اختارت "مؤسسة سعاده للثقافة" في احتفالها التاسع هذه السنة، ان تطّل بتحية الى الشاعر خليل حاوي في ضهور الشوير "ابن ضهور الشوير" التي أحبها حباً جماً وكانت البيئة الحاضنة الأولى لتكوينه الفكري والنفسي.
بداية كانت كلمة السيد نديم محسن بعنوان " عرزال من ضوء " وقال :
ثم رحب مدير "دار نلسن " الكاتب سليمان بختي بالحضور وقال :
أيها الأحباء،
باسم مؤسسة سعاده للثقافة، وباسم زملائي المنتدين وباسمي الشخصي أرحب بكم، وأخص الذين تكبدوا شقاء المسافات البعيدة وزحمة السير.
نلتقي وكأننا على وعد في اللقاء السنوي التاسع مع سعاده في ضهور الشوير (بأهلها وبلديتها) في باحة النصب التذكاري - قرب العرزال. وفي قلب اللقاء تحية الى الشاعر خليل حاوي ابن ضهور الشوير وابن النهضة والذي بينه وبين سعاده روابط الفكر والروح التي لن تحول ولا تزول. لم يزل خليل حاوي وبعد 35 عاماً على غيابه حاضراً، ولم تزل الكتب والأبحاث تبحث عنه وفيه ومنه وله. لم يزل خليل حاوي غصناً اخضراً في الشعر العربي وحدثاً مستمراً في تاريخ الشعر العربي الحديث. واذا كان لصوتك ان يسمع اليوم وسط الآف الأصوات، واذا كان لأسمك ان يعني شيئاً اليوم بين الآف الأسماء، فذلك لأنك كنت صادقاً في تجربتك. كنت شاعراً يصرخ في وجه نفسه " كيف لا أقوى على البشارة" ويصرخ في وجوه الآخرين "اخلعوا هذه الوجوه المستعارة"
شاعر أرّخ سيرة حياته بحلم نهضة المجتمع والأمة والشرق الجديد. طموجه ان يكون شعره فداء للأمة وفي روحه كل القلق على الأرض والتاريخ والأمة. رغم الحلكة حاول ان يزرع في الواقع بذور الأمل. يريد ان يكون جسراً لعبور الأمة وانبعاثها من رماد الخيبة والعجز. فلا عجب ان يهدي قصيدة "للجسر" الى الطليعة المقبلة. ردد دائماً ان الشاعر ضمير الأمة ومنقذها وحامل رسالة انبعاثها والناقد للحضارة فيها. لم يفصل ابداً بين الحداثة والذاكر ة الحضارية، ورأى ان على الشعر ان ينفذ الى صميم قضايانا المصيرية في السياسة والاجتماع والثقافة والتاريخ. زاوج بين الفكر والخيال وبراعة توظيف الرموز والأساطير وعاش شعره بفكره وأعصابه ودمه وسكب رؤاه في عمق ثقافي متفرد. وهكذا حتى ازدوج الذات والموضوع لديه وجاء العام 1982 وكتب ابلغ قصيدة يمكن ان يكتبها شاعر في التاريخ. قصيدة بالدم بالموقف بالصرخة في ليل رصل فيه الغزو الإسرائيلي الى بيروت.وكان يعرف ان سقوط بيروت سيعنى لاحقاً سقوط كل المدن العربية.
يومها كتب الشاعر محمود درويش "زمن مضى لكنه لا ينتهي، وان هذا الذي دفع حاوي الى الانتحار".
وسوف يمضون ونبقى. ولكن حاوي بالمقابل لم ينل حقه من التكريم والإعتبار. فلم يطلق اسمه على شارع في بيروت أو في ضهور الشوير (مسقط رأسه) وهي يجب ان تفتخر بالإنتماء الى خليل حاوي مثلما تنتمي وايمار في المانيا الى غوته وستارتفورد ابون آفون في لندن الى شكسبير. ولم تنشىئ جائزة باسمه ولم يطلق اسمه على قاعة في الجامعة الاميركية في بيروت حيث أعطى وعلّم لأكثر من ثلاثين سنة ولا على شجرة في حرمها ولا على مقعد. وحدها جامعة كامبريدج علقت له لوحة زيتية في قاعة المشاهير في الجامعة وكتبت تحتها خليل حاوي احد أهم شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. ولكن سوف يمضون وتبقى. ويبقى لك في ذمتنا في ضميرنا في أعناقنا الكثير، فعسانا نبدأ. ويبدأ الزمن الجديد والروح الجديدة والشرق الجديد.
وبعنوان "أهكذا السنون تذهب؟ " للأستاذ ماجد صالح السامرائي وقال :
تعود معرفتي بخليل حاوي شاعراً الى أوائل ستينات "قرن التجديد الشعري" (أعني القرن العشرين. وكانت مجلة "الآداب" هي من عرّفني، وعرّف الجيل الذي أنتمي إليه، به: شاعراً مجدِّداً، وصَعْباً على ما لوعينا، يومها، من قدرات الإدراك لما كانت تجربته الشعرية بلغته في "نهر الرماد" (1957)، و"الناي والريح" (1961). ومع ذلك كان موضع اهتمامنا نحن الذين جعلنا بدر شاكر السياب موضع اهتمامنا الذي لا يتقدم عليه شاعر آخر.
