January 10, 2020
أحمد فرحات
د. ربيع الدبس من الوجوه الفكرية والثقافية والسياسية الاعتبارية في لبنان اليوم، ولاسيما في مجال التنظير للفكر المجتمعي والقومي وقضايا التسامح بوجوهه المختلفة: من دينية واجتماعية وأخلاقية وفكرية وسياسية.. إلخ. وإذا كان مفهوم التسامح قد شكّل أحد أبرز المداميك التي قام عليها «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، والذي تنكبتّه أسماء فكرية وفلسفية بارزة في العالم، قبل هذا الإعلان وبعده، فلقد تحوّل هذا المفهوم (أي التسامح) إلى منطلق من منطلقات بناء الدولة المدنيّة الحديثة الناجحة، دولة المواطنة والقانون واحترام حرية المعتقد الديني والسياسي والإيديولوجي بوجه عام، شريطة ألّا يمسّ ذلك كلّه بهوية هذه الدولة وكيانها الوطني والقومي العام.
من هنا ركّز جون لوك فيلسوف التسامح البريطاني (1632 – 1704) في مؤلفه العظيم: «رسالة في التسامح» على مسألة الدولة المدنيّة كأساس في انتشار مفهوم التسامح ورسوخه، وما يشتقّ عنه من اعتراف بالآخر، وحق الاختلاف معه، وضمان حريته في الدين والسياسة والرأي، وقوننة ذلك وتعيينه في إطار حدود واضحة وملزمة بين الكنيسة والدولة.
تشرّب د. ربيع الدبس هذه الثقافة في الصميم، معرفيّاً وفلسفيّاً، ثم سلكها نهجاً فردياً ومجتمعياً في نضاله العام لأجل التغيير والتطوير، ورأى في هذا الحوار المكتنز معه، أننا يجب أن نكون معنيين بغرس مفهوم التسامح، لا في المجتمعات المتعدّدة الأديان والطوائف فقط، بل في المجتمعات التي تتشكّل من أغلبيات مذهبية أو إثنية أحادية ساحقة أيضاً، لأن ثقافة التسامح تنتقل بالقدوة، وتشعّ على الآخرين المحتربين، بسبب افتقارهم إلى تلك الثقافة الراقية وتقوقعهم على ذواتهم الصغرى، التي لا ينتج التشرنق فيها سوى الأزمات والحروب والضحايا والآلام.
وفي إطار كلامه على التسامح الديني رأى د. ربيع الدبس أن المطلوب هو أن يطّلع كل إنسان على ديانة الآخر ويعرفها على حقيقتها، لا كما نقلت إليه بصورة افتراضية… ولا غرو، فالإنسان عدو ما يجهل.
في ما يلي نص الحوار:
البعد الإنساني
ما هو مفهومكم للتسامح الديني وفلسفته الاجتماعية والإنسانية؟
يهمّني، استهلالاً، التنويه بهذا الدور التنويري الذي تقوم به صحيفتكم الغراء: «الاتحاد» وفتحها هذا الملف المهم والجوهري (ملف التسامح) في هذه الظروف التي تمرّ بها بلدان العالم كلها تقريباً، ولا يقتصر أمرها على بلادنا فقط، وإن كنّا نحن، على امتداد أقاليمنا العربية، الأكثر احتياجاً إلى ترسيخ مفهوم التسامح وسريان ثقافته بقوة ورحابة على المستويين الرسمي والشعبي.
ربما كان مفهوم التسامح يختزل البعد الإنساني للعقائد الدينية، إذْ تنبع أهمية هذا التسامح من كونه تفهماً عميقاً ومبدئيّاً للفوارق ما بين الأديان. وقد عبّر دعاة هذا المبدأ في الغرب الأنغلوسكسوني عن خلفيته الفلسفية الاجتماعية بمصطلح Tolerationism. فالمسألة تتمحور حول الإله الواحد الخالق الذي لا يحدّه زمان ولا مكان، باعتبار أن البشر هم مخلوقاته المتساوية في الحرية والكرامة، ولو تباينت طرائق العبادة وتفاوتت طقوس الإيمان.
