها الأستاذ أندره الحاج مع "فرقة أماكن" في باحة النصب
8- أمسية شعرية مع الشاعر غسان مطر في باحة النصب
9- العشاء السنوي الرئيسي واختتام اللقاء
تحييكم مؤسسة سعاد للثقافة وتشكر لكم مساركتكم في اللقاء السنوي الأول مع سعاده.
هذا اللقاء أردناه لقاءً تأسيسياً يتكرر كل سنة مع سعاده الفكر العلمي النهضوي العلماني، يحضر إليه الذين إعتنقوا فكره ونهجه المنطقي في البحث عن الحقيقة والتوصل اليها، والتزموا إسلوباً علمياً موضوعياً هادفا لنشر هذة الحقائق بين افراد مجتمعنا.
أن غاية نشاط مؤسسة سعاده للثقافة هي الإسهام في ترسيخ هذه القيم والمفاهيم بوسائل يرقى تنفيذها الى مستوى الغاية التي من أجلها وضعت. هذا النشاط يشترك فيه جميع أعضاء فريق العمل تخطيطاً وتنفيذاً بكل مسؤولية، وبكامل الحقوق والواجبات لكل عضو دون وصاية بل مساءلة عن النهج والنتائج.
ومؤسسة سعاده للثقافة لا تزعم انها بديل عن أحد ولا رديف لأحد بل انها تتمتع بإستقلالية تامة وتسعى الى هدف واحد سام هو التعريف بفكر ونهج باعث النهضة القومية الاجتماعية، سعاده.
وليصبح فكر سعاده مرجعاً لكل باحث، قامت المؤسسة بتوثيق، طبع ونشر الأعمال الكاملة. كما نظمت مؤتمراً اكاديمياً في اليونسكو بمناسبة مئوية سعاده تحت عنوان "راهنية الدولة القومية". ونشرت وقائع وأبحاث هذا المؤتمر في مجلد صدر عن المؤسسة. وكذلك نظمت سلسلة محاضرات وندوات تناولت قضايا وطنية واجتماعية وثقافية وعلمية نشرتها في مجلد واحد بعنوان "محاضرات مؤسسة سعاده للثقافة". كذلك أنشأت موقعاً الكترونياً saadehcf.org.
بين المشاريع المستقبلية للمؤسسة إعادة طبع الكتاب القيّم " في الموسيقى السورية" للباحث الراحل الدكتور حسني حداد وتطوير الموقع الإلكتروني.
وبعد، إننا ومن خلال هذا اللقاء نتطلع ونسعى الى مساهمتكم الفعاّلة بالنهوض بأهداف مؤسسة سعاده، إذا توفرت لديكم القناعة التامة بغايتها ونهجها. إننا ندرك تماماً الأعباء الحياتية الواجب على كل منا الإضطلاع بها ضمن وحدته الإجتماعية، إلا أن مسؤوليتنا في إزالة آفات مجتمعنا هي أيضا واجب على كل منا تجاه الأجيال القادمة، أولادك وأولادي وأولاده. لا يتم هذا بالتمني ولا بالخطب العاطفية، بل بعمل هادف تنتظم فيه مساهمة كل منا مهما كان نوعُها وحجمها.
اللقاء السنوي القادم يبدأ التحضير له عند إنتهاء هذا اللقاء على أن يشمل ابحاثاً ودراسات وورش عمل تخرج بتوصيات ومشاريع تساهم في بناء مجتمع يرقى الى بعض طموحات باعث نهضتنا.
ان مؤسسة سعاده للثقافة التي لا يغيب عن ناظريها إتجاه البوصلة، تدعوكم ألا تتخلوا عن الصراع، صراع الأحرارالمؤمنين بفكر سعاده ونهجه، فهو الكفيل بنهوض وطننا من عصر الإنحطاط الذي نعيش.
تميز الزعيم المعلم بقدرة هائلة على التحليل العميق وقدرة أعظم على استشراف واستقراء المستقبل وفهم عميق للعلاقات التي تربط المتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية ضمن الأطر الإستراتيجية. وتجلّت هذه الموهبة في تقييم واستشراف فداحة مسألة فلسطين وفي تحديد أهمية النفط العربي في المعترك الدولي. وهذه المحاضرة كتبت من وحيه.
هناك سؤال بديهي يردده كل عربي، لماذا لم يتمكن العرب من استغلال ثروتهم النفطيه الهائلة وعائداتها المتراكمة في تثبيت الحقوق العربية وإقناع الدول المستوردة والمستفيدة من هذا النفط ومن عائداته على تغيير مواقفها السياسية المتجاهلة للحق العربي في فلسطين والمؤيدة لأعداء العرب بدون حساب .
إن ضعف العلاقة بين الثروة العربية والنفوذ العربي يناقض بشكل واضح العلاقة السببية والتاريخية القائمه بين الثروة والسلطة وبين الثروة والنفوذ السياسي .
وفي هذا الإطار تنسحب جملة من الأسئلة حول إمكانية إعادة اللحمة والعلاقة بين الثروة الناضبة وبين الإستفادة منها، في هذا الحيز من الزمن قبل نضوبها، في إحقاق الحقوق العربية وفك قيود الإحتلال عن رقاب العرب والإستفادة القصوى من هذه الثروة في جميع المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية.
لا شك إن العلاقة السببية بين الثروة والنفوذ السياسي والإستراتيجي يمكن إعادة تشكيلها إذا تمكن العرب من إقناع المستوردين للنفط العربي، والمصدّرين للأسواق العربية ومودعي العائدات النفطية والمستفيدين من المساعدات العربية أن مصالحهم الإقتصادية تتوقف على مدى تفهمهم للمواقف السياسية العربية ومؤازرتهم لها، أو على الأقل عدم التنكر لها .
إن العلاقة بين الإقتصاد والسياسة هي علاقة أصيلة يرفض العرب بقائها رهناً للآخرين يوظفونها في خدمة مصالحهم ويعطّلون على العرب فرص الإستفادة منها.
