من المقولات التي لكثرة ما ترددت أضحت تصم الآذان تواكبها اشاحة وجوه وامتعاض نفوس وكلها تختصر بكلمة "التغيير" في مناخ يسيطر عليه شحن مذهبي ونظام طوائفي وفئة اطبقت على كل مناحي الحياة تظهر غير ما تبطن وتبدي غير ما تخفي ولولا بعض الواحات في صحارى تيه المواطن تتمثل ببعض الاحزاب المدنية العلمانية العلمية تفقدنا بعض النقاط المضيئة وسط بقعة سوداء قاتمة.
واليوم وفي هذه العجالة اضع امام هذه الفئة المتنيرة تجربة لا اقول فاشلة وانما تجربة حزينة لانها اصطدمت كفيؤها بجادر الفصل الطائفي المذهبي المستولد لنظام المحاصصة على حساب دولةالمؤسسات والقانون، دولة "مشرق الحرية الانسانية الحقيقية التي تمثل عهداً جديداً من التطور الانمائي وفق نظرة المفكر رادونا ريشتا، وهذه التجربة الموصوفة هي تجربتي الشخصية كعضو في الهيئة الوطنية لمشروع قانون الانتخاب او ما يسمى اختصارً بهيئة فؤاد بطرس.
وفي عودة العنوان الذي يستلزم نظرة شاملة تتعلق بما يسمى اليوم صناعة الحرية مقابل الصناعة التقنية التي تجسدها الثورة الرقمية، ثورة الانترنت والاتصالاة والتي تستدعي تمهيداً لبحث أسس التغيير عبر قانوني الانتخاب والأحزاب.
ومما لا شك فيه ان هذين القانونين هما النافذة المضيئة ومفتاح التغيير كجوهر لنهضة مستقبلية لا بد من الوصول اليها وصولا الى تغيير يتناول الانسان والمجمتمع والدولة،
وقبل اي كلام لا بد لي من الاعتراف ان جوهر ما سيرد متعلق بقضية الديمقراطية هذه القضية التي اشبعت درسا وبحثا وهي في هذه العجالة اود ربطها بالواقع المعاش ولو بالحدود الدنيا من الايجاز.
وغني عن البيان ايضا ان بحثنا قضية التغيير عبر قانوني الانتخاب والاحزاب سيصطدم بواقع لبنان المؤلم وإذا أردنا ان نتخطى هذا الواقع فاننا سنقع مرة جديدة في التنظير البحت الذي لن يقودنا الى أي مكان فالمناخ الذي نعيشه واقعا لا يوفر اطلاقا مستلزمات التغيير يجب ان يعتمدلى وحدة القوى المؤمنة التحول وصولا الى قانون انتخاب يضمن صحة وفعالية التمثيل والى قانون احزاب ينهي هذا الحالة المرضية الطائفية المذهبية.
وانا لا أشك بانكم تودون ان تسمعوا وبكلمات موجزوة خلاصة تجربتي الشخصية في الهيئة الوطنية لمشروع الانتخاب فقد ولد هذا المشروع بعد معاناة وسلسلة من الحواجز بل لنقل الافخاخ التي وضعت في طريقه وما بين مرسوم تعيين اللجنة وبين وضع المشروع وما بين خريطة الطريق المرسومة من قبل مجلس الوزراء وبين التوثيق بين صحة التمثيل ومراعاة العيش المشترك والاخذ بعين الاعتبار المناخ السائد ضاعت كل الجهود ووصل المستفيدون من النظام الاكثري الى مبتغاهم.
وعلى كل حال لا بد لنا قبل بيان مساهمة قانون الانتخاب وقانون الاحزاب في ارساء تغيير مطلوب في بنية الوطن لا بد لنا من طرح افكار ورؤى أكثر من ايراد مواد لا مكان لها في محاضرة شاملة غير متخصصة.