هذا المفهوم الدالّ على رحابة فكرية وسمو روحي، هو المفهوم الذي يجب أن نكون معنيين بغرسه، لا في المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف فقط، بل في المجتمعات التي تتشكّل من أغلبيات مذهبية أو إثنية أحادية ساحقة أيضاً، لأنّ ثقافة التسامح تنتقل بالقدوة وتشعّ على الآخرين، المحتربين بسبب افتقارهم إلى تلك الثقافة الراقية، وتقوقعهم على ذواتهم الصغرى التي لا ينتج التشرنق فيها سوى الأزمات والحروب والضحايا والآلام.
المعرفة والمصلحة
لماذا عجزت وتعجز المؤسّسات الدينية بمرجعيّاتها الكبرى، خصوصاً الإسلامية والمسيحية منها، عن فرض ثقافة التسامح الديني في المجتمع التعددي الذي تعيش بين ظهرانيه؟
يحيلنا هذا السؤال المركزي إلى رأي الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس الذي أبداه بوضوح في كتابه النوعي «المعرفة والمصلحة». وخلاصته أن المعرفة العلمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمصالح البشرية، أي أنها ليست معرفة محايدة ولا منزهة عن الغرض. من هنا اأنطلق شخصياً للقول إنّ بعض المرجعيّات الدينيّة لم تحاول تغيير الواقع الطائفي عبر فرض ثقافة التسامح الديني.
ونقولها براحة ضمير، إنّ بعض المرجعيات أسهم في تأجيج التعصّب عن سابق تصور وتصميم، لأن تلك المرجعيات الطائفية تضعُف بالوئام وتقْوى بالخصام.
صحيح أن المرجعيات الكبرى قد تعجز أحياناً عن تعميم ثقافة التسامح الديني على رعاياها بسبب الاحتقان الطائفي أو المذهبي، المسكوب في آنية سياسية أو اقتصادية أو نقابية أو في آنية فئوية أخرى، إلّا أن الواجب الوطني للمرجعيات السياسية والدينية في المجتمع التعددي يقضي بالتوافق الصادق على اعتماد سياسة تربوية – ثقافية – إعلامية تستأصل الزغل من النفوس، خصوصاً في أوساط الجيل الجديد الذي يتشرّب من البيت والمدرسة، قبل الجامعة والمجتمع، ثقافة الانغلاق على الآخر، والتمترس في خنادق الطائفة وذاكرتها الانتقائية الفئوية وطربها اللاهوتي، وانفلات شارعها من ضوابط المواطنة، ومن الإيمان بالنظام العام والقانون والدستور، وبالدولة الحقيقية الراعية لكل ذلك.
بين الفرد والنهج
من ينقذنا في هذه المنطقة العربية – الإسلامية من تسييس الدين وتديّن السياسة؟.. وبماذا تعلق على الرأي القائل بأن الدولة الإسلامية بمعناها السياسي لا تعني الإسلام؛ كما أن الغرب المعاصر بمعناه السياسي لا يعني المسيحية؟
لا ينقذنا فردٌ بل نهج. وإن كان مؤسس علم العمران البشري ابن خلدون قد جزم بأن العرب قلما تجتمع أهواؤهم؛ إذْ «لا يحصل لهم الملْك إلا بصيغة دينية… أو أثر عظيم من الدين». صحيح أن النخب العربية تبنّتِ التحقيب الإبستمولوجي الغربي القائل بتقسيم تاريخ الفكر إلى مراحل ثلاث: قديمة ووسطى وحديثة، إلا أنّ معظم النظام الرسمي العربي، والعقل الشعبي العربي لم يصلا بعد إلى قرار القطيعة المعرفية مع الماضي الأليم، الذي اتخذته أوروبا اعتباراً من انبلاج عصر التنوير، الذي عَلْمَنَ الفكر قبل الدولة، فانتمى مواطنوه بغالبيتهم إلى التاريخ لا إلى الأسطورة، وإلى العقل المطلق لا إلى العقل المشروط الذي يحتمه الدين عملاً بمقولة أبي ذي الغفاري «الدين مشروعٌ على التسليم والتعظيم.»
