الشعب في لبنان ينتفض ويئن ويصرخ لأن الحالة الإقتصادية - الإجتماعية سيئة جداً ولأن البلد منهوباً وفي حالة إنهيار وأمام أخطار عدوانية..
أكثرية الناس في حالة فقر وجوع وقهر وحرمان.. الفوضى بكل أشكالها سائدة والأعباء كبيرة والديون تتراكم والشعب مُتّعب، يتألم ويصرخ من القهر ومن غياب الدولة وخدماتها ومن ظلم الطبقة الحاكمة التي تراكم ثرواتها في عمليات السرقة والنهب المنظّم، والمقونّن.. هذه الطبقة السياسية الحاكمة والمرتبطة بالإرادات الأجنبية لا تريد التخلي عن أي جزء من امتيازاتها بل تتقاسم السلطة والمكاسب وتحاول فرض الإجراءات القاسية على عموم الناس وتحميلهم كلفة الأزمات المالية والإقتصادية.. أنها سلطة إحتكارية تسعى دائماً للحفاظ على منافعها ومكاسبها وترسيخ نفوذها وضمان استمرارها في مراكزها من خلال أساليب الفساد والقهر والإستبداد والوراثة والتكاذب والإحتيال.. واليوم يسعى بعض أركان السلطة المشعوذين إلى المراوغة والتضليل وركب الحراك الشعبي والإمساك به وتحريكه باللعب على العصبيات المذهبية وإدخال البلد في مشاريع فتنة مذهبية واللجوء إلى إطلاق الوعود الكاذبة من دون المبادرة إلى تحقيق أية إصلاحات حقيقية في طبيعة النظام الفاسد.
إنَّ الطبقة الإقطاعية - الطائفية المأجورة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من أحوالٍ بإستغلالِها لحقوق الناس وبإعتمادِها السياسة الطائفية في التعليمِ والتربيةِ وفي الإداراتِ والوظائفِ وفي قوانينِ الإنتخابِ والأحزابِ والصحافةِ والإعلامِ وفي كل مرافق الدولةِ القائمةِ على النظامِ الطائفيِّ والمحاصصةِ الطائفيةِ والمصالحِ الطائفية.
إن ركيزة هذه النظام الفاسد هي الطائفية: هذا المرض الخبيث الذي يعشعشُ في النفوسِ والنصوصِ وينخرُ في بنى المجتمعِ السياسيةِ والإجتماعيةِ والإقتصاديةِ والثقافيةِ فَيُعطِّلَّها ويُدَمِّرَها... فالطائفية هي السمُّ القاتل الذي يسري في شرايين حياتنا ويعرقلُ إنصهارناَ الإجتماعيَّ ويمنعُ التآخيَ والتفاعلَ والإشتراكَ في الحياةِ الواحدةِ ويحُولُ دونَ تحقيقِ المصلحةِ العامةِ وبناءِ الوطنِ على أساسِ المواطنيةِ الحقةِ ودولةِ الحريةِ والعدلِ والمؤسسات...
نعم إن الأساس الذي يقوم عليه النظام اللبناني الفاسد هو الطائفيةُ التي جسَّدَها القانونُ والدستورُ والأعرافُ نظامَ امتيازاتٍ وحقوقٍ في المجتمعِ.. فهي نقيضُ الديمقراطية والقانونِ ووحدةِ المؤسساتِ والمجتمعِ لأنها تقضي على مفهومِ الولاءِ للوطنِ والمصلحةِ العامةِ وتمنعُ وصولَ القياداتِ الوطنيةِ الصالحةِ لبناءِ الدولةِ وتُشَجِّعُ الجريمةَ الطائفيةَ وتُكرِّسُ الفسادَ وتحميَ الفاسدينَ والمجرمينَ ودهاقنِة السياسةِ الطائفيينَ الإنتهازيينَ الذين ينهَبونَ مؤسساتِ الدولةِ ويَهْدِرونَ الأموالَ العامةَ ويدُوسون على حكمِ القانونِ ويتاجرونَ بحقوقِ الشعبِ ويُسَّخِرون آلامَهُ وأوجاعَهُ لِخدمةِ مصالحِهِم الخصوصيةِ ومآرِبهم الشخصية.
