رجاءً، امتنعوا عن الصراخ، كفوا عن المطالبة بالتغيير، ولو كنتم عشرات الألوف، او أكثر قليلاً. اقتنعوا بأن النظام اللبناني الطائفي، أقوى الانظمة السياسية، برغم لعبة الفتنة المتقنة، بين الاركان، قائدة مسيرات الانهيار، بجدارة السرقة، وسهولة النهب، وتبرع “شعوب الطوائف” بالغفران والتأييد والامتثال.
لا أحد، لا أحد بالمرة، يستطيع أن يمس بصلابة النظام. اعقلوا قليلاً. لا تعِّولوا على معارك جبران باسيل، ولا على زعل سعد الحريري، ولا على عبقرية “تويترات” وليد جنبلاط، ولا على ايماءات وتلميحات بيدبا الشيعي، ولا على حماسة مقدمات نشرات الاخبار ذات النبرة العالية، في الحديث المسهب عن الفساد… إعقلوا. حتى لو انتقل نصف “الشعب” اللبناني إلى الشارع، بأزمته الطائفية الخفية والمعلنة، حتى لو صدح بحناجره الغاضبة، فلن يهتز حجر من مكانه. الطائفية بنيان مرصوص، مسلح بخبرة مئة عام من عمر الكيان…
رجاءً، لا تصدقوا معاركهم. انها كلام، بكلام، بكلام. فلن تجدوا بين ركام الكلمات لكمة واحدة قادرة على أن تلكم زعيماً أو زلمة زعيم. اقنعا بالقليل، لأنه متوفر. حفنة وطن فاسد، خير من عجز تام.
انه عجز الناس. عجزنا نحن.
ثم، اقتنعوا لمرة وإلى الابد، أن الفساد دين الدولة، وهو فساد غير مكتوم وشرعي ومحتضن ومجز. لا يستطيع لبنان أن يعيش من دون فساد. حياته في فساده. شفاؤه من فساده، يحصل فقط عندما يموت النظام. والنظام حي يرزق إلى امد بعيد. حراسه هم مرتكبوه، اباً عن جد، عن جدود. حراسه مدعومون بمواثيق دولية واقليمية وعربية، ولا فكاك بين طوائفه ودولها الحاضنة، حتى لو كانت هذه الحاضنات، على شفا حرب او تآمر او تورط في صفقة العصر.
لا دولة في العالم، تستطيع أن تخترع عقائد سياسية كلبنان. خذوا مثلاً، لبنان بجناحيه. أو، الديموقراطية التوافقية، او، يا للعبقرية، النأي بالنفس. اية عبقرية فذة تخرج من هذا الملعون السياسي، الذي نجد اصوله عند تجار فينيقيا ومخلفات الاقطاع، وأرومات المذاهب… لدى قيادات النظام، ثروة عظيمة جداً، من الهراء السياسي، التي تجمع الصح والغلط في معادلة فاضلة وسافلة معاً. انه كيان المتعارضات ونظام المضادات والناس الواهمين أن لبنان، أبدى سرمدي، ومن سبط الآلهة الخالدة.
هذا الكلام ليس هزءاً بلبنان. لبنان باعتراف قيادته اليوم وبالأمس، وبلوك زعاماته، اليوم وبالأمس، وبطواعية “شعوبه”، دليل على أن هذا الكيان يقوى بأمراضه. أمراضه دليل عافيته، بكل اسف.
اقتنعوا بلبنان كما هو، وكما ستؤول اليه احواله بعد انهياره. لا تخافوا عليهم. يختلفون و”الميت كلب”. ثم يتفقون. “ثاروا” (كلمة غير مناسبة) عام 1958، ثم حكموا لبنان طويلاً. تذابحوا طوال حرب لخمسة عشر عاماً. مات من مات، قتل من قتل، تهجر من تهجر. تدمر ما تدمر، وسبحان الحي الباقي، عادوا احياء يرزقون بعد اتفاق الطائف. ظن كثيرون أن بعد استشهاد رفيق الحريري، سيحترق لبنان. 8 اذار و14 اذار. أين هم؟
صدقوا عيونكم. لقد غيَّروا مواقعهم مثل طواحين الهواء. داروا ثم داروا حول أنفسهم، وظلوا مطرحهم، في السلطة، اكتمل النصاب، المسيحي، السني، الشيعي، الدرزي. هنا ورقة تفاهم مع “حزب الله”، ومصالحة، مع “القوات”، مع غصته في القلب، وهناك تسوية مع الحريري، وهناك، عزلة واعتزال عن جنبلاط. هل عرفتم في حياتكم مشهداً نفاقياً تبادليا ومحترماً مثل هذا المشهد، حيث يتآخى الذئب مع الثعلب وابن آوى وابو بريص؟ لا تصدقوا شتائمهم.
هذا هو البخور المقدس في ما بينهم. و”الخير لقدام”.
ما جاء اعلاه، ليس من وحي افلاطون، بل من وحي لبناطون.
تفاءلوا فقط بوعيكم، افتحوا أعينكم على وسعها، راقبوا هؤلاء، تعلموا كيف تمشون عكس التيار، طريق التغيير مقفلة، هناك طريق مهجور، هجره المثقفون والرافضون، الذين فضلوا العزلة والاستقالة والفرجة.
ما أجبنا! يا لعارنا!
اننا نستحق هذه العقوبة.
النظام الطائفي هو الأب الشرعي لنا جميعاً.
لعنة الله عليك يا ابي.