ويتأتى عن هذا القرار الإستراتيجي بإعادة اللحمة بين الثروة والنفوذ السياسي وبين الإقتصاد والسياسة عدد من الإجراءات والتداعيات يمكن تلخيصها تحت العناوين التالية :
أولاً : هل تتوفر لدى العرب الإرادة والقدرة على مكافأة الدول المؤازرة ومعاقبة الدول المعادية؟
ثانيا : هل تكسب الدول المؤازرة للعرب من دعمها لهم أكثر من مناهضتها لقضاياهم؟
ثالثا: هل تبقى الأكلاف الإقتصادية والسياسية لهذا القرار الإستراتيجي بمكافأة المؤازرين ومعاقبة المناهضين) أقل من الأرباح المتوقعه من المؤازرة ؟
رابعاً: هل بإمكان العرب أن يرفعوا أكلاف عداء الآخرين لهم عن أرباحهم من عدائهم ؟
خامساً: هل بالإمكان الوصول إلى وفاق دولي بحيث يحقق العرب مبادلة التأييد السياسي لهم بمنافع إقتصادية لشركائهم دون إستفزاز الآخرين للجوء إلى القوة العسكرية ؟
سادساً : هل هناك ماكينزمات يمكن إستعمالها للتأكد من أن المستفيدين الإقتصاديين من العرب يقدمون العون والمؤازرة المطلوبة منهم؟
سابعاً: ما هي الأدوات الإقتصادية الأكثر فعالية في تحفيز الآخرين على دعم العرب والوفاء بالتزاماتهم تجاههم؟
ثامناً: هل هناك مصالح مميزة بإمكان العرب إستغلالها للوصول إلى أهدافهم دون استدراج الآخرين إلى ردود عنيفة ضدهم؟
إن الأجوبة على هذه الأسئلة تحدد مدى قدرة العرب على إستعمال ثروتهم الطبيعية والمالية وأسواقهم الغنية ومواقعهم الجغرافية المميزة، كما أنها تحدد طبيعة ردود الفعل من الآخرين على إستعمالهم هذه القدرات في المعترك الدولي .
هنالك قاعده أساسية حاكمة هن ، فالبقدر الذي يحّدد العرب إستعدادهم لإستعمال قدراتهم الإقتصادية والجغرافية والإنسانية بوضوح معلن وبالقدر الذي يلجأ به العرب فعلياً لتثبيت قدرتهم وعدم ترددهم في إستعمال قدراتهم على المكافأة والعقاب، وكلما ارتفعت قيمة المصالح وتدنت أكلاف ردود الفعل ، كلما تعاظمت قدرتهم على إستعمال ثروتهم الإقتصادية وتحويلها إلى نفوذ إستراتيجي يثبت حقوقهم ويعمق قدرتهم على التحكم بالقرار الدولي والمواقف الدولية تجاههم .
إن الإستعمال المثمر للقدرات والمعطيات الإقتصادية والإستراتيجية يخضع لشروط النظرية العامة للسلوك الإستراتيجي[1]. ولعل أهم مقومات عناصر هذه النظرية يكمن في أن الخيارات العملية لأي فريق تتوقف على خيارات الآخرين بحيث أنه لا يمكن فصلها عن بعضها البعض وأن القدرة على توظيف هذه الإمكانات يتوقف على مدى إستعداد أصحابها على إستعمالها والإستفادة من نتائجها . وإن التهديد والتلويح بإستعمال المصادر والمعطيات يجب أن يقرن بالصدقية.[2] فالتهديد بإستعمال السلاح الإقتصادي للحصول على نتائج محددة من فريق آخر يجب أن يكون صريحاً، ذا شفافية واضحة، وذا مصداقية وإلا فقد فعاليتهِ كما وأن قدرة فريق ما على التأثير على خيارات وأفعال الآخرين ترتبط ارتباطاً مباشراً بصدقية خيارات وأفعال هذا الفريق وإلتزامه الكامل بتعهداته وشروطه .
إن فعالية "السلاح" الإقتصادي في دعم القرارات والمواقف والمصالح العربية تعتمد على إرادة وقدرة العرب على إستعمال هذا السلاح في المعترك السياسي. فالقدرة بدون الإرادة كالإرادة بدون القدرة، إذ في اجتماعهما تتوفر المقدرة على حفر الوقائع الجديدة.
فيما يلي سأحاول أن أقيم فعالية السلاح الإقتصادي العربي وشروطه وسأركز على النفط كمكوّن أساسي للسلاح العربي الإقتصادي دون إغفال دور العائدات النفطية والفائض الإجمالي على موازين المدفوعات العربية وأهمية الأسواق والمساعدات العربية .
سلاح النفط في الميزان
بإمكاننا اعتبار أكتوبر 1973 محطة تاريخية فاصلة في تاريخ العرب والإقتصاد الدولي حيث تمكن العرب في هذا التاريخ، خاصة سوريا ومصر، من التنسيق العسكري واختراق حدود الإحتلال في سيناء والجولان وتزامن هذا التنسيق العسكري مع إستعمال النفط العربي في 17 أكتوبر لمعاقبة الولايات المتحدة وهولندا والبرتغال وجنوب أفريقيا (على مساندتهم المطلقة لإسرائيل في احتلالها للأراضي العربية) بوقف الصادرات النفطية العربية اليهم وخفض الإنتاج النفطي العربي الكلي حتى يتم استعادة الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة الفلسطينيين إلى بلادهم وقد واكب هذا الإنتصارالعسكري ارتفاع أسعار النفط والعائدات النفطية العربية واستعادة بعض السيطرة الوطنية على مصادر النفط وإنتاجه والقرار الوطني بشأن تصديره وتقنينه .
ففي كانون الثاني 1974 وصلت أسعار النفط إلى أربعة اضعاف ما كانت عليه قبل أكتوبر 1973 وارتفعت عائدات النفط من 23 بليون دولار إلى 220 بليون دولار خلال أعوام قليلة. وتفاءل العرب بمستقبل أفضل يمحي إخفاقهم في استعادة حقوقهم المشروعة وتشتتهم وفقرهم وفقدان السيطرة على ثرواتهم وبرز النفط لأول مرة " كسلاح" فعاّل في يد العرب يشهرونه في وجه الذين استباحوا حقوقهم وتمادوا في مساندة أعدائهم والإستهتار بمصالحهم وحقوقهم .
غير أن التفاؤل العربي تبدد بسرعة عندما أعلن العرب في آذار 1974 أن الإنجازات الكبيرة والتحول الجذري في مواقف الدول الغربية المستوردة للنفط تبرر تعليقهم للحظر النفطي وإلغاء قرار خفض الإنتاج قبل أن يحققوا أدنى مطالبهم.