ويوم نشرت "الآداب" قراءة المفكر والناقد مطاع صفدي، (الذي كان، هو الآخر، كاتباً يصعب التواصل مع ما يقول بسهولة ويسر)، تلمسنا ما عناه بـ"البُعد الحضاري" و"الرؤية الحضارية" في تجربة الشاعر فإذا نحن أما غموضين: غموض التجربة والتعير عنها، وغموض الكتابة النقدية عنها برؤية اقتربت كثيراً من الفلسفة والرؤية الفلسفية.
ومع هذا كان حاوي، شاعراً وتجربة شعرية تقوم على الرؤيا، موضع اهتمام جيلنا، جيل الستينات.. وصرنا نحفظ بعض ما قال لما وجدنا فيه من صياغات ترتقي بالتعبير الشعري معنىً ومبنى.
وكان لي، يوم صدر ديوانه الثالث "بيادر الجوع" (1965)، وقفة متأمل لتلك الخيبة التي تجذرت عمقاً منه في قصيدة "لعازر 1962"، وقد وجدت فيها ما كنت أعيش من مرارة الخيبة بانتكاس ثورتنا الأولى، واغتيالها، كما انتكست تجربة الوحدة واغتيلتْ، وهو الذي عقد، كما كنت عقدت، الكثير من الآمال المستقبلية.. فكتبتُ عنه، في ما يمكن أن يُعدّ "قراءة الذات في الآخر".. ونشرتُ ما كتبت في مجلة "المعرفة" السورية، وكنتُ يومها ما أزال طالباً في الدراسة الإعدادية بمدينتي التي تقيم في عمق ما لها من تاريخ... سأتحول منها الى بغداد من بعد نكسة الخامس من حزيران 1967، والتحق، عملاً، بالصحافة اليومية التي سبقني إليها غير كاتب من هذا "الجيل المدهش".. فأتاح لي هذا العمل، أو الأصح: أتحت لنفسي من خلاله أن أذهب صحبة الوفد العراقي الى مؤتمر الأدباء العرب في القاهرة في آذار 1968. وهناك، حيث استقرت الوفود كلها في "فندق شِبَرْد"، تعرفت الى خليل حاوي وجهاً لوجه... وهناك وقعت قصة/ مفارقة أخرى، ولا ككل القصص والمفارقات:
ـ ذات ضُحى من أيام القاهرة تلك اقترح علينا الناقد (الشاب يومها) صبري حافظ أن نذهب برفقته الى "خان الخليلي"، أحد أشهر معالم "مصر القديمة"، فاستجبنا، وأخذنا الطريق إليه، كما اقترح، مشياً على الأقدام، وقد تالف "موكبنا" من: خليل حاوي، وبلند الحيدري، والأديبة والقاصة العراقية ديزي الأمير، وأنا.. ودليل الموكب. وعلى الطريق انقسمنا في مسارنا مجموعتين تفصل بيننا خطوات قليلة، وتألفت المجموعة الأولى من حاوي والأمير وأنا بينهما.. والثانية من بُلند وصبري. كنا نمشي الهوينا، ونتحدث، ولم أتنبه الى أن الحديث بين ديزي وحاوي مقطوع الصلة. فجأة خطرت لي فكرة لأتداول بها مع بلند وصبري، فخرجت من "جمعي" وتراجعتُ إليهما. وامتد الحديث بيننا، من دون أن أدرك أن "شيئاً تاريخياً" قد حصل. فقد شاهدنا الحديث تنعقد أواصره، وإن على بطء، بين حاوي والأمير، ولم أكن أعرف بداية القصة التي أبدأ من نهايتها، ولا لفتتني عيون بلند وهي تنصرف عنا وتُحدق فيهما. وحين عدنا من جولتنا الممتعة هذه الى الفندق، أخذني بلند جانباً، وهو يضحك ضحكة فرح، ويقول لي: أتدري ماذا فعلت اليوم؟ لقد قمت بعمل تاريخي أعيتنا المحاولات قبل اليوم أن نبلغه!!. فدهشتُ، وتساءلتُ سؤال المستغرب مما أسمع، مستعيداً كل ما حصل في "رحلتنا الخليلية".. فقال: لقد عقدت الصُلح بين ديزي وحاوي، وكان بينهما "ما صنع الحدّاد". لقد كانت بينهما قصة حب، واتفاق على زواج، وليلة زفاف.. إلا أن حاوي بديل أن يدخل "بيت الزوجية" سقط عند الباب.. فحملناه.. وبديل أن ينام على "فِراش الزوجية" نام على "سرير المستشفى" وهو يعاني من انهيار!! وانتهت القصة على هذا النحو التراجيدي. ومن هناك تواصلت القطيعة بينهما، وقد بلغ الأمر حالة الخذلان. وكم حاولنا أن نُصلح "ذات الإخفاق" بينهما فلم نُفلح.. وأفلحتَ أنت من دون قصد!!
