ألقيت هذه المحاضرة في الندوة الفكرية التي نظمتها منفذية ملبورن بتاريخ 7 نيسان 2013
نحن نؤمن بالوضوحِ الذي يعني معرفة الأمور والأشياء معرفة صحيحة والذي يعِّرفه سعاده بأنه: "قاعدة لا بد من اتباعها في اية قضية للفكر الإنساني وللحياة الإنسانية"[1] وانطلاقاً من هذه القاعدة نؤكد أننا عندما نذكر سورية لا يمكن بأي حال ان نقصد الجمهورية السورية الحالية.. هذا الكيان الذي بقي حاملاً لاسم سورية الأم بعد تنفيذ الجريمة التاريخية العظمى بحقها ألا وهي اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة التي قسّمت البلاد إلى أشلاء مفككة ومهدت لسلخ كيليكية والإسكندرون ولخسارة فلسطين وتشريد أهلها.
سورية بالنسبة لنا هي سورية الطبيعية التي خلقها الله وحدة طبوغرافية جغرافية تتحلى بالخصب في سهولها وأنهارها وروعة إقليمها وتنوعه وهي التي كشف عن حقيقتها ابن الأول من آذار وأرسى قواعد نهوضها وسيادتها على نفسها.. هذه البيئة الطبيعية التي كانت دوماً مهبطاً للوحي والرسالات السماوية والثقافية المناقبية تغنى بها الشعراء وكتب عنها الأدباء وجاهد من أجلها رواد النهضة والمفكرين ووضعت المؤلفات عن تاريخها وانجازاتها من قبل المؤرخين والمستشرقين وذُكرت في الكتاب المقدس مرات عديدة مثل ما ورد في انجيل مرقس عن المرأة الكنعانية من اصل سوري فينيقي ومثل ما ورد في الإصحاح الرابع من انجيل متى الذي روى بأن السيد المسيح كان يعلّم ويبشر ويشفي المرضى." فذاع صيته في سوريـة كلّها.."
وسورية بالنسبة لنا هي تلك البيئة الطبيعية الفريدة المتشابكة بالأنهر والغنية بالإمكانيات المتنوعة...هذه القطعة الجميلة المتماسكة التي تحيط بها جبال وصحار من جهاتها الشرقية والشمالية والجنوبية والتي تختلف عن سواها بموقعها وشكلها وخصوبتها.. هذه البيئة الفريدة التي أهلتها الجغرافيا للقاء مختلف السلالات البشرية وتمازجها ولنشوء المجتمع الإنساني الأول فيها الذي قدم للإنسانية أسس الحضارة ونقلها من الحالة البربرية والبدائية الأولى إلى حالة الإستقرار والعمران والتمدن.. هذه البيئة المتميزة بوحدتها الأثنية هي التي أطلق عليها المستشرق وعالم الآثار الاميركاني جيمس هنري بريستد (James Henry Breasted) عام 1906 تسمية الهلال الخصيب وهي التي كتب تاريخها المطران الماروني يوسف الدبس والمؤرخ السوري الكبير الدكتور فيليب حتي والمستشرق البلجيكي اليسوعي الأب هنري لامنس مؤكداً على وحدة أراضيها ذات الحدود المرسومة بوضوح، ومستنتجاً "أنه إذا شاءت سورية الغد ان تحيا حياتها الخاصة، حياة شعب مزدهر، وان تستعيد "فنون السلام" والمسار المتواصل لرسالتها التاريخية، فعليها ان تضحي بكل شيء للحفاظ على وحدتها الفريدة."[2]
وسورية التي نقصد بها هي أمة العقلِ والخلقِ والثقافة والإبداعِ التي تمتلك ماضياً حضارياً حافلاً يعود إلى الأزمنة السحيقة في التاريخ، أمة سخية، خّيرة، أعطت أعظم الرسالات وأنجبت العبقريات الخلاّقة والحكماء والفلاسفة والقادة التاريخيين أمثال سرجون الأكادي الكبير وحمورابي العموري المشترع الأول الخالد في تاريخ الإنسانية وهنيبعل أعظم نابغة حربي وزينون الكنعاني السوري واليسار بانية قرطاجة وزنوبيا ملكة تدمر ونبوخذ نصر واشور باني بال ويوسف العظمة الثاوي في ميسلون .. وأعطت العظماء والمفكرين والمصلحين والأدباء امثال العلامة الدكتور خليل سعادة والمعلم بطرس البستاني صاحب نفير سورية والأديب أمين الريحاني الذي كان يعتّز بسوريته أولاً والأديبة الكبيرة مي زيادة التي ناشدت أبناء جاليتها السورية في مصر بضرورة إغاثة سورية الجائعة والأديب الثائر جبران خليل جبران الذي قال بوحدة سورية الجغرافية واستقلالها وكتب عنها في يسوع ابن الإنسان وفي الأجنحة المتكسرة وعمل جاهداً لإصلاح أوضاعها الفاسدة واستئصال الأضراس المسوّسة التي تفتك بها وتخدّر أبناءها.