ونقف اليوم أمام واقع جديد وهو ارتفاع أسعار النفط واستفحال ندرته والكشف عن كثافة اعتماد الدول الصناعية وخاصة الولايات المتحدة على استيراد النفط العربي ونسأل من جديد، إذا كان النفط بهذه القيمة والعائدات النفطية بهذا الحجم والإعتماد الدولي على مصادر طاقته بهذه الكثافة، فلماذا العرب بهذا الضعف؟ ولماذا تبقى أراضيهم تحت الإحتلال الإسرائيلي ويدخل العراق تحت الإحتلال الأمريكي؟. وما هي علاقة النفط بهذا الضعف وبهذا الإحتلال؟ هل هناك قدرة جدية اليوم على إستعمال النفط "كسلاح دفاعي" يحمي مصالحهم ويوقف هذه الهجمة الجديدة على قيمهم ومعتقداتهم في ظل الظروف الموضوعية الدولية القائمة على قاعدة القطب الأمريكي الأوحد؟ وما هي عناصر الضعف العربي وما هي علاقاتها بالنفط ؟
لقد آن الأوان إلى مراجعة هادئة إلى دور النفط العربي في التكوين الإقتصادي والإجتماعي والسياسي العربي، وإلى تقييم مرحلة إستعمال النفط كسلاح قومي في المعترك الدولي من أكتوبر 1973 إلى آذار 1974 .
تجربة إستعمال سلاح النفط 1973 - 1974
بإستثناء الفترة القصيرة بين أكتوبر 1973 وآذار 1974 عندما ربط العرب النفط بأهداف سياسية لم يسبق ذلك أي إعلان عن علاقة سياسية بالنفط أو مؤشر على إستعماله كسلاح اقتصادي. فليس هناك أي سابقة تدل على ربط أسعار النفط وكمية أو وجهة تصديره بأي هدف سياسي، بل على العكس تماما، فإن هنالك عدة مواقف وتصاريح معلنة من الكويت والسعودية عن التزامهما الفصل بين النفط والسياسة. غير ان استعما ل العرب لنفطهم في أعقاب حرب أكتوبر خلقت سابقة لا يمكن تجاهلها وضبابية إيجابية[3] حول احتمال استعمال النفط في المستقبل إذا ما دعت الحاجة إلى إستعماله، هذا وقد اشتمل الحظر النفطي على وجهتين :
الأولى: حظر معلن ضد الولايات المتحدة ،البرتغال، هولاندا، جنوب أفريقيا ، وروديسيا.
الثانية: تمثلت في خفض الإنتاج النفطي الكلي.
لقد قصر الحظر النفطي عن خفض النفط المتوفر للدول المستهدفة، فقد توقفت فعلاً الشركات الفوق قومية عن إمداد النفط العربي إلى الدول الواقعة تحت الحظر ولكنها حوّلت الإمدادات من الدول المصدرة للنفط الغير عربية لهذه الدول على حساب أوروبا وكندا. فزيادة الإنتاج النفطي خارج المنطقة العربية مضافاً إليها التحويل في وجهة الإمدادات النفطية الغير عربية وبعض التسرب في النفط العربي خاصة المنتوجات النفطية المكررة عبر شبكة الحظر العربي خفضت من آثار هذا الحظر على الدول المستهدفة لكنها لم تلغي هذه الاثار.
غير أنه كان لهذا الحظر آثاره وتداعياته. فبين أكتوبر 1973 وآذار 1974 تناقص النفط في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ وانتظمت طوابير طويلة من المواطنين الأمريكين ينتظرون دورهم لتعبئة المحروقات. ومع أن النقص في العرض من المحروقات لم يتدنى أكثر من 2.5 % من المجموع المتوفر من هذه المحروقات، غير أنها خفضت بأكثر من 11% من الطلب المتوقع. ويعزى هذا النقص إلى الإنخفاض في الإنتاج النفطي العربي أكثر منه إلى فعالية الحظر المطبق على الولايات المتحدة.
والملاحظ أن الدول العربية المصدرة للنفط أعلنت بوضوح أهدافها السياسية من الحظر وخفض الإنتاج مشيرة إلى أن هذا الخفض في الإنتاج سيكون تراكميا بمستوى 5% شهرياً إبتداءً من أكتوبر طالما إسرائيل محتلة للأراضي العربية التي استولت عليها في 5 حزيران 1967 وطالما بقيت حقوق الفلسطينين العادلة مهضومة.
لقد كانت هذه الإجراءات أول إستعمال ناجح ومميز لسلاح النفط العربي كجزء من الدبلوماسية العربية وإعلان صارخ عن ربط النفط بالأهداف السياسية العربية.[4] ولعل تقاطع العديد من الظروف والوقائع المسانةه كانت وراء نجاح الدبلوماسية العربية في إستعمال النفط وتجلّت هذه الوقائع بالنجاح العسكري الذي حققته مصر وسوريا في اختراق خط بارليف وخنادق الإسرائليين في الجولان، مع النقص في العرض النفطي عن الطلب العالمي وسيطرة الأوبك على أسعار النفط وإنتاجه في العديد من الدول المصدرة للنفط والسرعة والسرية التي تمت بها العمليات العسكرية العربية والمسانده النفطية التي أثرت بسرعة غير متوقعة على الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين واليابانيين.
كان من الطبع أن تبدي الولايات المتحدة إمتعاضها من إستعمال العرب للسلاح الإقتصادي وهو السلاح الأمريكي الأكثر ضراوة وإستعمالاً والتي طالما اعتبرت الولايات المتحدة أنه حصراً بها وليس لغيرها الحق في إستعماله. وسارعت الولايات المتحدة إلى نفي أي علاقة بين التحرك الديبلوماسي لفك الإرتباط بين الجيوش العربية والإسرائيلية، غير أن إدوارد شيهان[5] صرح أن تحرك " كسينجر المكوكي بين سوريا وإسرائيل كان الثمن الذي دفعناه في رفع الحظر النفطي".[6]
وفي 6 آذار اعترف نيكسون[7]: "إن التقدم على الجبهة الدبلوماسية، مع كونه غير مرتبط مع رفع الحظر، لكنه كان مؤثرا عليه ".[8]
ففي منتصف آذار اعتبر العرب أن تقدماً ملحوظاً قد تحقق على مفاوضات فك الإرتباط على هضبة الجولان يستحق رفع الحظر. ففي 18 آذار 1974 اجتمع وزراء النفط في منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط أوبيك[9] في فيينا وأعلنوا ببعض من التسرع أن هدفهم في ربط الحظر النفطي بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإحقاق العدالة للفلسطينيين قد تفهمته الدول المستهدفة وأن الأمريكيين قد رسموا سياسة جديدة أكثر ملائمة وتفهما للمواقف والمصالح العربية.[10]
واتخذ الوزراء المجتمعين في فيننا قرارين :
أولاً : اعتبار إيطاليا وألمانيا دولتين صديقتين للعرب واستثناءهما من الحظر.