قصة لم أكن على معرفة بشيء من تفاصيلها التراجيدية.. وهذا ما كان وحصل.
من بعد هذا تكررت لقاءاتي مع حاوي على غير موعد في "شارع الحمرا".. ومن ثم في "مهرجان المربد الشعري الأول" في مدينة البصرة العام 1971. وفي الجلسة الشعرية الأولى حدث الذي حدث:
ـ قال مقدم شعراء تلك الجلسة: سيكون بيننا من "الشعراء الرواد" ثلاثة: خليل حاوي، وبلند الحيدري، وخليل الخوري. وحين اعتلى حاوي المنصة ليقرأ، استبق القراءة بالقول: هناك كتب عديدة عن الشعر الحديث (وأتى على ذِكر آخرها) لم تذكر من "الشعراء الرواد" من بين الحاضرين إلا أنا وبُلند الحيدري...
من بعده، ومن بعد شعراء آخرين، صعد المنصة الشاعر خليل الخوري ليقرأ قصيدته الشهيرة "المجزرة"، عن مجزرة أيلول.. قدمها بمقدمة غير قصيرة قال في نهايتها: "وهذه من شان عيون الروّاد". فما كان من حاوي إلا أن نهض يلعن الخوري ويشتمه بأقذع الشتائم وأقساها.. والفداحة في الأمر أن الجلسة كانت تُنقل على التفزيون العراقي نقلاً حياً.. فتدارك جمهور الحاضرين الموقف بعاصفة من التصفيق الحاد غطّى على ما تواصل من شتائم كان يهدر بها وهو يخرج مغادراً القاعة!!
ومن ثم توالت لقاءاتنا، وكان أغلبها في بيروت...
وفي ذات يوم من العام 1978 كنت في زيارة للصديق والمعلّم الدكتور احسان عبّاس.. فذهبنا معاً الى مكتبه، وكان الدكتور احسان، على ما يبدو، يتواصل في حديث معه حول "طالب دكتوراه"، وهو كاتب سوري معروف، عيّنت الجامعة حاوي مشرفاً على رسالته.. ولكنه من بعد جلسات معه، وقراءة لما كتب من فصول الأطروحة تأكد لحاوي، أو هذا ما خلص إليه: إنه غير نافع (وتدفق بعبارات الوصف المباشر لذلك)، رافضاً الاستمرار معه، على الرغم من رجاءات صديقه وزميله، وقد كانت لكل منهما مكانة كبيرة عند الآخر. ورفض الاستمرار.
في ذلك اللقاء معه دخلت عليه، وانا عنده، فتاة شابة خجول، فعرّفني إليها بكل اعتزاز بها وهو يقدمها: هذه طالبة عندي على الدكتوراه، أتوقع لها مستقبلاً غير عادي.. فهي ذكية، ومثقفة، وجادة، ومخلصة لعملها العلمي... وستؤكد، تلك الطالبة، أنها كانت أهلاً لكلمات الثناء التي قالها حاوي بشأنها. إنها "ريتا عوض". وسينعكس ما قاله عنها في فترة دراستها في ما قدمت من بعد تخرجها على يديه الراعيتين، وتمثل في مسارين حرصت على تحقيق التوازي بينهما:
ـ يتمثّل الأول منهما في ما كتبت، وأصدرت، من دراسات نقدية في الشعر كان حاوي حاضراً فيها..
ـ والثاني، تقديمها أعماله الشعرية على أفضل وجه من الدقّة، الى جانب دراساته، ومقالاته أحاديث التي جمعتها وأصدرتها في كتب.
فكانت في هذا المسار منها قد أكدت ثقة استاذها بها في ما عقد عليها من أمل علمي.. ومن ثم الوفاء لأستاذها، فحققت له من بعد غيابه ما لم يكن صبره عليه ليتحقق.
كنتُ وأنا أتابع الشاعر خليل حاوي، وأتأمل في مساره وخياراته التي اتخذ، أستعيد قول الشاعر سعدي يوسف:
ـ"أسيرُ مع الجميعِ وخُطوَتي وحدي."
تقول سيرة خليل حاوي الفكرية والشعرية أنه انتمى، بداية، الى "حركة ثورية" (وأعني القومية السورية الإجتماعية)، ثم انفصل عنها ليقترب من "حركة ثورية" أخرى (أعني الحركة القومي العربية) وقد وجدها أشمل من ناحية منظورها القومي. ويمكن القول إن حضوره الشعري لم يكن بمعزل عن شرطه الثوري.. وقد عبّر أوضح تعبير عن حالة/ قدرة الاستمرار هذه في عمله الشعري الثاني "الناي والريح"، وقد كان في هذا بعيداً عما يُعرف بـ"الشعر الجماهيري" الذي مضى فيه عدد من مجايليه من الشعراء، إنما كان "ذاتاً ثورية" بعمق حضاري، رؤية ورؤيا. وقد قرن الشعرَ منه بـ"الرؤيا" حالة ابداعية، في حين قرن مجايلوه العملية الشعرية منهم بـ"التجربة".