هذا لا يعني الدعوة إلى تطبيق العلمنة في العالمين العربي والإسلامي. أولاً، لأن طرحاً من هذا القبيل سيكون تبسيطيّاً وغير واقعي في مجتمعات تعتبر الإسلام عقيدة كاملة تشمل الدين والدولة معاً؛ لكنه دعوة إلى إعمال العقل في الموروث المطلق، وإلى إعادة النظر في ما يُعتبَر مسلمات لا تقبل المقاربة.
لقد تسيّس الدين وشبع تسييساً في منطقتنا، لكنْ ليس من ترادف بين الديانة الحية النقية من جهة، وبين التجمعات «الدينية» الملطخة بمعاصيها. وأنا منحاز إلى الرأي القائل بأن الدول الإسلامية بمعناها السياسي، لا تعني الإسلام، كما أن الغرب المعاصر بمعناه السياسي لا يعني المسيحية. وحتى لو أخذنا الأمة بمعناها الاجتماعي، والدولة بمعناها السياسي، فلن نجد ما يسّوغ التماثل بين الواقع والادّعاء.
صحيح أن كُلاً من السياسة والدين يتناول الشأن العام، لكنّ السياسة مرتبطة بالقانون والمؤسسات المتجلية بالدولة. أما الدين فمرتبط بالمصدر والمعاد والعبادات والفرائض الإيمانية. أما الأخلاق والقيم فغير مقصورة على الدين ولا على الدولة. لذلك قال غوستاف لوبون إن الأمم بمبادئها أولاً ثم بضخامتها. وأودّ هنا أن أضيف بأن الإيديولوجيات الكبرى، الدينية والسياسية، عانت تاريخيّاً من هوة مخيفة ما بين الشعار والممارسة. لذلك تكتسب الإيديولوجيات صدقيّتها من تطبيق قيمها لا من زعمها.
معركة مفتوحة
هل بتنا بحاجة إلى إصلاح ديني جديد فاعل ومتفاعل إيجاباً في بيئاتنا، على المستويين الإسلامي والمسيحي، حتى تقوم بعده ثقافة تسامح راسخة في كينونة الفرد والجماعة والأمة لدينا؟
لقد شغف المثقفون المسلمون بفلسفة الإغريق، ودار معظم فكرهم حول العلاقة بين الحكمة والشريعة والإصلاح بينهما. ولا شك أن الإصلاح الديني الفاعل حاجة قديمة ومستجدة، لأن الإصلاح عملية متواصلة في مسار الدول والشعوب. وحتى نكون علميين، ينبغي أن نرسم للإصلاح الملائم والفاعل أطره الموافقة للبيئة وللتطور الهائل الذي تشهده البشرية، من دون أن يعني ذلك تنازلاً عن ثوابت الإسلام والمسيحية، أو عصرنة عرجاء تتنافى والتعاليم الإصلاحية الأصلية القائمة في الأديان السماوية. ومتى كانت شعوبنا محصّنة بالوعي الأصيل، فلا خوف عليها من تعميم ثقافة ترسّخ التسامح وتزرع البذور الكفيلة بتأصيل هذه الثقافة وتنميتها على أساس الحياة الواحدة والكرامة الواحدة والمصالح العليا الواحدة، على رغم التفاصيل الدينية والفقهية المتفاوتة.