ثانياً : رفع الحظر النفطي عن الولايات المتحدة.[11]
كذلك تقرر أن يراجع الوزراء المجتمعين التقدم والتغير في المواقف الأمريكية في اجتماع أوبك المقرر عقده في حزيران 1974 في حين سارعت مصر والسعودية إلى طمأنت الأمريكيين أن الحظر رفع ولن يعاد العمل بموجبه. *
ومع إن قرار رفع الحظر كان سريعا وقبل تحقبق الحد الأدنى من الأهداف المعلنة، لكن العرب تمكنوا من خلق سابقة جديدة وساطعة وهي أنهم قادرون على ربط النفط بالأهداف والغايات السياسية العربية. وأنهم قادرون على التخطيط لهذا الربط بشكل محكم وسري وبتفاهم أطراف عديدة وتنفيذ مخططاتهم بشكل مدروس وتراكمي حيث تمكنت دول المواجهة العربية للمرة الأولى ودول الخليج العربي على العمل المشترك وعلى نسف الهوة بينهما التي طالما راهن عليها الأمريكيون وحلفاءهم.
فالصحيح أن الحظر رفع بعد خمسة أشهر فقط من وضعه حيز التنفيذ وهذه مدة أطول مما ارادها الأمريكيون ولكنها اقصر بكثير من الحاجة المطلوبة لتحقيق الأهداف العربية. ولكنه يبقى انجازا رائعاً أن العرب لهم الإرادة والقدرة على ربط المصالح الإقتصادية بالأهداف السياسية.
وعندما نقيم هذه المرحلة ونسلّط الأضواء عليها لابد من الإعتراف ببعض الأخطاء والنواقص التالية :
أولا : إن سلاح النفط قد ألقي جانبا بسرعة فائقه وقبل تحقيق الأهداف المرجوة والمعلنة. ومع أن العرب حققوا نجاحاً واضحاً في عملهم المشترك في هذه المرحلة القصيرة لكن يبقى هناك غموض كثيف حول الإرادة السياسية الواحدة والإلتزام بإستعمال النفط والثروة العربية والقوى الإستراتيجيه العربية كسلاح سياسي دبلوماسي في المعترك الدولي.[12]
ثانيا: إن العرب أخفقوا في التمييز بين الصديق المؤازر والعدو المناهض. فخفض الإنتاج أثر على جميع المستوردين للنفط بدون استثناء وهذا يعود بالأساس إلى كون الشركات الأجنبية تحتكر توزيع النفط وعدم سيطرة العرب على وسائل النقل[13]
ثالثا : مع الأسف الشديد فقد أخلت عدد من الدول العربية المصدرة للنفط بوعودها بتخفيض الإنتاج النفطي، فالسعودية زاد إنتاجها من النفط من ديسمبر 1973 إلى آذار 1974، كما رفعت أبو ظبي إنتاجها في الربع الأول من عام 1974 وكذلك فعلت ليبيا، فقد زاد إنتاجها ابتداء من كانون الثاني 1974 إلى آذار 1974.[14]
رابعا: مارست الولايات المتحدة ضغوطا قوية على العرب محاولة صدهم عن ربط النفط بالسياسة، وقد لعب السادات دوراً سلبياً مميزاً في هذا المضمار حيث أرسل بواسطة ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة تشيرلي تنبل بلاك[15] رسالة يقول بها إنه سيرفع الحظر عن أمريكا وإنه سيفعل ذلك إكراما للرئيس نيكسون.[16] هذا وحاولت الولايات المتحدة تخويف العرب بنشرها العديد من السيناريوهات العسكرية[17] حيث برزت احتمالات ثلاث:
أ- حرب نفسية لتخويف العرب
ب- عمليات عسكرية سرية ضد القيادات العربية .
ج- احتلال منابع النفط بالإشتراك مع الإسرائيليين .
خامسا: إن ارتفاع أسعار النفط التي واكبت ربط النفط بالمصالح والأهداف السياسية ألقت ببعض الضبابية على استراتيجية ربط النفط بالأهداف السياسة ، ورفعت تساؤلات عديدة عن أهمية الأهداف الإقتصادية وتفوقها على الأهداف السياسية. فيقول دوغلاس فياس[18] إن ارتفاع أسعار النفط السريع يثبت بشكل قاطع أن الأهداف السياسية أقل أهمية من الأهداف الإقتصادية وأنها أخذت المرتبة الثانية حتى في هذه الفترة الهامة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.[19]
سادساً: إن الظروف الدولية القائمة في السبعينات والحرب الباردة ساهمت في لجم ردود الفعل الأمريكية وأعطت العرب هامشاً مهماً في عملهم السياسي وحتى الإقتصادي .
فمع النجاح المحدود للربط بين النفط والسياسة هل بالإمكان العودة مستقبلاً إلى إستعمال هذا السلاح؟ . فالأرض العربية لا زالت محتلة والفلسطينيون لم يحققوا بعد أي جزء مهم من أهدافهم ولم يحصلوا إلا على القدر البسيط من حقوقهم، وهاهو العراق محتل والجولان لا زال سليباً والإسلام والمسلمين يواجهون تحديات مصيرية. فهل من المعقول أن يطرح اليوم أي سؤال حول مصداقية وجدوى إستعمال النفط كسلاح قومي في معركة المصير؟
فالنفط اليوم أكثر ندرة وأهمية العالم العربي النفطية أعظم من أي يوم مضى، أليست ظروف اليوم أكثر ملائمة إلى إستعمال هذا السلاح؟
لابد من المرور سريعاً على التطورات النفطية في السوق العالمية وإلى تفهم الظروف المستجده المتمحورة حول مترتبات أحادية القطب الأمريكي والقيام بجولة حول النواقص في الإقتصاد وفي المجتمع العربي وعناصر الضعف قبل الإجابة على هذا السؤال المصيري.