فهو إذ أخذ بـ"رؤيا البعث" متعيّنة في "الرمز التموزي" ـ وهو الرمز الذي يمثل، بدلالة المعنى فيه، لحظة حضارية جديدة. ولم يعد بابه باب "الشاعر الفرد" وإنما هو باب "الرؤيا/ القضية" التي فيها/ وبها يتعيّن الموقف. فهو إذ يقول في "نهر الرماد":
ـ "طرقات الأرض مهما تتناءى
عند بابي تنتهي كلّ طريقْ"...
إنما يُصدر، في ما يقول، عن منظور ثوري يعمل من خلاله على الخروج بـ"الدرويش"ـ الذي ـ "شَرّشتْ رجلاه في الوحل وباتْ/ ساكناً يمتصّ ما تنضحه الأرضُ المُواتْ.." رامزاً لحالة السكون والموت الحضاري.
لقد حمَّلَ شعره بما يمكن أن نُطلق عليه "حسّ التعارض"، مندفعاً في هذا الحس بـ"إرادة الخلق" عنده، منتظراً "تُمّوز" الذي هو عنده "شمس الحصيد، وقد وضع أمامه أن يُنجّي "عروق الأرض من عقم مبيد". وهنا تتعيّن ثوريته:
ـ"فلنعانِ من جحيم النار
ما يمنحنا البعثَ اليقينا:
أمماً تنفض عنها عفن التاريخ
واللعنة، والغيب الحزينا،
تنفض الأمس المَهينا،
ثم تحيا حرّة خضراء في الفجر الجديد
من ضفاف "الكنج" للأردنّ للنيل
تُصلّي وتعيد:
يا إلهَ الخصب، يا تُمّوز، يا شمسَ الحصيد
بارك الأرض التي تُعطي رجالاً
أقوياء الصلب، نسلاً لا يبيد
يرثونَ الأرضَ للدهر الأبيدْ.
وهو إذ يضع الانسان العربي الجديد في إطار وجود رمزي (السندباد)، يُفرده بـ"رحلته الثامنة"، لا لإكمال ما كان للسندباد من رحلات سبع، وإنما ليستأنف بهذا الانسان "رحلة أخرى" من "موقف آخر"، وبرؤيا يتواشج فيها "البعد/ الحلم" بما يرجو لهذا الانسان من لحظة حضارية يكون هو سيد الموقف فيها، أي "رمزها" و"حقيقتها" في الآن ذاته.. ومن أجل/ في سبيل "كشف جديد".
هذه "المعاني الأبعاد الحضارية" هي ما يشكل "الرؤيا الجديدة" لمشروعه الشعري.
وهذا التقابل بين "الواقع" و"الأسطورة" ليس "تقابل تضاد"، وإنما هو "تقابل تفاعل" حيوي، بقدر ما يعزز "فكرة الصراع"، ذاتاً مع الواقع، فإنه يرتفع بالواقع الى مستوى من "التمثيل الوجودي" يُحاكي الأسطورة في ما لها من جذور.
هذا من جانب موضوعي. وأما من الجانب الفني فإن أهم ما يستوقفنا فيها، متلقين، هو هذه الدرامية العالية التي لا نجد نظيراً لها إلا في شعر السياب. وتتصاعد هذه الدرامية عنده في ما يمكن تعيينه في "تراجيديا الرفض" القائم على أبعاد تتشح بطابع المأساة، فيتخالق الواقع عنده تخالقاً أسطورياً يحمل غاية، ويرمي الى هدف.. شافعه في هذا كلّه: المغامرة (متمثلة بالرمزـ السندباد)، والبحث عما يمكن أن يحقق به/ ومن خلاله بُعداً آخر لوجود العربي الانسان، الذي لا يريد له أن يقصر "فعله" على احياء ما للحضارة من "رموز مستعادة"، وإنما بصياغة "رمزه الجديد" لحضارة جديدة عمادها: الوجود القومي. ولم يكن هذا "السندباد في رحلته الثامنة" أحداً آخر غير الشاعر نفسه، فإن كان قد ضيّعَ "رأس المال والتجارة" فإنه عاد إلينا "شاعراً في فمه بِشارة"، وليست هذه "البِشارة" شيئاً آخر غير "الإحساس/ الوعي" باللحظة الحضارية الجديدة.. رابطاً في هذا القول منه بين أعلى المعاني وأقرب الصورـ وإن بدت اصعبها تشكيلاً.