ان أهمية الهلال الخصيب تكمن في موقعه الجيو – إستراتيجي الذي يشكل عقدة الاتصال للعالم القديم والحديث ومفترقاً للطرق التجارية واصلاً الشرق بالغرب. فسورية المتميزة بوحدتها الجغرافية – الزراعية - الإقتصادية تمتاز ايضاً بموقعها الإستراتيجي الذي تطل منه على أهم البحار والذي يشكل نقطة الإلتقاء والربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.. هذا الموقع الإستراتيجي- الحضاري الذي جرت عليه اهم حوادث التاريخ القديم وانطلقت منه مشاعل الحضارة الإنسانية التي أطلقها السوريون شرقاً إلى ايران والهند والصين وآسيا وغرباً إلى الشمال الأفريقي والإغريق والرومان وأوروبا.. هذا الموقع الذي يمثل بموارده الطبيعية خزاناً غذائياً ممتازاً تحاول امبراطوريات اليوم أي دول الإستعمار الحديث السيطرة عليه ونهب ثرواته تماماً كما حاولت الأمبراطوريات القديمة كالفارسية والرومانية والمقدونية-اليونانية وغيرها السيطرة عليه لحماية طرق المواصلات ولتأمين هيمنتها وضمان أمنها الإقتصادي والعسكري.
منذ بضعة قرون بدأت الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا بنشاطها الإستعماري ومحاولة الإستيلاء تدريجياً على بلدان العالم بحجة تمدينه مدفوعة بنظرة إستعلاء تجاه الشعوب واحتقار لقيمها وعدم اعتراف بثقافاتها وانسانيتها.. وتحت شعار تمدين العالم فرضت هذه الدول الإستعمارية هيمنتها على الشعوب بالقهر العسكري والاقتصادي والثقافي فاستعبدتها وطمست هوياتها وشلّعت مجتمعاتها ودمرت ثقافاتها ونهبت ثرواتها على مدى قرون سوداء بطريقة ديمقراطية مبرمجة. هذه الدول الإستعمارية التي كانت تتصارع على امتلاك أسباب التفوق وتتنافس فيما بينها على ثروات العالم على قاعدة الإعتراف بحقوق بعضها البعض شنت الحملات الصليبية المتلاحقة على الشرق الأدنى متخذة من سلاح الدين غطاء لمطامعها وبدأت منذ القرن الثامن عشر بتوسيع سيطرتها على سورية بعمليات غزو إقتصادي وثقافي وسياسي ومن خلال نشاط الإرساليات التبشيرية والرحالة الباحثين والمنقبين وجلهم من العسكريين والتجار والوكلاء الأوروبيين والقنصليات الديبلوماسية وتدخلاتها بحجة حماية الأقليات الدينية والأثنية. هذه الدول الأوروبية المتصارعة لم تكن بحاجة لإيجاد تقسيم سياسي عام لسورية لأنها كانت تتحكم بها عبر السلطان العثماني ومن خلال نظام الإمتيازات الأجنبية الذي كان يخولها التدخل في شؤون السلطنة الداخلية والخارجية والتأثير على أوضاعها بإثارة الفتن الطائفية والنعرات العنصرية والاقليمية. ولكن انحلال الدولة العثمانية وغيابها بعد الحرب العالمية الأولى ونتيجة لتوازن القوى بين الدول الإستعمارية التي اشتد الصراع فيما بينها من أجل اقتسام تركة الرجل المريض لجأت هذه الدول إلى استراتيجية التقسيم المعتمدة في اتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة التي أدت إلى نشوء عدة كيانات هزيلة ووضعها تحت الإنتداب الفرنسي – البريطاني وإلى إعطاء اليهود وعداً بريطانياً لا حقوقياً بمنحهم فلسطين وطناً لهم والتعهد بحمايتهم ومساعدتهم لإحتلاها وإقامة دولة "إسرائيل" عليها التي ستكون قاعدة إستعمارية لمصالح الغرب وعائقاً امام تطور العالم العربي وممزقاً لأوصاله وعاملاً على اضعافه وارباكه.