المهم وقف التناحر، والتنابذ، والتباغض. قال العّلامة الشيخ عبد الله العلايلي في إحدى محاضراته المدوّية بعنوان «البداوة المتأنقة» (يقصد الوضع في لبنان): «إن انتظامنا الطائفي المكرَّس يخجلني، لأنه في حقيقة الأمر لا يعدو كوننا بدواً متأنقين، بل الأمر دون ذلك في حساب القيمة وقياس المنطق، لأن تناحراً في البادية من أجل الحياة هو فوق تناحر يمشي بيننا إلى المقابر، ويطبع على أديمنا لعنة الموت، ويجعل منّا بلداً أكبر ما فيه مقبرته… نحن من هذه البداوة المتأنقة أو قل الذئب القابع في أعماقنا، على صراع في معركة مفتوحة.»
نعلّق هنا بالقول: لعل في هذا النص ما يجب أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من وعي جديد يتعمق لدينا في كينونة الفرد والجماعة والأمة، كما ورد، بحق، في السؤال.
إمبراطوريات العقل
ألا ترون في العلمانية وعبر فهمها الصحيح وغير المعادي للدين، عاملاً مساعداً في إرساء ثقافة التسامح الديني في المجتمعات التعددية، انطلاقاً من أن الدولة العلمانية، دولة القوانين والمؤسسات المدنيّة والديمقراطية العتيدة، هي الحامية للجميع هنا، في معتقداتهم الدينية وغير الدينية، وهي تضبط إيقاع العيش التعددي الواحد وتحفظه من الفتن والتدخلات الخارجية السلبية على اختلاف نواياها وسياستها الهدامة؟
هذا طرح جدّي ومتقدم، شريطة ألّا يتخذ طابع العلمانية السلبية في المادية والإلحاد. فالذين قاربوا العلمانية الإيجابية ـ وهي فلسفة سياسية اجتماعية من ترسانة الفكر الحر ـ استطاعوا أن يعيدوا النظر في «تابو» كان مجرد ذكره يأخذ المستمع والمتحدث والقارئ إلى أماكن أخرى لم يكن لهم أن يلجوها؛ إلا أن الفهم السليم للعلمانية غير المعادية للدين يجعل المقاربة أكثر قبولاً وجدّية، ويَفْصل بالتالي بين واجب التطلع إلى الأفضل، وبين واقع بنى التخلف، التي قد تكون مستحكمة باسم الدين أو الطائفة أو التشدّد الاستبدادي. فالنظام العلماني هو نظام قانوني – حقوقي – سياسي، من مبادئه أن شرعية النظام تكمن في عدالته، وأن حكم القانون لا يجيز المساس شرعاً بحرية الأفراد أو حياتهم أو أملاكهم إلا عن طريق إجراء قانوني عادل.
إنّ العلمانية التي تحترم الأديان يمكنها أن تكون بالفعل عاملاً مساعداً في إرساء ثقافة التسامح الديني في المجتمعات التعددية؛ فالدولة العلمانية هي دولة عقلانية لا إلغائية، أي أنها متّسمة بالديمقراطية القائمة على مؤسسات مدنيّة تعزز الوحدة بين أبناء الشعب الواحد ولو تعدّدت دياناتهم. من هنا دورها في تعميق العيش الواحد وصيانته من التصدّعات والأزمات والتدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار والضاربة لوحدة المصالح العامة المتمثلة بوحدة الشعب والأرض والمؤسّسات والقيم العليا. قال السياسي البريطاني المثقف والمحنك وِنْستون تشرشل إن إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل.