ثم كانت المداخلة الثانية في اللقاء حول خليل حاوي من الدكتورة نازلي حماده وقالت:
تعرفت على الدكتور خليل حاوي سنة 1956 وكنت في سنتي الأولى في الجامعة الأميركية في بيروت Freshman ودرسّني مع مجموعة من الرفيقات والرفاق مقرراً في اللغة العربية والفلسفة. وكنا آنذاك أبعد الناس عن الفلسفة والتفكير المنطقي والنظريات التجريدية، وحين كان الأستاذ يتمشّى في الصف ويحاضر كنا نضحك ونهّرج أحياناً وحدثت معنا قصص طريفة خلال علاقتنا بالأستاذ سأسرد لكم اليوم بعضاً من هذه الطرائف باللغة العامية لأنها كانت تعني له الكثير حسب ما كتب لي في إحدى رسائله التي أرسلها من كيمبردج بتاريخ 28/11/56 حيث قال :
"أذكر أني قبل السفر أخذت أصفّي أشيائي، أحرقت منها كل ما لا تحب، او ما لا قيمة له، وأودعت ما له بعض القيمة الى حين عودتي، ولم أحمل معي من الأشياء إلا ما كان له معنى يرتبط بمعنى حياتي، وكذلك فعلت في الذكريات تخّليت منها عن الكثير، وأحرقت الكثير، ولم أبق إلا على الذكريات الطيبة. وهي إذ تنتشر أمام عينيّ هنا في بلاد الغربة أرى بينها لرفاق الطفولة وبعض زملاء وزميلات التلمذة، وأرى أيضاً نازلي وهيام ومنى وسلوى ونبيل .. وألخ.. وأسمع ضحكات خلية صافية، أسمع ضحكاتكن وأراكن على ملاعب الجامعة وفي غرفة الدرس: نكتة من أحد الطلاب او احدى الطالبات، تعليق من الأستاذ، تحّدي " منى" للأستاذ، جلسة في "الملك بار"، جدل في مسائل لم تحلّ، حماسة في الجدل، اهتمام "هيام" بدعوة من الأستاذ الى المواعظ الدينية لعله يجد فيها نجاة لروحه الهالكة، حفلة "الفوّار" والغناء في المقهى وعلى الطريق وفي البوسطة، نزهة في عينطورة.. مسكين من يفوته المعنى العميق في مثل هذه الأحداث الصغيرة، ولا يرى معنى للحياة الا في ضجيج أحداثها الكبرى، والمهم هي الروح التي تعبر عن ذاتها في الأحداث وليست الأحداث نفسها. ولقد كانت الروح التي جمعتنا طيبة عفوية، وفي الواقع لقد وجدت فيها دواء لداء الشك في قيمة الحياة والشكوى من تفاهتها. أتراني أخذت وتعلمت في السنة الماضية أكثر مما أعطيتُ وعملت؟ أعتقد أني أفدت الكثير من السنة الماضية. " لهذا سأسرد النوادر التي مرت مع الأستاذ.
في يوم من الأيام كان الأستاذ يجاهد ليعلمنا الفلسفة ويعلم الصعوبة التي نواجهها في فهمها، فوقف أمام اللوح وكتب الله - الروح – الجسد . وأخذ يشرح كيف يعتقد الفيلسوف ان الله يرى الروح والجسد بنفس الوقت. فرفع طالب يده وكان من زغرتا فقال باللهجة الزغرتاوية "أستاذ! الله أزوط؟" أي هل الله أحول. فجنَّ جنون الأستاذ حاوي وضربه بالطبشوره وصرخ هل أنا أعلم أطفال روضة وخرج غاضباً من الصف. فركض الشباب وأخذ الطالب يعتذر له حتى عاد الى الصف، وكنا نضحك فأخذ يضحك معنا.
أتصل بي يوماً ودعاني لتمضية سهرة رأس السنة مع مجموعة من أساتذة الجامعة الأميركية في ضهور الشوير وطبعاً قبلت وذهبنا الى الضهور. وكان المكان في بناية لم ينته فيها البناء، وكانت السهرة برعاية نادي لبناني في الجامعة الأميركية. وكانت القاعة بدائية جداً، أرضها باطون ووضع الطلاب طاولات وكراسي وأحضروا الطعام من مطعم ما. وكان المكان بسيطاً جداً ولا يليق بسهرة رأس السنة. أستغرب الدكتور حاوي المكان وجّوه وبدأ يشعر بالبرد القارس لأن القاعة لم تكن مجهزة بوسائل التدفئة الكافية. فأخذ الغضب يشتد والبرد يزداد فصرخ بالدكتور فؤاد حداد، وقال له: " قوم ونزّلنا على بيتي في الشوير" ثم تعود الى السهرة.
وطبعاً رافقته الى بيته وكانت أم خليل أي والدة الأستاذ جالسة أمام "الصوبا" تشوي الكستناء. فأمضينا السهرة معها حتى عاد الدكتور فؤاد وصحبه ورافقناهم عائدين الى بيروت. وكانت الطريق مزدحمة بالسيارات وعندما وصلنا مدخل بيروت صرخ الدكتور حاوي بفؤاد حداد أرجع يا فؤاد الى أوتيل البستان في بيت مري أريد ان أكّرم نازلي في رأس السنة لأنها لم تسهر سهرة ممتعة. وعبثاً حاولنا ان نقنعه ان الوقت تأخر كثيراً ولا يمكنني ان أتأخر على البيت أكثر من ذلك الى ان أقتنع على مضض. وقد شعر بالذنب تجاهي ولم يتصل بي لأكثر من شهرين خجلاً مني لأنه كان حساساً وحنوناً ومرهفاً.