2. ان الدستور اللبناني ضمن الحريات على نطاق واسع كحرية التعبير والمعتقد والاجتماع والملك والتنقل والحريات الاقتصادية ومع ذلك بقيت الديمقراطية من حيث انها تشكل الإطار التنظيمي للدستور مسألة مستعصية وهي مسألة مشكلة بدأت بانتخابات 1947 وانتهت بانفجار 1975، ولكم كانت المآسي والاحداث كثيرة ومتشعبة بين التاريخين.
3. ان المتتبع لمواطن الخلل سيلمس غياب المحاسبة وغياب تكافؤ الفرص وافتقار النظام الى صمام أمان.
4. كما ان التوصيف الحقيقي يدفعنا للاعتراف بان البلد اضحى مفكل الاوصال لا حول ولا قولة له.
مقاطعات طائفية ودوائر مذهبية ترزح تحت وطأة التخلف والتبعية وتمشيا مع العنوان الرامي الى التغيير لا بد لنا من التاكيد على ان واقعنا لا يمكنان يتبدل من تلقاء نفسه.
5. يجب ان نسجل اننا لم يحدد بعد نقطة الانطلاق للتغيير وان كان عنوان المحاضرة اليوم يشير الى ان قانوني الانتخاب والاحزاب قد يشكلان مفصلا مهما في هذا المجال او بداية قد تخرجنا من نفق التردد والحيرة.
6. يجب ان نسجل ايضا ان آلية التغيير المرتكز الى القانونين المذكورين يجب ان يعتمد على فئتين، فئة المستنيرين وفئة الجماهير او ما يسمى بالعامة، ويجب ان تعمم ثقافة التغيير وخاصة لدى الفئة الثانية والا دخلنا في صراع بين الدين والدولة وهذا البعبع الذي اعتمده نظامنا بل كل انظمة العالم العربي والاسلامي من اجل فرض السلطوية الشاملة ولا يمكن ان نتصور مدى صعوبة هذا الامر في الحصول على تغيير سريع في ظل غياب الطبقة الوسطى وتدحين الطبقة العاملة.
7. يجب ان تعتمد ثقافة التغيير لبلورة مسيرة فعالة للتوصل الى نتائج ملموسة وذلك بتنظيم حركة المجتمع وتنسيقها من خلال انشطة الاحزاب والنقابات والقوى الحية في المجتمع التي من شأنها ان تشكل صمام امان ضد سطوة الدولة من جهة وضد مجتمع العنف والاضطرابات من جهة ثانية.
8. يجب الاستفادة من تجربة الحزب الواحد لجعل التعددية بمعنى الاحزاب فكرة مقبولة بل مطلوبة لان لبنان لا يلائمه سوى قيام احزاب تتداول الحكم بينها على اساس الانتخابات ووفق برامج سياسية، اجل احزاب لا ديكورات، تكون اداة لتعددية فعلية لا شكلية فأكثر ما سمي احزابا عندنا لا يعدو كونه ستائر واغطية لزعامات شخصية او تكتلات انتخابية يصح تسميتها جمعيات سياسية لا احزاب، وعلى النخب ان تؤمن بأن التعددية هي فرصتنا الوحيدة لانتقال السلطة عن طريق تنظيمات حزبية قوية ومتماسكة توفر الاطار السياسي من خلال سيادة الدستور وحكم القانون والانتخاب الحر للهيئة التشريعية.
9. وعند بحثنا في اطر التغيير عبر قانوني الاحزاب والانتخاب يجب ان نتوقف امام الشروط المتعلقة بجوهر الديمقراطية التي تعني احترام حقوق الانسان والتعددية السياسية وتداول السلطة شرعيا، وفي رؤية تغيرية من منطلقات القانونين المذكورين يجب ان نسلط الضوء على النصوص الدستوريةالتي تخول النواب حق مراقبة قرارات الحكومة وان تعمل للتوصل الى انتخابات نزيهة ودورية وعبر قانون عصري يعتمد النسبية كما سنبين ويسمح للشباب في سن الثامنة عشر من الادلاء بأصواتهم وحق المواطن في الترشيح والتعبير عن نفسه وحقه في تشكيل الاحزاب السياسية دون ان يلقى معارضة سلطوية او من قبل اشخاص غير شرعيين.