بعد الحرب العالمية الثانية وتضعضع الدول الأوروبية الغربية تبدلت مواقع القيادة والتراتبية في سلم القوى الدولية وانتقل مركز الزعامة والهيمنة في النظام الرأسمالي من فرنسا وبريطانيا إلى أميركانية التي سعت، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، للسيطرة على العالم والهيمنة على مقدراته بحجة نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الأقليات والانسان. ولكن هذا التبدل في مواقع القيادة لم يُغير في نظرة الغرب الإستعلائية تجاه الشعوب ولم يبدّل في ممارساته الإستعمارية وجرائمه البربرية الفظيعة. فتاريخ الغرب القديم والحديث هو تاريخ إجرام وارهاب بحق كل الشعوب وهو تاريخ استغلال وظلم واستعباد للشعوب ونهب لخيراتها وثرواتها. فهذا الغرب المتغطرس مزّق سورية وسلخ منها أجزاء غنية وأعطاها للأتراك.. وهذا الغرب زرع في سورية الجنوبية الكيان العنصري الغريب الذي التقت مصالحه مع مصالح دوله الإستعمارية والذي شكلت جرائمه المستمرة بحق شعبنا امتداداً للبربرية الغربية وجرائمها. وهذا الغرب يقف وراء هذا الكيان الغاصب يغطي جرائمه ويوفر له المال والسلاح ويتعاطف معه في توسعه ويدافع عن ممارساته العنصرية واعتداءاته بكل قوة ولولاه لما كان لهذا الكيان مقومات البقاء...
وبالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققه الغرب، لم يبدّل هذا الغرب من ممارساته الإستعمارية ومن نظرته للشعوب ومحاولة الهيمنة عليها واستعبادها. فهذا الغرب هو كاذب في ادعاءاته ولا تهمه القيم الإنسانية وحقوق الإنسان ولا يفهم إلا لغة مصالحه وهو من رعى ولعقود من الزمن الديكتاتوريات والأنظمة الإستبدادية والشمولية والرجعية في مختلف دول العالم ضد القوى المناهضة للظلم والمطالبة بالحرية والديمقراطية.
فمن يصدق ان أميركانية ودول الإستعمار القديم تريد العدالة والحرية والديمقراطية والسلام لشعوب العالم العربي ؟
من يصدق ان هذه الدول المعروفة بتاريخها وجرائمها يهمها حرية الشعب السوري في مختلف كيانات الأمة وخاصة في فلسطين؟
ومن يصدق ان التدمير وسفك الدماء الجاري في الشام برعاية أميركية وغربية وصهيونية وبتمويل سعودي-قطري ودعم تركي هما عمل ثوري – إصلاحي لمصلحة شعبنا في الشام؟
أليست الولايات المتحدة الاميركانية الساقطة من عالم الإنسانية الأخلاقي هي من احتل العراق بعد حصاره لسنوات طويلة ودَمّرت قدراته ومؤسساته وجيشه وخرَّبت نسيجه الإجتماعي؟
أليس الغرب بزعامة الولايات المتحدة الاميركية هو المسؤول عن كل الخراب والدمار في مجتمعنا وعن كل الآلام والمآسي التي اصابت شعبنا وعن كل الضحايا واللاجئين والمشرّدين في العراق وفلسطين ولبنان والشام الذين يعيشون مآسي الفقر والتشرد والمذلة؟
أليست الولايات المتحدة الأميركية هي الوصي على قطر والسعودية وكل الأنظمة الرجعية الداعمة والراعية لقوى الإرهاب والتكفير والسلفية التي تتحرك بعصبيات جاهلية وتمعن في القتل والذبح وفي تدمير الشام دولة ومجتمعاً وحضارة؟
ان الصراع على سورية هو صراع المصالح الكبرى وابعادها الدولية، صراع على النفوذ والمصالح الإقتصادية ومصادر الطاقة وطرق امدادها. فالأطراف المعنية بالصراع تتحرك فقط من خلال مصالحها وأطماعها في السيطرة على الهلال الخصيب وموارده الطبيعية وأهمها النفط والغاز والمياه. فالسيطرة على سورية الطبيعية هي مفتاح سيطرة أي دولة امبراطورية على العالم بأسره. ولقد قيل انه عندما تفقد الدولة الأمبراطورية سيطرتها على الهلال الخصيب الذي يقع في منتصف العالم والذي يشكل ممراً هاماً لعمليات التجارة الدولية ولحركة الاقتصاد