اما عن تجوال الحاضرين في غابة العرزال فقد تمشيت فيها مع الدكتور حاوي مراراً وكان يقول لي هل تشمين رائحة الصنوبر؟ هذه الرائحة لا يمكن ان تجدينها في بلاد الدنيا. لقد أحب الشوير وأرجو من الشويريين ان يبادولوه هذا الحب ويخّلدوا ذكرى هذا الشاعر العظيم والأستاذ والإنسان.
قدم الدكتور ميشال جحا كلمة بعنوان " خليل حاوي كما عرفته" وقال :
كان ذلك في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/اكتوبر سنة 1947 يوم جمعتني الصدفة بخليل حاوي في صف (الفرشمان) في الجامعة الأميركية في بيروت في الشعبة الثالثة. كان صف (الفرشمان) يتألف من ثماني شعب كل شعبة تضم 30 طالباً. كان خليل يكبرنا نحن رفاق صفه بعشر سنوات لأنه اضطر في صباه الى ان يعمل ليعيل أهله فهو بكر العائلة لأن والده سليم كان معلم عمار، أي بنّاء عجز عن متابعة عمله بسبب مرض أقعده. كان خليل قد اختصر المرحلة الدراسية الثانوية بسنة أمضاها في مدرسة الشويفات، وكان ان اضطرّ لكي يصغّر سنّه بخمس سنوات لكي يقبل في المدرسة، فأصبحت سنة 1925، بينما هو مولود أوائل سنة 1920 كما روت لي والدته والتي تزوجت من والده سنة 1918.
كان خليل متعطشاً لمتابعة دراسته بعد ان حرم منها قسراً. ثلاثة أحداث بارزة أثرت في تفكير خليل وفي وجدانه هي: نكبة فلسطين سنة 1948 وإعدام الزعيم أنطون سعاده سنة 1949 وهزيمة حرب سنة 1967.
في الجامعة الأميركية كان خليل مجتهداً ومتفوقاً ومنصرفاً الى الدرس والتحصيل، يريد ان يعوض ما فاته من مواد الدراسة الثانوية التي حضرها على نفسه. سنة 1948، كان من عادة الزعيم انطون سعاده ان يتمشى في حرم الجامعة ومعه كلبه الصغير (ديك) وكان خليل، الذي سبق له وانتسب الى الحزب القومي الاجتماعي وتولى مركزاً قيادياً فيه، لدى مشاهدة الزعيم يهرول اليه ويؤدي له التحية ويسلم عليه ويتحدث اليه. كان خليل يكن له احتراماً كبيراً. وفي تلك السنة ألقى الزعيم سلسلة من المحاضرات عرفت "بالمحاضرات العشر" في قاعة في وسط شارع بلس وكان الإقبال على سماعها شديداً وكان خليل يصطحبني معه لحضور بعضها.
غالباً ما كنت أسير معه في حرم الجامعة وكان غالباً ما يردد شطر بيت المتنبي الذي يهجو به الأمة العربية: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم". كان هاجسه النهوض بالأمة وأن تكون لها مكانة تحت الشمس. النهاية
في السادس من شهر حزيران (يونيو) سنة 1982 – وهذا التاريخ مؤلم بالنسبة له لأنه تاريخ الهزيمة التي كان قد تنبأ بها في شعره والتي حلّت في ذات التاريخ سنة 1967 – وكان يوم أحد غزت إسرائيل جنوب لبنان. كان خليل كعادته في مساء ذلك اليوم يتمشى في حرم الجامعة الأميركية مع بعض الأساةذة والأصحاب. وحديث الساعة: الغزو الإسرائيلي الذي كانت اسرائيل قد مهدت له قبل يومين، بغارات مكثفة على المواقع الفلسطينية في بيروت، يوم الجمعة في 4 حزيران (يونيو). كان خليل ثائراً ناقماً حانقاً. فالذي حصل كان حرباً شرسة والعالم أغمض عينيه، والعرب لاهون ليس عندهم سوى الكلام يدرؤون به ذلّ الحرب وويلاتها. فمن يزيل الذل والعار الذي لحق بلبنان؟ غابت شمس ذلك النهار الأسود، تركه أصحابه وانصرف كل الى منزله.
عض خليل على جرحه وحبس دمعة همت بالإنحدار من مقليته. كان يرى في الإعتداء الإسرائيلي على لبنان إعتداء عليه شخصياً أصابه في الصميم.