10. يجب ان نؤكد على الانتخاب على اساس انه قاعدة النمط الديمقراطي والطريق الاسلم لتعيين الحكام بعيدا عن الوراثة او التسلل او الاستيلاء، فالانتخابات التنافسية هي حجر الزاوية في الديمقراطية وهي بكل حال حجر الزاوية في اي تغيير اوتبديل.
11. وانطلاقا من اهمية التغيير عبر قانون الانتخاب، فان النواب المنتخبين عبر الطريق المباشر يجب ان يقع على عاتقهم القيام بمعظم العمل الحقيقي في الديمقراطيات الحديثة، وبما ان غالب نوابنا يتم اختيارهم عن طريق قانون طائفي وعن طريق بعض مراكزو النفوذ فان انتخابهم وعبر اي قانون اصلاحي لا يمكن ان يفي بالغرض وهذا ما جعل المجالس المتعاقبة لا تشعر بالمسؤولية امام الناخبين وجل الهم ارضاء من اوصلهم الى مركزهم،الامر الذي يستدعي مع قانون انتخاب اصلاحي وجود طبقة ناخبية مسؤولة ووجود نخبة سياسية موجهة.
12. ان الاحزاب السياسية مؤسسة اساسية في الانظمة الديمقراطية، وبما ان تطور هذه الاحزاب بل ولادتها في بعض الاحيان يكون عبر الانتخاب المبني على قانون يحقق صحة التمثيل وفعاليته ومن المعلوم في اكثر بلدان العالم ان الاحزاب ظهرت في بدايتها بشكل لجان انتخابية مكلفة بتوفير رعاية ناخبي المرشح وجمع الاموال الضرورية للحملة الانتخابية وتطور الامر الى خلق مجموعات برلمانية تضم نوابا من الاتجاه نفسه بهدف القيام بعمل مشترك وقد ادى هذا التقارب النيابي الى اتحاد لجانهم الانتخابية القاعدية بحيث ولدت الاحزاب الحديثة والتي توفر التأطير الايدولوجي وتأطير المنتخبين.
نكتفي في هذا العجالة بطرح برقيا بعض الاسس والافكار الآيلة الى التغيير عبر الانتخاب وقيام الاحزاب التعددية، هذا التغيير الذي أصبح ضرورة في مجتمع يتخبط في ظروف قاسية سريعة التبدل ولطالما لعب التدخل الخارجي دورا اساسيا في مساره.
اننا نأمل عبر انتخابات حرة واحزاب وطنية ومجتمع مدني متحرر عودة الاستقرار الاجتماعي والسياسي خاصة اذا شكلت هذه القوى رافعه تغيير الواقع الراهن وهي ولا شك ستصطدم بحقائق واقعنا الاليم وعلى القوى المشار اليها ان لا تحبط فالاحداث التي مرت على البلد عبر تاريخ طويل تجعل قوى التغيير تشق طريقها ولو بصعوبة في سبيل قيام دولة ديمقراطية لها قيمها ودستورها وقانون انتخابها واحزابها التعددية وفي هذه الحالة وحدها نصل الى معيار حضاري هو معيار الوصول الى السلطة المرتكزة الى السيادة الشعبية واختيار الحكام عن طريق الانتخاب وعدم ابقائهم بالسلطة بعد انهاء ولايتهم.
بعد ايراد هذه الملاحظات المتعلقة بالتغيير عبر قانوني الانتخاب والاحزاب لا بد لي من وضعكم امام بعض لمسات التغيير عن طريق قانون الانتخاب سيما وان مشروع قانون الهيئة الوطنية او ما يسمى قانون فؤاد بطرس قد ألقي في سلة المهملات وقد ثبت لنا فيما بعد ان الغاية من الهيئة بكاملها الهاء دعاة الاصلاح وكسب الوقت، مع التأكيد بان المشروع كان خجولا وكان يعتبر مدخلا مؤقتا لاعتماد النسبية في القوانين اللاحقة بعد ان اعتمد النظام المختلط الاكثري والنسبي في المشروع.