النفط العربي :
إذا كانت كل حقبة زمنية تحمل اسم المادة الاساسية التي برزت فيها فلا ريب ان عصرنا الحاضر سوف يعرف بـ ((عصر النفط)). ذلك أن النفط أصبح الوقود الأساسي، وعلى الأرجح المادة الأولية ال’هم والأكثر ضرورة التي عرفتها حضارة التصنيع المعاصر. ويمثل النفط اليوم العنصر الوحيد الاوسع انتشاراً في مجال التجارة الدولية، إذ يصدَّر منه ماقيمته 250 مليار دولار، أي أنه يمثل نحو 10 في المائة من مجمل العمليات التجارية الدولية، و 40 في المائة من الاستهلاك العالمي الأساسي من الطاقه التجارية، كما يعد دعامة الصناعة وقوام النقل وأهم مسبب للحروب. ولعل النفط أصبح اليوم العامل الأساسي في تحديد التوازن العسكري والسياسي والإقتصادي في العالم.
وفي حين يتميز النفط بإستعمالاته المتعددة والمنتشرة، فهو ينحصر استهلاكه وإنتاجه في مناطق محدودة وفي أيادٍ قليلة. أما من ناحية الطلب على النفط، فمن أهم مستهلكيه نذكر إقتصاديات الغرب الصناعية الضخمة، لاسيما مناطق أوروبا الغربية الأكثر ديناميكية، ومؤخراً الولايات المتحدة واليابان اللتين برزتا بشكل أساسي كدول مستهلكة للنفط. إذ ان قدرتهما على انتاج الطاقة المحلية لا تسد حاجاتهما الإستهلاكية، الأمر الذي يضطرهما إلى الإعتماد بنسبة عالية على إستيراد النفط لتحقيق التوازن. أما من جهة العرض فهناك مجموعة صغيرة من الدول النامية، والعربية بوجه خاص، تنتج وتصدر معظم إنتاجها إلى أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة خصوصاً.
أما عمليات إنتاج النفط والتنقيب عنه، ولاسيما تكريره وتوزيعه، فتتولاها، حتى في الدول المصدرة للنفط، حفنة من الشركات الضخمة فوق القومية والمدمجة كلياً التي ترفع أعلام الدول التي كانت حتى وقت قريب البلدان المنتجة للنفط.
يتوافر النفط بغزارة في العالم العربي، ويتم تأمينه على نحو غير منتظم مع احتمال كبير في تقلب الأسعار نتيجة عدم الإستقرار السياسي بخاصة، ولنشوء أزمات في غالب الأحيان من شأنها أن تهدد بوقف توفير النفط أو أن توقفه فعلاً. ومع أن لائحة تلك الأزمات طويلة، فهي مألوفة: حركة مصدق عام 1951، السويس عام 1956، الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967، حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، الثورة الإيرانية عام 1979، الحرب الإيرانية العراقية التي دامت طوال الفترة 1980- 1988، والإحتلال العراقي للكويت عام 1990[20]، وحرب الخليج عام 1990 واحتلال العراق عام 2003 .
يعد إنتاج النفط وتوزيعه وتحديد أسعاره والتنقيب عنه، بمثابة مسائل اقتصادية معقدة. إلا أنها ليست قضايا اقتصادية بحتة، بل يؤدي النظر إليها من الناحية الإقتصادية النظرية والعملية إلى تكوين وجهة نظر مشوهة ومضللة. فالحكومات تملك معظم الموارد الطبيعية وتتولى اتخاذ القرارات الخاصة بوتيرة التنقيب عن النفط وتطويره وبمعدلات استخراجه في الدول المنتجة، حتى إن سياسات تسعيره منوطة بدوافع سياسية، أضف إلى ذلك إن تنظيم الصناعة النفطية وفرض الضرائب عليها مرتبطان بالسياسة، كما تنظر الحكومات كلها إلى تنظيم تدفق النفط مثله مثل سائر التدفقات الإقتصادية بين الدول، على أنه مسألة سياسية. فبإمكان النظرية الإقتصادية أن تلقي الأضواء بوجه فاعل على الجوانب الإقتصادية للقضايا المطروحة ولكن الموضوع هنا ليس اقتصاد النفط بل هو، على نحو أدق، الإقتصاد السياسي للنفط.
أهمية النفط العربي
يمثل النفط العربي مخزونا غير متجدد وقابلا للنفاذ. غير أنه مخزوناً هائلاً (الأضخم في 63.5% من المجموع الإجمالي للنفط العالمي و ينتج بتكاليف متدنية - أدنى منتوجات النفط كلفة في العالم).
تعود جذور الصناعه النفطية في البلدان العربية في بداية العصر. وقد اكتشف النفط في العراق عام 1927، ثم اكتشفت تدريجياً كميات النفط الهائله في شبه الجزيرة العربية خلال الثلاثينات غير أن هذه المنطقه لم تعرف الإزدهار ولم تشتهر بكونها المستودع والمصدر الرئيسي للنفط في العالم إلا مع حلول الخمسينات. واعتباراً من ذلك الحين، عرفت المنطقه بأنها المصدر الرئيسي للإمدادات النفطية المتزايدة، كما أنها ستواصل تأدية هذا الدور على نحو متزايد بعدما تستنفذ سائر المناطق ما تملكه من نفط. في الواقع، تمكنت سائر الدول التي أدت هذا الدور في السابق، مثل المكسيك وبحر الشمال، من إنجاز مهمتها خلال فترة قصيرة من الزمن، إذ لم تكن قادره على إتمامها لفترة طويلة. وفي بداية الخمسينات، كان الشرق الأوسط يحوي نحو 50% من إحتياطي العالم الثابت من النفط وما يقارب 16% من إجمالي إنتاجه. واعتباراً من ذلك الحين، أخذت كميات احتياطي النفط وإنتاجه المطردين تزداد ازدياداً سريعاً. وفي عام 1990، كانت البلدان العربية في الشرق الأوسط تحتوي على نحو ثلثي احتياطي النفط العالمي ( نظر الجدول رقم)، فبعدما كانت نسبة إنتاج النفط عام 1938 تقدر بــ 6% ، ارتفعت سريعا ًلتبلغ 16% عام 1950، ثم حافظت على زيادتها الثابته حتى العام 1975 حيث بلغت 36%، وبين عامي 1975 و 1985 انخفض انتاج النفط في هذه البلدان، الذي يمثل نسبة مرتفعة من الإنتاج العالمي، انخفاضاً ملحوظاً. وفي عام 1985 بلغ 19% فقط. وبعد العام 1985 وفي أواخر الثمانينات استعادت المنطقه سريعا دورها كمنتج للنفط ( أنظر الجدول رقم 2) ومع حلول العام 1990 ازداد حجم إنتاج النفط ليبلغ 27%، وفي عام 2002بلغ الإنتاج 31.1%.
