وجه الامين عبدالله قبرصي هذه الرسالة الى الرفيقة جوليات سعاده – الأمينة الأولى – عام 1947.
وقد نشرت في مجلة "الواجب".
لقد عرفنا روحك وقلبك، قبل ان نرى وجهك الوديع، وطلعتك السمحة، وحديثك العذب من السهل الممتنع!
عرفناك من مصدرين، مصدر عدو ومصدر حبيب. اما المصدر العدو فهو احد الرفاق القدماء الذين ناؤوا بأحمال الحق الثقّال. لقد صاغ هذا الرفيق القديم الإفتراءات ركاماً من الأكاذيب والأضاليل والأنانية العمياء، في وجه القضية القومية، ولما وصل اليك انحنى خاشعاً امام روح التضحية والإيثار والفداء التي غمرته بها، فكأنما صببت على لسانه النار، ووضعت في عنقه حجر الرحى، واوقفت خفقان قلبه الشرير لكي يخفق خفقة او خفقتين للخير: لقد خشع عدو القضية القومية امام فضائلك الكبيرة وانسانيتك الدافقة، ورفقك الساحر! وان شهادة العدو فيك لشهادة حق لا تقبل الجدل، ولا تحتمل الظن.
واما المصدر الحبيب، فانك لا تجهلينه: انه مصدر وحيناً جميعاً.
لقد تخيلناك قبل ان نراك ونسمعك ونقرأك كأنما هبطت على خيالنا حمامة بيضاء في موكب من الأحلام البيض.
لقد كانت صورتك، صورة روحك تتجسد أمام أعيننا في رفيقة حياة الزعيم. ان الزعيم الذي عرف كيف يقود حركة الإنبعاث القومي، وكيف يضع الخطوط والأسس لقضية حياة أمة بكاملها. وكيف يسير بالجيل الجديد الى افاق الخير والحق والجمال، يعرف كيف يختار الرفيقة التي تحسن فهمه، وتفهم القضية القومية وتتدفق مثاليتها على روحها ولسانها، وتنعكس على نفسها المثل العليا التي من اجلها يجاهد ويحيا، ويتحد جمالها الروحي بجمال قضيتنا فكأنما يمتزجان مزجا ..ً.
لقد عرفناك أمنية من أماني زعيمنا المفدى وآية من آياته!
ان الرجل الذي تفوق في الإبداع والخلق والتمرد لمتفوق في فن انتقاء الروح التي ترتبط بروحه الى الأبد!
والرجل الذي عرف أية عروس يختار لأحلامه ومثله العليا يدرك أية فضائل ومناقب يجب ان تتكون منها الحبيبة التي ستكون ام لأولاده ومستودع أسراره وثقته ومصدراً من مصادر وحيه، ونبعاً من الحنان فياضا ًونوراً لؤلؤياً وهاجاً لعينيه وذهنه!
لقد عرفناك خلال إيماننا بسعاده مثلاً أعلى مجسداً في فتاة.
والان تعودين الى أرض الوطن، الى أرض الجدود، ومن على الباخرة كانت عيناك تفتشان عن ضهور الشوير، عن هذا المحج الجديد الذي يحج إليه القوميون الإجتماعيون ينقشون البخور من صنوبره، ويتبركون بترابه، ويمجدون سماءه وجناله وروعته!
ها هي ضهور الشوير، انها والقلوب القومية في جميع أنحاء الوطن تخفق هي ايضا ًبالشوق للقائك!
ورأيناك، رأتك الأعين، التي تحب كل ما يحب الزعيم وخفقت لك القلوب التي تقدس كل ما يمت اليه بصلة، فكيف وان صلتك بالزعيم أقوى من القدر، لأنك رفيقة منفاه، رفيقة آلامه، تمسحين عرق جبينه، تملأين دنياه بالعزاء وتوفرين له الصبر على الجهد، والجلد على المنفى وتمدين اليه ذراعاً من الولاء والوفاء!
لقد شعرت اول ما شعرت إذا هززت يمينك الكريمة بعرفان جميلك. لقد كنت تمثلين أرواح القوميين الإجتماعيين في كل صقع ومصر اذ كنت ملاك الزعيم الحارس في منفاه البعيد! لقد كنت تقومين بالواجب المقدس المحتم على كل قومية وقومي. انه دين لك في اعناقنا جميعاً.
وما ان استطعت ان اطرح عليك بعض الأسئلة، وان اصغي الى صوتك وكأنه الهمس، واتتبع كلماتك في مسيلها الآخاذ، حتى شعرت بغبطة وفخر انك المرأة التي خلقت لتكون شريكة حياة قائد النهضة القومية مع كل ما في هذه لشركة الروحية العظيمة من معان وجلال وتضحيات! ...
ليهنئك هذا السمو والحنان الألهي، وليهنئك عقل راجح ينسكب من ذهن صاف، أنغام هي أفضل ترجمان لقلبك الكبير.
انا لا اتكلم باسمي، اني أخاطبك باسم ألوف القوميين والقوميات، وقد اجمعنا على محبتك وتقديرك وما التعبير عن هذه المحبة والتقدير إلا نداؤنا لك:
أيتها الأمينة الأولى! ...
ليكن مقامك بيننا مقاماً ميموناً. ويسعدنا الجهد والحظ وحسن الحال ان نتوفر على إرضائك، إرضاء لضمائرنا الواعية، وأهدافنا العظيمة! ...
ولتكن أرض الوطن تحت قدميك ازاهير، وسماءه بركات وأغاريد، وليكن غدنا جميعا ًغد هذه الأمة الأعز الأمجد!
واما صفية واليسار فلنا اليهما حديث اخر.
في 26 سبتمبر 1947