الخطوة الأولى في إصلاح النظام الطائفي تكون بإستحداث قوانينَ عصرية تمنعُ نشوءَ الأحزابِ والجمعياتِ السياسيةِ الطائفيةِ وتضع حداً لقوى الباطل والفساد والإستبداد وللطائفيين والعملاء والنفعيين والمحتكرين لحقوق الشعب وثرواته.
ما نحتاج إليه اليوم هو التشريعُ الفوري لقانونٍ إنتخابيِّ عصريِّ يعتمدُ لبنانَ دائرةً واحدةً على قاعدةِ النسبيةِ وخارج القيد الطائفي وإعتمادُ تشريعٍ وقضاءٍ مدنيين يتساوى امامهُما جميعُ المواطنينَ في أحوالِهِم الشخصيةِ وحقوقِهِم العامة.
المطلوب هو الإصلاح الحقيقي الذي يأتي بالأُسسَ الواضحةَ لبناءِ الدولةِ الديمقراطيةِ ويقود إلى توحيد الشعبَ على أساسِ الإنتماءِ لمجتمعٍ واحدٍ.. وإحدى أدوات التغيير هي إيجادِ المؤسساتِ اللاطائفيةِ التي تُربّي الأجيالَ الصاعدةَ وترعاها فتغرسُ فيها قيم الأخاءِ القوميِّ والولاءِ للوطنِ والدفاعِ عنه.
ما نحتاج إليه اليوم هو مصلحين صادقين وحركةَ إنقاذ فعلي تقدم رؤى جديدة وتحقق الإصلاح المناقبي- النفسي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي والقضائي وتسير بالبلاد في طريق النهوضٍ والرفاهية والبطولة والمجد.
المطلوب هو حركة إصلاحية تقدمية وهجومية تعلن الحرب على الفسادِ والفوضى والغشِ والحزبياتِ الدينيةِ والتشكيلاتِ السياسيةِ القائمةِ على القضايا الخصوصيةِ الفاسدةِ والعقائدِ الزائفةِ والمبادىءِ اللاقوميةِ المُنتحَلَةِ وعلى خدمةِ المصالحِ الأجنبيةِ المرتبطةِ بها...
ما أحوجنا اليوم إلى رجال الإصلاح الحقيقي، إلى النهضويين – المناقبيين المصلحين بالمبادىء الصحيحة والأفكار الصالحة وبالأعمال البناءة الهادفة تحقيق الخير العام وبناء المجتمع الأمثل .
ما أحوجنا اليوم إلى المصلحين الصادقين الذين يسعون بأفكارهم الصالحة لخير المجتمع ورفاهيته وتقدمه وللإنتقال "من النظام الطائفي السائد إلى الدولة المدنية العصرية حيث الإنتماء الأول هو للوطن وليس لزعماء الطوائف، وحيث القانون هو لحقوق الجميع بالتساوي والكفاءة هي المعيار".
وما أحوجنا اليوم إلى عقيدة الإنقاذ الروحية – الفكرية - المناقبية التي جاء بها رائد الإصلاح الإجتماعي والسياسي والإقتصادي وجسّدها بحركة إصلاحية – نهضوية شاملة سعت إلى تطهير المجتمع من الفساد والفوضى والمثالب وأرست أسس الدولة العصرية الديمقراطية العلمانية.
ما أحوجنا اليوم إلى رجل الإصلاح الفعلي الذي أطلق الحركة الإنشائية العظمى "التي حاربت في سبيل الشعب كله لا في سبيل طائفة من طوائفه".. ما أحوجنا اليوم إلى رجل النهضة العظيمة: أنطون سعاده.