جدول رقم (1)
احتياطي النفط الثابت في البلدان العربية
السنة |
عدد البراميل (بالمليارات) |
النسبة من اجمالي الانتاج العالمي (بي المئة) |
1951 |
48 |
48.8 |
1970 |
340 |
54.8 |
1975 |
368 |
55.5 |
1980 |
362 |
55.3 |
1985 |
390 |
54.2 |
1990 |
660 |
65.2 |
2000 |
726.8 |
63.5 |
Sources: Resources for Freedom (1952); BP Statistical Review (1975, 85, 91, 2004). World Crude Oil and Natural Gas Reserves , Jan 1 , 2000. US Department of Energy.
جدول رقم (2)
انتاج البلدان العربية في الشرق الأوسط
وإنتاج العالم من النفط (مليار برميل / يوم)
السنة |
الانتاج العربي في الشرق الاوسط |
الانتاج العالمي |
نسبة انتاج البلدان العربية في الشرق الاوسط من الانتاج العالمي(في المائة) |
1938 |
0.3 |
5.5 |
6 |
1950 |
1.7 |
10.4 |
16 |
1955 |
3.2 |
15.5 |
21 |
1960 |
5.2 |
21.1 |
25 |
1965 |
8.3 |
31.3 |
27 |
1970 |
13.8 |
47.3 |
29 |
1975 |
19.5 |
54.7 |
36 |
1980 |
18.5 |
61.6 |
30 |
1985 |
10.7 |
56.1 |
19 |
1990 |
17.9 |
66.7 |
27 |
2002 |
23.7 |
74.7 |
31.1 |
Sources: Damstadder Et.al (1971); BP Statistical Review (1975,85,91).
من المسلم به اليوم أن هذه الأرقام الواردة في الجدولين (1) و (2) تقدر كمية النفط المتوافرة في الشرق الأوسط بأقل مما هي عليه في الواقع، كما تقلل من الأهمية النسبية للمنطقه في مجال إنتاج النفط العالمي. وتثبت مجموعة من العوامل هذا الإدعاء:
1- إن الإرتفاع الكبير في كمية احتياطي النفط الثبت بين عامي 1985 و 1990 الذي يشير إليه الجدول رقم (1) هي نتيجة ارتفاع سُجّل لمرة واحدة في كميات النفط الإحتياطية الموجودة في أبوظبي والعراق والعربية السعودية بما يعادل 245 مليار برميل – أي أكثر من 80 في المائة من المجموع الذي ذكر سابقاً. ويعني ذلك أن الأرقام الواردة في الجدول رقم (1) غير نهائية ولا تعكس على الأرجح الصورة الكاملة أو الحقيقية عما هو متوافر في المنطقة. ومن المفترض أن تعكس الأرقام الواردة في الجدول رقم (1) بطريقة ما وبصوره مبدئية على الأقل، كميات النفط المحدودة تحديداً دقيقاً في جوف الأرض التي يمكن استثمارها تقنياً واقتصادياً بأسعار النفط المعتمدة وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإقتصاديين مستاؤون من التدابير العملية التي لا تظهر أي تجاوب مع تغيرات الأسعار .
جدول رقم (3)
نسب إنتاج احتياطي النفط (2002)
المنطقة |
الاحتياطي الثابت (مليارات البراميل) |
الاحتياطي/الانتاج (سنويا) |
امريكا الشمالية |
65.5 |
12.8 |
امريكا اللاتينية |
100.5 |
39.6 |
اوربا واوراسيا |
1004.3 |
17.6 |
النرويج |
9.0 |
7.4 |
المملكة المتحدة |
3.8 |
5.5 |
الشرق العربي |
726.8 |
95.2 |
افريقيا |
101.7 |
35.0 |
آسيا واستراليا |
47.5 |
16.4 |
العالم |
1146.3 |
42.4 |
Source: BP Statistical Review 2004
2- لا تزال تكاليف انتاج النفط في الشرق الأوسط أرخص كثيرا من تكاليف إنتاجه في مناطق أخرى[21] ومن المتوقع أن تكون تكاليف إنتاج إحتياطي النفط غير المستثمر أقل كثيراً من تكاليف إنتاجه في سائر المناطق، فليس هناك من دافع في ظل الأسعار المعتمده يحث على إنفاق المال لإثبات وجود هذا الإحتياطي أو تطويره، ذلك أن معدل مردود تلك الإنفاقات لا يوافق نسبة الأرباح المتأتية من الإحتياطي الموجود فعلاً. ويدعي راديتسكي أن تكاليف استثمار الإحتياطي الثابت الأكثر كلفة من الناحية الإقتصادية في الشرق الأوسط أقل فعلاً من الأسعار التي سادت منذ أوائل السبعينات.[22]
تشير الوقائع السالفة الذكر إلى أن المكانة المرموقة التي يحتلها العالم العربي في سوق النفط العالمية لا يرقى إليها الشك، فاعتماد الدول المستهلكة على النفط العربي كلي ومتزايد. وينطوي ازدياد واردات النفط الأمريكية من المنطقة على دلالة مهمة خاصة، فمضامينه عديدة وخطيرة قد تؤدي إلى تغيرات شديدة الأهمية في تسعير النفط وإنتاجه بدأت تتجلى اليوم. وقد يحتج البعض بأن الولايات المتحدة عمدت في السابق إلى "استخدام" الشرق الأوسط لغرضين رئيسين أولهما كآلية لتحويل فائض الدولارات الأمريكية التي تراكمت بين أيدي ألمانيا واليابان - حين كانت أمريكا متورطة بحرب فيتنام – إلى المصارف الأمريكية والأسواق المالية؛ وثانيهما كأداة ضغط غير مباشرة تطابق ما سماه جورج كينان قوة "الفيتو" التي تتحكم في التطورات العسكرية والصناعية في اليابان وأوروبا.
