تعدل الدستور في مطلع 1970 وألغيت رتب الأمانة في الحزب السوري القومي الاجتماعي. تمايزت آراء الرفقاء حول هذا التعديل. المخالفون رضخوا بالانضباط
الحزبي. الموافقون رحبوا. تخاطب الجميع رسمياً وعملياً رفقاء.
العفوية عند جميع القوميين الاجتماعيين فرضت استثناء وحيداً: "الأمينة".
الراغبون بالتعديل سبقوا الرافضين. كان اجماع. هذا أقوى من الدستور. هذا يصنع الدستور.
قبل التعديل كانت "الأمينة الأولى". ليس بقرار بل بما يصنع القرارات. بالإرادة العامة.
لماذا؟
لأن الزعيم اختارها رفيقة زوجة.
بعد التعديل، صارت "الأمينة". ليس بقرار، بل بما يصنع القرار أيضاً. بالتعبير العفوي.
لماذا؟
لأنها "الأمينة".
الأمينة على الرسالة.
في الثامن من تموز خسر القوميون الاجتماعيون شخص الزعيم القائد.
خسرت "الأمينة" الزوج وهي في صيف الحياة.
خسرت الأب لأولاد ثلاث لا يملكن غير الصليب.
خسرت أيضاً – كما القوميون – شخص الزعيم.
غاب الزوج والأب في نفسها باق الزعيم.
في دير "سيدة صيدنايا" انتصرت الأمينة بالألم على الألم. رأت في الزعيم الشهيد ما رأته "السيدة" في المصلوب. رسالة تنتصر بالصليب.
انتقلت من صومعة الراهبات في صيدنايا إلى الترهب للنضال الحزبي. للرسالة. فكانت بإيمانها وحياتها قدوة لنا جميعاً أبلغ من كل تعبير.
يوم كانت تطوف في الخمسينات على فروع الحزب، كانت تنشر في المواطنين والرفقاء تياراً لا تخلقه إلا "الأمينة".
تواضع، بساطة، صبر، إيمان، وإرادة تخجل أمامها الكلمات والمواعظ.
بعد أقل من ست سنوات – نيسان 1955 – عادت الأمينة إلى "المحبسة" في المزة. بريئة تكفر عن خطايا الخطاة فينا.
أحبت السجناء والسجانين. فرضت على الجميع احترامها. مارست أعظم صبر، يحصنها إيمانها.
عجز السجن المنيع أن يحتجزها. أطلقها إيمانها وصبرها – عبر الجدران – إلى وجدان الأمة والرفقاء. قديسة تكلل هامتها هالة نور. قديسة في الأرض، في المجتمع،
في الإنسان. قديسة المثل العليا القومية الاجتماعية.
تسع سنوات تعب فيها الصبر وهي لا تتعب. تعب الجسد ولكن النفس الكبيرة لم تتعب.
انفتح باب السجن. عادت "الأمينة" إلى حيث كانت دائماً – إلى القلوب والعقول.
شاهدت العيون المشتاقة آثار الصبر العظيم بصمات على الوجه وبياضاً في الرأس. فكان بياضاً يضاف إلى هالة.
عادت تطوف على القوميين في المغتربات. حمّلت جسدها فوق طاقة الاحتمال.
الذين أنزلوا الصليب عن أكتافهم تعباً خجلوا. بعضهم عاد فحمله. والذين يحملونه زادت قوتهم بها قدوة من قبس "المعلم".
عانت أزمات الحزب الداخلية ألماً يفوق كل آلامها. ولما استرد حزبها عافيته ونقاءه بدماء الشهداء يتسابقون على درب تموز، أحست أن الرسالة بأمان وأن من حقها
أن تستريح. أغمضت العينين المحببتين لتبقى في وجدان التاريخ منارة لا تنطفئ.
يطالب النساء بحقوق المرأة. الحقوق لا تعطى، بل ينتزعها النضال الصحيح. "الأمينة" عبّدت الطريق. أسلكنها يا نساء بلادي.
يطالب النساء بالمساواة مع الرجال. "الأمينة" حققت التفوق. فأقتدين يا فتيات بلادي.
المجتمع ليس رجلاً. الرجل وحده لا يكون.
المجتمع ليس امرأة. المرأة وحدها لا تكون.
المجتمع ليس مساواة بين الرجل والمرأة. يتساويان في الكرامة ولكنهما يتمايزان.
المجتمع هو تكامل الرجل بالمرأة ليكون. وتكامل المرأة بالرجل لتكون. هما وجها قطعة النقد الواحدة. لا ينفصمان وتبقى. هما وجود واحد كامل.
أيتها الأمينة!
شكراً لك. رفيقاتك ورفقاؤك أمناء على قدوتك. فاستريحي.
استريحي خالدة في المجتمع. في مثله العالية وقيمه السامية. سنذكرك، ليس في الذكرى السنوية وحسب، بل في كل ساعات النضال الصعب وكلما أحسسنا بحاجة إلى
قوة.