قوّتان معنويتان
كيف نخرج مفهوم التسامح الديني وفلسفته من كونه مفهوماً مجرداً إلى مفهوم وضعي مؤسس على الرؤى العقلانية لبناء التجانس الإنساني الفعلي في كينونة الفرد والجماعة.. واستطراداً الأمة؟
هذا سؤال بالغ الأهمية، لكنه مركّب ومعقّد. فالمفهوم الوضعي Positive Concept يقابل المفهوم المقدّس Revealed Concep أي أن المفهوم الوضعي المؤسَّس على رؤى عقلانية يُعنَى حاملوها بالإنسان أولاً، يتطلّب دستوراً وضعيّاً تقوم فذلكته على بناء تجانس مجتمعي هو في أعماقه تجانس إنساني علمي، يتأسس في الكينونة ويتطور في الصيرورة من الفرد إلى الجماعة. أليست الأمة هي الجماعة الأكمل؟ أليس الإنسان الجديد عمادَ المجتمعِ الجديد والعقليةِ الأخلاقية الجديدة قبل أن يصيرا حالة عامة؟
ثمة قوتان معنويتان شبيهتان بالسلطة هما: القوة الثقافية (العقلية) والقوة الأخلاقية. والسؤال من يملكهما؟ وما دورهما لدى المالك؟ إنّ علينا واجباً أكيداً في تشجيع الجمهور على أخذ قيم النخبة بعين الاعتبار، لا على القبول القسري لسلطة النخبة بوصفها سلطة الحكمة العليا. ففي كل ميدان من الخبرات الإنسانية، يقدَّم الخبير باعتباره منتجاً، ليس للوقائع فقط، بل للحق أيضاً، علماً أن سقراط افترض أن المعرفة القليلة في الأيدي الخطأ، تمثل تهديداً للنظام الاجتماعي، وبعده كان شكسبير أقسى حين قال إن المعرفة الناقصة أخطر من الجهل. إن أبجدية الخروج من المفهوم المجرد للتسامح الديني إلى واقع عملاني راسخ يتطلّب حصول الاقتناع بجدواه لدى كلّ من الدولة والنخبة والعامة. هذا يستلزم، بالطبع، ترجمة ذلك الاقتناع إلى حقائق ملموسة عبر آليات علمية تنقل المفهوم من التجريد إلى التحديد، ومن الأفواه إلى النصوص، حتى يصبح التسامح الديني جزءاً تكوينياً من شخصيّة المواطن وشخصيّة الدولة، واستتباعاً من شخصية الأمة.
التعبئة المؤدلجة
في ظل الظروف الصعبة والكالحة التي يتعرض لها الإسلام بتصويره (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. لا فرق) دين قتل وذبح وفتن وسواد واستحالة عيش مع معتنقيه… إلخ؛ وتكريس ذلك كثقافة لدى ثقافة الآخرين في العالم، خصوصاً في الغرب، كيف لثقافة التسامح أن تفعل فعلها الإيجابي هنا وتغيّر من هذه الصورة المنفّرة والمنحرفة والمركّبة تركيباً مزوراً، ليس لحقيقة الإسلام فقط وإنما للأديان السماوية ورسالاتها أيضًا… وهل ترون من دور خصوصي واستثنائي، برأيكم، يمكن للمسيحية المشرقية أن تضطلع به في هذا الزمن الإشكالي الصعب؟
بداية، يجب أن نحسم مسألة أساسية وهي أن الحالة الطائفية شيء، في حين أنّ الإلهيات التي تشدّ الطائفة إلى العلاء شيء آخر.
والإنسان يتحرك على الدوام بقوة هذا الفرق الذي يراه بين واقعه الساقط، والصورة الجميلة التي يتوق إليها. والمحزن أنّ كثيراً من الناس والمرجعيات الدينية تُزايد حول تقارب التعاليم وكونها سماوية لكن النفوس لا تصفو.
لقد عانى الإسلام، خصوصًا بعد 11 سبتمبر 2001، من حملة جائرة جعلت المسلمين في موقع الاتهام وكأنهم جاهزون، بالتعبئة المؤدلجة، للقيام بأعمال عنفية عبّرت عنها الحملات، ولا تزال، بكلمة «الإرهاب». وحقيقة الأمر أن في الأديان كافة مسالمين ومجرمين، مؤمنين ومنافقين، أصفياء ومأجورين، منفتحين ومتزمتين. لكن من الخطأ التعميم وتسطيح الإشكالية، لأنّ ذلك يغذّي ثقافة العداء في العالم فيسقط الجميع، عبْر فخ صموئيل هانتينغتون، في نظام عالمي جديد قائم على صراع الحضارات.