مع تزايد اعتماد أمريكا على النفط، سوف يكتسب الإحتياطي النفطي العربي أهمية حيوية في تأمين الرفاهية للإقتصاد الأمريكي. وبين عامي 1970 و 1973، ارتفعت واردات النفط الأمريكية من 3.2 مليون برميل يومياً إلى 6 ملايين برميل في اليوم الواحد، وهو إرتفاع بنسبة 100 في المائة تقريباً. وهو لا يمثل إلا 35 في المائة من الاستهلاك المحلي.[23] ومنذ ذلك الحين أخذ اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط يتزايد ويتعاظم . ففي عام 1990، مثلت تلك الواردات نحو نصف الإستهلاك الأمريكي من النفط بعدما كانت عام 1985 تؤلف 35 في المائة منه. اما مصدر تلك الواردات الاضافية فكان عملياً منطقة الخليج العربي. ومع حلول العام 1990، أصبح النفط العربي (الخليجي) يمثل 25 في المائة من مجمل واردات النفط الأمريكية. وعام 2002 ارتفع هذه النسبة إلى 35 في المائة من واردات النفط الإجمالي.[24]
وبناء على دراسة حديثة قام بها مركز دراسات الطاقة الكونية، من المتوقع أن يزداد اعتماد الولايات المتحدة على النفط العربي (الخليجي) ليبلغ 43 في المائة من مجمل وراداتها النفطية في نهاية هذا القرن إذا ما بقي إنتاج النفط الأمريكي على حاله. ولكن إذا ما واصل إنتاج أمريكا من النفط تدنيه بالنسبة التي شهدناها خلال الفتره الممتدة بين عامي 1985 و 1990 (تدنٍ سنوي بنسبة 5 في المائة) فقد يزداد اعتمادها على النفط العربي (الخليجي) ليصل إلى 57 في المائة.[25]
لقد حافظت الولايات المتحدة على علاقة خاصة تجمعها بالشرق الأوسط ولا سيما بالمملكة العربية السعودية التي تعد منتج النفط الرئيسي في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبيك)، التي أصبحت عام 1973 المنتج الأهم والأثقل وزنا في العالم كله. ذلك أن السعودية تستطيع أن تملي الأسعار في سوق النفط الدولية بما لها من قدرة تقنية واقتصادية على زيادة إنتاج النفط أو وقفه بصورة أساسية (قد تخفضه إلى نسبة مليوني برميل في اليوم الواحد أو ترفعه إلى أكثر من 11 مليون برميل يومياً). وكما أشار يرفن، قد ارتفعت نسبة " صادرات العربية السعودية العاليمة ارتفاعاً سريعاً، فقفزت من 13 في المائة عام 1970 إلى 21 في المائة عام 1973، واستمرت بالارتفاع".[26] وكان الإتجاه قبل زيادة الأسعار جلياً واضحاً، فالسعودية، التي يقل عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة، والتي تستأثر بما يزيد على ربع كمية النفط العالمية المعروفة ، تستطيع وحدها أن تحدد معالم العلاقة المستقبلية بين العرض والأسعار بهذا المورد الحيوي بالنسبة إلى دول الغرب الصناعية واليابان، فتجني بذلك عائدات تفوق كثيراً قدرتها على الإنفاق (عام 1981 بلغ حجم العائدات النفطية في السعودية 113 مليار دولار في حين لم تتجاوز وارداتها 35 مليار دولار).[27]في المرحلة التي أعقبت موت الملك فيصل (آذار/ مارس 1975)، أعطيت بعداً استراتيجياً جديداً للعلاقة الأمريكية – السعودية القائمة أصلاً على النفط والمال. وقد اتفق الشريكان أن يستثمر فائض المردود الذي تجنيه السعودية في مؤسسات أمريكا المالية وصناعاتها العسكرية . وفي عام 1971، توقف نيكسون عن اعتماد قاعدة الذهب في الولايات المتحدة ، الأمر الذي أفضى إلى تدهور سريع في قيمة الدولار بعدما أدى التضخم المالي الذي تسببت به حرب فيتنام إلى تدني قيمة العمل الأمريكية. وفي هذا السياق أصبحت العلاقة بين البلدين، التي أخذت بالتالي تلقى منافسة في سائر الدول الشرق الأوسطية المنتجة للنفط، ولا سيما الكويت والإمارات العربية المتحدة، تتمتع بأهمية بالغ في توضيح سياسة أمريكا الشرق أوسطية كجزء من السياسة الإستراتيجية الأكثر شمولاً التي تقضي بالمحافظة على تفوق أمريكا الإقتصادي على منافسيها الصناعيين. وفي الفترة الممتده بين عامي 1975 و 1979، ابتاعت السعودية من الولايات المتحدة[28] ما قيمته 20 مليار دولار من التجهيزات العسكرية، علماً أن معظم هذا الدخل متأتٍ من تصدير النفط إلى أوروبا واليابان، و"استثمرت" القسم الأكبر من فائض أموالها الذي يقدر بأكثر من 350 مليار دولار كسندات خزينة في الولايات المتحدة أو في المصارف الأمريكية. ويتحدث البعض أن رؤوس الأموال السعودية المودعة في الولايات المتحدة قد تجاوزت 2 مليار دولار.