العالمي، تفقد هذه الأمبراطورية سيطرتها العالمية وتصبح دولة عادية. وانطلاقاً من هذه المقولة يمكننا القول ان الصراع على سورية او بالأحرى الحرب الكونية على سورية هي حرب مصالح وأطماع في الهيمنة والسيطرة على المخزون النفطي والغازي وعلى المواقع الهامة والاستراتيجية. إنه صراع على المناطق الغنية بالطاقة النظيفة أي الغاز وعلى المخزون الهائل منه الموجود على الشواطى السورية. فحجم الصراع الكبير على سورية ليس فقط بسبب موقعها الجيو – استراتيجي بل بسبب الثروة الهائلة الموجودة على شواطئها وهذا ما يعطيها مكانة كبيرة.. والمعروف ان الغاز يشكل فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين في الوقت الذي يضمحل فيه تدريجياً إحتياطي النفط عالمياً. وفي هذا الصراع تحاول الولايات المتحدة الاميركانية توسيع سيطرتها على تجارة النفط العالمية بتضييق الخناق على الدول الناهضة ومنعها من منافستها وبحصار روسيا وإضعافها من خلال سحب عقود الغاز الأوروبية منها وإمداد أوروبا بالغاز عبر حلفاءها السعودية وقطر ودولة العدو "إسرائيل".
ان الولايات المتحدة الاميركانية لا تريدنا ان نكون شعباً واحداً ومجتمعاً واحداً بل هي تريدنا ان نكون دويلات مذهبية واثنيات متناحرة تدور في فلك الكيان الصهيوني وتخضع لمشيئته. فاستراتيجيتها هي منع قيام دولة قوية في الهلال الخصيب لذلك فهي تستخدم الغرائز الدينية والعصبيات المذهبية وتسعى لخلق الفتن الداخلية لإبقاءنا في حالة ضعف وتفكك خدمة لمصالحها وأطماعها في الهيمنة والسيطرة على منابع النفط والغاز وفي التحكم بشرايين اقتصادياتنا بحجة الديمقراطية. فهذه الإستراتيجية غايتها الهيمنة عالمياً والسيطرة على الطاقة والتحكم بامداداتها وغايتها الدفاع عن الدولة المارقة "إسرائيل" التي تمثل "الشرُّ المطلق" كما يقول الإمام المغيب موسى الصدر وضمان أمنها وتفوقها عبر نقل الصراع إلى داخل العالم العربي أي بين المكونات الإجتماعية لدوله وإدخالها في فتن دامية مما يؤدي بالنتيجة إلى تفتيت هذه الدول إلى كيانات مذهبية وعرقية متصارعة وإلى نسيان صراعنا مع العدو الصهيوني.
ان سورية الطبيعية تواجه اليوم حرباً شاملة على وجودها أولاً من قبل كيان غاصب يمثِّل مشروعاً عنصرياً وإستعماراً إحلالياً يستهدفُ إجتثاثَ وجودِنا بالحروبِ التدميريةِ التي يشنُها علينا وثانياً من قبل دول عظمى تدعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ولكنها في الحقيقة دول إستعمارية إرهابية عريقة في قهر الشعوب وظلمها وفي نهب ثرواتها وخيراتها.. سورية اليوم تواجه تنيناً مفترساً يشرئبُ برؤوسه المتعددة ليبتلعنا، تنيناً متعدد المقابض المخلبية الفتاكة يطاردنا وينكر علينا وجودنا ولا يكف عن ارتكاب المجازر والجرائم بحق شعبنا.. يقتل الرجال والشيوخ والنساء والأطفال.. يغتال القادة والعلماء والنخب الثقافية والإجتماعية.. يشوّه المعالم الحضارية ويدّنس المقدسات، يحرق الكنائس والحسينيات، يفجّر المساجد والجامعات، ، يدّمر المرافق الحياتية والمؤسسات الإقتصادية والإنتاجية ويستولي على الممتلكات.. هذا التنين الحقود غايته تصفية المسألة الفلسطينية والإنتقام من الشام وضرب جيشها لوقوفها مع المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وغايته ايضاً القضاء على روح المقاومة في شعبنا وعلى إرادة الحياة فينا، وإخضاع هذه الإرادة لمشيئته وإملاءاته وهذا لا يتم إلا بتخريب مجتمعنا وضرب قواه واضعافها عبر التفتيت والتجزئة وإشعال نار الفتن الداخلية حتى لا يبقى أي قوة يمكن ان تشكل تهديداً لأمن الكيان الصهيوني..