قرابة الساعة السابعة والنصف من ذلك المساء المشؤوم كان خليل يسير في شوارع رأس بيروت، القريبة من الجامعة الأميركية، التي ختم عليها صمت ثقيل وحيداً مهيض الجناح معصور الفؤاد الى الشارع الذي يتفرع من شارع "بلس" والذي خلا باكراً من الناس، والذي يؤدي الى شارع المكحول من طرفه الغربي حيث منزله. كانت أوراق الصحف مرمية على الرصيف وأكوام القمامة والعتمة تزيد من وحشته وضياعه، واذ به يلتقي مصادفة بقريب له من أصفيائه، شاعر ينظم الشعر بالانكليزية هو شفيق عطايا كان خليل يرتاح اليه وخاصة اذا كان في حالة نفسية سوداوية.
كان شفيق يقصد منزل زميل له يقع بالقرب من ذلك المفرق. ولكنه لما شاهد خليلاً على تلك الحالة من التمزق والضياع عدل عن متابعة طريقه ووقف ينتظره.
كان خليل مندفعاً ثائراً فما لبث أن بادر شفيقاً بقوله: " أين العرب؟ من يمحو الذل والعار عن جبيني؟ الأفضل أن أموت".
حاول شفيق أن يخفف عنه فدعاه الى أن يذهب معه الى منزله الذي لا يبتعد كثيراً عن منزل خليل. فسارا معاً اقتربا من الدرج أخذ خليل يردد قصيدته "لعازر عام 1962، ثم علّق عليها بقوله: "مهما حاولت لن أستطيع أن أحقق قيامة العرب. سوف لن يستيقظوا من سباتهم العميق...".
ولما صعدا الى المنزل وجلسا، رفض خليل ان يتناول كأساً من الويسكي وأخذ ينشده قصيدته "في الجنوب" (1) وهي مقطوعة صغيرة يقول فيها :
"جولي سبايا الأرض
في أرضي
وصولي واطحني شعبي
جولي وصولي
لن يكتوي قلبي
لن يكتوي قلبي ولن يدمى
تنحل حمى العار
في غيبوبة الحمى
لن يكتوي قلبي ولي يدمى
قلبي الأصم الأبكم الأعمى"
ولما فرغ من انشادها نظر الى شفيق وأضاف: " الجنوب في قلبي يا شفيق". ثم أخذ يردد "من سيمحو العار عني؟ الأفضل أن أنتحر". وكانت هذه آخر قصيدة يتلوها.
كان خليل قد صمم على تنفيذ فكرة الإنتحار التي راودته عدة مرات آخرها محاولته التي أقدم عليها في شتاء 1981 حيث نقل الى مستشفى الجامعة الأميركية، بعد تناوله حبوباً منومة، فأنقذ من الموت.
بدأت نشرة الأخبار على التلفزيون متأخرة كعادتها بضع دقائق. وكانت أخبار الإجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان تزيد في هيجانه فكان يضع رأسه بين كفيه ويشدّ على صدغيه. طلب من شفيق إقفال التلفزيون. ثم داعب أولاد شفيق قبل ان ينصرفوا الى النوم. كان خليل يحب الأطفال. ثم قاما وسارا مجدداً في شارع المكحول. كانت الساعة قد أشرفت على التاسعة. الجو حار ورطب. لم يكن في الشارع سوى بضعة شبان بالقرب من أحد المطاعم (Smuggler Inn). قال لهم خليل بلهجته الجبلية الشويرية التي كان يعتد بها: "سعيدة شباب". فأجابوه وكانوا يعرفونه: "أهلاً بالأستاذ". وبقيا حتى قرابة العاشرة يذهبان ويجيئان وهما يتداولان مأساة الوطن، وخليل لا يزال ثائراً شاتماً: "كلاب! كلاب! كلهم كلاب! كان يردّد. وفجأة توقف خليل ثم قال: "شفيق تصبح على خير أنا ذاهب الى البيت". قال ذلك وانصرف. فأحس شفيق بأن شيئاً قد أنتُزع منه. فجمد في مكانه. أراد اللحاق به وقد شعر بأن خليلاً قد يُقدم على عمل ما. ثم قال في نفسه من الأفضل أن أتركه لوحده، لعل ذلك يهدىء من ثورته.
لقد صح حدس شفيق. فقد أقدم على أمر عظيم. عاد تلك الليلة وحيداً الى شقته وقد صادف أحد جيرانه وهو يدخل البناية فحياه. ثم فتح باب شقته متعباً خائر القوى فحاول ان يستريح على الكنبة ولكنه لم يستطع. كان الجو حاراً رطباً وخانقاً. حلحل ربطة عنقه وخلع سترته وكان يلبي طقماً رمادياً وخرج الى الشرفة. كان يسكن في شقتين صغيرتين تقعان فوق بعضهما البعض في الطابع الرابع والخامس في أعلى بناية الدكتور هاغوب دار مالكونيان. أستاجر خليل الشقتين لكي يكون وحيداً وبعيداً عن ضجيج الجيران. لذلك كانت الشرفة او (السطحية)، كما كان يحلو له أن يسميها، له وحده. فجأة اتخذ القرار الذي كان يؤجله المرة تلو المرة – لمعت في عينيه فكرة الموت من جديد فهمّ الى بندقية الصيد التي كانت في الخزانة – كان خليل يقتني مسدساً ولكنه يحتفظ به في الشوير.