أحداث أيلول 2001 وتداعياتها
من الجائز أن أحداث أيلول 2001 لم تغير العالم ولكنها أعطت صقور القصر الأبيض الأمريكي الذريعة لتمرير برنامجهم الذي استهدف "قرناً أمريكياً جديداً" دون أي منازع لسلطة الولايات المتحدة. فالسعودية برزت على أنها موطن مخططي ومنفذي أحداث أيلول ودقت نواقيس الحذر من الإعتماد الأمريكي المكثف عليها كمصدر للطاقة والنفوذ في الشرق العربي. فالجيوش الأمريكية على الأراضي المقدسة بالقرب من مكة المكرّمة حرّكت غضب المسلمين فاستغلها بن لادن في حملته على السلطات السعودية وعلى الأمريكيين. إن الحرب على العراق واحتلاله جاء مكملاً للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة بحيث أصبح العراق البديل النفطي للسعودية حيث اعتقد الأمريكيون خطأ أن النفط في العراق مجرداً من الإسلام. كما أن ضرب العراق ومحاصرة إيران وفصلها عن سوريا من شأنه أن يعزل الخليج العربي ودوله الصغيرة عن النفوذ "والتهديد " الإيراني والعراقي الذي طالما كان عنصراً أساسياً في القرار الخليجي في عدم الإرتهان بالمخططات والإملاءات الأمريكية. إذ أن دول الخليج الصغيرة كانت مضطرة إلى موازنة سياستها مع مصالح ومواقف الدولتين الأساسيتين في الخليج. فتحطيم العراق وتغيير حكامه ومحاصرة إيران من أفغانستان والعراق أنهت أي دور أساسي لإيران والعراق في الخليج واستفردت أمريكا بكل دوله (بلا استثناء) وبدون منازع. فالقرار العربي في شؤون النفط فقد استقلاليته وفعاليته. فالجيوش والأساطيل الأمريكية على أرض الخليج تواجدت فعلاً لتجريد العرب من هذا السلاح لأن النفط هو جوهر الإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي استهدفت الإستفراد بالقرار النفطي وإستعماله سلاحاً مشهوراً في وجه حلفائهم بالأمس أوروبا واليابان وأعدائهم المستقبليين الصين وكوريا والهند. ولو أن دول الخليج كانت تنتج القمح أو البطاطا لما كان هناك حروب ولا تواجد أمريكي في المنطقة.
هل هذا يعني أن على العرب إنتظار مائة سنة جديدة ليستعيدوا سيطرتهم على مواردهم والقرار النفطي؟ أو هل سينضب النفط ويستبدل قبل استعادتهم له؟ هل هناك استراتيجية مناهضة لهذا الرضوخ والإستسلام وما هي عناصرها؟
[1] Strategic behaviour
[2] Credible threat
[3] Constructive Fuzziness
[4] Linkage Strategy
[5] Edward Sheehan
[6] Arab Report and Record (London). Feb 1-14, 1974, pp 51-53.
[7] Nixon
[8] DSB, LXX , 1813 ( March 25,1974), PP 294-295
[9] Oapec
[10] Middle East Economic Digest (MEED), March 22, 1974, pp 324 – 342.
[11] MEED, Ibid.
[12] Joe Stork, Middle East Oil and the Energy Crisis(New York: Monthly Review Press, 1975), P. 242.
[13] HANS MAULL , Oil & Influence. The Oil Weapon Examined. (International Institute for Strategic Studies, Adelphi paper, No.117, 1975), p. 6.
[14] Economist, Feb 16, 1974, p. 74.
[15] Shirley Temple Black
[16] R.Nixon, Memoirs , p 986 . And Anwar Al-Sadat, In Search of Identity ( New York : Harper and Row, 1477), p 300
[17] House Committee in International Relation. Oil Fields as Military Objectives: A Feasibity Studies. Washington D.C, 1975.
[18] Douglas Feith
[19] Douglas. J. Feith, "Oil Weapon" , P. 24.
[20] Robert Mabro, "Political Dimensions of the Gulf Crisis" , Oxford Institute for Energy Studies , Gulf and World Oil Serious: Paper 1.
[22] Radetzki, p.3
[23] D.Yergin, "Eergy Security in the 1990" Foreign Affairs, 67 (Fall 1988), pp. 110- 132.
[24] Fadhil J. Al-chalabi, Comment in : Energy Studies Review, vol. 4 , no. 1 (1992), pp. 40 – 44
[25] Ibid.
[26] Yergin, The Prize, p. 599.
[27] Atif Kubrusi, Oil, Industrialization and Development in the Arab Gulf States(London; Croom Helm, 1985), pp. 32-33
[28] N.Safran, Saudi Arabia: - The Ceaseless Quest For Scurity (Cambridge, Mass.:-Harvard University Press. 1985), p.296.
أحارَ أيها الشاعر والأديب والمناضل والأمين ورئيس أتحاد الكتّاب اللبنانيين من أين أبدأ؟ وعبر هذه المسيرة الشعرية التي انطلقت فيها منذ "العشايا" (1965) و"هليسار" (1970) و"أحبك يا حزيران" (1971) و "لأنك تحبين الشعر" (1973) و"أقسمت لن أبكي" (1978) و"عزف على قبرلارا" (1990) و"هوامش على دم القصيدة" (1990) و"نافذة لعصفور البكاء" (1991) "ومئذنة لاجراس" (2000) و"بكاء فوق دم النخيل " (2003) و"رسائل بيدبا السرية" (2005) و"لمجدك هذا القليل" (2006) لم ارَ شاعراً في حياتي مثله قلبه على حد السيف ويكتب مثلما ينزف.
هو شاعر القضية والمبدأ والحق ويسعى لمزاوجة الحق والحلم. صوته يسابق جرحه وقصيدته ترنو بصدق الى عالمنا متأرجحة على حافة الأفق. يعيش غسان مطر قصيدته مثلما يعيش عمره. يتجمع ليسمعك ما لم يكن في حسبانك انه يبلغ منك ما بلغ اليه. وانه ذهب بعيداً فيما آمن به وتحرك له واخذ من نفسه اكثر مما يريد. نصيبه من الشعر ان يشرح من الحياة ما لا يمكن شرحه. لذلك لم يتخذ من الشعر وسيلة للتعبير عن الانسان، بل على ما قال جان رسل وسيلة للانشغال بالانسان والإشتغال عليه. من هنا كلمات غسان مطر فيها عودة الحُسن بنا والحق الى زمن يدرك فيه الانسان انه حي، والحي انه حر، والحر انه جميل، والجميل انه صالح، والصالح انه جدير ببلاده وأمته ودنياه. وعبر هذا المدخل كان طريقه الى السياسة فلا سياسة بدون حلم وبدون عمق شعري. ولا سياسة لمن لا يريد ان يبدع من بلاده بلاداً جديدة وحياة جديدة وانسان جديد.
لا يمكننا ان نعتاد غسان مطر فهو يفاجئنا في كل مرة، بل يمكننا ان نستعيده كما يُستعاد القبس في الليلة الظلماء، ومع غسان مطر ليس بيننا وبين الشعر حجاب، وليس بيننا وبين الدنيا سوى كلمة تحلق نحو المطلق، نحو حكمة الأمل.