رسالة إلى الأمينة في خلودها

 

عبيد، بشير

 

 

 

 

منذ سنة غبت عنا. تراك إلى الأبد كما يقولون غبت؟

 

في ألف خاطر وخاطر صورتك والذكريات...

 

أحاديثك والندوات. أسرك وصمود العنفوان. أسرتك ومرارات الحرمان. بهاء طلتك على المؤمنين. وداعة طلعتك تفيض بالمحبة واليقين. ودائماً الأمينة الأولى رفيقة المعلم وحكايات الدرب الطويلة.

 

كنت الأولى وستبقين.

 

ليس لأنه كان الأول زعيماً وشهيداً.

 

بل لأنك كنت أنت بما كنت.

 

أبهذا تنكر له واستنكار لقيمة ما اختار ورافق ومنح؟

 

أم اعتراف بما علم ودعا وناضل وسفح؟

 

من أنات إلى إشتار، ومن سميراميس إلى زنوبيا. من ألف أم لألف بطل وشهيد. ومن ألف حبيبة لألف شاعر وفنان. ومن ألف زوجة لألف عالم ومفكر. ومن ألف أخت لألف مناضل وثائر. الف شهادة على أن شجرة العبقرية الخالدة، ما أورقت وعقدت لها أزهار ولا أينعت ونضجت لها ثمار إلا على دمعات وحسرات، بسمات وبركات امرأة...

 

الرجل الإنسان...

 

والمرأة الإنسان...

 

والقيمة؟ لا رجل ولا امرأة بل إنسان وما يحمل، فيمنح قيم الحق والحقيقة، الخير والجمال، العدالة والقوة من عصارة دمه ونسغ روحه لتستمر دماؤها حارة وروحها

وهاجة في كل قلب ونفس من إنساننا وإنسان كل الناس.

 

والخلود؟ أن تبقى هذه القيم وتتجذر وتشمخ وتستمر، وكلما استمرت زادت قدرتها قدرة وبهاؤها بهاء وطال عمرها إلى أبد الآبدين وطال عمرك معها على قصر غمرك. تحيا أنت كفرد وتغيب وتبقى هي كمجتمع فتبقى أنت معها. تلك أعلى مراتب الإدراك والإيمان والشهادة على اجتماعية الإنسان وشراكته الإنسانية مع الآخرين. وذلك هو الحضور الروحي الدائم الذي يجعلك فوق كل ألم وأسمى من كل صغار وعلى شفاهك طعم العز وفي عينيك بريق النصر. تحيا في جنات خلود وشعورك أنك أنت دفق أنهارها وجاني ثمارها وسكينة الروح في قرارها.

 

والسعادة؟ إدراك لهذه القيم يصل حد الريادة، وإيمان بها يبلغ قمة الشهادة، وكفاح لا يطلب من العمر أن يطول إلا ليطول كفاحه. وبسمات... بسمات الجراح التي تفتر لطفل يحبو وشجرة تنمو ونبع يدفق. لفكرة تتألق وجمال يتوهج وابتكار يدفع باتجاه الذرى. وناس... ناس يصارعون لانتصار الحياة وفي عمق أعماقهم وريد فرح، نبضة منه في لحظة واحدة تمسح كل دموع الجراح، فإذا أنت والناس وتراث الحياة الذي يحملون ويحلمون وجدانية كبرى شاملة مستمرة، أكبر منك، أكبر من الناس، تبدأ مع بداية تاريخ الإنسان ولا تنتهي طالما تاريخ الإنسان لن ينتهي، سعادة بحجم  كل الناس في بلادك وبعمق قضاياهم وعلى امتداد التاريخ كله.

 

امرأة... وأمينة... وأولى كنت...

 

قيمة بحد ذاتك كنت وقيمة عبر من رافقت وشاركت وناضل وناضلت. فما أروع تلك  الشراكة الروحية، بل ما أروع أن يدرك الإنسان ويشعر أنه خالد وهو يحيا. وهل من انتصار أكبر من هذا... انتصار الحياة على الموت والخلود على الفناء؟

 

وحتى أعلى قمم السعادة والفرح وصلت، رغم الآلام الكبيرة والأحزان العميقة. إذ ليس من سعادة أشمل وفرح أعمق من ان يشعر الإنسان أنه مصدر فرح وسعادة ومثال آمال أمة بكاملها؟

 

كان يلزم أمتنا في بدء تاريخها الجديد امرأة... فكنت أنت.

 

نساء بلادي كلهن كنت. رفيقة كل رفيق وأمينة كل أمين. أخت كل شهيد وأم جميع المؤمنين. بعدك ما عادت المرأة في بلادنا زوجة وأما فقط... أمست رفيقة قضية وأمينة نضال في سبيل القضية. بك، بما جسّدت من تعاليم المعلم، عادت المرأة في بلادنا بعد ألف سنة إنساناً سوياً لتستمر عبر بضعة آلاف من السنين المرأة الإنسان التي اعتادت أمتنا من دون كل الأمم عبر مسارها التاريخي العريق أن ترفعها إلى درجة الألوهة، فساوتها بالرجل وجعلتها له أماً وأختاً وحبيبة وشريكة معركة الحياة في انتصار قيمها وخلود مجتمعها.

 

أسطورة حقيقية حييت. وما الفرق بين الحقيقة والأسطورة في بلادنا، ومن قال إن أساطيرنا ليست حقائق؟

 

رمز الإنسان المرأة كنت. قدوة الأمينات على قضية إنسان بلادنا غدوت، وأجيالاً من المناضلات صنعت، فهل تراك كما عادة يقولون غبت وإلى الأبد غبت؟

 

وأية أسطورة نسيتها بلادنا، بلاد الحقائق الأساطير؟