ان معظم الاحزاب والقوى وهيئات المجتمع المدني قد قدمت افكارها وملاحظاتها وكانت بمعظمها تطالب باعتماد سن الثامنة عشر للاقتراع ونطالب بهيئة مستقلة للانتخابات وتقسيمها للدوائر الانتخابية وتنظيم للدعاية الانتخابية وكذلك الاعلان.
كما تطالب بحق اللبنانيين غير المقمين على الاراضي اللبنانية ممارسة حق الاقتراع وطبعا تطالب باعتماد النظام النسبي وقد جاء المشروع ملبيا للكثير من الطروحات مهملا ما كان اساسه منطلقات طائفية ومذهبية بعيدة عن العيش المشترك والانصهار الوطني.
وقد اضاف المشروع مطلبا تقدمت به بعض الهيئات الوطنية وهو الكوتا النسائية التي اختلفت الآراء بشأنها بين مؤيد ومعارض لاسباب تتعلق بالمبادىء التي يجب اعتمادها في الانظمة الديمقراطية وقد اعتمدت الكوتا بصورة مؤقتة ولفترة معينة.
انني لا اغالي ان هذا المشروع الذي حمل جرعة اصلاحية، قد ولد بعد معاناة وسلسلة من الحواجز بل لنقل الافخاخ التي وضعت في طريقه وما بين مرسوم تعيين اللجنة وبين وضع المشروع وما بين خريطة الطريق المرسومة من مجلس الوزراء وبين التوفيق بين صحة التمثيل وفعاليته ومراعاة العيش المشترك والاخذ بعين الاعتبار المناخ السائد في بلد تعصف في ارجائه رياح الطائفية والمذهبية وتزلزل اركانه الحوادث والحروب والمصالح والتدخلات كانت المعاناة وحرق الوقت وتعدد الآراء وتنوع الصياغات.
انا في هذا المقام لن اسرد تفاصيل ما لم يعد خافيا ولم يعد سرا ولكنني سأورد جانبا مما حصل معي وقد يكون مشابها لما حصل مع غيري وهو حصيلة مرض يعتري اكثر سياسيينا في لبنان وقد قلت مرة ليس الشعراء وحدهم يتبعهم الغاوون بل السياسيون اقران امثال منهم ايضا ممن يقولون ما لا يفعلون وقد تجسد ذلك في ابهى مظاهره عند صياغة قانون الانتخابات.
ان البعض قد قدم لنا المطولات والدراسات والنظريات عن محاسن النسبية ووجوب اعتمادها وقد ظهر البعض على الشاشات المرئية وعلى صفحات الاعلام المكتوب والمسموع واهمين الناس بانهم انصار النسبية بينما ما اسروه لي وامثالي من اعضاء اللجنة بانهم يريدون في الحقيقة تقسيما يعتمد القضاء ونظاما اكثريا بل لا اغالي اذا ما قلت ان منهم من كان يفضل ما سمي بقانون غازي كنعان ولكم كالوا لفارضه الشتائم في العلن مستمطرين الرحمات عليه في السر فهذا القانون سر نجاحهم.
حديث التغيير عبر قانوني الانتخاب والاحزاب حديث لا ينتهي وفي النهاية نأمل ان تكون امثال هذه المؤتمرات من حزب علماني حضاري طليعي وسيلة لتأطير قوى المجتمع المدني ودفعه لتلمس مستقبل لوطن يقوم على الحريات العامة والديمقراطية والتعددية وتشكيل قوة ضاغطة لوضع قانون انتخاب عصري يعتمد النسبية وقانون احزاب يعزز تداول السلطة ويعتمد المحاسبة والرقابة.