المطلوب أن يطّلع كل إنسان على ديانة الآخَر ويعرفها على حقيقتها، لا كما نُقلت إليه في صورة افتراضية؛ فالإنسان عدّو ما يجهل. وإذا لم يذهب إلى الآخر من منطق وَدُود إلى فهم ودود، فمن شأن ذلك أن يحجب إدراكه لإلهيات ذلك الآخر.
لقد قامت بعض المرجعيات المسيحية المشرقية بدور إيجابي لدى الغرب في توضيح حقيقة العيش المشترك مع المسلمين، وفي أن الإسلام يؤخذ من ينابيعه لا من روافده، أذكر من هؤلاء البطريرك غريغوريوس لحام، والبطريرك يوحنا الأول يازجي، والبطريرك زكا الأول عيواص، والمطارنة عصام درويش وجورج خضر ولوقا الخوري وآخرين.
إلا أنّ تلك المساعي لم تكن سهلة، لأن الصورة النمطية عن الإسلام في الإعلام الغربي كانت قد فعلت فعلها لدى العامة، إضافة إلى أن المراجع المسيحية المشرقية كانت تتمنى لو كان الصوت العربي والإسلامي أكثر حسماً ودويّاً في إدانة الجرائم الوحشية التي قامت بها التنظيمات الإرهابية في غير دولة عربية، والتي يندى لها جبين الدين والدنيا خجلاً وألمًا واستفظاعاً.
مهما يكن من أمر، فإنّ هذا يتطلّب متابعة وإصراراً متواصليْن… يبقى أن تتعزّز الثقافة الوطنية والروحية على ثقافة التعصب، وأن نركّز على جوهر ما يجمع في العلاقات البَيْنية، بدلاً من التوقف عند الفوارق والقشور، فالذين تقيم قلوبهم في ذرى البهاء العقلي يقتاتون من خبز السماء على أي مائدة وُضِع، وكفى بهم أريحيّةً ومروءة.
وثيقة حقوق الإنسان
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948 بموجب القرار 217 ألفا بوصفه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد، وللمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالمياً. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم.
يتكون الإعلان من 30 مادة، وجاء في المادة الأولى منه: «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.»
وحملت المادة الثانية النص التالي: «لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.»
وفصّلت المواد التالية الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل فرد في جميع أنحاء العالم.
بطاقة أكاديمية
يحمل الدكتور ربيع يوسف الدبس (1954)، درجة الدكتوراه (فئة أولى) في الفلسفة السياسية والاجتماعية من دائرة الشرق الأوسط في جامعة ملبورن/ أستراليا عام 1988، وهي الجامعة المصنفة ضمن الجامعات الخمسين الأولى على المستوى العالمي.
درّس لعام واحد في دائرة الشرق الأوسط بجامعة ملبورن – أستراليا، وهو أستاذ للحضارات في الجامعة الأميركية – بيروت، وأستاذ في ملاك كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية وذلك لمواد: الأدب العالمي – الفلسفة والأدب – التيارات الكبرى للفكر الإنساني – الفلسفة العقلانية الغربية الحديثة – الفكر والمجتمع – فلسفة الدولة – علم الأخلاق.
له العديد من الكتب المتخصصة، وعشرات المقالات والدراسات المنشورة في دوريات لبنانية وعربية ودولية محكّمة.
مارس الترجمة والتعريب. وقد اعتمدت حكومة دبي رسمياً بعض ترجماته الخاصة إلى الإنجليزية لكتاب وزير المعارف المصري الأسبق طه حسين «حديث الأربعاء..»
وهو عضو جمعية أساتذة اللغة الإنجليزية والترجمة في الجامعات العربية (مقرها عمّان).
***
(*) الاتحاد الثقافي