نحن نعتبر ان حالة السلام مع العدو الصهيوني هي أخطر بكثير علينا من حالة الحرب. فالسلام سيحقق لعدونا أهدافاً كبيرةً لم يتمكن من تحقيقها في حالة الحرب.
1- إن وأهم هدف سيحققه العدو هو الحصول على صك إعترافنا بإغتصابه لأرض فلسطين وإعطاء دولته المصطنعة الطابع الشرعي والحق التاريخي في هذا الجزء الجنوبي من وطننا. هذا الهدف لم يتمكن العدو من تحقيقه في الماضي بالرغم من كل الحروب التي وقعت بيننا وبينه وبالرغم من كل الإنتصارات التي حققها على حساب أرضنا وشعبنا.
2- إن إعترافنا بدولة الإغتصاب سيضيع كل نضالات شعبنا وشهدائنا وجرحانا ومعتقلينا وسيشّوه تاريخنا الحديث المسطّرة سجلاته بدماء أطفال الإنتفاضة وأبطال المقاومة الوطنية في الجنوب اللبناني، وكأننا نقول لهؤلاء الشهداء والمعتقلين بأنهم كانوا ظالمين في تصديهم لسلطات الإغتصاب وعلينا الآن ان نتقدم بالإعتذار على كل هذه النضالات والوقفات الطويلة من المواجهة ضد العدو الصهيوني.
3- والهدف الثالث الذي سيحققه العدو بحجة السلام هو إعطاء دولته المصطنعة شرعية "دولية" وشهادة براءة عن جرائمها الوحشية وممارساتها العنصرية تجاه شعبنا.
4- تتسابق اليوم دول عربية رجعية للإعتراف بالكيان الإغتصابي وقيام علاقات طبيعية وإتفاقات تجارية معه وبذلك يكون مشروع السلام قد أسهم في فك العزلة الدولية الخانقة التي ظلت مفروضة على الكيان الصهيوني طوال سنوات صراعنا معه.
5- إن أجواء السلام ستؤدي إلى إلغاء القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة في الماضي والتي تدين السياسة العدوانية للكيان الصهيوني وتفضح ممارساته العنصرية وجرائمه التي يمارسها على شعبنا في فلسطين المغتصبة وفي الجولان والجنوب اللبناني. في الماضي كانت دول عديدة تعمد إلى إثارة موضوع مصداقية الكيان الصهيوني كعضو في الأمم المتحدة وتطالب بطرده ومعاقبته وإدانة ممارساته العنصرية والقمعية... هذه المحاولات ستتوقف في ظل إتفاقيات السلام وعلى ضؤ الواقع الجديد، وما اتخذته الأمم المتحدة من قرارات في الماضي مناوئة "لإسرائيل" ستتحول إلى قرارات قديمة باطلة المفعول.
6- في حالة الحرب كانت دولة العدو محاطة بعداء محيطها الطبيعي وبحواجز لا تخترق من المواقف القومية الصلبة وكانت تعاني من مشاكل داخلية عديدة أهمها:
أولاً، مشكلة نزوح اليهود المتزايد خارج دولة "إسرائيل" المصطنعة.
ثانياً، مشكلة العجز المالي الكبير نتيجة ما تخصصه الحكومة للموازنة العسكرية.
ثالثاً، مشكلة إقتصاد المجتمع الصهيوني الذي يعتمد على المساعدات الخارجية التي تقدم له على شكل هبات وقروض أو من خلال ما توفره له نشاطات الجباية اليهودية التي تتولى جمع التبرعات من يهود العالم.
اما في حالة السلم، فستخترق "إسرائيل" بواسطة الإقتصاد والتكنولوجيا والتبادل التجاري والثقافي والمعاهدات ما كان ممنوعاً عليها وستصل إلى أسواق العالم العربي كلها وهكذا تؤمن لمؤسساتها وبضائعها وسياحتها وطائراتها وشركاتها الوصول إلى قلب كل عاصمة وكل مدينة وكل مطار... وبالنتيجة فإن ما عجزت "إسرائيل" ان تحققه بقوة السلاح ستحققه بالأساليب السياسية.
سينتعش الإقتصاد "الإسرائيلي" وستتحول الدولة اليهودية من دولة صغيرة رغم ما تمتلكه من قوة في السلاح إلى دولة كبيرة مهيمنة على المنطقة سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً، ليس بطابع الإحتلال طالما ستعترف دول العالم العربي بوجودها، إنما بطابع الغزو الثقافي والإقتصادي والهيمنة السياسية والإدعاء في تطوير المنطقة إقتصادياً وتحويلها إلى واحة إزدهار ورخاء. وقد بدأت الصحف تحمل لنا أخباراً عن نظام "شرق أوسطي" أو ما يسمى "بالسوق الشرق أوسطية" التي سيكون للكيان الصهيوني فيها دور محوري بحيث يكون هذا الكيان القوة الوحيدة القادرة على رسم صورة مستقبل المنطقة. وفي رأي الصهيانة فإن "السوق الشرق أوسطية" ستقوم على تكامل عدة عناصر هي: النفط العربي والمياه التركية والكثافة السكانية المصرية والخبرة أو المهارة الصهيونية.
وبكلام آخر، ان منطقة العالم العربي في رأي الصهاينة هي مجرد خامات ومواد طبيعية ومستهلكين اما العقل المفكر والمبدع والمدّبر والمهيمن فهو صهيوني بالضرورة.
7- على الصعيد العسكري – الأمني فان مشروع السلام سيحقق لدولة العدو وبدعم من الولايات المتحدة الأميركانية الأمور التالية:
- نزع أسلحة دول المنطقة عبر ما يسمى بالحد من الأسلحة الإستراتيجية والتقليدية في منطقة الشرق الأوسط.
- ضمان التفوق العسكري للكيان الصهيوني وجعله قوة عظمى في المنطقة تمتد تأثيراتها لتصل إلى جنوب شرق آسيا
- ضمان أمن الكيان الصهيوني من مختلف النواحي. وفي هذا المجال ستوقع دول المنطقة معاهدات أمنية مع دولة العدو تتعهد فيها باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمكافحة ما يسمى بالتطرف والإرهاب وضرب كل المنظمات والمجموعات التي ستحاول تهديد أمن الكيان الإسرائيلي. فالمطلوب من الدويلة الفلسطينية ومن كل دولة سورية تعقد صلحاً مع "إسرائيل" ان تكون اداة لضمان أمن "إسرائيل" ولضرب الثوار الذين يهددون هذا الأمر.
8- إن مخاطر "السلم الإسرائيلي" على شعبنا ووطننا لا تنحصر في المجالات السياسية والإقتصادية فقط بل هي تطال كل مجالات حياتنا القومية، السياسية منها والإجتماعية والنفسية والثقافية والتربوية وغير ذلك لأن الإستسلام الذي يريده إستسلاماً شاملاً وكاملاً نتنازل فيه عن إرادتنا في القتال وعن حقوقنا وهويتنا القومية ونتنكّر لتاريخنا وتراثنا وحضارتنا لنقبل بشروط العدو وقيوده.