والسؤال الذي لا بد من طرحه هو كيف نواجه هذه التنين المفترس المتعدد الرؤوس؟ وجوابنا البسيط: نواجهه بالمعرفة الجديدة والتخطيط العلمي وبالوعي لحقيقتنا القومية التاريخية والحضارية ونواجهه بالعقل المُدّرك والإرادة الواعية والبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة. والعقل الشرع الأعلى والأساسي يحتّم علينا ان نزيل عواملٍ الضعفٍ والإنحطاطٍ والفساد والإنقسامات الموجودة في حياتنا وان نحرِّكَ طاقات المجتمع وإمكانياته التالدة وندعوها للوحدة والصراع من أجل الحرية والسيادة والإستقلال ومن أجل العدالة والكرامة لكل المواطنين دون أي تمييز.
فلا يمكن لنا ان نواجه التنين البربري ونحن مبعثرين ومنقسمين إلى مذاهب وعشائر واثنيات متناحرة.. ولا يمكن ان نواجهه بأفكار ظلامية وبمفاهيم جاهلية وبثورة فارغة من الفكر والمفكرين ويقودها أناس متخلّفين وجهلة وأميين يطلقون فتاوى القتل والنهب والتسهيلات الجنسية التي تبيح إغتصاب السبايا والتمتع العابر بالمجاهدات. الحق نقول أننا نستطيع ان نواجه التنين بنهضة مجتمعية خلاّقة تراهن على بناء الإنسان المجتمعي الجديد المتسلح بالعقل والإيمان والمصقول بقيم الحب والخير والحق والجمال. نواجهه بثورة حقيقية إصلاحية نابعة من حاجاتنا وتطلعاتنا، وليس بثورة مستوردة أنشأها الإستعمار وتدعمها أنظمة الصهيونية العربية الأشد رجعية وتخلفاً.. نواجهه بثورة مجتمعية شاملة تنطلق من رؤية واضحة وفكر نيِّر ترسم حياة جديدة للشعب تعبيراً عن آماله وطموحاته ومصالحه الواحدة في الحياة لا بثورة تدّعي الإصلاح ولكنها تدّمر البلد وتذبح الناس وتقطع الرؤوس بالسيوف والسكاكين..
ونواجه التنين بخطةٍ نظاميةٍ دقيقةٍ واضحةٍ في الرؤيا والأهدافِ.. خطةٍ تقوم على أساس وحدة الأمة ووحدة الوطن وعلى قواعد نهضوية وأخلاقية وتراهن على ما يكمُنُ في نفوسِنا من قوةٍ مناقبيةٍ ومن خلقٍ وإبداع، خطةٍ هجوميةٍ تهاجم المفاسد والثقافاتِ الرجعيةِ المسؤولةِ عن الكوارثِ القوميةِ التي حلَّتْ بنا وتنشر الثقافة القومية الرافضة للإنغلاق والتقوقع والتعصب والإنعزال والمؤمنة بالتفاعل والتسامح والإنفتاح بين أبناء الشعب الواحد، ثقافة الديمقراطية وحب الوطن والمساواة بين جميع أبناءه دون أي تمييز ودون وجود حواجز طائفية ومذهبية.
بهذه الخطة النظامية وثقافتها القومية، ثقافة الصراع والمقاومة، نواجه التنين دفاعاً عن الكرامةِ القوميةِ والوجودِ القوميِ ونواجه كل المنآمرين والرجعيين الذين يعملون على إذلال الأمة التي تأبى الذل. وبهذا الإيمان سنبقى نحن القوميين الإجتماعيين في ساحِ المواجهة نصارع بالمبادىء التي نحمل وبالدماء الحارة التي تجري في عروقنا إلى ان تنتصر هذه الأمة على أعدائها وتنعم بحياة العز والحرية والسيادة والإستقلال.
أنطون سعادة، المحاضرات العشر، ص 112.[1]
فكر العدد 70، ص 70.[2]