كان خليل يحب الصيد لقد اصطاد خليل نفسه في تلك الليلة، والساعة كانت قاربت العاشرة والنصف ببندقية الصيد تلك من نوع "سانت اتيان" عيار 12 كاليبر رقمة 18646 بطلقة واحدة. فلعلّه أول شاعر عربي كبير يموت منتحراً.
في أول شهر أيار/ مايو سنة 1982 دعانا خليل المرحوم الدكتور فؤاد رفقة (1930 – 2011) والدكتور محمود شريح وأنا الى شقته للعشاء – خليل كان يدعو أصحابه الى مطعم أمثال (Smuggler Inn) أو مطعم فيصل أو Uncle Sam او الى مقهى على البحر لأنه أعزب وليس عنده زوجة تهتم بضيوفه ولأن شقته صغيرة لا تتسع سوى لعدد محدود من المدعوين – يومها قامت والدته أم خليل بتحضير التبولة وكانت تتوكأ على العصا وتتولى خدمتنا لأننا من أصدقائه المقربين.
روت لي والدته بعد وفاته انه في مطلع شهر حزيران/ يونيو 1982، وهي كانت تسكن معه في بيروت، طلب منها ان تصعد الى الشوير وتأخذ معها بعض البزورات وقناني الويسكي وتوصل خط الهاتف المقطوع لأنه كان يتحضّر لإستقبال الأصدقاء في فصل الصيف الذي أخذ يقترب، مما يدلّ على أن خليل كان في حالة نفسية عالية. أم أنه أراد من ذلك التخلص من وجود أمه لكي يُقدم على ما أقدم عليه وينتحر؟!
وأنا أتذكر صديقي خليل حاوي، الذي رافقته 35 سنة من سنة 1947 وحتى خمسة أسابيع قبل وفاته سنة 1982، الشاعر الكبير الذي خسرناه، بمناسبة مرور 35 سنة على وفاته، أؤمن بان الشعر الذي تركه خليل سيلقى الكثير من الإهتمام، وبأن شخصية خليل ستكون قدوة لنا لما تحلّت به من صفات نادرة.
وبعدها قدمت السيدة جومانة حاوي كلمة العائلة وقالت :
أتذكره
أتذكره محبّاً للأهل والأصدقاء
أتذكره عونّاً للجميع
أتذكره عالي الرأس، شامخاً
أتذكره مناصراً للحقّ والعدل
أتذكره ميزان حق بكل الأحوال
أتذكره بأخلاقه العالية
وأتذكره فارساً قامته قامة الأبطال
وأتذكر هالته ووقاره وجلسته المميزة وجبينه العالي.
أيها الحفل الكريم،
يا أصدقاء خليل حاوي وأحباءه،
كل سنة عندما نعود لنصطاف في الشوير
نعود ونقوم بجولة على الأماكن التي أحبها عمي كأننا بذلك نجده فيها.
الشوير وبيته "قلبٌها" بالنسبة الينا،
"العين"،
الطرقات المؤدية من الشوير الى ضهورها ثم من الساحة الى "المطل".. ملتقاه مع صنين..
وكم كان يحب التنزه على هذه الدروب.
نشعر برضاه في تلك الأماكن
التي ربما كان يجد فيها الطمأنينة وتجسيداً للخير والفرح والجمال والبراءة.
وها نحن من هذا المكان بالذات "المطل"
نتشارك فيه تحية لذكراه مع أحبةٍ له .
هي لحظة مميزة.
نأتي نلاقيه هنا.
يطل علينا بطلته المهيبة بجبهته العالية بشموخه.
نلقي عليه التحية. كما كنا نفعل ونحن أطفال.
عندما كنا نلتقيه على هذه الطرقات..
مسحوراً بالمكان.. بهذه المطارح.
يتنفسها بكل جوارحه كأنه أنحل فيها وأصبحا واحداً.
**********
يتمتع بكل شجرة بكل نبته بكل زهرة.
يبتسم لنفسه ولكل وجه يلتقيه.
تظنه زرع كل شجرة ٍ كل نبتة ٍ كل زهرة ٍ.
في الحقيقة
هو زرع فكرة
هو زرع قصيدة
وهذه الفكرة
وهذه القصيدة
نتحلق حولها الآن كما نتحلق حول خليل حاوي.
اليوم .. في الشوير، بلدته الحبيبة، التي أعطت قامات كبيرة ،
وحيث بدأت قصيدته، قصته مع الشعر والحياة .
كل الشكر للقيمين على هذا الحفل ولكل المشاركين فيه.
نتمنى لكم دوام النجاح.
وفقكم الله
وختم اللقاء بوصلة غنائية للفنانة غادة شبير مع الفرقة الموسيقية عند النصب التذكاري لسعاده.
1)) منشورة في "من جحيم الكوميديا" ( ص 29)